الغارة على سوريا: ضربة سياسية ام حسابات عسكرية؟

تحوّل الاستراتيجية الامريكية في العراق لما وراء الحدود

اعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تشير الغارة التي قامت بها الولايات المتحدة الاحد الماضي في سورية الى ان واشنطن تنتقل الى استراتيجية اكثر هجومية ضد مخابئ المتمردين على طول الحدود العراقية مع سورية، على غرار ما تقوم به بشكل متزايد في باكستان.

ومن جهة اخرى يرى محللون ان الغارة ستؤثر سلبيا على علاقات العراق مع جيرانه من حيث احتمالات الهجوم الامريكي عليها..

حيث قامت الولايات المتحدة بخطوة نادرة ان لم تكن فريدة اذ شنت غارة في سورية لقتل زعيم شبكة لتهريب الاسلحة والمقاتلين الى العراق، على ما اعلن مسؤول امريكي الاثنين، ما يشير الى مقاربة اكثر هجومية ضد مخابئ المتمردين.

وكانت الغارات الامريكية على سورية عبر الحدود العراقية نادرة للغاية او معدومة ربما بالرغم من التوتر الذي وصل احيانا الى حد الصدام على الحدود الطويلة غير المضبوطة بين العراق وسورية. بحسب فرانس برس.

غير ان المسؤول الامريكي اوحى بان التوقيت ناتج عن طبيعة الهدف المتحركة وقال »عندما تسنح فرصة، فرصة مهمة، يجب انتهازها«.

وتابع »هذا ما ينتظره الشعب الامريكي، وعلى الاخص حين يتعلق الامر بمقاتلين اجانب يتسللون الى العراق ويهددون قواتنا«.

وجرى الانزال بعد اقل من اسبوع على اعتقال مهرب اسلحة على ارتباط بأبو غدية في الحصيبة بالعراق.

وتشير الغارة الى ان الولايات المتحدة تنتقل الى استراتيجية اكثر هجومية ضد مخابئ المتمردين، على غرار ما تقوم به بشكل متزايد في المنطقة القبلية الباكستانية المحاذية لافغانستان.

الغارة تربك علاقات العراق مع جيرانه

على صعيد متصل يرى المحليين أن الغارة الأمريكية داخل الحدود السورية ربما تعقّد الجهود المبذولة للمصادقة على الاتفاقية الأمريكية العراقية، مبينة أن ذلك ناجم عن مقت العراقيين رؤية أنفسهم غير قادرين على السيطرة على أفعال القوات الأمريكية، فضلا عما سببته الغارة من إرباك لعلاقة العراق بجيرانه

وكان مسؤولون سوريون قالوا إن قوات أمريكية ومروحيات شنّت داخل الأراضي السورية على مقربة من الحدود العراقية وقتلت ثمانية أشخاص.

وكعلامة على مدى حساسية مثل تلك الهجمات بالنسبة للحكومة العراقية، استدعت سوريا كبير الدبلوماسيين العراقيين في دمشق وطالبته أن “يتحمل العراق مسؤولياته ويمنع استخدام أراضيه للعدوان على سوريا”.

وكانت الحكومة السورية وجهت في وقت سابق من اليوم رسالة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، تدعوهما “لتحمل مسؤوليتهما إزاء العدوان الأميركي الخطير”، حسب ما ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

وطالبت سوريا في رسالتها الحكومة العراقية ان تتحمل “مسؤولياتها لمنع تكرار استخدام أراضيها قاعدة لشن هذه الاعتداءات بشكل يتناقض مع ميثاق الجامعة العربية وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والالتزام بالآليات التي تم الاتفاق عليها ثنائيا بين الجمهورية العربية السورية وجمهورية العراق وفي إطار اجتماعات دول الجوار”.

وتأتي الغارة الأمريكية وسط انتقاد شديد للاتفاقية الأمنية بأن العراقيين لا يستطيعون تولي السيطرة على بلدهم طالما هناك قوات أمريكية كبيرة الحجم على أراضيهم.

كما أن هذا الحادث قد يشجع سوريا وإيران على زيادة الضغوط على نواب عراقيين لرفض الاتفاقية.

العراق يستنكر الغارة ويسعى لتعديل الاتفاقية مع أمريكا

وصاغ العراق تعديلات يعتزم مطالبة الولايات المتحدة بها في محاولة لانقاذ اتفاق يسمح للقوات الامريكية بالبقاء بعد نهاية العام الحالي.

وأصدرت بغداد انتقادا متأخرا لواشنطن بشأن هجوم بطائرات هليكوبتر على سوريا في مؤشر على الضغوط التي تتعرض لها حكومة العراق لتطمين جيرانها بأنها لا تسمح للقوات الامريكية باستخدام أراضيها ضدهم.

وقال علي الدباغ المتحدث باسم الحكومة إن رئيس الوزراء نوري المالكي سيرسل الان التعديلات المقترحة على الاتفاقية الامنية الى المفاوضين الامريكيين.

وتستعجل واشنطن وبغداد ابرام الاتفاق الثنائي من أجل ايجاد سند قانوني للوجود الامريكي بعد انتهاء تفويض الامم المتحدة في 31 ديسمبر كانون الاول لكن العملية واجهت عقبات الاسبوع الماضي عندما قالت بغداد إنها ستطلب تعديلات.

ولم يذكر الدباغ تفاصيل بشأن التعديلات المقترحة. وسئل ان كانت تغطي صياغة الاتفاقية فحسب فقال "بعض الفقرات المعدلة يتعلق بالصياغة وبعضها الاخر يتعلق بالجوهر."

ضربة سياسية ودعاية أم حسابات عسكرية؟ 

وتشير الغارة الى تغيير في تكتيك الولايات المتحدة بالمنطقة، ولماذا جاءت هذه الضربة الان في وقت لا يبعد عن انتخابات الرئاسة الامريكية سوى اسبوع؟

يقول اندرو اكسوم، وهو ضابط سابق في الجيش الامريكي خدم في العراق وافغانستان ان العمل العسكري الامريكي الاخير في سورية يبين ببساطة ان التكتيك العسكري الامريكي على الحدود الباكستانية - الافغانية قد انتقل إلى الحدود العراقية - السورية. فبعد ان أصبحت عمليات عبور الحدود لضرب الأماكن الآمنة التي يعيش فيها المقاتلون الاجانب شائعة اصبح القادة الميدانيون الامريكيون يتساءلون فيما بينهم: »إذا كنا نفعلها في باكستان فلم لا نفعلها في سورية أيضا؟«.

على أي حال يشتبه الخبراء الذين يعرفون جغرافية المنطقة ان الغارة على سورية نفذتها وحدة من قوات العمليات الخاصة الامريكية وليس قوات عسكرية نظامية. اذ من المرجح جدا ان تكون هذه الوحدة التابعة لفريق التعقب في »القوة 88« هي التي نفذت الهجوم. تمثل هذه الوحدات التي تنفذ الضربات على نحو سري، ولا يعلم بتفاصيلها حتى الكثيرين داخل الحكومة الامريكية، تمكن وزارة الدفاع من القول بصدق، انها لا تعلم شيئاً حول ما حدث.

الرئيس الأمريكي المقبل مدين لإدارة بوش لإغارتها على سوريا

ووصفت صحيفة بوسطن هيرالد Boston Herald الأمريكية الغارة على موقع عبر الحدود السورية مع العراق، بأنها “أفضل من لا شيء” موضحة أن مسؤولين أمريكيين “طلبوا إلى سوريا قبل شهور تسليم أبو غادية إلا أن الأخيرة ردت أنها تراقب نشاطاته”.

وقالت الصحيفة في افتتاحيتها الذي حمل عنوان “أفضل من لا شيء”، أن أيا كان الرئيس الأمريكي المقبل، فهو “مدين إلى إدارة الرئيس الحالي بوش بشكر كبير إزاء الغارة الجريئة على سوريا”، بحسب الصحيفة.

وأضافت بوسطن هيرالد أن “العملية عبر الحدود العراقية نجحت في قتل ناشط كبير في القاعدة محبطة بذلك هجوما خطط له على العراق”. مشيرة إلى أن “الإستراتيجية الواسعة في لجم مصادر تمويل الإرهابيين، وتمزيق أوصال قياداتهم، وإيقاف تدفق المسلحين والقنابل إلى العراق من سوريا أمر استنبطه الجنرال ديفيد بيتريوس عندما كان قائدا للقوات الأمريكية في المنطقة”.

وكان مسؤولون أمريكيون، كما تكشف الصحيفة، “طلبوا إلى سوريا منذ شهور مضت تسليم أبو غادية، الذي قتل في الغارة”. إلا أن مسؤولين سوريين “أصروا على أنهم يراقبون نشاطاته”. وتتساءل الصحيفة “إلا يجعل هذه الأمر أي احد يشعر بالراحة؟)”، على حد تعبيرها، في إشارة إلى الرد السوري.

وكانت صحيفة لوس أنجلس تايمز ذكرت أن “أبو غادية” هذا، بحسب معلومات كشفها مسؤولون أمريكيون، عراقي الأصل يعتقد أنه في العشرينيات من عمره، كان على مدى سنوات شخصية رئيسية في إدخال مقاتلين أجانب وأسلحة إلى العراق.

سوريا تغلق مؤسسات امريكية بعد الغارة

وفي نفس السياق قررت سوريا اغلاق مدرسة امريكية ومركز ثقافي في دمشق فيما يبدو ردا على غارة عسكرية امريكية قالت دمشق إنها قتلت ثمانية اشخاص.

ويشير التحرك الى مزيد من التدهور في العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا والتي يشوبها التوتر بالفعل بسبب الاتهامات الامريكية بأن دمشق لا تفعل ما يكفي لمنع المتشددين من الدخول الى العراق لمهاجمة القوات الامريكية. بحسب رويترز.

وعبرت سوريا عن الغضب ازاء الغارة واعتبرتها "عدوانا ارهابيا". وقال وزير الخارجية وليد المعلم ايضا ان سوريا ستدافع عن نفسها اذا تكررت الغارة.

ورفضت الولايات المتحدة ان تؤكد رسميا مشاركة امريكية في الغارة والتي قال سكان ومسؤولون سوريون انها تضمنت انزال قوات امريكية من طائرات هليكوبتر حيث قتلت ثمانية مدنيين.

لكن مسؤولا امريكيا قال مشترطا عدم نشر اسمه ان من المعتقد ان الغارة قتلت عضوا كبيرا في القاعدة ساعد في تهريب مقاتلين اجانب الى العراق.

ونفى وزير الخارجية السوري وليد المعلم الزعم قائلا "ما يقولونه غير مبرر أنفي ذلك تماما."

وقال وزير الثقافة السوري رياض نعسان اغا إن المدرسة الامريكية والمركز الثقافي سيغلقان لاجل غير مسمى.

واضاف "كنا ننتظر من الولايات المتحدة ان تقدم لنا ثقافة راقية.. ان تقدم لنا علما ومعرفة وتكنولوجيا اما ان تقدم لنا جثث ابنائنا في الشوارع فهم لا يريدون الحوار فعلام نبقي اذا على مراكز ثقافية لا تملك اسسا معرفية سوى انها تنشر الارهاب الدولي المنظم."

واصدرت السفارة الامريكية في دمشق يوم الاثنين رسالة تنبه الجالية الامريكية الى ان "احداثا او ظروفا غير متوقعة قد تقع وتدفع السفارة الامريكية في دمشق الى اغلاق ابوابها امام الجمهور لفترة غير محددة."

وسوريا مدرجة على القائمة الامريكية للدول التي تدعم الارهاب وتفرض عليها واشنطن مجموعة من العقوبات التجارية بسبب دعمها لحركة المقاومة الاسلامية (حماس) وجماعة حزب الله اللبنانية.

السفارة الامريكية بدمشق قد تغلق أبوابها

من جانبه كشف المتحدث باسم السفارة الامريكية في سوريا ان الولايات المتحدة قد تغلق السفارة بسبب مخاوف من أعمال عنف فيما تتصاعد التوترات بين البلدين عقب الغارة التي شنتها الولايات المتحدة على سوريا.

ومن المزمع تنظيم مظاهرة في دمشق يوم الخميس للاحتجاج على الغارة التي وقعت يوم الاحد وتقول سوريا انها أسفرت عن مقتل ثمانية مدنيين.

والعلاقات بين واشنطن ودمشق متوترة بالفعل بسبب الاتهامات الامريكية بأن سوريا فشلت في وقف المتشددين بما في ذلك مقاتلو القاعدة من دخول العراق.

وقال المتحدث باسم السفارة "الجالية الامريكية في سوريا عليها أن تدرك أن أحداثا أو ظروفا غير متوقعة قد تحدث مما قد يتسبب في إغلاق السفارة الامريكية في دمشق أمام الجمهور لأجل غير مسمى."

وأضاف "أن السفارة الامريكية في دمشق ما زالت قلقة بشأن استمرار التهديد بوقوع هجمات ارهابية ومظاهرات وغير ذلك من أعمال العنف ضد المواطنين الامريكيين."

وامتنع المتحدث عن التعليق عما اذا كان عدد الدبلوماسيين الامريكيين في سوريا أو وضعهم سيتغير.

وقال دبلوماسيون ان الازمة ربما تتصاعد الى أعمال رد انتقامية اذا تحولت المظاهرة الى العنف.

 ولكن مصدرا على دراية بتخطيط المظاهرة قال انها ستقام بعيدا عن موقع السفارة، وأضاف "لا توجد خطط لتنظيم مسيرة نحو السفارة. ربما يتم احراق العلم الامريكي ولكن المظاهرة ستكون سلمية."

وردا على غارة الاحد قررت سوريا اغلاق مدرسة أمريكية فيها 450 تلميذا ومركزا ثقافيا أمريكيا في دمشق، حيث يعيش في سوريا المئات من المواطنين الامريكيين، وهناك الآلاف ممن يحملون الجنسيتين الامريكية والسورية.

رغم الهجوم الامريكي.. سوريا ستواصل محاولات تحسين علاقاتها مع واشنطن

ولم يخف وزير الخارجية السوري وليد المعلم استياءه من الرئيس الامريكي جورج بوش بعد هجوم الاحد من قوات كوماندوس نقلتهم طائرات هليكوبتر قرب الحدود العراقية.

وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم ان الادارة الامريكية تتسم بالجهل وانه لن يضيع وقته معها. بحسب رويترز.

فيما عزى هلال خشان استاذ العلوم السياسية في الجامعة الامريكية ببيروت عن الغارة التي استهدفت سوريا "ربما تكون محاولة لتخريب (العلاقات مع) ادارة بقيادة أوباما... يتوقع المرء ألا يقوم رئيس توشك ولايته على الانتهاء بأي شيء عنيف الى هذا الحد."

ويعتبر بول سالم مدير مركز الشرق الاوسط في بيروت التابع لمؤسسة كارنيجي أن الضربة رسالة شديدة من الولايات المتحدة الى السوريين ولكنه قال انها لن تخرج بهم عن المسار.

ومضى يقول "وضع السوريون أنفسهم في المكان الذي يريدونه لانفسهم" مضيفا أن دمشق تسعى لعلاقات أفضل مع واشنطن ومن الواضح أنها تأمل أن يتولى أوباما الرئاسة.

كانت الغارة منتاقضة فيما يبدو مع مؤشرات سابقة دلت على أن البيت الابيض بدأ يعيد التفكير في محاولته لعزل سوريا اذ قال مسؤول أمريكي الشهر الجاري ان هذه السياسة تخضع للتمحيص.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/تشرين الثاني/2008 - 2/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م