البقيع ظلامة مقبرة: توصيات ومقترحات لمعالجة هدم الآثار

علي الطالقاني

شبكة النبأ: البقيع، بباء موحدة مفتوحة، بعدها قاف مثناة، بعد القاف ياء مثناة ساكنة، وآخره عين مهملة, هو المقبرة الرئيسة لأهل المدينة المنورة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أقرب الأماكن التاريخية إلى مبنى المسجد النبوي حالياً، يقع في مواجهة القسم الجنوبي الشرقي من سوره، وقد ضمت إليه أراض مجاورة وبني حوله سور جديد مرتفع مكسو بالرخام. وتبلغ مساحته الحالية مائة وثمانين ألف متر مربع؛ يضم البقيع رفات الآلاف المؤلفة من أهل المدينة ومن توفي فيها من المجاورين والزائرين أو نقل جثمانهم على مدى العصور الماضية، وفي مقدمتهم أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، وغيرهم كثير.

وقد وردت أحاديث عدة في فضل البقيع، منها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول:"السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد. لذا تستحب زيارة البقيع والدعاء لمن دفن فيه اتباعاً لسنة المصطفى صلى الله عليه وآله.

البقيع في ذاكرة الإمام الشيرازي

يقول الإمام الشيرازي اعلى الله درجاته في مقدمة كتابه البقيع الغرقد:( البقيع الغرقد ) ذكرت في هذا الكتاب بعض النقاط التي يلزم مراعاتها بالنسبة إلى هذا المكان المقدس المشتمل على آثار الرسالة النبوية، وقبور أئمة أهل البيت (عليهم السلام ).

ويضيف الإمام الشيرازي البقيع قد هدّم حديثاً، والمسلمون كانوا يرقبون بناءها كما كانت منذ أكثر من ألف سنة، لكنها لم تجدد.. والى يومنا هذا!.

مع أنه قد مات وذهب عامل خرابه الذي كان المستعمر الماكر، فهل تبقى القبور هكذا خراباً؟

أو يهدي الله المسلمين لتجديدها؟

ويعرج الإمام الراحل  اعلى الله درجاته الى المظاهر الإيجابية التي شاهدها في رحلة الحج بصحبة والده (1304ـ1380هـ) المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي في السبعينات من القرن الرابع عشر للهجرة بقوله:

وقد رأيت أنا إبّان زيارتي الحج ـ وذلك في خدمة الوالد (رحمه الله) ـ أمرين حسنين لكن بعدئذ سمعت برفعهما:

الأول: خلط الحجاج بعضهم مع بعض ـ بما للكلمة من معنى ـ من جميع أصنافهم ومن كل البلاد الإسلامية، حتى أن الوالد( قدس سره ) كان يصلي الجماعة هناك.. فكان المأمومون في جماعته من كل لون وبلد ومذهب.

لكنْ بعد ذلك جعلوا لكل بلد مكاناً خاصاً حيث لا يختلط بعضهم ببعض وذلك بحجة النظم وما أشبه!!.

الثاني: إن جماعة من الحجاج كانوا يحملون معهم الخباء ويسكنون في أطراف المدينة المنورة ومكة المكرمة من دون حاجة إلى استئجار بيت.

بينما اليوم قد منعوا من ذلك، وهو تضييق للحجاج الكرام حيث أن الفقراء لا يمكنهم الحج لغلاء الأسعار.

ثم يفصل  قدس سره  في ظاهرة توحيد الصلاة بقوله:

منذ ما يقارب ثمانين سنة سعوا في أن تصبح الصلاة في المسجدين الشريفين خاصة بإمام جماعة واحد معيّن من قبل الحكومة، وقد نجحوا في ذلك، مع وجود كل المذاهب هناك، ولكل مذهب الحق في أداء الصلاة في أوقاتها الخاصة، ولكل مأموم حرية الاقتداء بأي إمام شاء.

وقد بنى الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في زمانه في المدينة المنورة سبعة وأربعين مسجداً، وكانت تقام الصلاة في جملة منها، ولم يدل دليل على أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمر الناس جميعاً بصلاة واحدة في مسجده.

بل عيّن بنفسه الشريفة ( أم ورقة ) لأن تصلي بالنساء، فمن شاءت كانت تصلي معه ( صلى الله عليه وآله وسلم )، و منْ شاءت كانت تصلي مع أم ورقة.

وفي زمان أمير المؤمنين علي (عليه السلام ) كانت مساجد خاصة بالنساء في مسجد الكوفة، مما يظهر منه عدم حضورهن جميعاً للصلاة معه (عليه السلام) في المسجد.

إن الإسلام دين الحرية إلا فيما استثنى ـ وهو نادر جداً ـ وليست صلاة الجماعة من المستثنى.

فاللازم أن يرجع أمر الصلاة في الجماعة والفرادى إلى السابق من عهد الإسلام الطويل..

ولو صحت البدعة لصح إجبار الناس على أن يطوفوا بشكل منظم كصفوف عسكرية، ولا شك أنه أجمل لكنه خلاف الحرية.

حاله حال ما إذا أجبر الناس على لبس لباس واحد في الصلاة أو غيرها كما في نظام الجند، أو بأكل الجميع طعاماً واحداً ظهراً أو مغرباً، أو بالسكن في نوع واحد من الدور، أو بألف توحيد وتوحيد مما يخالف قانون السلطنة والحرية.

وكل ذلك خلاف الشرع والعقل وخلاف عمل الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن جاء بعده من الحكام والخلفاء والى هذا اليوم، و في كل البلاد الإسلامية وغير الإسلامية حيث تتعدد الصلوات في المساجد الوسيعة في البلاد الإسلامية أو غير الإسلامية.

بِدعة منع نشر الكتاب في الحج

يقول الإمام الشيرازي كنت أبعث إلى الحج ـ وأنا في العراق ـ كتباً صغيرة لتعريف الشيعة إلى العالم الإسلامي، مثل: ( هكذا الشيعة ) و: ( من هم الشيعة؟ ) وما أشبه إلى ثلاثة عشر كتاباً، والعالم السني استقبلها بكل رحابة صدر، حيث أن الكتب كانت معرّفة بأصول الشيعة وفروعها بإيجاز.

لكن الوهابية منعت كل كتاب للشيعة أشد المنع.

فلماذا المنع؟

وفي القرآن الكريم ـ وهو الأصل في دين الإسلام ـ أشير إلى أدلة اليهود والنصارى والمشركين ومن إليهم ولم يتصور أحد أن ذلك يضرّ بدين الإسلام.

وهكذا كان الحال في التوراة والإنجيل..

واليوم في العالم المسمّى بالحر، سواء في الشرق كالهند أو في الغرب كأمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، حيث لا منع للكتاب إطلاقاً..

فكيف يكون مركز الوحي ـ الذي يجمع المسلمين في كل عام من شتى بقاع الأرض ـ  يمنع فيه العلم والكتاب، خصوصاً ما يوجب تعريف المسلمين بعضهم إلى بعض!!

وقد رأيت كتاب ( هورال المولال ) الذي ألفه البعض ضد إسرائيل وبيّن فيه كيفية هدم إسرائيل، مع ذلك لم تتمكن إسرائيل من منعه، والكتاب مطبوع متداول في إسرائيل، وفي البلاد العربية.

ويضف الإمام الشيرازي هكذا رأيت كتاب ( إسرائيل ذلك الدولار الزائف ) وهو متداول في العالم وفي إسرائيل بالذات.

ولعل البعض كان يتصور أن لمنع الكتاب في العالم السابق وجه.. أما منعه اليوم و في عالم منفتح والذي اصبح كقرية واحدة فهو بلا دليل إطلاقاً.

مضافاً إلى انه لم يُر ضررٌ  للكتاب بل العكس هو الصحيح، وذلك:

أولاً: لأنه بكتاب الضد ـ فرضاً ـ يتجلى الضد أكثر فأكثر، إذ ( وبضدها تتعرف الأشياء) وببيان الحق يظهر زيف الباطل.

وثانياً: الكبت يولّد الانفجار، أما عدم الكبت فلا، ومن هنا: كان الحزب الشيوعي في الغرب الرأسمالي مجازاً ولا يتمكن أن يفعل أيّ شيء.

وفي لبنان، الكتاب مجاز بكل أشكاله وصوره، فهل تمكن الكتاب أن يوجد خللاً في البلاد أو تحريفاً للمسيرة، بل بالعكس.. الفوضى نتيجة الكبت، والإنسان حريص على ما منع، بالاضافة إلى سوء السمعة العالمية.

أما ما كان من الارهاب العملي وحرق المكتبات وما أشبه فقد انتهى دوره كما في قصة المغول والقرون الوسطى في أوروبا وفي بعض البلاد أحياناً، فقد ولّى من غير رجعة.

فاللازم الاهتمام حتى تتحرر تلك البلاد الطاهرة المشتملة على بيت الله الحرام وحرم رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) والبقيع الغرقد من هذه المشكلة التي انقضى زمانها بلا رجوع. نسأل الله سبحانه إيقاظ المسلمين وهدايتهم إلى السبيل القويم.

البقيع مدفن الأولياء:

يضيف الإمام الشيرازي ان الذين دفنوا في البقيع من الأئمة المعصومين (عليهم السلام ) والأولياء الصالحين والمؤمنين والمؤمنات بكثرة حيث لم يحصهم التاريخ، والمشهور منهم:

1 ـ الإمام الحسن الـمجتبى (عليه السلام) الــذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه: ( سيد شباب أهل الجنة ).

وهذا الكلام يشمل جميع الأنبياء والأولياء، فالإمام الحسن (عليه السلام )  سيدهم، نعم يخرج منهم بالدليل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي أمير المؤمنين (عليه السلام)  والصديقة الطاهرة الزهراء (سلام الله عليها ) فانهم (عليهم السلام)  أفضل منه (عليه السلام).

2 ـ الإمام على بن الحسين زين العابدين (عليه السلام).

3 ـ الإمام محمّد الباقر(عليه السلام).

4 ـ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).

وكل واحد من هؤلاء الأربعة إمام على كل مؤمن ومؤمنة، وهم من ضمن الأئمة الاثني عشر(عليهم السلام)، حسب نص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد صرح (صلى الله عليه وآله وسلم) بعددهم وأسمائهم من أولهم وهو أمير المؤمنين (عليه السلام)  إلى آخرهم الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) الذي يظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً ويوحد الأرض تحت لواء الإسلام.

5 ـ صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم).

6 ـ عباس بن عبد المطلب عمّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

7 ـ فاطمة بنت أسد والدة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)  ووالدة طالب وجعفر وعقيل.

8 ـ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (عليه السلام)  أما جعفر فقد استشهد في غزوة الاردن ـ تبوك ـ مسقطه ومقامه هناك.

9 ـ عثمان بن مظعون الصحابي الجليل.

10 ـ إبراهيم بن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

11 ـ عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)  والد مسلم بن عقيل (عليه السلام) الذي استشهد في الكوفة وقبره هناك.

12 ـ السيدة فاطمة أم البنين زوجة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام).

13 ـ عدد من بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم: رقية وزينب وأم كلثوم.

14 ـ السيد إسماعيل بن الإمام الصادق (عليه السلام).

15 ـ عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

16 ـ السيدة حليمة السعدية مرضعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

17 ـ عدد من زوجات النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).

18 ـ أبو سعيد الخدري.

19 ـ جملة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتابعين لهم باحسان والعلماء العظام.

20 ـ كما يحتمل أن يكون هناك قبر سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (سلام الله عليها ) وقبر الشهيد محسن السقط (عليه السلام) ابن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام).

وعن القبور والقباب وتاريخها في البقيع يقول – الإمام الشيرازي -:

ابتدئ الدفن في جنة البقيع منذ زمان النبي الأعظم( صلى الله عليه وآله وسلم )، وأحياناً كان الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )  بنفسه يعلّم على قبر المدفون بعلامة.

ثم بنيت قباب وأضرحة على جملة من القبور من قبل المؤمنين وبأمر من العلماء.

كما كان البناء على قبور الأولياء معتاداً منذ ذلك الزمان، فكانت عشرات منها في المدينة المنورة ومكة المكرمة وحولهما.

وقد تلقى جميع المسلمين بكل حفاوة وترحاب هذه الظاهرة الشرعية لا في المدينتين وأطرافها فحسب، بل في سائر بلاد الإسلام كالهند بما فيها الباكستان وبنغلادش، وكذا العراق وايران ومصر وسوريا وإندونسيا وغيرها.

إلى أن هدم الوهابيون أكثرها في الحجاز منذ مأتي سنة، ثم استرجعها سائر المسلمين، وبعد زهاء ثمانين سنة استولى الوهابيون على البلدين المقدسين مرة ثانية وهدموا القباب وأحرقوا المكتبات ! وكانت فيها كتب ثمينة جداً..

كما أنهم أرادوا هدم قبة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لكن تظاهر المسلمون في الهند ومصر ولعل غيرهما أيضاً، أوقفهم عن ذلك في قصة معروفة، وهم يحنّون إلى ذلك إلى الآن، حتى أن عالمهم (بن باز) لا يزور مسجد الرسول قائلاً:

ما دام هذا الصنم ( أي قبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ) هناك لا أزوره، لكن الزمان مرّ عليه ولا يأبه بكلامه أحد.

صورة البقيع

يصف الإمام الشيرازي تاريخيا إذ يقول الأئمة الأربعة (عليهم السلام )  في قبة، وتزار  فاطمة الزهراء (سلام الله عليها ) في بقعتهم حيث من المحتمل أنها دفنت هناك، وإن كنت أنا رأيت في المنام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واقفاً في قبره الشريف.. وقال لي وهو يشير إلى ما بين قبره ومنبره:

أن قبر فاطمة ابنتي(سلام الله عليها) هناك، والله العالم بحقيقة الحال.  كما يحتمل أنها (عليها السلام)  دفنت في بيتها، ولعل أمير المؤمنين(عليه السلام) حمل صورة جنازة إلى عدة أماكن، كما حمل الإمام الحسن (عليه السلام)  صورة جنازة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى البصرة.

ومن هنا لا بأس بزيارة الصديقة الطاهرة ( سلام الله عليها )  في البقيع، وفي المسجد، وفي بيتها وذلك لخفاء القبر الشريف، وسيظهر ان شاء الله تعالى عند ظهور ولدها الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وإن كان من المحتمل إخفاء قبرها (سلام الله عليها ) إلى يوم القيامة ليبقى سنداً على مظلوميتها طول التاريخ.  وكان في نفس تلك القبة مدفن العباس عمّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

ويضيف أيضا كانت خارج القبة بفاصلة قليلة قبةٌ مبنية على بيت الأحزان، حيث كانت الزهراء ( سلام الله عليها )  تخرج إلى ذلك المكان وتبكي على أبيها.

وكانت تشتمل مقبرة البقيع على قباب كثيرة، مثل أزواج النبي وأولاده وبناته ومرضعته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حليمة السعدية، و كانت هناك قبة فاطمة بنت أسد (سلام الله عليها ) والدة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقبة أم البنين ( سلام الله عليها ) زوجة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام )  وقبتها قرب قبة عمات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت أيضاً قبة جابر بن عبد الله الأنصاري، وغيرهم مما هو مذكور في التاريخ.  

باب خيبر

يقول الإمام الشيرازي في كتابه البقيع أن أستاذنا الشيخ علي أكبر النائيني (رحمه الله)  ذكر لي أنه كان بقرب حصن خيبر(باب خيبر) وقد كان من المرمر الكبير وكان بعيداً عن الحصن قرابة أربعين ذراعاً..

وقال: كلما ذهبنا في سفرتنا إلى الحج كنا نزور هذا الباب  تبركاً بما ورد من أخذ الإمام (عليه السلام) له ورميه هناك.

ولما استولى الوهابيون قطّعوا هذا الباب قطعاً وذهبوا بها عملاً بما أملي لهم، وبعد ذلك لم نجد له أثراً.

ويقع البقيع في طرف الجنوب الشرقي من مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

وقد اتسعت البقيع لكثرة من دفن فيها، فأدخلت فيه أراض كثيرة، وأول أرض اتصلت به محل دفن عثمان، وله قصة مذكورة في التواريخ.

وقد أخذوا بمحاربة البقيع وما تبقّى من آثار الرسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتـى منعت الحكومة الصلاة فــي البقيع، وزيـارة الــنساء لـه، وإضاءة مـصابيح في الليالي وما أشبه ذلك، مما ليس إلا رأياً واحداً تبنّته الحكومة وحملته على المسلمين ـ كذباً وافتراءً ـ وهم ملياران، والوهابية لا تزيد على حفنة قليلة جداً.  وبلاد السنة والشيعة كلها بريئة من مثل هذه الأمور وإلى الله المشتكى.

وتحت عنوان لماذا تخريب البقيع؟ يكتب الإمام الشيرازي قائلا الذين هدموا بقاع البقيع وسائر البقاع المباركة لم يفعلوها إلا بالسيف من دون أي منطق عقلائي، وهذا خلاف سيرة جميع الأنبياء والمرسلين والأئمة الصالحين(عليهم السلام).

إنك تجد نوحاً(عليه السلام) لم يحارب بالسيف، وهكذا ابراهيم (عليه السلام)، وهكذا موسى (عليه السلام) وعيسى (عليه السلام)، ومن بعدهم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

نعم إنما حمل (صلى الله عليه وآله وسلم)السيف دفاعاً، وذلك عندما حمل المشركون السيف ضده، فدافع عن الإسلام ضد المحاربين الذين أرادوا اجتثاث الإسلام والمسلمين بالسيف، وأمير المؤمنين علي( عليه السلام ) حارب الذين حاربوه وعندما ظفر عفى عنهم.

وباقي الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) لم يستعملوا السيف إطلاقاً إلاّ الإمام الحسن(عليه السلام)  والإمام الحسين(عليه السلام) في الدفاع كما ثبت ذلك في التاريخ.

ولو كانوا يستعملون السيف لم يكن لهم ذكر حسن، كما ذهب فرعون ونمرود  وهيرودس وأبو جهل ومن أشبههم أدراج الرياح.

إن المنطق هو الذي يصلح للبقاء، وإلا فصاحب السيف يسقط حين يسقط سيفه، والسيف مؤقت جداً.

وبقاء القبور المباركة مهدومة دليل على أنه لازال السيف بيد الهادمين إلى الآن ولكن عندما يسقط السيف من أيديهم، ستجد المسلمين جميعاً في نفس اليوم آخذين في البناء.

العنف والتكفير والسباب الوهابي في الحج

يقول الإمام الشيرازي من الغريب أن البلدين الطاهرين وهما أفضل بقاع الأرض ومشرق الإسلام والأخوة الإسلامية ومهبط الوحي صارا محلاً لسباب كل المسلمين بـ:

 (مشرك) و(كافر) و(زنديق) وما أشبه..

منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا، ولم يسمع في أي بلد آخر في العالم الإسلامي وغيره هذه الكثرة من السبابات على طول التاريخ المحفوظ إلى الآن.

خطورة مشروع هدم الآثار

ويتحدث الإمام الشيرازي عن خطورة هدم الآثار قائلا ان إزالة العشرات من آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الأطهار(عليهم السلام) وأصحابه الكرام باسم توسيع مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) أمر غير عقلائي  وغير شرعي، بل تضييع للتراث الإسلامي والتاريخي.

فإن لتلك الآثار دلالات للبشرية ومقومات للهداية، بالإضافة إلى أنها من أحسن الذكريات لا الذكرى فقط.. والدنيا بأجمعها تحتفظ بالآثار بكل أنواعها، حيث أن العقل والعرف يدلان على حفظها، ولا يكون ذلك خلاف الشرع الذي يصرح بالمرور في ديارهم والنظر إلى آثارهم، وقد قال القرآن الحكيم: (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون ) سورة الصافات: 137و138. وقال تعالى: ( وإنها لبسبيل مقيم ) سورة الحجر: 76.

فان حفظ آثار العذاب عبرة فكيف بآثار الصالحين.. وكيف بالنبي العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) والأصحاب المكرمين، وهكذا بالنسبة إلى المؤمنات الطاهرات.

ومن هنا حفظ عقلاء العالم أهرام مصر، وان كان فيه نوع من إحياء الآثار الفرعونية.

وحفظوا موضع عبور موسى البحر، ومحل إحراق إبراهيم (عليه السلام )، ومسجد أصحاب الكهف، وغار حراء، وغار ثور، وغيرها.

هذا بالاضافة إلى وجود المعنوية في تلك الأماكن، كيف لا وقد قال سبحانه: (فقبضت قبضة من أثر الرسول) سورة طه: 96.

فإن كان تراب حافر فرس جبرئيل له ذلك الأثر الخارق الذي سبب الخوار في العجل  الجسد، أفلا يكون لتلك الآثار الكثيرة البركات العظيمة؟.

إن لريح ثوب يوسف (عليه السلام ) ـ كما أشار إليه القرآن الحكيم - وقميصه الذي ارتد أبوه بصيراً بسببه.. كما في قوله تعالى:  ( فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا) سورة يوسف: 96.

تلك الآثار، فكيف لا تكون للأماكن المقدسة في المدينة المنورة الآثار العظيمة؟.

لقد حفظها المسلمون لينالوا من كرامتها.. وكيف لا تكون البركات الكثيرة لجنة البقيع الغرقد وقد تضمن جسد عدد من الأئمة المعصومين(عليه السلام) وأولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجاته وأصحابه!.

إن للآثار واقعيةً، وللذكرى أثراً حقيقياً وإنْ لم يقترن بأثر مادي، فالواجب الاهتمام بكل ذلك حتى يأذن الله بإعادتها وما هو عليه بعزيز.

البقيع في توصيات المرجعية

من جهة أخرى وضمن بعثة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (حفظه الله) لموسم الحج في مكة المكرمة: عقد مؤتمرا يناقش ويعالج ألانتهاكات التي تتعرض لها مقابرين المسلمين وبالخصوص البقعة التي يدفن بها أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وجاء في المؤتمر عدة توصيات.

إن لتلك الآثار دلالات للبشرية ومقوّمات للهداية، بالإضافة إلى أنها من أحسن الذكريات لا الذكرى فقط... فالدنيا بأجمعها تحتفظ بالآثار بكل أنواعها، حيث ان العقل والعرف يدلان على حفظها، ولا يكون ذلك خلاف الشرع الذي يصرح بالمرور في ديارهم والنظر إلى آثارهم.

هذا مما جاء في كلام الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) قبل سنوات من الآن في معرض حديثه عن ذكرى هدم قبور أئمة البقيع، وهو من مكنونات النفس البشرية السليمة التي تتذوق عبق الذكرى ومواضع الجمال الإنساني، وموقف تذكر ووفاء لمن أعطى كل شيء لأجل حفظ كرامة بني البشر وضمان أمنهم وسعادتهم وتعبير صادق عما يختلج عشاق الحضارة وصناع الحضارة.

إن هدم قبور أئمة المسلمين المعصومين الأطهار، الحسن الزكي، وعلي زين العابدين، وباقر علوم الأولين وجعفر الصادق (عليهم السلام)، إنّما يؤلم ضمير الأمة ويدمي قلوب المحبين لأهل البيت (عليهم السلام) وهو عمل فيه حرب لله وجفاء لرسوله الأعظم، كما أنه يتنافى مع المبادئ والقيم النسانية والأعراف السائدة بين الناس.

وفي ظل تكاثر دعوات الانفتاح والحوار والتسامح الديني والمذهبي والطائفي وحرية التعبير واحترام الرأي الآخر واستلهاماً لرؤى وأفكار المرجعية الرشيدة للامام الشيرازي الراحل (أعلى الله مقامه)، اجتمع ثلة من اصحاب السماحة والعلم والعديد من الوجهاء من شتى أرجاء العالم في مقر بعثة سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في رحاب مكة المكرّمة، تناول فيه الحضور مسألة السعي الجاد والعمل الحقيقي لرفع هذا الظلم الفادح بحق ائمة طاهرين أوجب الله طاعتهم ووعد بمعاقبة من حاربهم، والخزي والفناء لمن أساء لهم.

توصيات ومقترحات

1ـ دعم المنظمة العالمية للدفاع عن العتبات المقدسة التي تهتم في قائمة أعمالها بالبقيع الغرقد.

2ـ اصدار نشرات ومجلات في هذا المجال.

3ـ الاستفادة من المجال الاعلامي الدولي الواسع.

4ـ انشاء مواقع خاصة على شبكة الانترنيت العالمية باللغات الحية تتبنى الموضوع.

5ـ الاستفادة من الضغط العالمي عبر المنظمات الحقوقية العالمية وغيرها، ويمكن لكل مسلم ان يرسل لها فاكسات تعبر عن طلبه بإعادة تلك الآثار الاسلامية المهدمة.

6ـ فتح فروع للمنظمة العالمية التي تهتم بالدفاع عن البقيع الغرقد في مختلف البلاد الإسلامية وغيرها.

7ـ تشكيل ندوات ومؤتمرات إقليمية وعالمية للوصول إلى إعادة بناء الآثار الاسلامية.

8ـ تعريف آثار الاسلام والرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) والأصحاب الكرام وبيان تراجمهم ونشرها في مختلف الأوساط مسنداً بالوثائق والأسانيد التاريخية المفصلة.

9ـ الاهتمام الجاد المباشر بالذكرى السنوية لجريمة هدم البقيع في الثامن من شهر شوال، وذلك بعقد مجالس العزاء والمؤتمرات واللقاءات الصحفية والمعارض الوثائقية ونشر الكتب والمجلات الخاصة بذلك اليوم.

10ـ الاستفادة من البريد الالكتروني لإرسال أكبر عدد ممكن من رسائل الاحتجاج للجهات المعنية الإقليمية والعالمية.

11ـ إخراج فلم وثائقي مفصل وواضح يصور تاريخ البقيع الغرقد وما كان عليه وآل إليه.

12ـ نشر فتاوى العلماء والمراجع الكرام في وجوب الاهتمام ببناء البقيع الغرقد.

13ـ تقديم شكوى في المحاكم الدولية والى من يهمه الامر في خصوص قضية البقيع والاستهانة بمقدسات جميع المسلمين وخاصة الشيعة منهم والذي يبلغ عددهم أكثر من خمسمائة مليون.

14ـ تقديم مذكرة احتجاج لمختلف الأوساط السياسية والدبلوماسية بما فيهم رؤساء الدول الاسلامية والوزراء ونواب المجلس في الدول الاسلامية وغيرها.

15ـ ارسال رسالة موقعة من قبل أكبر عدد من الشخصيات الاسلامية وغيرها إلى مختلف المراكز المذكورة أعلاه.

16ـ تهيئة طوامير موقعة من قبل ملايين المسلمين في مختلف بقاع العالم.

17ـ طبع صور البقيع الغرقد ونشرها في مختلف وسائل الإعلام كبيرها وصغيرها (مثال: الطابع البريدي وما اشبه ذلك).

18ـ الاتصال بالمحامين الدوليين للسعي إلى اتخاذ أقرب طرق ممكنة للوصول إلى بناء البقيع الغرقد.

19ـ نشر استحباب بناء هذه اقبور عبر الأدلة الشرعية في أوساط المسلمين وبمختلف اللغات.

علماً بأن إعادة بناء قبور أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هي مما تركز في النفوس الثقافة الاسلامية المبتنية على الأخلاق الطيبة والدعوة إلى الخير والفضيلة بالحكمة والموعظة الحسنة والتمسك بمبدأ السلم واللاعنف، فإن تاريخ الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) بعيد كل البعد عن العنف والارهاب.

إن بقاء قبور البقيع مهدمة وعلى هذه الحالة المؤلمة التي يراها الناس هو علامة مخزية لأمة الاسلام التي أثارت فكر البشرية باسمى القيم الحضارية والمدينة مما يستوجب على كل من يهمه هذا الأمر ان يعمل على رفع هذه المظلومية بحق هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس.

يقول الإمام المجدد الشيرازي الراحل (أعلى الله مقامه): إن بقاء القبور المباركة مهدومة دليل على أنه لا زال السيف بيد الهادمين إلى الآن ولكن عندما يسقط السيف من أيديهم، ستجد المسلمين جميعاً في نفس اليوم آخذين في البناء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/تشرين الأول/2008 - 7/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م