هيّا إلى المرجعيّةِ لنَعرِضَ القضيّة !!.

 محمّد جواد سنبه

العراقيون يتابعون أخبار مسوّدة الاتفاقيّة الأمريكيّة العراقيّة، والتي أطلق عليها اختصاراً أسم (سوفا أو صوفا)، والتي يقول عنها المعنيّون، أنّ توقيعها بين الجانبين ستُخرج العراق من بنود الفصل السابع للامم المتحدة، الذي بموجبة يتم انهاء تواجد قوات التحالف في العراق. وبعد توقيع تلك الاتفاقيّة سيصبح العراق بلداً ذا سيادة كاملة، بعيداً عن ولاية الأمم المتحدة عليه.

 منذ أشهر ولحدّ الآن لا يعرف أحد من العراقيين، بنود هذه الاتفاقيّة بصورة دقيقة، وإنّما يشار إليها على وجه العموم والفحوى. وتمّ تفسير هذا السلوك المتكتّم من قبل المسؤولين العراقيين، بأنّه يصبّ في مصلحة المفاوض العراقي، الذي ينبغي أنْ يكون بعيداً عن التاثيرات الجانبيّة، التي قد تؤثر على سير المفاوضات.

مقابل هذا الموقف يقوم الجانب الأمريكي، بإطلاع الكونكرس والرئيس بوش ومسؤولين معنيين في هذا الشأن، بكلّ التفاصيل التي تحصل، في عمليّة التفاوض مع الجانب العراقي. فقد أوردت صحيفة القبس الكويتيّة يوم 18/10/2008 مايلي:

(أطلع وزيرا الخارجية كونداليسا رايس والدفاع روبرت غيتس الكونغرس على مسودة الاتفاقية الأمنية التي تم التوصل اليها مع الحكومة العراقية، والتي تقضي في أبرز بنودها ببقاء القوات المقاتلة في العراق، حتى مطلع 2012 وتخضع الجنود الأميركيين للقوانين العراقية، وان كان في حالات محددة. وقالت مصادر في الكونغرس ان السفير الأميركي في العراق ريان كروكر وقائد القوات الأميركية هناك الجنرال راي أوديرنو إلى جانب بعض المفاوضين الأميركيين أطلعوا مجموعة من 12 عضوا من قيادات مجلسي الشيوخ والنواب، إلى جانب أعضاء لجنتي العلاقات الخارجية في المجلسين عبر الفيديو الكونفرنس من بغداد على مشروع الاتفاق، وذلك في جلسة مغلقة في البيت الأبيض شارك فيها الرئيس جورج بوش. وأوضح المتحدث باسم البنتاغون جيف موريل ان الاتفاقية ما زالت مجرد مسودة وليست صيغة نهائية بعد، وقال إن غيتس ما زال يتشاور مع أعضاء الكونغرس حول صيغة الاتفاق حسب وعده لهم قبل الانتهاء منه. ارتياح وزير الدفاع وقال متحدث باسم وزارة الدفاع جيف موريل إن غيتس «ما كان سيجري هذه الاتصالات لو لم ير ان هذه الوثيقة تحمي قواتنا في العراق بطريقة ملائمة».)(انتهى).

و اتصالاً بنفس الموضوع، شهدت بغداد يوم السبت 18/10/2008 مظاهرات سلميّة، قام بها التيار الصدري و كان لها حضور جماهيري واسع. وعبّرت هذه المظاهرات، عن وجهة نظر التيار الصدري الرافض، للاتفاقيّة الأمريكيّة العراقيّة جملة وتفصيلاً. وقد حذر زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، النواب العراقيين من مغبّة التوقيع على هذه الاتفاقيّة.

و في يوم 19/10/ 2008 أعلن، أنّ كتلة الائتلاف العراقي الموحّد، عقدت اجتماعاً حضره جميع اعضاء الكتلة، لكن بدون التوصل الى موقف متفق عليه. ان موقف الائتلاف المتشعب من هذه القضية يمكن اجماله كما يلي:

 قسم رأى أنْ تُعرض مسوّدة الإتفاقيّة على مجلس النواب، لدراستها ومن ثم عرض المسوّدة للاستفتاء الشعبي (ليكفي الله المؤمنين القتال).

وقسم رأى التحفظ عليها(وبتصوري الخاص أنّ هذا القسم تحسس من تظاهرات التيار الصدري)، وهذا التحفظ أثار استغراب (نكروبونتي) كما بثت فضائية العربية مساء يوم 19/10 جزءاً من مقابلته، حيث قال مستغرباً (كل بند نوقش بجهد وعناء كبيرين، ولا أعرف عن ماذا التحفظ ؟).

والقسم الثالث رأى تدويل قضيّة تواجد القوات المتعددة الجنسيات، برفع موضوعها إلى الأمم المتحدة، (وباعتقادي أنّ الأمم المتحدة، لا تستطيع اتخاذ قرار بدون موافقة أمريكيّة مسبقة).

أمّا القسم الرابع فاقترح وضع القضية في حجر المرجعية (وهذا اضعف الإيمان).

على ضوء هذه المعطيات يمكن تقسيم مواقف القوى السياسية العراقية على الوجه التالي:

1. قوى رافضة لعقد أيّ اتفاقيّة مع أمريكا. ويمثل هذا الاتجاه التيار الصدري.

2. قوى موافقة على عقد الإتفاقيّة، وترى أنّ من مصلحة العراق، توقيع هذه الاتفاقية، لما فيها من ضمان لاستقرار الأمن داخلياً، وحماية العراق خارجياً من أيّ تدخل خارجي، (والمقصود من هذا التدخل ايران وسوريا (بالذات)، وتركيا والسعودية والاردن والكويت (ضمناً)). ويمثل هذا الاتجاه الاكراد، ورئيس مجلس الصحوة الشيخ احمد ابو ريشه (كما اعلن اليوم 19/10/2008 من على فضائية العربية)، وبعض الاطراف الأخرى المعروفة بهذا الميل.

3. قوى تنتظر النتائج وتترقب الموقف عن كثب، لما ستؤول إليه الأمور، وربّما تعمل على كسب مزيداً من الوقت، لمعرفة وجهة نظر غالبيّة الشعب العراقي، وبالتالي العمل وفق ارضاء مشاعر الغالبيّة. وهذا الموقف لا يعبّر عن حنكة سياسية، بقدر ما يعبر عن انتهازية في رسم الموقف السياسي، بناءاً على نتائج (آخر المتغيّرات). وهذا معناه عدم وجود تصور سياسي واضح، لهذه المجموعة عن قضية حساسة، الأمر الذي يجعلها لا تستطيع حسم القرار بالضد أو مع الإتفاقيّة.

4. موقف منقسم على نفسه، بيّن متشكك من نتائج توقيع الإتفاقيّة، وقسم آخر رافض للإتفاقيّة في العلن (ارضاءاً لمشاعر إيران)، لكنّه موافق عليها في السّر (خشية ازعاج الجانب الأمريكي)، وهذا الازعاج قد يسبب لهذا الطرف الكثير من المشاكل مستقبلاً، وهذا هو موقف الائتلاف العراقي الموحد.

فبالرغم من عجز جميع الأطراف من اتخاذ موقف حاسم في هذا الموضوع، وهذا يعكس مدى تصدع الموقف السياسي (إذا كان هناك موقفاً من الاساس)، لكن أعجز هذه المواقف صرامة وحنكة، موقف الفريق الذي رأى بارجاع القضيّة إلى المرجعية الدينيّة. نعم كلنا نجلّ مراجعنا العظام، ونقدر دورهم الأبوي والرعوي لجميع العراقيين، لكن ليس بهذه الكيفيّة الإتكاليّة على المرجعيّة. وجدير بالذكر أنّ مرجعيّة السيد السيستاني(دام ظله)، أوضحت قبل أيام قلائل، أنّ للعراقيين مجلساً للنواب، وعلى هذا المجلس أنْ يحترم إرادة الشعب العراقي في اتخاذ قراراته. إذن موقف المرجعيّة واضح وجليّ، بتأكيدها على احترام إرادة الشعب العراقي. ولا أدري لماذا هذا البعض يقحم مراجعنا العظام، في أمور تعتبر من صميم واجباته، في حين لا يذهب هذا البعض للمرجعيّة، ليعرض أمامها تقصيره في واجبه، ويطلب إبراءاً للذمة من الوعود والعهود التي قطعها على نفسه، ليكون راعياً لمصالح الشعب العراقي. واذا كان كلّ موضوع نقول فيه: (هيا الى المرجعية لنعرض القضيّة)، فعلام تقلد المسؤوليّة ؟، ولماذا إشغال المناصب الحكوميّة؟.

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 26/تشرين الأول/2008 - 26/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م