تمخض الجبل فولد فقرا

تعقيبا على بيان ما يسمى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

د. أحمد راسم النفيس

أسماء وألقاب بها نتغنى!! فهذا مهيب مليك وهذا رئيس ملك!! وهذا المتخم رئيس لاتحاد المسلمين الجياع, لا يدري كم أهْلَكَ ولا في أي واد سلك!! قل لي بربك من أهَّلك؟! ومن صدَرَك؟! وقل رب ضاقت فلم يبق إلاك والأمر لك!!.

ألقاب مملكة في غير موضعها كالهِرِ يحكي انتفاخا صولة الأسد!

اجتمع القوم إذا فأصدروا بيانا أجهز على كل ما تبقى لهم من مصداقية ويكفيهم الفقرة الخامسة التي تضمنها البيان سيء الذكر والتي تقول (قرّر المجلس تشكيل لجنة متخصصة تقوم بالرصد الميداني حول جميع النشاطات والأعمال المذهبية الضارّة بوحدة الأمّة، وتضع بناءً على ذلك خطّة عملية تعالج الواقع القائم على الأرض باتجاه المحافظة على وحدة الأمّة الإسلامية وتعميقها وبنائها على أسس راسخة متينة تداوي نقاط الخلاف التي يستغلها الأعداء من أجل إحباط مساعي الوحدة).

كنا نتمنى على هؤلاء السادة أن يطالبوا بحرية الرأي والمعتقد وأن يؤكدوا على المبادئ القرآنية الثابتة (لا إكراه في الدين) وأن يؤدوا واجبهم في التصدي لحمى التعصب الديني التي اجتاحت المنطقة والتي أفضت إلى القتل الجماعي وتفجير المساجد وقتل المصلين وتهجير مسيحيي العراق بدلا من تشكيل لجنة رصد وترصد ولكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا لأنهم لا يرون مشكلة تهدد العالم الإسلامي إلا ما يسمونه بالتبشير المذهبي!!.

المعنى واضح, وهو أن هيئة العلماء وبدلا من أن تداري فشلها في رصد هلال رمضان قررت تشكيل لجنة للاستخبارات تقوم بالترصد لكل ما تعتبره أنشطة ضارة وطبعا ولأن الشيخ القرضاوي يعتقد أن (واجبه الشرعي) يملي عليه, (إسداء النصح للأمة حكاما ومحكومين إذا أصابها ما يهدد سيادتها ومصلحتها العليا أو سلامة ديارها، أو وحدة أراضيها، أو استقرارها) فقد صار الاتحاد بذلك (اتحادا للمخبرين) يتعين عليه أن ينسق جهده مع السادة الحاكمين والاتحاد العالمي للمخبرين وال  CIAورحم الله أمير المخبرين, فلقد أتخم بالأمن بلاد المسلمين!!.

أما كفانا أمنا ورصدا وتنصتا وتفتيشا!!.

ألم يصرح أحد الشيوخ من قبل جهارا نهارا أنه يعطي محاضرات لرجال الأمن ليبصرهم بالخطر الشيعي محرضا لهم على الانقضاض على هذه (الثلة الحاقدة) قبل أن يستفحل خطرها!!.

أمناء أم أوصياء؟!

في رسالته إلى الدكتور كمال أبو المجد أعلن الشيخ القرضاوي أن التسنن (هو الذي يتوافق مع تطلُّعات البشرية المعاصرة إلى التحرُّر والمساواة دون تمييز لأسرة لها حقُّ حكمهم بغير اختيارهم فلا وصية لهم ملزمة من السماء ولا أحد له حقُّ العصمة فلا يعترض عليه).

فات الشيخ أن يضيف إلى هذا الإعلان المانفيستو أن الإسلام يرفض أيضا وصاية من يسمون أنفسهم بعلماء الدين على رقاب البشر تحت أي عنوان كان.

ألم يقرأ الشيخ قوله تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة 31.

وإذا كان الشيعة يعتقدون بولاية أهل البيت فهم يفعلون هذا لأن الله تبارك وتعالى أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ولأن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله صرح بذلك مرارا وتكرارا في الحديث المتواتر واللفظ للحاكم (قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم, فقال كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ثم قال إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).

وإذا كان الشيخ لا يعجبه الحديث فهو لا يختلف عمن يسمونهم (منكرو السنة النبوية) ويصدرون الفتاوى بكفرهم ومن ثم فادعاؤه بأن (لا وصية لهم من السماء) هو مكابرة بلا سند ولا دليل.

أما ادعاؤه الآخر (أن لا أحد له حقُّ العصمة فلا يعترض عليه) فهو متعلق بأهل البيت فقط لا غير أما هو فيرى نفسه معصوما وفوق النقد ونحن لم ننس شريطه الشهير وهو يهاجم العبد لله قائلا: شيعي من المنصورة يرد على القرضاوي!! وامصيبتاه!!.

ناهيك عن رفضه الهزلي (لتميز أسرة لها حق الحكم) ولا ندري هل ينطبق هذا الرفض الثورجي على الأسر الخليجية الحاكمة أم أنه قاصر على رفضه لأئمة أهل البيت؟!.

يطالب بيان اتحاد (علماء المخبرين): بالكفّ عن أي محاولة منظّمة أو مدعومة للتبشير بالمذهب غير السائد في المناطق التي يسود فيها المذهب الآخر.

المثير للسخرية أن هذا البند جاء (ثانيا) في حين جاء الإعلان عن هذا القرار المخجل بتشكيل (لجنة الاستخبارات) خامسا!!.

العقل الكهنوتي الأمني يوجب أن تكون اللجنة أولا!!.

فلتشكل اللجنة وتقوم بمهامها الاستخبارية وفقا لأحكام الشريعة القرضاوية ثم تقدم تقريرها وتقول: بعد البحث والتحري ووفقا لمصادرنا السرية الموثوقة ضبط كاتب شيعي يكتب مقالا فجرى توقيفه وإعدامه في محكمة طالبانية ميدانية سريعة (take away) برئاسة الملا (سلطان) صديق القرضاوي المفاجئ!!.

معركة حرية الرأي والعقيدة

لن نخوض في جدل مذهبي ويكفينا ما اطلعنا عليه من ردود فعل لكثير من المثقفين المصريين تمحور رفضهم لهجوم القرضاوي على الشيعة باعتباره خصما من رصيد حرية الفكر والمعتقد لصالح حفنة من البشر يرون أنفسهم أوصياء على الخلق من دون برهان ولا دليل ولا حجة ولا كتاب مبين.

حرية الرأي والتعبير والمعتقد لن تكون لطرف دون طرف ولا لتيار فكري دون غيره ولا لأتباع دين دون غيرهم.

تلك هي القضية الكبرى التي غابت عن هؤلاء المبجلين وتركتهم في ظلمات لا يبصرون.

تلك هي القضية التي لا تنفصل عن قضية الحرية والديموقراطية التي تطالب بها الشعوب الآن فإما تكون للجميع أو لا تكون.

انتهى زمان الخليفة الملك وناصحه القرضاوي الأمين وارث ابن شهاب الزهري نديم الكأس المرواني عندما سقطت تلك التي كانوا يسمونها خلافة ونحن الآن في زمن الشعوب وحرية الفكر والاعتقاد وعلى هيئة أمناء المخبرين أن تقرأ وتعي هذا الواقع الجديد!!.

ولى عصرك أيها الشيخ فلا الزمان زمانك ولا الرجال رجالك!!.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/تشرين الأول/2008 - 23/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م