هل تكون هويتنا طريقاً للعنف؟!

ميثم العتابي

 

شبكة النبأ: في مفاهيم متغايرة عن أصل ومنشأ الهوية، وبين احتماليتها كحالة فردية أو جماعية، تتبلور فكرة اندماج الإنسان في المجتمع، ليكون شاغلا لمكانه بين أقرانه والمحيط الذي يتحرك فيه، ليأخذ موقعه الطبيعي في الحركة الكونية، فنجد ذلك متجليا بوضوح في قول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الحكيم {إما شاكرا وإما كفورا}.

الغريب في الأمر ان الأفكار التي تبناها الإنسان أخذت عدة توجهات ومنطلقات مختلفة، منها من شذ عن قاعدة الأنسنة، ومنها من تلاءم إلى حد ما، ومنها من تعارض نهائيا.

فبعض الاتجاهات الفلسفية نادت بضرورة التجمع وفق هوية مشتركة واحدة، تتشكل بحسب المنظور والفكر الجماعي برؤية أحادية، فتلغي إذ ذاك الخصوصية الفردية، ليكون البناء الهيكلي لشكل المجتمع الخارجي ـ وإلى حد ما الداخلي ـ ذا أطار واحد، ومنظومة واحدة.

وتعرف هذه الفلسفة بالفلسفة الجماعية communitaranism فهي التي تأخذ دور التأكيد على العمل الجمعي والمسؤولية الجماعية. وهي ما تتلاشى في ظلها الذوات الخاصة والأصوات الفردية، فتهمش كل نظرة أحادية الجانب أو فردية المنبع والمنشأ، غير معترفة بمن يغايرها، أو يخرج عن إرادتها الحتمية.

ومن هذا الشكل هنالك الكثير من الأمثلة بحسب نوعها وتوجهاتها، فمنها التوجهات والفلسفات الدينية، وهي دائما ما تنحو هذا النحو بحسب طبيعتها التقليدية في ضرورة الإبقاء على العمل الجمعي، بيد انها تختلف بحسب نوع وتوجهات هذا الدين. وفي هذا سيكون لنا وقفة لإيضاح معالم الرؤيا الإسلامية حيال الموضوع.

أيضا هنالك الحركات والتيارات والموجات السياسية والفكرية التي ينبع تشكلها من قاعدة الجمهور، فيكون والحال هذه اعتمادها الأولي ومادتها الخام، هو الإنسان في صيغته المجموعة.

إذن قريبا من هذا كله سنتتبع إلى حد ما معالم تشكل الهوية، وحالاتها بين الفردية والجمعية، آخذين بنظر الاعتبار تعرضها للإيجاب، ووقوعها في فخ السلب. في محاولة لوضع أصابعنا أو بعض أصبع على الحالة التي أدت بالإنسان إلى التفكك، والشعور بالخوف، أو الاحتقار الداخلي، او عدم الانتماء، من ثم الهرب من وإلى شبح القتل والموت الذي يطارده بمعية الفكر البشري ذاته الذي يخلق هذا القتل.

والحال هذه تأخذ الهوية بالتشكل وفق المنظور الخاص بالجماعة، بيد ان الأمر الأهم من هذا كله هو عدم ذوبان باقي متعلقاتها، فهي تجتمع مع المجموع في صيغة دينية على سبيل الفرض، بيد إنها تجتمع مع شكل آخر من الهويات المختلفة في مسألة تختلف عن سابقتها مثلا العمل أو الرياضة أو الهوايات، وما إلى ذلك.

والصيغة الإسلامية لاجتماع المجموع الإنساني لا يلغي بطبيعة الحال الفردية الخصوصية للإنسان، بيد نه يصنع منه نموذجا فعلا وحركيا، فوسيلة الارتباط بالمجموع تأتي عبر تحرك المجموع في الرقعة ذاتها التي تصب في مصلحة المجموع والفرد على حد سواء.

اما الضياع الذي تعاني منه البشرية اليوم، أبعد ما يكون عن ان يسمى ضياعا دينيا، او كما يحلو للبعض تسميته تطرفا دينيا، ذلك ان الدين ذاته هو ذوبان روحي وتربية أخلاقية بناءة، بيد ان الذي يحصل هو تشويه القيم الجمالية في الفكر الإسلامي، وضياع الفرد بين هويتين ـ على الأقل ـ العصبية القبلية، والتطرف الفكري إزاء المعتقد والأفكار التي يتبناها الآخر، وهنا تتوالد بسرعة مخيفة النقائض التي من شأنها ان تقتل هوية الذات الفردية والجماعية الخالصة، فيبدأ الأمر كما أسلفنا باحتقار الذات، والشعور بالتهميش والضياع، ثم الانسلاخ عن المكون الإنساني، وعدم القدرة على صنع آلة التعايش مع الآخر.

وهذا يرجع إلى أمور عدة منها:

· النشأة الأخلاقية للفرد القابل للانجراف وراء العنف والتطرف الفكري.

· الأفكار التي يدين لها بالولاء، أفكارا لا تؤمن بالآخر ولا تؤمن بالحوار والانفتاح الإنساني.

· الشعور بالدونية في التعامل مع الآخر، او النقص الكامل في مؤثث الشخصية الذي يلقي بظله على الفرد.

· الأفكار التي يتبناها التطرف في عدم احترام الذات الإنسانية، والتحقير المستمر لهذه الذات، مما يجعل لحامل هذه الأفكار أداة قتل متحركة لا تحترم الإنسانية، فهي وبنظره، مجرد كائن محتقر لا أهمية له.

· التربية وفق الأفكار القبلية البدوية القابلة للتأجيج والعصبية ومظاهر العنف، وصنع العدائية والمطالبة المستمرة بالثأر.

من هذه النتائج تتكون الشخصية القابلة للتمحور والإنجرار كما قلنا وراء التطرف والعنف، فالدخول عرضة في صميم التصدي للتشريع وتكفير الآخر، يجر وبالا على صاحبه أولا وعلى الإنسانية ثانيا.

فالمجتمع العربي او أي مجتمع آخر، له مكون هوية معينة، يتشكل وفق آلياتها التي تغذي مفردات حياته الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، وغيرها، واذا ما كان هناك تداخل في صيغة الهوية فإن هذا من شأنه ان يكون تعارضا نفسيا قاسيا، خصوصا حين يكون هذا التداخل محط رفض الآخر لا وسيلة جذب له أو تعايش معه، ومن هنا يمكننا القول ان لا مشكلة في التعددية التي تنضوي تحتها البشرية حتى وان كانت هذه التعددية تحت سقف مجتمع واحد، بل المشكلة في كيفية التفاعل والتلقي مع هذه الافكار.

لقد ضمن الاسلام ولسنين طوال عملية التعايش هذه بين المكونات المختلفة والتقاليد والاعراف، والهويات المتباينة، بيد ان ما لم يمكن تذويبه، هو الهوية القبلية البدوية، فهي أشد ما يكون في التعصب، كونها مبنية على أسس غير منطقية ولاتقبل لنقاش الآخر، او تفهم وحوار الآخر، وهذا يخلق بحد ذاته مشكلة كبيرة، وقد عانى من ذلك الرسول الأكرم محمد (ص) حين جاء برسالة ربه، فأخذتهم العزة بالأثم، ونجد هذا جليا وواضحا في خلافة امير المؤمنين (ع) وقبلها، فقريش قد فهمت الدور الرسالي بشكل مختلف جدا، فهمت القضية على انها ملك ورئاسة، وهذا ما حذر منه (ص) وما شدد عليه في أكثر من مكان حيث أكد ذلك بقوله  لقريش بأن علي (ع) هو اختيار سماوي، لا تنصيب وضعي في خلافة البيت الهاشمي.

لذا دأبت المنظومة القبلية العصبية العربية ومنذ ذلك الوقت على تحريف هذا المفهوم، وترويضه الى الشأن الذي يصب في صالحها، بيد انها أصطدمت بجدار الفكر الإسلامي، المتمثل بأفكار أهل البيت (ع) وفي أكثر من مكان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/تشرين الأول/2008 - 23/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م