عظامنا.. الهندسة الإلهية

نذير حبلان الصفار

لو تمعنا في جسم الإنسان لوجدنا العديد من العجائب والتقنيات التي يعجز الخبراء والعلماء من الوصول إلى دقتها وتشكيلها وعملها وتحملها، والعظام في جسمنا هندسة مبدَعة الصنع والتركيب والوظيفة أوجدها الله تعالى عند الكثير من الكائنات لتقوم بالعديد من الوظائف والمهام.

يقدر العلماء أن عدد العظام في جسم الإنسان هو (206) عظمة منها ما هو صغير جداً مثل عظيمات الأذن الداخلية (المطرقة والسندان)، ومنها ما هو كبير الحجم وطويل مثل عظمة الفخذ، وكل عظمة في الجسم مهما كبر أو صغر حجمها فإن الله جعل لها وظيفة معينة قد تختلف عن الأخرى.

منشأ العظام

تتكون العظام من الطبقة الوسطى للجنين البدائي (Embryo)، أو ما يسمى المضغة، وسميت بذلك لأنه ليس لديها شكل محدد وإنما هي كالقطعة اللحمية الممضوغة بالفم، ففي هذه المرحلة تبدأ العظام بالتكون والتشكل وذلك في الأسبوع السادس إلى الثامن من الحمل. ومن أولى العظام التي تكتمل وتتشكل هي عظام الأذن الداخلية (المطرقة والسندان) التي لها دور رئيس في السمع عند الجنين، أما عظام الفخذ فهي آخر العظام التي تكتمل حيث تبقى في حالة النمو إلى سن العشرين تقريباً.

والعظام تتكون قبل العضلات عند الجنين، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14].

العظم في تكوينه الأولي ما هو إلا غضروف سميك يتحول مع مرور الوقت إلى عظم صلب يستمد قوته من مادتي الكالسيوم والفوسفور، ونقصهما عند الطفل يسبب له مرض لين العظام (الكساح).

مم تتكون العظام؟

تتكون العظام من خلايا عظمية صلبة تستمد صلابتها من مادتي الكالسيوم والفوسفور -كما قلنا-، ووسطها تجويف يحتوي على مادة لينة لها وظيفة مهمة جداً وهي تصنيع خلايا الدم الحمراء.

وللعظام مسامات كثيرة بين خلاياه مما يجعله قوياً وفي نفس الوقت مرناً جداً.

وتختلف العظام في الشكل إلى أشكال متعددة (مع أن التركيب واحد)، فمنها ما هو طولي كعظمة الفخذ والساعد والساق وهذه العظام تقوم بوظيفة دعامية، ومنها ما هو مسطح كعظام الجمجمة التي تقوم بوظيفة المخ، ومنها ما هو لين التركيب (الغضاريف) مثل غضروف الأذن الذي يقوم بوظيفة تجميع الذبذبات الصوتية لتدخل إلى قناة الأذن.

العظام والحركات الميكانيكية

جميع العظام في جسم الإنسان ترتبط ببعضها بروابط مختلفة الشكل مما يسمح لها بحركات مختلفة؛ فارتباط عظام الجمجمة مع بعضها بروابط قوية جداً يجعل الحركة بسيطة لا نحس بها والهدف من هذه الحركة هو تخفيف الاصطدامات التي يتعرض لها الرأس أثناء السقوط على الأرض، أما ارتباط عظمتي الساق والفخذ (الركبة) فهو ارتباط مرن ويفصل بينهما غضروف لا يتعدى سمكه الملليمترات، وهو مفصل يسمح للرِّجل بالتحرك في الاتجاه الخلفي (إرجاع الساق للخلف)، وجعل الله لهذا المفصل العديد من المميزات منها القوة غير الطبيعية التي يتمتع بها، حيث إننا عندما نقفز ونرجع إلى الأرض فإننا نضغط على الركبة بقوة تعادل عشرة أضعاف الوزن تقريباً فتخيل هذا الوزن على الركبة بمعدل يومي تقريباً!! وقد أجرى العلماء العديد من التجارب على هذا الغضروف الرقيق فوجدوا أنه لا يتلف إلا عندما يكون تحت ضغط يعادل سبعة أطنان!!

ولا نستثني عظمتي المطرقة والسندان اللتين تتحركان حركة بسيطة وذلك حسب حركة الصوت المسموع، فعند سماعنا لصوت معين فإنه بالتفسير الميكانيكي ما هو إلا اهتزاز لعظمتي المطرقة والسندان وهذه الاهتزازات تنتقل عبر القوقع السمعي الذي يحتوي على سائل السمع فتتحول تلك الاهتزازات إلى تموجات في السائل ويقوم العصب السمعي بتحليل هذه الموجات وتحويلها إلى أصوات نسمعها بكل سهولة.

وهناك الفقرات الظهرية المرتبطة ببعضها البعض بروابط تفصلها غضاريف قوية تسمح بالحركة ضمن زاوية ضيقة نوعاً ما -إذا استثنينا الرقبة-، والسبب في ذلك أن العمود الفقري ما هو إلا حامل للجسم ولو أنه ينحني بزاوية كبيرة لكان الضغط الأكبر سوف يكون على العضلات والتي بدورها لن تحتمل ما يحتمله العمود الفقري.

أما مفصل عظمتي الفخذ والحوض فهو كروي الشكل وذلك لكي يسمح للرِّجل بالتحرك في جميع الاتجاهات.

.. هذه المفاصل ذات حركات بسيطة نوعاً ما، لكن ماذا لو تمعنا في عظام الكف؟! أنا الآن -أثناء كتابتي لهذا المقال- أحركُ خمساً وعشرين قطعة عظمية صغيرة في الكف الواحدة، أي بواقع خمسين عظمة، وذلك من أجل توفير الحركة الملائمة لكتابة هذه السطور.

قوة العظام وتجديدها

تختلف قوة العظام من شخص إلى آخر، فالعّداء يملك عظام فخذٍ قوية جداً، ولاعب التنس يملك عظام كتفٍ قوية أيضاً، والسبب في اختلاف هذه القوة يعود إلى أن الجسم يقوي ويدعم العظام ذات الاستعمال المتكرر لكي يتفادى الجسم أي حالة ضعف للعظام أو كسر -لا سمح الله-.

الخلايا العظمية تكون سريعة التكوين عند الطفل على عكس كبار السن ونجد ذلك واضحاً عند حدوث كسر، فالطفل يُجبَر الكسر لديه خلال فترة قصيرة جداً مقارنة بكبار السن الذين ربما لا يُجبَر كسرهم أبداً والسبب في ذلك يعود إلى أن الخلايا لا تستطيع تجديد نفسها.

والجدير ذكره أن الجسم السليم يقوم بتجديد كل الخلايا العظمية خلال مدة سبع سنوات تقريباً.

خلاصة القول

إن العظام هبة من الخالق فهي تساعدنا على تحديد شكلنا، وتحمي أهم الأجزاء في جسمنا (الدماغ والقلب والرئتين)، وتساعدنا في حركتنا وأكلنا (حيث إن الأسنان عبارة عن بروز عظمي من الفكين السفلي والعلوي)، وتحديد هويتنا إذ إن العظام آخر الأجزاء التي تتحلل عند دفن الميت ولا يبقى من جسم الإنسان بعد تحلله إلا عظمة عجب الذنب (العصعص) وهو الجزء الذي يبقى لفترة طويلة جداً قبل أن يتحلل ومنه ينبت الإنسان يوم البعث -حسبما تشير بعض الروايات-: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78]، والرميم بمعنى بالٍ متفتت، فالله سبحانه تعالى سوف يحي هذا الفتات من جديد يوم البعث ليحاسب الناس على ما فعلوه في هذه الدنيا هل شكروا الله على نعمة؟

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 2/تشرين الثاني/2008 - 3/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م