العراق بعيون غربية

فرصة في أرض المخاطر والعقول فيها تبقى خائفة

مقتطفات مما نشرته الصحف العالمية من آراء وتحليلات حول الشأن العراقي

إعداد علي الطالقاني

شبكة النبأ: فرصة تمرُّ على العراق كمرّ السحاب قد تخرجه من أزمة اقتصادية خانقة، والعقول العراقية المتميزة لا تزال تشعر بالتهديد، فضلا عن موضوع الإعلام العراقي وترويجه لدعاية أميركية وموضوع امتداد خطر القاعدة، أهم ما تناولته الصحف الغربية حول الشأن العراقي.

فرص في أرض المخاطر  

أشارت صحيفة ذي تايمز البريطانية في تحليل نشرته تحت عنوان "العراق.. فرص في أرض محفوفة بالمخاطر" إلى أن عددا كبيرا من الصناعات والشركات المملوكة من قبل الدولة على اختلاف أنواعها من النفط إلى الغاز فالزراعة فالفولاذ، بدأ يفتح أبوابه بشكل لم يسبق له نظير. فالعراق يتوق إلى الاستثمار الأجنبي وتعريف العالم على نفسه بعد قرابة ثلاثة عقود من الحروب والعزلة الدولية.

غير أن ذي تايمز رأت أن المخاطر الأمنية كبيرة جدا رغم أنها تراجعت عن مستوياتها في العام الماضي، ورأت أن الفرص في حد ذاتها غير مسبوقة، مرجحة عودة ما سمته العنف مجددا.

وربطت الصحيفة نجاح الاستثمار بمدى استعداد حكومة نوري المالكي للتخلص من البيروقراطية، خاصة أن الاستثمار الخاص يتطلب موافقة وزارات الدولة، كما أن الاتفاقية الثنائية بين بغداد وواشنطن التي تغطي العلاقة بين البلدين إلى ما بعد نهاية هذا العام، بما فيها اتفاقية وضع القوات العسكرية، من شأنها أن تحدد معالم المشهد العراقي المضطرب.

وفي مقام آخر قالت صحيفة ذي تايمز إن عدد الشركات التي تسعى إلى فرص عمل في العراق -وعلى رأسها شركة شل الهولندية- أخذ يتزايد بسبب تراجع الهجمات لأول مرة منذ الغزو الأميركي.

ولفتت الصحيفة في تقرير لها بعنوان "معركة الأعمال تبدأ مع اتخاذ العمليات العسكرية منحى سلميا" النظر إلى أن جنوب العراق حيث رابطت القوات البريطانية منذ 2003، يعتبر منطقة مصالح خاصة لكونه يرقد على أحد أكبر احتياطات النفط والغاز في العالم.

ونسبت الصحيفة إلى مساعد مدير لجنة تنمية البصرة -وهي هيئة أسست لتشجيع الاستثمار في البصرة- مايكل ورنغ قوله إن المصالح الأجنبية قد تنامت منذ العمل العسكري الذي شنته القوات الأميركية والعراقية على المدينة واستيلائها عليها.

كما أن دفع الحكومة العراقية نحو تعزيز المشاريع المشتركة مع الشركات المملوكة من قبل الدولة -ضمن نظرة تنطوي على الخصخصة في المستقبل- بات يجذب الانتباه.

تهديد العقول العراقية المتميزة

من جهة أخرى ذكرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أن العراق ما زال يشكل خطرا على كثير من المهنيين والمثقفين والمهندسين، فازدادت هجرة العقول خارج البلاد، وقد ساهمت في ذلك عدة عوامل.

وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة العراقية تشجيع المواطنين العراقيين الذين غادروا البلاد إلى العودة، ارتأت عائلة شاكر الخروج لأنها لا ترى -كغيرها من العائلات العراقية- أي مستقبل للعراقيين بالبلد.

ومن جانبها رفعت الحكومة العراقية رواتب الموظفين من 50 إلى 75% لاستقطاب موظفي الدولة كالمدرسين والأطباء الذين فر معظمهم بعد الغزو الأميركي 2003 والإطاحة بنظام صدام.

ورغم أن وزارة الهجرة والنازحين العراقية قالت إن عشرات الآلاف عادوا، فإن أكثر من 2.5 مليون عراقي غادروا وما زالت هجرة العقول مستمرة، ويعتقد قادة سياسيون وأصحاب أعمال أن الأمر يحتاج إلى عدة سنوات قبل تخطي مسألة هجرة المهنيين.

مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة قال إنه راقب الأعداد التي تغادر الحدود إلى سوريا منذ يناير/كانون الثاني الماضي إلى يوليو/تموز من هذا العام ليجد أن عدد الذين غادروا يزيد بـ7200 عمن دخلوا البلاد.

ويرى البعض -كما تقول لوس أنجلوس تايمز- أن السياسة الأميركية الجديدة في فتح الباب أمام مزيد من العراقيين كل عام من شأنها أن تفاقم هذه المسألة.

رئيس غرفة التجارة والصناعة الأميركية العراقية في بغداد رائد عمر كان يقول إن العراق قد يتعافى اقتصاديا في غضون عامين، ولكنه الآن يؤكد "إذا قلت خمس سنوات فلن أكون واثقا من ذلك"، وأضاف "أعتقد أن الناس لا يملكون الثقة في المستقبل".

وأكدت من طرفها المتحدثة باسم وزارة التعليم العالي سهام شجيري قولها إن 6700 أستاذ جامعي غادروا العراق، ولم يعد منهم سوى 150 وتعرض 300 للقتل.

ورغم تحسن الأوضاع الأمنية حسب تعبير الصحيفة فإن المهنيين ما زالوا هدفا لعمليات الاغتيالات حيث ينظر إليهم بأنهم موالون للغرب.

ومن العوامل التي تدفع بهذه الفئة إلى الهجرة فشل الحكومة في توفير الخدمات الأساسية مثل المياه الصالحة للشرب واضطرار البعض للوقوف ساعات طويلة من أجل الحصول على الوقود، وعدم ثقتها بقدرة هذه الحكومة، الأمر الذي لا يشجع على البقاء في البلاد.

ترويج الإعلام العراقي للدعاية الأمريكية

من جهة أخرى وفي الشأن الداخلي العراقي ستدفع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مبلغ ثلاثمائة مليون دولار لمؤسسات أميركية خاصة في السنوات الثلاث القادمة كي تنتج قصصا إخبارية وبرامج ترفيهية وإعلانات للخدمات العامة تبث عبر وسائل الإعلام العراقية بغية "جذب" العراقيين و"إقناعهم" بدعم الأهداف الأميركية وجهود الحكومة العراقية, حسب صحيفة أميركية.

واشنطن بوست قالت إن العقود الجديدة التي تم منحها لأربع مؤسسات الأسبوع الماضي ستوسع وتعزز ما يسميه الجيش الأميركي "العمليات الإعلامية السيكولوجية" في العراق في المستقبل المنظور, بغض النظر عن مدى تقلص أعمال العنف وعن بدء الأميركيين تقليص عدد قواتهم بالعراق.

الصحيفة قالت إن مسؤولي البنتاغون غالبا ما صرحوا بأن أميركا متخلفة إعلاميا ودعائيا عن تنظيم القاعدة الذي يستخدم مواقع جد متطورة على الإنترنت, وكثيرا ما أبدى وزير الدفاع الأميركي الملاحظة التالية: "الهيمنة من الناحية الإعلامية هي لعدونا رغم كونه مختبئا في كهف".

لكن مسؤولي البنتاغون يعتقدون الآن أن منتجاتهم قد أصبحت أكثر براعة وتنافسية, حسب واشنطن بوست.

ونسبت الصحيفة لأحد المسؤولين قوله إن الحملات الإعلامية التي مولتها واشنطن لتسليط الضوء على عمليات القتل التي كان "المتمردون" العراقيون يقومون بها ساعدت في تغيير مواقف العراقيين من تنظيم القاعدة في السنتين الأخيرتين بحيث أصبحوا يرفضونه كلية.

ويضيف المسؤول أن البنتاغون ينوي استخدام نفس الوسائل والأدوات لتقليل النفوذ الإيراني في العراق.

ويضرب مسؤول آخر مثالا على برامج الدعاية الأميركية فيقول: "يقوم مثلا المقاول الأميركي بإنتاج فيلم فيديو تظهر فيه عائلة تتعرض للهجوم من طرف أنذال, يقومون باختطاف ابنتهم. والرسالة من هذا الفيلم هي: عليكم أن تقفوا وقفة رجل واحد ضد هذا العدو".

ويضيف المسؤول أن مثل هذه اللقطات التي تعد بعناية فائقة ومهنية عالية توزع على محطات التلفزيون العراقية التي تقوم ببثها وهي لا تعلم أن مصدرها هو الحكومة الأميركية, ولو عملت بذلك لما بثتها.

إمتداد خطر القاعدة

من جهته كتب توم بيتر موضوعا في كريستيان ساينس مونيتور تحدث فيه قائلا عندما اعتقله الجيش العراقي اثناء ملاحقة عناصر مجموعة القاعدة في العراق، كان عبدالباسط يعمل متنكرا كراع للأغنام في منطقة ريفية، ولاشك ان مثل هذا النشاط يشكل فارقا كبيرا عن تلك الايام التي اعتاد فيها على ابتزاز السكان المحليين، وإعدام منافسيه علنا في قرية تبعد 65 ميلا الى الجنوب من بغداد.

ويضيف كاتب كاتب المقال هكذا تحول هذا الناشط المسلح، الذي لم يكن احد يتجرأ على الاقتراب منه، الى شخص يعيش في الخفاء على هامش المجتمع. ويبدو ان الكثيرين من رفاقه ساروا على طريقته واستمروا في القيام بأعمال عنف تحت ستار التجارة بالأغنام.

وأشار الى سخط السكان المحليين من اعمال العنف العشوائية التي تنفذها القاعدة في العراق، تحول الكثيرون من الناشطين فيها مثل عبد الباسط الى العمل السري بل وشكل بعضهم خلايا قائمة داخل قوات الأمن العراقي، ولم يعد يظهر افراد هذا التنظيم من مخابئهم الا للقيام بهجمات كبيرة مختارة.

ويعلق قائلا على الرغم من ان هذا التحول الاستراتيجي ادى لنشاط اقل على الأرض عمليا، لم تتخل هذه المجموعة القاعدة في العراق عن القتال، ومن المحتمل جدا ان يبقى تهديدها مستمرا لسنوات عدة.

وأشار كاتب المقال الى قول مسؤول عسكري امريكي كبير: ان ما حدث يشكل تطورا طيبا، فبعد ان كانت هذه المجموعةتعمل في اطار المقاومة المسلحة، ا صبحت الآن مجموعة ارهابية ولم تعد شبكة ناشطة بل هي عبارة عن خلايا صغيرة فقدت التأييد الذي كانت تحظى به لدى السكان، وباتت تعيش في خوف منهم بعد ان انقلبوا عليها. ويضيف هذا المسؤول قائلا: قبل سنة واحدة فقط كان هناك اشخاص مثل عبدالباسط يجوبون الشوارع علنا، وكان للقاعدة في العراق مكاتب في كل مدينة عراقية رئيسية تقريبا، الا ان معظم من تبقى منهم اليوم تحول للعمل السري بعد تحسن وضع الأمن في البلاد.

والحقيقة ان مجموعات الحراسة الأمنية المعروفة باسم ابناء العراق، التي تم تشكيلها بدعم امريكي لوقف هجمات القاعدة في العراق على المواطنين المحليين، لعبت دورا رئيسيا في التضييق اجتماعيا على هذه المجموعة الإرهابية.

وأضاف توم بيتر كما سمح تحسن التكتيكات الأمنية الامريكية المعاكسة وتزايد القدرة العسكرية العراقية للمسؤولين باستهداف عناصر القاعدة في العراق على نحو فعال اكثر.

فبينما شهد شهر يونيو عام 2007، 1400 هجوم كل اسبوع ضد المدنيين العراقيين وقوات التآلف او القوات العسكرية العراقية، اقتصر عدد الهجمات اليوم على 125 هجوما فقط اسبوعيا، وهذا تراجع بنسبة %91.

ويضيف الكاتب من ناحية اخرى، على الرغم من ان القاعدة في العراق بدأت كمنظمة وطنية داخلية، الا انها سرعان ما طورت علاقتها مع شبكة القاعدة الأكبر التي يقودها اسامة بن لادن.

تقليديا، كان اعضاء قيادة القاعدة في العراق يأتون من الخارج، لكن من الواضح ان تسرب المقاتلين الاجانب الى داخل العراق يكاد يتوقف الآن لأن الكثيرين منهم اصبحوا يفضلون الذهاب الى افغانستان فقبل سنة واحدة اعتاد ما بين 40 الى 60 مقاتلا اجنبيا على دخول العراق كل شهر، لكن هذا العدد تراجع الآن الى %20 تقريبا في الشهر، طبقا لمؤشر العراق في معهد بروكينغز.

ولجأ الكثيرون ممن تبقى منهم الى المناطق الريفية او ضواحي المدن حيث لا يعرفهم احد فيها. ومثل عبدالباسط ايضا تحولوا للعمل في مهن بسيطة كصيد السمك ورعي الأغنام او العمل في المزارع. لكن مع انتشار السكان على مساحة واسعة من الأراضي الزراعية يصبح من الصعب على قوات الأمن القيام بدوريات في مثل هذه الأماكن لإلقاء القبض على عناصر القاعدة في العراق، الا ان ما يزيد هذه المشكلة تعقيدا برأي المسؤولين العسكريين العراقيين والامريكيين هو انضمام عدد من اعضاء القاعدة في العراق الى وحدات الجيش والشرطة ومجموعات ابناء العراق.

ويبدو ان قيادة هذه القاعدة شجعت كوادرها على الانخراط في قوات الأمن كجواسيس عندما بدأ الموقف الشعبي التحول ضدها.

ولما بات من الصعب عليها تنفيذ الكثير من العمليات، تميل القاعدة في العراق اليوم للاحتفاظ بقوتها المقاتلة للقيام بهجمات كبيرة نوعية ضد كبار المسؤولين في الحكومة ودوائر الأمن، الا ان هذا لا يعني انها توقفت عن تفجير بعض القنابل في الاماكن العامة لتقتل بها دون تمييز. اذ تقول دائرة تعداد الجثث، التي هي هيئة مستقلة تراقب الإصابات التي تلحق بالمدنيين العراقيين، ان معدل الذين فقدوا ارواحهم يوميا بين الأول من يناير والثامن والعشرين من يوليو هذه السنة بلغ 11 شخصا نتيجة للهجمات الانتحارية او السيارات المفخخة.

.............................................................................................

- المركز الوثائقي والمعلوماتي في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام مركز يقدم الخدمات الوثائقية والمعلوماتية، للاشتراك والاتصال www.annabaa.org///[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/تشرين الأول/2008 - 11/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م