لله يا محسنين ..من مال الله ومال العراق يا مسؤولين!

بشرى الخزرجي

أصبح عرض التقارير والبرامج التي تتحدث عن بؤس الواقع الخدمي في العراق وانعكاسه السلبي على حياة المواطن العراقي، عرضا شبه يومي وفي أغلب الفضائيات العربية والعراقية، وحديثنا هنا نخص به الفضائيات العراقية التي تمتلك مكاتب ومراسلين وموظفين يعملون من الداخل العراقي، على اعتبار أنهم الأكثر قربا ووقوفا من يوميات الشارع العراقي ومشاكله، وما تتكدس فيه من مظاهر تصور لنا الفرد العراقي كيف آلت به الظروف المتعبة إلى التسكع والانتظار الدائم على أبواب المؤسسات والدوائر الحكومية لحل قضاياه الرسمية منها والمعاشية.

 فكم من الحالات والصور الغير إنسانية حرصت قنواتنا الباحثة عن الحق والحقيقة على بثها في الآونة الأخيرة لنا معشر المشاهدين!، من برامج تستنهض الحس الوطني وتستحث ضمائر المسؤولين في البلاد، إلى تحقيقات ومناشدات مواطنين يفترشون الأرض بعد أن هدّهم الانتظار الطويل في طوابير المراجعين وهم يتطلعون إلى الفرج أمام هذه الدوائر الحكومية.

لقد شاهدنا قبل أيام من على شاشة إحدى الفضائيات العراقية وقلوبنا حرّا منظر الرجل العجوز الفاقد للبصر والمقعد أمام دائرة صرف الإعانة الاجتماعية أو الراتب التقاعدي وهو ينتظر استلام راتبه القليل الذي لا يسد حوائج رجل معاق أعمى مثله قضى جل عمره في خدمة وطنه وشعبه، رأيناه يحكي فاقته وقله حيلته والعبرة تتكسر في صدره!..

والله لقد حزنّا حد الألم الشديد عليه ومن كلماته النابعة من جراح عميقة وأصيلة، عبرت حدود الزمان والمكان ووصلت إلينا تاركة نزفا كبيرا في صدورنا الممتلئة حزنا وألما على المحرومين والمظلومين من أبناء الشعب العراقي، عبارات  قاسية قسوة الزمان عليه رددها هذا الطاعن في السن تذكرت من خلالها وبلوعة منظر والدي المسكين  الحاج أبو هاني أمام الموظفين وهو يتوسل إليهم  ماسكا أوراق معاملته بيديه التعبة من أجل أن يتعطف عليه أحدهم بإتمامها حتى يحصل على بعض التعويض المادي مقابل منزله الذي صودر منه عنوة في العهد السابق..

 تذكرت والدي عند مشاهدتي هذا العجوز وكيف تقطعت به السبل في العراق الذي عاد إلى أحضانه بعد فراق الغربة الطويلة، أبي الذي دار وحار بين دوائر الدولة وفسادها القاتل وآخر المطاف حصل على وريقات تقر بحقه في الحصول على التعويض المالي، لكن أي تعويض، وعن ماذا؟ ومتى يصرف هذا التعويض وأين؟.. الله أعلم!

وبعد شرحي غير المفصل عن حالات ومعاناة المراجعين المنتظرين على أبواب المسئولين المنصفين المخلصين للناس وهمومهم جداً! أتساءل و قد يشاطرني دهشة السؤال آخرين غيري، ما الجدوى من عرض متاعب ومآسي الناس والتقارير والتحقيقات التي تتصفح وجوههم البائسة كل يوم من على شاشات فضائياتكم دون إيجاد أو محاولة إيجاد الحلول الجذرية الشافية لها رغم مرور زمن على طرح  هذه  المتاعب والمشاكل على طاولة برامجكم المعنية، كمشكلة الروتين والرتابة المقيتة في دوائر الدولة والفساد وغيرها الكثير من القضايا التي أنهكت المواطن؟ أم أصبحت لنا ثقافة جديدة سمتها وعنوانها: ناشد وطالب ثم توسل في طوابير الانتظار الطويلة حتى يأتيك الربيع! أي الفرج.

إلى متى يبقى قدر الناس في بلاد ما بين النهرين العوز والفقر والفاقة  إلى الحد الذي نشاهد فيه أمهات وأطفال يعتاشون على القمامة في زمن الحضارة، وفي الوقت الذي تحسدهم شعوب العالم مجتمعة على خيراتهم التي يسيرون عليها؟

 ترى هل سينعم الشعب العراقي بخيراته يوما ما؟،ومن سيكون قادرا بالفعل لا بالقول والشعارات، على رفع المستوى المادي والمعنوي للعراقيين واسترداد حقوقهم.

 سننتظر مع المنتظرين موعد إنتخابات مجالس المحافظات القادمة والشعارات والوعود والبرامج الإنتخابية الإصلاحية، ونترقب حماس ومشاركة الشعب العراقي الفعالة في هذه الانتخابات من أجل التغيير والإصلاح الذي ينشده الجميع لصالح العراق وصالح أبنائه، كما نتأمل خيرا في أن يجد شباب العراق (الطافرة الدنيا من عينهم) فرص عمل تنتشلهم من الفقر والضياع وحاضنات الإرهاب، حتى لا نسمع ونرى من على شاشات فضائياتنا شبابا عراقيون يرددون وبحرقه في وجوه المسؤولين المتصدين لخدمتهم نداءاتهم المتكررة: كافي بعد سرقات!  شوي باوعوا على الناس!

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/تشرين الأول/2008 - 28/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م