عوائد النفط والأزمة المالية العالمية

د. لطيف الوكيل

 لازال العالم يغط في نوم عميق ولم يدرك مدى خطورة هذه الازمة  المالية بل الاقتصادية التي لا سابق لها ولا تقل خطور عن الحرب العالمية على الرأسمالية، حيث لا  يعلم الساحر بان سحره  قد انقلب عليه.

علقت الصحافة العالمية اليوم على البورصة البغدادية بانها تشبه بورصة لندن قبل مائة عام، كونها تسير بالاتجاه المعاكس لبورصات العالم والسبب كما يقول تجار هذه البورصة بانها معزولة تماما عن العالم وعن سير الاقتصاد العالمي. لانها ارتفعت و ترتفع منذ بداية السنة بمقدار50% في حين تهبط البورصات في جميع انحاء العالم.

تحليل الازمة العالمية التي ادت وتؤدي التى مزيد من التدهور كما جاء في مقالي الموسوم " الازمة المالية العالمية وسعر النفط"

لو كانت لغة المقال انجليزية لاستفاد ملاك الاسهم من ذلك التحذير، لكني لا اهتم بالرأسماليين بل بضحاياهم.

ان اساس هذه الازمة اقتصادي بحت، نابع من التناقض بين انخفاض طلب المستهلك وزيادة اسعار وعرض المُنتِج.

ان هذا التناقض دفع المُنتِج الى تسريح كثير من العمال لخفض الانتاج،  بيد ان البطالة تقلل الطلب اكثر فاكثر حتى حصول الازمة.

ان مصدر واردات الدول الصناعية الرأسمالية هي الضرائب.  واذا زادت البطالة وقل الانتاج وربح المُنتِج، تنكمش واردات الدولة.

ومع ذلك تسير عجلة الاقتصاد على اسفلت القروض.

 مثلا  الذي يريد بناء بيت لاسرته يحصل على قرض والتاجر يسد عجزه المالي من القروض وكذلك حال المصانع ثم الدول تسد عجز ميزانياتها ايضا من القروض. أن تلك القروض هي عبارة عن اسهم الشركات او اسهم الدولة.

فعندما يعجز المستهلك والتاجر والمُنتِج والدولة عن تسديد الديون او تسديد الفوائد المستحقة بديون اضافية، يدق ناقوس الخطر وانعدام الثقة المتبادة. فتنهار قيم الاسهم والتي هي مجرد قروض من مشتريها، كما النقود هي مجرد وسيلة لتبادل السلع. واذا انخفضت قيمة تلك السلع تنخفض معها ايضا قيمة النقود. لان عوامل  السوق الحر تهدف الى المساواة بين معدل السعر والقيمة. فاليوم الذي تتساوى به القيم مع الاسعار فهو يوم كيوم القيامة والتي قامت في  هذه الايام على  الرأسمالية  .

ان حزمة الضوابط التي حددتها الحكومة الألمانية لإنقاذ البنوك المتعثرة بما قيمته 500 مليار يورو، لم تقتصر فقط على تحديد قيمة التسهيلات المالية لكل بنك، بل تجاوزتها إلى التدخل في تحديد رواتب المدراء وكيفية توزيع الأرباح.

وتطالب الحكومة بالإضافة إلى هذه الشروط بأن يكون لها دورا في توجيه سياسة المؤسسة المالية المستفيدة من الدعم الحكومي، من خلال. مؤسسة الرقابة على الأسواق المالية  . وتريد الحكومة الالمانية أيضاً من البنوك الالتزام بتقديم قروض للشركات الصغيرة والمتوسطة. وفي كلمة القاها الرئيس الفرنسي ساركوزي في البرلمان الاوربي  دعا  فيها الى تاميم جزئي للشركات  الصناعية.

وفي كلمته أمام البرلمان الأوروبي، دعا الرئيس الفرنسي ساركوزي حكومات الدول الأوروبية إلى إنشاء صناديق سيادية في أوروبا للسيطرة على الصناعات الاستراتيجية التي تأثرت بالأزمة المالية العالمية.

وزاد ساركوزي بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الاوربي " تعاني أسواق المال هبوطا لم تشهد مثله في تاريخها، ولا أود أن يستيقظ الأوروبيون بعد أشهر قليلة على امتلاك دول غير أوروبية لشركاتهم".

الأزمة المالية اتسع نطاقها لتشمل أنحاء عديدة مثل آسيا والشرق الأوسط وتسعى الولايات المتحدة، معقل الرأسمالية، حاليا لانقاذ البنوك المشرفة على الإفلاس عن طريق خطة ضخمة وصلت تلكفتها إلى 700 مليار دولار، إضافة إلى اتخاذ اجراءات غير مسبوقة تتضمن تدخل الدولة في قطاع الأعمال الخاص. (المصدر الموجة الالمانية دويتشه فيله)

الحكمة التي تعم  تصبح نظرية علمية. قال الامام على ( ع ) " مااغتني غني الا بفقر فقير"

وهو قول شامل من القرية الى العالم. ان تكديس عوائد النفط في اسهم البورصات العالمية هو سبب فقر شعوب دول الاوبيك.

والتخمة في الدول الصناعية.

قال الفيلسوف ابن خلدون " مازاد عن حده انقلب ضده"  وهذه الحكمة  تنطبق ايضا على كل الاحوال الخاصة والعامة،كانقلاب جور البعث عليهم. اي الثراء الفاحش والكميات المهولة للمبالغ المودعة في البورصات العالمية والتي فاقت خزائن وميزانيات كثير من دول العالم انقلبت ضدها. مثلا الانتقام الارهابي من بنايتي المركز التجاري العالمي في نيورك كان احد ردود فعل مازاد عن حده انقلب ضده.

لقد كانت تلك البناية بمثامة سجن يحوي اغلال الدول النامية اي عقود  ديون الدول المصدرة للمواد الاولية.

لذا اكتسب تدمير تلك البناية هوى المستضعفين والمديونين  من دول وشعوب العالم التي ترزخ تحت جبروت الدائن. لم يكن هذا تبرير للارهاب وانما تحليل لمعرفة الدافع للعمليات الارهابية التي حصلت في ايلول.

عندما يجري نهر النفط نهر الذهب الاسود من شبه الجزيرة العربية  الى امريكا بمعدل 20 مليون برميل يوميا وهو متوفر ورخيص لكل مواطن في امريكا، يطرح السؤال نفسه هل تتوفر بالمقابل البضائع الامريكية كل يوم وبنفس المقدار والسعر لسكان شبه الجزيرة العربية؟

اي هل يملك شعب هذا البلد عوائد نفطه وقيمته اليومية 20 مليون مضروب ب 100دولار سعر البرميل الواحد اي مليارين  بترو دولار يوميا؟

بل رغم ذلك هناك الملاين من الفقراء في دول الخليج مقابل حفنة من المليارديرية اصحاب الحسب والنسب الدكتاتوري .

لذا يبقى استهلاكهم رغم البذخ محدود مقارنة باستهلاك الشعوب.

بين اغنى اغنياء عوائد النفط واقلهم غنى هامش طويل يحوي الكثير من دكتاتوريين وشيوخ تلك العوائد.

وهنا نذكر الاقل غنى من عوائد النفط العراقي، حصل شيخ عشيرة برزاني السيد مسعود برزاني على اكثر من 30 مليارد دولار في السنوات الثلاث الاخيرة من عوائد نفط البصرة المُتعبة. بالمقابل لاتحصل البصرة المُنهكة من الحروب على نفطها على اي شيء من حكومة البرزاني.

وهذا اعلى من الدخل القومي لكثير من الدول مثل سورية والاردن واليمن الخ..

اضافة الى مدخول النفط مقابل الغذاء من هيئة الامم  وواردات الاقليم والتي كانت تسد احتياجات الاقليم شعب وحكومة.

تبقى حصة الاقليم وهي 17% من واردات الدولة العراقية دخل اضافي لايعلم احد كيف يتصرف الشيخ به، اي بغداد تدفع بهذا المال العام دون ادنى رقابة على صرفه والتصرف به.

لو قسمنا هذا المبلغ اي 30 مليارد دولار على الشعب الكردي والبالغ تعداده ثلاثة ملايين لحصل كل منهم على 10 الاف دولار او يحصل رب الاسرة المكونة من 10 اشخاص على مئة الف دولار(وان حصل الكردي البسيط على هذا البترودولار لحل نفط كركوك على البرزاني والزيباري)، ولو استورد هذا الشعب المظلوم بضاعة ماقيمتها 30 مليارد  دولار  من اي دولة اوربية صناعية، لحلت مشكلتها الاقتصادية وذلك بزوال تراكم انتاجها الذي سبب البطالة لديها.

كانت اموال عراقية  طائلة مودعة في امريكا قبل سقوط صنم الدكتاتورية. ومازالت الاخيرة متمثلة بجوع الشعب العراقي الغني.

اضافة الى تلك الاموال هناك 50 مليار دولار من عوائد النفط العراقي اوِدعت في الخمس سنوات الاخيرة في البنك المركزي الامريكي.

لقد اصبحت هذه الاموال عالة على العراق ومصدر تهديد لسيادته، ولا نعلم لماذا لا تطالب الحكومة العراقية (التي لا تفصح عن الهوية السياسية للارهابين) بتوزيعها على الشعب العراقي، رغم ان الدستور يقول كل النفط ملك كل الشعب.

وبهذا تسحب البساط من تحت اقدام الذين يهددون العراق بامواله المحتجزة، ولماذ يُشعرونا ساسة القيادة الكردية بخطر زوالها اذ لم نوقع الاتفاقية الامنية المذلة، بدل المطالبة بها وقبل المطالبة بكركوك.

هل يعني ذلك ولاء هؤلاء لامريكا وليس للعراق ام تناست وفاة الملا مصفى البرزاني في امريكا بعد ان نكثت السياسة الامريكية بالحركة الكردية واصطفت الى جانب عميليها المشنوق و الشاه المقبور في سنة1975 ؟

ثم 70 مليار بترودولار مجمدة  لدى الدولة  العراقية في البنك المركزي وفي وزارة المالية . تصوروا  لو حصل الشعب العراقي عليها واستورد بها البضاعة الامريكية.

هل سيبقى ارهاب اوجوع او ملاين الاطفال المشردة وبقايا دكتاتورية في العراق وملاين المهجرين من عراقهم ؟

واذا اضفنا الى الاموال العراقية مُشتريات شعب الجزيرة العربية في حال حصوله على عوائد نفطه هل سيحصل كساد وتراكم انتاج يولد ازمة مالية  في امريكا ؟

* برلين ‏‏‏

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 26/تشرين الأول/2008 - 26/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م