أمريكا في العراق: تقنين الإحتلال وتحديات الحفاظ على المكاسب الأمنية 

اعداد: صباح جاسم

شبكة النبأ: تباينت في الفترة الاخيرة التصريحات الامريكية والعراقية حول ما تم التوصل اليه بشأن الاتفاقية الأمنية. اذ حاولت الادارة الامريكية من جانبها التقليل من اهمية تصريحات المالكي، التي قال فيها ان عام 2011 سيكون عام اخلاء العراق من اي وجود عسكري اجنبي على اراضيه. كما انها تبذل قصارى جهدها من اجل توقيع المعاهدة قبل نهاية عهد الرئيس الامريكي الحالي جورج بوش الإبن.

ورغم الشعور السائد بقرب اعلان الانتصار النهائي على القاعدة والمليشيات في العراق فإن القيادات الامريكية لاتنفك تحذر من ان الحفاظ على المكتسبات الامنية هو التحدي الكبير القادم، مع ان جهات اخرى تحذر من تقنين الاحتلال وتكريسه بفقرات معينة في المعاهدة المرتقبة. فقد نُقل عن رئيس حزب المؤتمر الوطني والنائب السابق لرئيس الوزراء العراقي احمد الجلبي قوله ان الولايات المتحدة تسعى الى اقامة قواعد سرية في العراق الى جانب القواعد العلنية، بموجب الاتفاقية الامنية المزمعة مع العراق.

ونسبت وكالة الانباء الايرانية الى الجلبي، من بغداد، قوله ان "اميركا تريد اقامة هذه القواعد العلنية والسرية في العراق، وتمتنع عن منح اي ضمانات دفاعية للعراق".

وقال الجلبي انه لا يعرف السبب وراء اقامة قواعد سرية امريكية في بلاده، لكنه اكد في الوقت نفسه على ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لن يوقع اتفاقية امنية "تفرضها" واشنطن على بلاده.

الا انه اعتبر ان "المحادثات حول هذه الاتفاقية كانت قد بدأت خلف ابواب مغلقة وبصورة سرية، وبعيدا عن الرأي العام والاحزاب السياسية الوطنية العراقية، مما اثار الشكوك بين الاطياف السياسية والاجتماعية والدينية العراقية ازاءها".

وقال الجلبي ان سقف مطالب الامريكيين في مباحثات الاتفاقية الامنية مرتفع، مبدياً اعتراضه الشديد على منح الشركات الامنية الاميركية العاملة في العراق حصانة قضائية.

واضاف ان تلك الشركات "ارتكبت الجرائم في هذا البلد ويجب مقاضاتها من قبل الجهاز القضائي العراقي بدل منحها حصانة".

يذكر ان الصحف الغربية نقلت اخيرا ما مفاده ان الاتفاقية السرية التي يجري التداول بشانها في العراق تهدف الى "تقنين الاحتلال الامريكي لذلك البلد الى الابد"، حسب تعبير احداها.

وقالت صحف مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز الامريكيتين، والاندبندنت البريطانية، ان من ضمن بنود الاتفاقية اقامة خمسين قاعدة عسكرية امريكية دائمية في العراق، والسيطرة الامريكية الكاملة على الاجواء العراقية، ومنح الحصانة القانونية للقوات الامريكية والشركات الامنية الامريكية.

وسيكون للامريكيين، حسب الصحف، حق السيطرة الدائمة على قواعدهم، وشن عمليات في اطار "الحرب على الارهاب"، واعتقال العراقيين واستهدافهم دون خضوع للقانون العراقي.

ورغم ان مكتب نائب الرئيس الامريكي دك تشيني يضغط من اجل التوقيع على الاتفاقية قبل نهاية عهد الرئيس الامريكي جورج بوش، الا ان الجانب الامريكي يرفض فكرة طرح الاتفاقية للاستفتاء خشية ان يصوت العراقيون ضدها.

غيتس: الشهور المقبلة تحمل تحدي الحفاظ على الانجازات 

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز The New York Times ان وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس منح بيتريوس وكروكر نياشين شرف على الانجازات التي حققاها في العراق، مشيرا الى ان الشهور المقبلة تحمل تحدي المحافظة على ما تحقق وتوسيعه.

وذكرت الصحيفة ان روبرت غيتس، في زيارته الثامنة الى العراق وهو في منصب وزير الدفاع، وصف التحدي الذي تحمله الشهور المقبلة قائلا ان السؤال المركزي هو "كيف نحافظ على الانجازات التي حققناها سابقا، والتوسع فيها، في وقت ياخذ فيه حجم القوات الامريكية بالانخفاض؟".

واشارت الى ان الولايات المتحدة بدات استعداداتها لسحب 8.000 عسكري في وقت مبكر من العام المقبل. وسيكون عدد الوجود الامريكي العسكري في العراق، الذي يتكون من 15 لواءا قتاليا فضلا عن كوادر الدعم والعمليات اللوجستية، حوالي 138.000 عسكري.

واضافت الصحيفة ان في عشية حفل نقل القيادة الرسمي، اقيمت وليمة عشاء قلّد فيه غيتس الجنرال بيتريوس شارة الدفاع المتميزة، وخطوة عدتها الصحيفة مفاجاة، قلد السفير راين كروكر شارة وزارة الدفاع للخدمة المدنية المتميزة، وهو اعلى تكريم تمنحه البنتاغون لغير العسكريين.

ولفتت الصحيفة الى ان زيارة غيتس غير المعلن عنها تزامنت مع ثلاثة انفجارت ـ في شهر رمضان احدهما في محافظة ديالى والاثنان الاخران في وسط العاصمة بغداد ـ اودت بحياة 32 شخصا على الاقل.

وقالت ان مثل هذه الانفجارات لم تعد تحدث كثيرا في اثناء الاستراتيجية التي عرفت باسم "الاندفاع"، والتي كانت مدعاة ثناء غيتس على الجنرال بيتريوس.

وقال غيتس ان الجنرال بيتريوس "لعب دورا تاريخيا" من خلال "ترجمته استراتيجية كبيرة الى نجاح كبير في ظروف صعبة جدا".

وتولى الجنرال بيتريوس منصب قائد القوات الامريكية في العراق في شباط فبراير الماضي، وسينتقل لقيادة الجيش الامريكي في الشرق الاوسط وجنوب غرب اسيا.

وتحدث الجنرال بيتريوس في الحفل قائلا "لا استخدم كلمات من قبيل نصر او هزيمة. في الحقيقة انا واقعي، ولست متفائلا او متشائما. والواقع يقول ان هناك تقدما كبيرا قد تحقق، الا ان تحديات جسيمة ما زالت قائمة". وتحدث غيتس وبيتريوس، بحسب الصحيفة، عن تزايد مسؤولية القوات العراقية في تولي المسؤولية.

فقد ذكر الجنرال بيتريوس ان القوات القتالية الامريكية هي الان "اصلا خارج المناطق الكبيرة الماهولة، أي 13 او 14 محافظة، من اصل 18 محافظة"، وبان المحافظات الاحدى عشرة نقلت مسؤوليتها الى السيطرة العراقية، ومن "المتوقع نقل محافظتين في شهر تشرين الاول المقبل".

وعلقت الصحيفة بقولها ان من بين المرتكزات الاساسية في الجهود الامنية الجديدة في العراق هو تشكيل قوات الصحوة او مجموعات ابناء العراق على يد القوات الامريكية. وفي هذا الصدد اثير تساؤل امام بيتريوس عن مدى القلق الذي يلف نقل هذه القوات الى اشراف الحكومة التي يقودها شيعة ابتداءا من الاول من تشرين الاول اكتوبر المقبل في بغداد.

وتشير الصحيفة الى ان الكثير من تلك الجماعات كانوا في صفوف التمرد السني، وبعض قادتها ممتعض من خطط الحكومة العراقية التي يقودها شيعة في استيعاب حوالي 20% منهم فقط في قوات الشرطة والجيش، والنسبة المتبقية في برامج اخرى.

وسئل بيتريوس عن مدى اقتناع هذه الجماعات السنية باستيعاب 20% منهم، فاجاب بيتريوس "طبعا هذا يعتمد على ما سيكون عليه التعامل مع نسبة 80% المتبقين".

قائد القوات الاميركية الجديد: الوضع لا يزال هشا رغم المكتسبات

وفي نفس السياق حذّر الجنرال ريموند اودييرنو الذي تسلم قيادة القوات متعددة الجنسيات في العراق من الجنرال ديفيد بترايوس من ان النجاحات الامنية التي تحققت في البلاد لا تزال "هشة ويمكن ان تزول".

وتسلم اودييرنو مهامه من الجنرال بترايوس الذي يخدم تحت قيادته 146 الف جندي خلال مراسم رسمية في احد قصور الرئيس العراقي السابق صدام حسين قرب مطار بغداد الدولي.

واقر اودييرنو بان امامه مهمة صعبة على الرغم من انخفاض العنف الى مستوى غير مسبوق منذ اربعة اعوام نتج عن استراتيجية زيادة العديد التي طبقتها الولايات المتحدة. بحسب فرانس برس.

وقال ان "العراق راهنا بلد يختلف عن المرة الاولى التي زرته فيها لكن نقر بان هذه المكتسبات لا تزال هشة ويمكن ان تزول". وتابع "لا يزال امامنا الكثير من العمل لنقوم به".

وقال اودييرنو في مؤتمر صحافي عقب المراسم ان السلطات العراقية ينبغي ان تتولى مسؤولية اكبر في مجال الامن مستقبلا. واضاف ان "الاوضاع تتغير والسلطات العراقية ستتسلم المزيد من المسؤوليات الامنية (...) امل ان ارى انتقالا من الاستراتيجية العسكرية الى استراتيجية سياسية واقتصادية ودبلوماسية".

واضاف متوجها الى بترايوس "لقد وجهت لأعداء الولايات المتحدة والعراق ضربة هائلة ان لم تكن قاضية والتاريخ سينظر اليك على انك احد ابطال معارك امتنا العظيمة".

وان كان الجنرال ديفيد بترايوس الذي يتولى مهامه الجديدة في رئاسة العمليات العسكرية الاميركية في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى هو الذي اشرف على استراتيجية التعزيزات الاميركية فان الجنرال اوديرنو هو اول من عرض هذا الاقتراح في كانون الاول/ديسمبر 2006 على البنتاغون الذي كان مترددا انذاك.

ثم اشرف اودييرنو على الحملة التي شنت ضد المتمردين بكل تفاصيلها في بغداد مستندا على استراتيجية التعزيزات الاميركية فاخرج مقاتلي القاعدة من ضواحي العاصمة العراقية وتصدى للمتطرفين الشيعة. وعندما غادر العراق بعد 15 شهرا من ذلك كان مستوى العنف بدأ بالانخفاض.

الدباغ: العراق ليس بحاجة لمساعدات مالية من الولايات المتحدة

من جهة ثانية قال الناطق الرسمي للحكومة العراقية علي الدباغ إن العراق ليس بحاجة إلى أية مساعدات مالية من الولايات المتحدة.

وتأتي تصريحات الدباغ إثر انتقادات أطلقها عدد من الساسة الأمريكيين وقالوا فيها إن الولايات المتحدة تتكبد الكثير من الأموال في ما يتعلق باعادة إعمار العراق.

ويشير تقرير صدر عن الكونجرس الأمريكي الشهر الماضي إلى أن دافعي الضرائب الأمريكيين تحملوا ومنذ الحرب التي قادتها أمريكا ضد العراق عام 2003 ثمانية وأربعين مليار دولار في ما يتعلق بالأموال المخصصة للاستقرار وإعادة الإعمار في العراق. بحسب رويترز.

واضاف التقرير ان بغداد انفقت اموالا تقل بكثير عن هذا الرقم رغم ارتفاع مدخولاتها من النفط الذي تشهد اسعاره ارتفاعا وخاصة في ما يتعلق باعادة بناء البنية التحتية.

وقال علي الدباغ الناطق الرسمي للحكومة العراقية في مقابلة مع رويترز، اجريت معه في مدينة النجف "اعتقد نحن في وضع (يساعدنا) على عدم طلب اي مساعدات مالية من اي طرف حتى وان كانت الولايات المتحدة."

واضاف الدباغ "اعتقد ان لدينا من الموارد المالية مايكفي لتغطية عمليات الانفاق ولن نكون بحاجة لطلب اية مساعدات مالية في المستقبل."

وقال الدباغ ان ما يحتاجه العراق من الولايات المتحدة ومن الدول الاخرى هو المساعدة في بناء الخبرات الفنية للعراقيين وفي التدريب وخاصة في مجال النظام القانوني والتكنولوجيا بعد عقود من الاهمال حيث يحتاج هذان القطاعان الى الكثير من التحديث.

وقال تقرير حكومي صدر في اغسطس اب عن مكتب المحاسبة الامريكي وهو مكتب مراقبة تابع للكونجرس ان الوزارات العراقية لم تتمكن الا من انفاق القليل في مجال عمليات اعادة الاعمار.

وكانت الانتقادات حول الطريقة التي يتم بها الانفاق العراقي قد ازدادت حدة من قبل بعض الساسة الامريكيين في وقت يجاهد الامريكيون في مواجهة ارتفاع اسعار النفط.

واوضح الدباغ ان حكومته تفعل ما بوسعها وقال "لا اعتقد انه من المنطقي ان يجلس شخص هناك في واشنطن ويتحدث بدون ان يكون عنده تصور عن حجم الصعوبات التي نواجههنا هنا على الارض."

ورغم مرور اكثر من خمس سنوات على اسقاط صدام فان الكثير من العراقيين مازالوا يعيشون بدون وجود ما يكفي من امدادت الكهرباء ومازال الكثير من العراقيين يعانون للحصول على الماء الصالح للشرب.

وقال الدباغ ان النظام القانوني العراقي والذي يشكو الاهمال بحاجة الى عملية اعادة النظر فيه بشكل كامل من اجل المساعدة في الاسراع في تنفيذ مشاريع الاعمار. واضاف "نحن نواجه نقصا في الخبرات التصنيعية الفنية.. هذا ما نحتاجه من الولايات المتحدة ومن المجتمع الاوربي."

وقال الدباغ انه يعتقد بامكانية انفاق 75 في المئة من الميزانية العراقية الاولية والبالغة 48 مليار دولار وهي نسبة تزيد عن انفاق العام الماضي والذي تراوح بين 36 و46 في المئة.

وكان البرلمان العراقي صادق الشهر الماضي على ميزانية تكميلية بلغت 21 مليار دولار خصصت لتغطية نفقات الخدمات الاساسية واعادة الاعمار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/تشرين الأول/2008 - 6/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م