مجتمعات في بؤر مستنقعات الكوليرا

مستنقع أمراض يتوسط حي المهندسين الزراعيين في كربلاء ويفتك بهم

تحقيق: صبا الأسدي

عدسة: احمد علي

 

شبكة النبأ: الماء والخضراء والوجه الحسن، مثال يصف اكتمال جماليات الحياة، وأهالي منطقة حي المهندسين الزراعيين في كربلاء تتوفر لديهم هذه العوامل الثلاث ولكن بصورة مغايرة للمعنى تماما. فالماء يقابل مساكن الناس هناك حتى يتسرب في الشتاء الى داخل منازلهم وربما يقض مضاجعهم في غرف النوم، والخضراء هي طبقات الطحالب التي غلّفت ذلك المستنقع الكبير الذي يتوسط مجموعات المنازل وتعلوه مجموعات كبيرة من البعوض والأزبال المتراكمة. اما وجوه الناس الساكنين في تلك المنطقة فهي فعلاً وجوه حسنة تعلوها البسمة البريئة المتطلعة لغد افضل آملة ان تجد في يوم مبادرة حكومية لردم مصدر الامراض والأوبة هذا..

ويقوم الاهالي بين فترة واخرى بجمع الأزبال وردم جزء من المستنقع عن طريق شرائهم لعربة من الانقاض ومخلّفات البناء، من اجل ان يتخلصوا من الرائحة الكريهة اضافة الى  التخوف من خطر تسرّب المياه لمساكنهم في فصل الشتاء الذي هو على الابواب.

ناظم الاسدي مسئول المجلس المحلي في تلك المنطقة قال لـ شبكة النبأ "ان هذه البُركة موجودة منذ زمن النظام السابق وقد ناشدنا الكثير من المسئولين في المحافظة وكذا مديرية ناحية الحُر من اجل معالجة هذا الامر ولكن دون نتيجة. علماً ان هذه البُركة قد تتحول بين ليلة وضحاها الى بؤرة لمرض الكوليرا الذي نشهد موجته القاتلة في محافظات الوسط والجنوب.

رسمية عناد، هي واحدة من أهالي تلك المنطقة وهي مهجّرة من مدينة المحمودية، تعيش مع زوجها وأطفالها الخمسة في بيت لا تتوفر فيه اية مقومات للحياة الطبيعية، فهو عبارة عن كوخ من القصب، وعندما دخلنا على رسمية وكان الوقت ظهراً، لم نجد لديها اية قدور على النار، فقد كان اطفالها ينتظرون أباهم لعله يأتي بأي شيء يسد رمقهم.

تقول رسمية "تهجّرنا من المحمودية بسبب الارهاب وعند قدومنا الى محافظة كربلاء فما كان امامنا إلا ان نسكن هنا في هذه المنطقة التي يتوسطها هذا المستنقع ويكتم انفاس اهلها، وتطالب رسمية المسئولين ان يلتفتوا الى حال العوائل المتواجدة بهذه المنطقة.

اما عن قصة قاسم منسي فهو الآخر مُهجَّر، وقد قُتل ثلاثة من ابناء عمه. وهو المعيل لعائلته ولعائلة بيت عمّه المتكونة من ست أفراد، ويعمل في البناء.

كان منزل قاسم منسي أفضل من بيت جيرانه رسمية، حيث حائط منزله من الطابوق وليس من القصب!. لكن هذا الحائط يسقط على أهله كل شهر بفعل الرطوبة العالية، ومن ثم يعيدون بناءه من جديد.

يقول قاسم لـ شبكة النبأ، ما بين فترة واخرى يعاني أطفالنا من الإسهال وهو اكثر ما يصيبهم من الامراض، لذا نحن نطالب وندعو المسئولين والسيد المحافظ ان يقدم لنا الدعم بردم هذه البُركة وله الاجر والثواب.

السيد حكمت، هو مختار هذه المنطقة، سألناه عن عدد البيوت المحيطة بهذه البُركة فقال، انها تقارب الـ 75 بيت، واغلبهم من المتجاوزين ولكن المنطقة ككل فيها بحدود 500   بيت وكلهم متأثرين بهذه البُركة ويعانون من أمراض كثيرة بسبب الرائحة والتلوث والحشرات، ولا توجد هناك أي جهة قدمت الدعم الى هؤلاء العوائل او حتى تساعدهم في التخلص من هذا المستنقع.

منظمة (سي اج اف) الإنسانية الخيرية، قامت ببناء حديقة صغيرة للأطفال ووفّرت فيها بعض الالعاب للترفيه عنهم، ولكننا سألنا أفراح احمد، مسئولة المشاريع في هذه المنظمة، ألم يكن الأولى هو القيام بردم البُركة وتخليص الناس من شرورها. فقالت افراح لـ شبكة النبأ "نحن لا نستطيع ردم هذه البُركة لانها تحتاج الى إمكانيات عالية. كما انه يجب ان اقوم أولاً بعمل حملة تواقيع من الناس المعنيين ومن ثم يتم طرح الموضوع على ادارة المنظمة.

د. فاضل الشمخي، مدير مركز الرعاية الصحية، حدثنا عن الامراض الشائعة في تلك المنطقة قائلا  "ان تلك المنطقة تعاني الكثير من الأمراض، منها الإسهال، والجدري المائي، وغيرها من الإمراض الانتقالية. كما ان الوضع الصحي لهذه المنطقة غير جيد عموماً، وبالأخص بعد انتشار مرض الكوليرا وان وجود المياه الآسنة والراكدة هي بحد ذاتها مبعث للأمراض وهي  تعمل على استفحال الكثير منها.

خرجنا من المركز الصحي، متوجهين الى الدوائر المعنية، وأولها بلدية الحر حيث كان جوابهم " ان علاج المشكلة يجب اولاً ان يبدأ من دائرة الماء حيث تقوم بسحب المياه الآسنة  ومن ثم تعمل البلدية على دفن البُركة.

اما بخصوص عدم دفنها مع العلم انها كانت منذ زمن النظام السابق فإن السبب هو وجود بعض المنازل المقامة على اطرافها بصورة عشوائية وغير مرخصة وهو ما يحول دون تنفيذ المشروع. كما ان قلة الامكانيات والتخصيصات لناحية الحر تجعل من المشاريع المنفذة بطيئة وتؤخر في تقديم الخدمات الى الاهالي، وكما هو معروف من ان ناحية الحر اكبر ناحية في المحافظة وامكانياتها قليلة جدا ولهذا نحن نطالب المعنيين بتوفير المستلزمات المطلوبة.

اما في دائرة ماء ناحية الحُر، فإن موضوع المستنقع لم يطرق ابوابهم ابداً فكان طرحُنا لهذه القضية هو الاول على مسامع المهندس جاسم حسين كريم.

وبخصوص دائرة المجاري وارتباطها بالموضوع قال المهندس احمد مكطوف فارس، ان هذه البُركة سيتم ردمها ان شاء الله خلال الشهر المقبل بحسب ما متفق عليه.

وأكد ذلك الكلام مدير ناحية الحر الشيخ حمود اليساري، حيث قال لـ شبكة النبأ، ان المديرية ستنفذ المشروع قبل نهاية هذه السنة، وتم التنسيق مع لجنة الإغاثة في تنفيذ هذا المشروع.

وما نتأمله من مديرية ناحية الحُر هو ان لا يكون شعارها " اواعدك بالوعد واسكيك يا كمون"، وأن يكون هناك قول ومن بعده مباشرة يأتي الفعل، وهذا ما نتمناه من جميع المسئولين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/تشرين الأول/2008 - 23/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م