
شبكة النبأ: بعد منحه في السادس
من اكتوبر 2008 جائزة رجل دولة من الطراز الاول، تحدث وزير
الخارجية الامريكية الاسبق هنري كيسنجر مع المدير التنفيذي لمعهد
واشنطن لشؤون الشرق الادنى روبرت ساتلوف الذي منحه الجائزة حول عدد
من القضايا المهمة منها: ماضي، حاضر، ومستقبل السياسة الامريكية في
الشرق الاوسط وفن ادارة الحكم، وفيما يلي مقتطفات من ذلك الحوار:
في سؤال ساتلوف الاول كانت اجابة كيسنجر غاية في الوضوح حول
هوية التحدي الاكبر الذي تواجهه امريكا اليوم، فقد قال كيسنجر، انه
الدور الايراني وانتشار السلاح النووي وانعكاسات ذلك على الارهاب
الجهادي.
وعندما سأله ساتلوف عن كيفية منع ايران على نحو فاعل من امتلاك
القدرة العسكرية النووية قال كيسنجر، ابدأ بالطبع بالقول ان انتشار
الاسلحة النووية سوف يلحق بالبشرية كارثة كبرى ان لم يتم احتواء
هذا الخطر.
واضاف، أود الاشارة هنا الى اننا لم نقترب ابداً خلال الحرب
الباردة من استخدام هذه الاسلحة عملياً، لكنها كانت في ذلك الوقت
بحوزة دول تواجه بشكل او بآخر اخطاراً متماثلة، وتدرك حدود
المجازفة على نحو مسؤول في حين تنتشر الاسلحة النووية اليوم، وتصل
الى ايدي بلدان تعتبر التفجيرات الانتحارية استراتيجية مفيدة، وترى
للحياة الانسانية بُعدا مختلفا يتصل بما يحدث في العالم الاخر وليس
بما يحدث في هذه الحياة، كما يمكن ان تقع هذه الاسلحة الان في ايدي
مجتمعات لا تستطيع تأمين الحماية لها مثلما تفعل الدول المتقدمة.
لذا، ولكل هذه الاسباب يصبح منع انتشار الاسلحة النووية الان مسألة
لابد منها مهما كلف الامر.
وتابع كيسنجر، غير ان علينا ان نكون واضحين ومتأكدين من عدد من
القضايا مثل: كم تبقى من الوقت، امام الدبلوماسية بمعنى متى سوف
نصل الى المرحلة التي تكون فيها العملية النووية في ايران قد وصلت
لمستوى يصبح من المستحيل تقريبا وقفها، او متى سيكون لديهم ما يكفي
من المادة النووية الملائمة للقيام بمجهود مدمّر على من يختارون من
جيرانهم
ثانيا، ما مدى قدرتهم على القيام بذلك امام تصويت بالاجماع في
مجلس الامن بتأييد من ألمانيا واليابان ضد استمرارهم في النشاط
النووي؟ وماذا سيفعل النظام الدولي اذا ما تجاهلت ايران تصويتا اخر
بالاجماع؟ وكيف يمكن ان نصل الى المرحلة التي نستطيع فيها اقناع
الرأي العام الامريكي باننا بذلنا اقصى ما يمكن من جهد كي نتجنب
اتخاذ اجراءات اقوى ضد ايران؟
وتابع كيسنجر، لكل هذه الاسباب فضلتُ التفاوض الامريكي مع ايران
حول هذه المسألة لاعتقادي ان النهج الراهن »تتفاوض فيه ثلاث دول
اوروبية بدعم امريكي ولم يسفر الا عن مقترحات هامشية تبعتها عقوبات
ضعيفة« ليس سوى مضيعة للوقت لا يفيد الا اولئك يسعون لنشر الاسلحة
النووية.
وعندما سأله ساتلوف، ما الذي سنفعله اذا لم تحقق المفاوضات
النجاح؟ اجاب كيسنجر: هذه المسائل يتعين برأيي معالجتها خلال
الشهور الـ 18 الاولى من عمر الادارة الامريكية الجديدة.
خطر التطرف الاسلامي
وعن تقييمه للتطرف الإسلامي قال كيسنجر: بُني النظام الدولي
الذي نعرفه جميعا اليوم على اساس كيان اسمه »الدولة«، وبرز الكيان
الحديث للدولة من خلال الحروب الدينية التي دارت في القرن السابع
عشر حينما افترض الزعماء ان من حقهم تحويل المجتمعات لاعتناق
مبادئهم الدينية ثم يتم وضع حد فيما بعد للمذابح التي ارتبطت بهذه
العملية، جرى تطوير فكرة »السيادة« التي تعين على البلدان او الدول
معها العمل ضمن اراضي الدولة فقط، وكانت السياسة الخارجية تعني
العمل خارج حدودها.
وتابع، لكن جوهر التطرف الجهادي يقوم على اساس رفض فكرة الدولة.
انه فلسفة عالمية كلية جامعة يتعين تطبيقها من اجل العودة للخلافة
الموحدة. وهي هنا تستهدف ليس فقط مؤسسات العالم الاسلامي الراهنة
بل ايضا مؤسسات العالم الغربي، وترفض هذه الفلسفة بطبيعتها اية
فكرة للتعددية لان هناك برأيها حقيقة واحدة فقط مما يجعلها تقف ضد
المؤسسات التي تُمثل بنية النظام الدولي. وهي تشكل بهذا تهديدا ليس
فقط لكل دولة تقريبا بل ولكل دولة يوجد فيها اقليات اسلامية ايضا.
كما يشمل هذا التهديد أية دولة يمكن ان تؤثر بمستقبل العالم
الاسلامي.
واضاف، اذا كان البعض يرى ان هذا التهديد الاخير يستهدف اسرائيل
اساساً الا اني اعتقد ان المتطرفين الجهاديين يستغلون اسرائيل لحشد
المزيد من التعبئة الاصولية من اجل نشر فكرة الامبراطورية
الاسلامية العالمية الشاملة، وعلى هذا الاساس يمكن ان يشكل نجاح
الجهاديين على المدى المتوسط تهديداً، ليس فقط لاسرائيل بل وايضاً
الهند لأن الـ 160 مليون مسلم الذين يعيشون فيها لابد ان يتأثروا
بموجة التطرف التي تنتشر اليوم في العالم الاسلامي.
وتابع، اني اعلم ان انتقاد الرئيس بوش اصبح تقليداً هذه الايام،
لكنني اعتقد انه ادرك ما هي المشكلة المركزية حتى ولو تساءل المرء
عن هذا او ذلك الجانب في نهجه التكتيكي ان المشكلة المركزية التي
نواجهها الآن هي المتطرف الاسلامي التي لا حل لها الا بكبحها
ومنعها من تحقيق اهدافها اذا كنا نريد الا يزداد زخمها ويصبح اقوى
واقوى.
نصيحة كيسنجر للرئيس القادم
وعن مايقدمه كيسنجر من نصيحة للرئيس القادم قال: أولاً، ان اول
ما نحتاجه هنا هو ان تصل الحرب في العراق الى الخاتمة التي تتجه
اليها الآن وان نطبق مبادئ مناظراتنا الداخلية على حالة تتحرك الآن
في الاتجاه الصحيح، فإذا تطور الوضع في العراق كما يحدث الآن -
خلال فترة محددة - يصبح بالامكان عندئذ عقد مؤتمر دولي حول العراق
لتحديد موقفه دولياً بحيث يمنع قانونياً التدخل بشؤونه وعبور حدوده.
واعتقد اننا سنصل الى هذه المرحلة بنهاية العام المقبل.
ثانياً، تمثل ايران تحدياً ليس فقط من ناحية مخاطر انتشار
الاسلحة النووية بل ولانبعاث افكار الامبراطورية الايرانية في عقول
الايرانيين، وهذا ما يفرض بالطبع مقاومة محاولة ايران تحريك
الاضطرابات الدينية واثارة التحديات الثورية المتنوعة في المنطقة،
لكن علينا مع ذلك النظر الى هذه المسألة من خلال اطارها الصحيح،
فإيران ليست دولة قوية لكنها بلد يمتلك على نحو مقبول ايديولوجية
قوية وتاريخها طويلاً بل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لها
بشكلها الراهن تاريخ طويل اكثر من اية دولة اخرى، لذا ان التحدي
الذي امامنا الآن هو الآتي: لو قدر لأحدنا التحدث مع مسؤول ايراني
ممن لم ينجذبوا للافكار الاسلامية العالمية لامكن له القول: انكم
تنتقدوننا بسبب علاقتنا مع الشاه لكنكم تسيؤون منهم طبعية تلك
العلاقة في الواقع، وذلك لانها كانت تعبر عن احترامنا لايران لا
للشاه، فقد اظهرت ان امريكا تستطيع العيش مع ايران كلاعب رئيسي في
المنطقة بشرط ان يكون سلوكها نابعا من مصلحتها كدولة لا كأمة ترفع
لواء قضية ما.
وتابع كيسنجر، ليس ثمة سبب في الواقع بجعل الولايات المتحدة
ترفض ان تكون ايران قوية ولقد كان لايران تاريخياً علاقات طيبة مع
اسرائيل واخرى طيبة ايضاً مع الولايات المتحدة، وهذه هي الاتجاهات
التي يتعين علينا السير فيها، واعتقد ان بالامكان الوصول اليها.
ان علينا الا نكون اسرى تصريحاتنا واقوالنا لأن غالبية دول
المنطقة في صفنا، كما لدى المتطرفين فيها استراتيجية محددة تمكنهم
من تحقيق هدفهم اذا ما التزمنا بالعمل على اساس الخطوط التي
ذكرتها.
الأزمة المالية العالمية
وعن مدى التأثير الاستراتيجي للازمة المالية الامريكية الحالية
، وما هي مضامينها بالنسبة للزعامة الأمريكية على مستوى الشؤون
العالمية تحدث كيسنجر قائلا: انا اعطي رداً متباينا على هذا
السؤال: فأعتقد اننا بالغنا على نحو ما في قدرات زعامتنا فنحن لا
نستطيع ان نضمن في وقت واحد أمن العالم اجمع وشؤون السياسة
الداخلية ونخوض في الاوضاع الداخلية لكل بلد فيه، لكن بالرغم من
ذلك ان ربط امتيازاتنا بقدراتنا ليس بالضرورة امرا سيئاً.
بالنسبة للازمة المالية، اعتقد انها ستفرض على الدول الاخرى
تقييم الاوضاع بواقعية وعدم احالة كل مشكلة ببساطة الى الولايات
المتحدة. انهم (الدول الاخرى) سيضطرون الآن للنظر بمدى اسهامهم
الحقيقي وكيف يتعين ان يكون في الشؤون الدولية. لذا في الوقت الذي
سيكون فيه تأثير الازمة المالية غير طيب على المدى القصير الا انه
يبقى وسيلة لدفع بعض تلك البلدان لادراك الأمور بواقعية، وينطبق
هذا علينا ايضا.
غير اننا سوف نبقى مع ذلك بعد انتهاء الازمة البلد الأقوى في
العالم، البلد الذي يمتلك اقوى اقتصاد واقوى مؤسسة عسكرية على سطح
هذا الكوكب. لذا، اعتقد اننا سوف نتمكن اذا ما توفرت لنا القيادة
الصحيحة ان نجعل هذه الازمة بداية لإعادة بناء النظام الدولي من
جديد. |