لبنان: إتجاه للمصالحة مع الخوف من تعميق الصراع المذهبي

شبكة النبأ: تخطّى زعماء لبنانيون واحدا من خلافات طائفية كثيرة في بلادهم من خلال وقف القتال في طرابلس لكن لا يزال عليهم القيام بخطوات نحو مصالحة سياسية أوسع نطاقا لتعزيز استقرار البلاد. فالتفاهم الذي وقع في مدينة طرابلس الواقعة بجنوب لبنان يهدف الى وقف الاشتباكات بين السنّة والعلويين التي أسفرت عن مقتل 22 شخصا منذ يونيو حزيران وتسببت في نزوح المئات.

لكن القتال يظل متصلا بصراع مطول بين فصائل مدعومة من قبل سوريا وأخرى معارضة لنفوذها في لبنان. وبلغ هذا الصراع ذروته في مايو ايار حين سيطر حزب الله الشيعي لفترة وجيزة على بيروت مما زاد هوة الانقسامات الطائفية اتساعا ودفع البلاد الى شفا حرب أهلية.

وعلى الرغم من تشكيل حكومة وحدة وطنية منذ ذلك الحين استمرت التوترات ويعود هذا جزئيا الى أزمة في العلاقات بين سوريا والسعودية أحد الداعمين الرئيسيين لتحالف لبنان المناهض لدمشق.

ويقول منتقدون لاتفاق طرابلس انه ربما يكون قد أوقف العنف في طرابلس لكنه لا يعالج الخلافات السياسية الأوسع نطاقا أو يتعامل مع مطالب بنزع سلاح الميليشيات.

ويرى ساطع نور الدين الكاتب بجريدة السفير أن تفاهم طرابلس يفتقر الى أي جدية.وتابع أن التفاهم لم يذكر شيئا عن الحاجة الى التخلي عن السلاح وأضاف أن ما من أحد يستطيع أن يقول انها نقطة تحول بل هي هدنة. بحسب فرانس برس.

ولا يزال على زعماء السنة والشيعة المتحالفين مع دول متنافسة التغلب على مشاعر عدم الثقة مما يؤدي الى توتر العلاقات الطائفية في بيروت وأماكن أخرى. ومما يزيد القابلية لحدوث اضطرابات حذر ساسة من تدفق أسلحة على الشمال.

وعبرت سوريا التي يحكمها علويون والتي هيمنت على لبنان حتى عام 2005 في الاسبوع الماضي عن قلقها البالغ بشأن النشاط الاسلامي المسلح في طرابلس واتهمت السعودية بشكل غير مباشر بدعمه.

وتسلط هذه التصريحات التي أدلى بها الرئيس السوري بشار الاسد الضوء على مخاوف خصوم سوريا ومن بينهم الزعيم السياسي المدعوم من السعودية سعد الحريري بأن دمشق قد تستغل انعدام الاستقرار في الشمال كذريعة للتدخل مرة أخرى في لبنان.

وقتل السياسي الدرزي صالح العريضي يوم الاربعاء بينما كان يسير بسيارته في قرية بيصور شرقي العاصمة اللبنانية بيروت في انفجار سيارة ملغومة وأصيب ثلاثة اخرون. وينتمي العريضي لفصيل مؤيد لسوريا.

وتوسط الحريري وهو سني في اتفاق طرابلس ومن بين الموقعين عليه علويون لهم صلات وثيقة بسوريا.

ويقول مصباح الاحدب وهو سياسي من طرابلس وينتمي لكتلة الحريري البرلمانية ان هذه ليست مصالحة او حلا. واتهم حلفاء سوريا باذكاء العنف في المدينة وتابع أن المصالحة تحدث حين يكون هناك احتمال بالتخلص من الميليشيات المسلحة.

 وعلى الرغم من العيوب التي تشوبه يعتبر المتفائلون هذا الاتفاق خطوة على الطريق نحو مصالحة أوسع نطاقا هناك حاجة ماسة اليها للقضاء على امكانية تفجر المزيد من أعمال العنف مع اقتراب البلاد من انتخابات برلمانية تجري العام القادم.

استئناف الحوار الوطني في ظل تخوف من اغتيالات جديدة

ودعا رئيس الجمهورية ميشال سليمان الاقطاب السياسيين ال14 الذين وقعوا في ايار/مايو في الدوحة اتفاقا انهى ازمة سياسية حادة بين الاكثرية النيابية المدعومة من الغرب والاقلية التي يقودها حزب الله والمدعومة من دمشق وطهران الى حوار يعقد في القصر الجمهوري في بعبدا (شرق بيروت) برئاسته.

وانهى اتفاق الدوحة الذي وقعه الافرقاء السياسيون اللبنانيون في 21 ايار/مايو في العاصمة القطرية ازمة سياسية استمرت 18 شهرا وتطورت الى اشتباكات مسلحة بين انصار الاكثرية والاقلية النيابيتين كادت تجر البلاد الى حرب اهلية. بحسب فرانس برس.

وبفضل هذا الاتفاق انتخب سليمان رئيسا للجمهورية وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية ويجري العمل حاليا على سن قانون جديد للانتخابات النيابية. كما نص الاتفاق على "اطلاق الحوار حول تعزيز سلطات الدولة اللبنانية على كافة اراضيها وعلاقاتها مع مختلف التنظيمات على الساحة اللبنانية بما يضمن امن الدولة والمواطنين".

واعلن رئيس الوزراء فؤاد السنيورة ان "الاستراتيجية الدفاعية" ستكون البند الرئيسي على جدول اعمال الحوار وتهدف هذه الاستراتيجية الى تحديد مستقبل العلاقة بين الجيش وسلاح حزب الله الشيعي.

وبعد انتهاء الحرب الاهلية (1975-1990) سلمت جميع الميليشيات اللبنانية اسلحتها الى الدولة اللبنانية باستثناء "المقاومة" التي استمرت تقاتل الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان والتي شكل حزب الله رأس حربتها.

وكتبت صحيفة الانوار المستقلة في افتتاحيتها الاحد ان "الكل يعرف ان طرح الاستراتيجية الدفاعية اسم مستعار لرغبة اطراف محلية وخارجية في نزع سلاح حزب الله والرغبة المعاكسة لاطراف محلية وخارجية في الحفاظ عليه".

والاكثرية النيابية التي تؤكد على وجوب حصر قرار السلم والحرب في يد الدولة هي التي اصرت على بحث مستقبل سلاح حزب الله على طاولة الحوار.

وطرح الشيخ نعيم قاسم نائب الامين العام لحزب الله في تصريح صحافي ثلاثة شروط لنجاح الحوار الوطني.

وقال "اذا اردنا ان ينجح الحوار بسرعة هناك ثلاث قواعد: اتفاق المجتمعين ان لديهم عدوا واحدا هو اسرائيل اقتناعهم ببناء الدولة القادرة العادلة المتوازنة القوية النظيفة توافقهم على ان الهدف توفير المقومات اللازمة لتحرير الارض وتأمين الدفاع من خلال الاستراتيجية الدفاعية".

ولكن الحوار الوطني سيستأنف في ظل جو تسوده مخاوف من تجدد موجة الاغتيالات السياسية ولا سيما بعد الاغتيال الاخير الذي حصد حياة صالح العريضي القيادي في حزب موال لسوريا.

انفجار طرابلس.. هل يعمق الصراع المذهبي؟ 

وكتب دييد مونتيرو، مقالاً في صحيفة كريتسيان سانيس مونيتور حول تفجير طرابلس الاخير جاء فيه: يعمق التفجير الذي وقع في مدينة طرابلس وجاء بعد ايام قليلة فقط من تفجير آخر قرب دمشق وقف وراءه متطرفون اسلاميون على الأرجح، يعمق التوتر الطائفي على نحو واضح في هذه المدينة الواقعة في شمال لبنان.

فقد ادى انفجار شديد استهدف حافلة للجيش اللبناني في طرابلس الى مقتل خمسة جنود على الأقل عند الساعة الثامنة الا ربعاً من صباح يوم الاثنين الماضي ليقوي بذلك موجة الصراع الطائفي التي تجتاح المدينة ويزيد خطر اندلاع شرارة حرب اهلية اخرى مع تزايد حدة المنافسة بين المذاهب الإسلامية في الشرق الأوسط.

تقول امل سعد غريب مؤلفة كتاب «حزب الله: السياسة والدين، تاريخ الحركة الشيعية المسلحة»: هناك صراع عنيف على السلطة بين السنة والشيعة في طرابلس.

وأضاف الكاتب مونتيرو، الواقع ان اعمال العنف كانت قد اندلعت في المدينة منذ الصيف الماضي ثم جاءت الهجمات التي شنتها ميليشيات سنية فيها انتقاما من اجتياح سابق نفذته ميلشيا حزب الله في بعض احياء العاصمة اللبنانية بيروت قبل اربعة اشهر لتزيد الوضع توترا.

ففي الصيف دارت معارك استمرت 16 اسبوعا بين جنود الجيش اللبناني ومجموعة مسلحة تستلهم افكار القاعدة في عملها وتضم مسلحين لبنانيين، فلسطينيين وعرباً كانت قد استحكمت دا خل مخيم اللاجئين الفلسطينيين الواقع قرب نهر البارد شمال طرابلس. لكن شاكر العبسي قائد هذه المجموعة تمكن مع مقاتلين آخرين من التسلل الى خارج المخيم خلال المعارك ولايزال هاربا. وادى ذلك القتال الذي جرى بين تلك المجموعة التي تعرف باسم «فتح الإسلام» لمقتل 170 جنديا لبنانيا وتدمير المخيم الذي كان يسكنه 30.000 فلسطيني.

وتابع الكاتب مونتيرو، لابد من الاشارة هنا الى ان طرابلس والمناطق الريفية المجاورة لها مثل عكار تقطنها غالبية سنية مما جعلها مكانا ملائما لظهور الحركات الإسلامية المسالمة والمتطرفة معا. كما تضامنت الحركة السلفية مع السنة اثر اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، الذي كان يعتبر اقوى زعيم سني في لبنان عام 2005. ولما اعتبر الكثيرون من اللبنانيين والغرب سورية مسؤولة عن ذلك، غذى هذا شعور الكراهية الذي كان قد بدأ لدى السلفيين في الشمال منذ ان تم اعتقال الكثيرين منهم خلال الوجود السوري العسكري في لبنان الذي انتهى عام 2005 اثر موت الحريري.

وما يزيد حدة التوتر الآن هو ان انفجار طرابلس جاء عقب هجوم آخر مدمر قرب دمشق عندما انفجرت سيارة مفخخة قرب فرع فلسطين في الاستخبارات العسكرية السورية. ويلاحظ المراقبون ان هذا الهجوم الذي نفذه انتحاري بمتفجرات زنة 200 كيلوغرام تقريبا، هو الأسوأ من نوعه منذ المواجهة التي وقعت بين سلطات الأمن السورية وميليشيات حركة الإخوان المسلمين في سورية في اواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات.

وختم مونتيرو مقاله بإحتمال ان هذا التفجير وإعلان سورية انه مرتبط بمجموعة اسلامية كانت السلطات قد اعتقلت بعض افرادها اثار مخاوف كثيرة من ان يكون مقدمة لهجمات اخرى تقوم بها هذه المجموعة في سورية ولبنان على الرغم من ان للزعماء السياسيين في كلا البلدين وجهتا نظر مختلفتان بقوة حول من يوجه مثل هذا النوع من العنف. غير ان العديد من المحللين يعتقدون ان الهجومين يحملان بصمات المجموعة الإرهابية المرتبطة بالقاعدة التي تريد بدورها زعزعة امن المنطقة.

نزع الصور والشعارات السياسية من شوارع بيروت

تمت ازالة الصور والشعارات السياسية التي كانت تملأ شوارع بيروت في نهاية الاسبوع كما تقرر في اطار جهود لانجاز مصالحات وطنية كما افادت مراسلة وكالة فرانس برس.

واعلن النائب سعد الحريري ابرز زعماء الاكثرية الخميس القرار الذي يأتي في وقت تحاول الاطراف اللبنانية المتخاصمة اجراء مصالحات بينها لتبريد التوتر الذي سيطر منذ اعمال العنف التي وقعت بين انصار المعارضة والاكثرية في ايار/مايو واوقعت 65 قتيلا.

وبدأت عملية اخلاء شوارع بيروت من الشعارات السياسية والاعلام وصور الزعماء اللبنانيين الاحياء او الراحلين مساء الجمعة على ان تشمل في مرحلة لاحقة مناطق لبنانية اخرى.

وقالت فدوى غنوم (39 سنة) لوكالة فرانس برس "انه لامر رائع لانه دليل على ان السياسيين مستعدون لتسوية خلافاتهم حول طاولة المفاوضات بدلا من تسويتها في الشارع".

واضافت غنوم المقيمة في احد احياء بيروت المختلطة "في كل مرة اخرج فيها الى الشارع لدي انطباع بان هذا الحي ليس الحي الذي اقطن فيه. والان بعد ازالة (الشعارات السياسية) لدينا انطباع ان لبنان بلد للجميع".

ورأى حليم حنا (37 سنة) "انها فكرة ممتازة اذا نجحت في منع الاقتتال الداخلي. لكن في الوقت نفسه اليس هذا مخالفا لحرية التعبير؟".

الحوار الوطني اللبناني وقضاياه

دعا الرئيس اللبناني ميشال سليمان الزعماء السياسيين المتنافسين في لبنان الى الجلسة الأولى من الحوار الوطني الذي سيناقش قضية سلاح حزب الله الخلافية. ومن غير المتوقع ان يتوصل الحوار الى اختراق في القضية التي تقسم اللبنانيين بين الأغلبية البرلمانية المناهضة لسوريا وحلفاء دمشق بقيادة حزب الله لكن ينظر اليه كوسيلة لنزع فتيل التوتر.

-- المشاركون

كان سليمان وجه دعوات الى 14 زعيما شاركوا في مايو آيار في اتفاق الدوحة الذي وضع حدا لازمة سياسية استمرت 18 شهرا في البلاد. وسينعقد مؤتمر الحوار برعاية الرئيس سليمان في القصر الجمهوري في بعبدا.

ومن بين المشاركين في جلسات الحوار الزعيم السني سعد الحريري والزعيمان المسيحيان أمين الجميل وسمير جعجع إضافة الى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ورئيس الوزراء فؤاد السنيورة.

كما ينعقد الحوار بمشاركة شخصيات مؤيدة لسوريا منها رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة حزب الله البرلمانية محمد رعد كما سيشارك الزعيم المسيحي المعارض حليف حزب الله ميشال عون.

-- جدول الاعمال

من المتوقع ان يسيطر على الحوار موضوع "استراتيجية الدفاع الوطني" الذي يحدد التعامل مع مصير سلاح حزب الله. وكانت الجماعة المدعومة من سوريا وايران اكدت بوضوح انها لن تسلم سلاحها وفقا لقرار مجلس الامن الدولي ومطالب الولايات المتحدة التي تعتبر حزب الله منظمة ارهابية. لكن حزب الله كرر قوله انه مستعد لمناقشة استراتيجية دفاعية تحدد دور قواته ودور الجيش اللبناني في مواجهة التهديدات الاسرائيلية.

ويقول تحالف الأغلبية المناهضة لسوريا والمدعوم من حكومات أجنبية منها الولايات المتحدة ان الدولة وليس حزب الله يجب ان تعنى بمسألة الدفاع عن لبنان وان سلاح الجناح العسكري للجماعة أضحى أكثر تعاظما من الجيش وهو أمر يضعف الدولة.

-- حوارات سابقة

كان بري عقد حوارات وطنية سابقة في العام 2006 وناقشت تنظيم العلاقات مع سوريا وقضية السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ومصير الرئيس اللبناني السابق المؤيد لسوريا اميل لحود. وتوقفت هذه الحوارات بعد الحرب التي اندلعت في 12 يوليو تموز عام 2006 بين حزب الله واسرائيل.

ودعا بري الى حوارات أُخرى في اكتوبر تشرين الاول ونوفمبر تشرين الثاني من العام 2006 حيث كان حزب الله وحلفاؤه يطالبون بتشكيل حكومة وحدة وطنية. ورفضت قوى التحالف المناهضة لسوريا التي تسيطر على الحكومة تلبية مطالب المعارضة مما أدى الى صراع سياسي استمر 18 شهرا.

وورد موضوع الحوار في الاتفاق الذي رعته قطر في مايو ايار الماضي. ويضم اتفاق الدوحة الذي ضمن وصول سليمان الى سدة الرئاسة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية جولة جديدة من الحوار الوطني.

-- ما هي فرص التقدم؟

يستبعد المراقبون ان يستجيب حزب الله لمطالب منافسيه بنزع سلاحه ويرون ان التقدم نحو اتفاق على القضية التي تقسم اللبنانيين مرتبط بالنزاع الاقليمي والدولي الخارجي بين سوريا وايران من جهة والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة من جهة أُخرى.

لكن ينظر الى الحوار على انه سيساعد على تنفيس الاجواء المتوترة التي تهدد استقرار لبنان قبيل اجراء الانتخابات التشريعية المقررة عام 2009.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/تشرين الأول/2008 - 11/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م