كيف نحول السياحة إلى منتج؟

محمد حميد الصواف/مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام

تتبلور أمامنا العديد من مقومات النجاح في تأسيس مرتكزات بنيوية كدولة ومجتمع، قادرة على الارتقاء بنا إلى مصاف الدول المستقرة اقتصاديا واجتماعيا في المنطقة ككل. خصوصا ونحن على أعتاب مرحلة الاستقرار (الأمني ـ الاقتصادي) الذي يشهده العراق، فضلا عن الانفتاح التدريجي للمجتمع الدولي على عراق (ما بعد الحرب).

فالعراق اصبح يعتمد بشكل اساسي ووحيد على صادراته النفطية في الوقت الحالي، بعد ان اندثرت بفعل الظروف التي صاحبت الحقبة الماضية الكثير من الصناعات التجارية التي كان العراق يعتمد عليها كرديف للنفط في مداخيلة النقدية، كالزراعة والثروة الحيوانية، والتي يقتضي الكثير من الوقت والجهد والاموال لاعادة ترميمها.

وهذا يدفعنا للبحث عن المزيد من الخيارات واستقطاب الفرص الاستثمارية الاخرى، كالسياحة مثلا، كرافد غني آخر لعصب الاقتصاد العراقي إذا اتيح اغتنامه بسبل مدروسة وعلمية تؤدي بنا الى تطوير هذا المرفق واستثماره بشكل فاعل.

فالسياحة أو الصناعة غير المنظورة حسب ما يطلقه عليها خبراء الاقتصاد، أحد أهم عوامل الازدهار الاقتصادي للبلدان، لما تدره السياحة من أموال معتبرة على مداخيل تلك الدول، بالإضافة إلى أثرها الفاعل في التنمية الاقتصادية.

حيث تستقطب هذه الظاهرة الرائجة في عدد محدود من الدول السياحية التصنيف، عديد الوافدين والزوار السياح، وهواة الترحال والترفيه من مختلف أرجاء المعمورة.

كما تعد السياحة من أكثر الصناعات نمواً في العالم، كونها قطاع إنتاجي يلعب دوراً مهماً في زيادة الدخل القومي وتحسين ميزان المدفوعات، ومصدراً للعملات الصعبة، وفرصة لتشغيل الأيدي العاملة، وهدفاً لتحقيق برامج التنمية، مما حدي بالعديد من الدول التي تفتقر للبيئة السياحية إلى إنشاء وتأسيس مشاريع سياحية اصطناعية كعامل جذب استثماري للسياح.

 وحسب منظمة السياحة الدولية تسهم عائدات السياحة بنسبة 11% من مجموع الإنتاج العالمي، فيما تتيح نحو 200 مليون فرصة عمل، أي ما يوازي 8% من مجموع فرص العمل في العالم، كما تتصدر المنتجات السياحية الترتيب الأول في التجارة الدولية، تعقبها بالدرجة الثانية صناعة المركبات.

مما يجعل من السياحة وسيلة للمساهمة في النمو الاقتصادي للبلدان النامية، تتباين مساهمة نفقات السياحة في الناتج المحلي الإجمالي تباينا واسعا من بلد إلى آخر، حسب حجم الاقتصاد ومستوى الإنفاق.

ووفق دراسة أجريت لحساب (أمريكان اكسبريس ترافل) استأثرت أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وأوروبا الشرقية وشرق آسيا والمحيط الهادئ على امتداد العقدين الماضيين بالجانب الأكبر من واردات السفر والسياحة، بينما استأثر إقليم البحر المتوسط بمتوسط مقداره 36 في المائة من حجم السياحة الدولية.

فقد استطاع الشرق الأوسط أن يكون وجهة لـ46 مليون سائح في العام الماضي، بالرغم من حالة عدم الاستقرار السياسي الذي اجتاح المنطقة.

من منظور آخر، فإن السياحة هي حركة ديناميكية ترتبط بالجوانب الثقافية والحضارية للإنسان، بمعنى أنها رسالة حضارية وجسر للتواصل بين الثقافات والمعارف الإنسانية للأمم والشعوب، ومحصلة طبيعية لتطور المجتمعات السياحية وارتفاع مستوى معيشة الفرد.

 فهي عامل إثراء ثقافي للسكان المحليين، لما تتيحه من فضاءات رحبة في الاختلاط والاطلاع على ثقافات الشعوب وإتقان لغاتها المنوعة.

حيث غدت السياحة منهجاً وأسلوباً تقوم عليه العديد من المؤسسات السياحية العالمية، وعلى غير ما يعتقد الكثير فإن تطبيق مفهوم السياحة لا يعد مكلفاً من الناحية المالية، فله عائده المعنوي والمادي، ويعود بالربح والفائدة على المؤسسات السياحية.

يرى الكاتب الأمريكي (كامبردج بوك ريفيوز) في كتابه "السياحة في مجتمع معولم" حول العلاقة بين السياحة والحداثة مع التركيز على أثر السياحة على العلاقات الإنسانية والاجتماعية (حتى يشعر مجتمع معين بخصوصيته لا بد من أن يجد مجتمعات أخرى يقارن نفسه بها، أو ما يعرف في الدراسات بـ "الآخر" والاختلاط بالسياح والأجانب يعطي فرصة مهمة لإجراء هذه المقارنات).

والعراق احد البلدان القلائل الذي تتوافر فيه مقومات السياحة الناجحة كونه يتمتع بعوامل جذب واستقطاب الزوار من مختلف ارجاء الامم والشعوب، نظرا لرصيده الكبير في الخزين الاثري والثقافي والديني.

فضلا عن كونه يتمتع ايضا بتضاريس ومناخات بيئية متباينة في الشمال والوسط والجنوب، مما تعد حوافز مغرية لاستقطاب اكبر عدد من السياح في مختلف المواسم السنوية، مما يؤشر لضرورة تطوير هذا القطاع وتفعيله.

ويرى المختصون في هذا المضمار ان نجاح السياحة يأتي عبر اهمية ادراك مفهوم السياحة ومعرفة مكوناتها وتحويلها الى منتج قابل للتصدير، عبر معرفة اهم عناصرها كمنتج اقتصادي هام، وهي:

1- السائحون: وهى الطاقة البشرية التى تستوعبها الدولة المضيفة صاحبة المعالم السياحية وفقاً لمتطلبات كل سائح.

2- العارضون: وهى الدول التى تقدم خدمة السياحة لسائحيها بعرض كل ما لديها من إمكانات فى هذا المجال تتناسب مع طلبات السائحين من أجل خلق بيئة سياحية ناجحة.

3- (المعالم السياحية): باختلاف أنواعها والتى تتمثل فى أنواع السياحة وتقديم التعريفات المختلفة لها فنجد منها: السياحة الدينية، السياحة البيئية، السياحة العلاجية، السياحة الرياضية، السياحة الاجتماعية، سياحة التسوق، سياحة المغامرات، سياحة الشواطىء، السياحة الفضائية، سياحة الآثار... الخ.

ثلاثة ابعاد هامة للنهوض بمشروع وطني شامل للسياحة

 أولا: العائد المادي لأصحاب المشاريع السياحية.

ثانياً: البعد الاجتماعي، على اعتبار أن هذه المؤسسات هي جزء من المجتمع المحلي وعليها الاستفادة من الخبرات والكفاءات المحلية ما أمكن، بالإضافة إلى إشراك المجتمع المحلي والأخذ برأيه.

 أما البعد الثالث: فهو البيئة حيث تعامل هذه المؤسسات على أنها جزء من البيئة، وبالتالي يجب عليها المحافظة على الموارد الطبيعية من ماء وطاقة ونباتات وأحياء طبيعية لدرء أي خطر من مشاكل التلوث والتدهور.

لذا تجدر الاشارة بعض النقاط والمقترحات لوضع آلية لتفعيل وديمومة السياحة بشكل اكبر:

1. إعداد وتأهيل السكان المحيطين بالمناطق السياحية ثقافياً ومهنيا وتعريفم باهم السلوكيات والاخلاقيات الناجحة في استقطاب السياح وجذبهم.

 2. وضع السبل الكفيلة لتحسين الوضع البيئي وتجميل المناطق المحيطة بالمواقع السياحية وتوفير الخدمات الضرورية فيها وإنشاء الطرق التي تسهل الوصول إليها.

3. تأهيل كوادر وشركات سياحية محلية قادرة على تنظيم سفرات منتظمة، للسواح والزوار والمواطنين بواسطة حافلات مكيفة إلى المعالم الأثرية والحضارية والسياحية مع إعداد برامج منوعة وترفيهية لهم.

4. تشجيع المنتوجات الصناعية والزراعية المحلية ومصنوعات الحرف التقليدية أو الشعبية لتقديمها أو بيعها إلى السياح.

5. تفعيل دور الإعلام المرئي والمكتوب في الترويج للسياحة المحلية.

* مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام/كربلاء المقدسة

http://annabaa.org

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/تشرين الأول/2008 - 11/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م