التطرُّف الإسلامي وتوظيف العِرق والمَذهَب لتسييس الدين

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: بين الحين والآخر تتضح معالم النفاق في الخطاب الديني في المؤسسات الوهابية النافذة في المملكة السعودية من خلال دعوات بث الأحقاد والضغائن بين المسلمين ومصادرة حرية الفكر والرأي والتحريض على الإرهاب بشتى أشكاله، ولكن الإثارة تكمن في تصريحات متطرفة من قِبل جهات تدعي التسامح وتبني الحوار مثل الشيخ القرضاوي الذي فجّر قنبلة من العيار الثقيل حينما أعلن قلقه وتخوفه من موجة تشيّع تشهدها مصر وبعض البلدان الاسلامية في الآونة الاخيرة، واتهم الشيعة بأنهم مبتدعون، محذرا من تشييع مصر، التي تنازلَ عن جنسيتها ليصبح قَطَرياً، ومثيرا موجة جديدة من الجدل في أحقّية التبشير بالنسبة للمعتقدات، متناسيا الأسباب الحقيقية التي قد تكون وراء بحث الآلاف من المسلمين عن حلول عقائديّة تخلصهم من وصمة العار التي ألحقتها بهم أساليب السلفية والوهابية ومخلّفات سيد قطب من مناهج  مصادرة الفكر والرأي وتبني التكفير والتشدد أيديولوجية لاحياد عنها وان كانت تُبنى على دماء المسلمين من الرجال والنساء والاطفال وغيرهم.

وفي معرض دفاعه عن تصريحات القرضاوي المثيرة للفتنة، قال الشيخ سلمان بن فهد العودة - المشرف على مؤسسة "الإسلام اليوم" أن وصف بعض الأشخاص لتصريحات القرضاوي بأنها نوع من التطرف و التحريض على الطائفية إنما هو التطرف والطائفية بعينها، مشيراً إلى أن اللعب بمثل هذه الأساليب ومحاولات التبشير في بلاد عُرفت عبر تاريخها الطويل بأنها بلاد سنّية خالصة، ووجود مثل هذا التصادم هو الذي يهيئ المناخ لوجود احتقان عند الناس.

وتابع سلمان العودة في حلقة "العدل" ضمن برنامج (حجر الزاوية) على قناة mbc: إن القرضاوي يتعرض في حالات عديدة لحملات إعلامية ينبغي أن تتوقف وأن يحذر أصحابها، مشيرا إلى أن آخرها عَقَبَ تصريح الشيخ القرضاوي لإحدى الصحف المصرية، بكلام عن وجود اختراق شيعي في مصر وأن تشييع مصر خط أحمر، وتبعاً لذلك قامت حملة عليه من بعض الوسائل الإعلامية الرسمية في ايران وعدد من الدول.

يُذكر ان سلمان العودة واحدا من أبرز رجالات ما يعرف بالصحوة ورموزها في السعودية، وقد ذاع صيته في فترة التسعينات نتيجةً لتشدده في خطابه الديني والذي كان يغلب عليه طابع  الحماسة الدينية وحثّ الشباب على البحث عن القتال في أي بقعة من بقاع الأرض وتفجير انفسهم في الاماكن العامة وغيرها تحت ذريعة الجهاد!

بعدها تغيّر الخطاب الديني لدى –العودة- خصوصا بعدما نجح سادته آل سعود في ضمّه إلى طواقم خَدَمِهم بما يملكون من وسائل ترغيب سخية ومتنوعة، فاختفت، فجأة، من خطاب الرجل العبارات التحريضية والجهادية التي تسبّبت في ورود الآلاف من الشباب المخدوع  مهاوي الردى، بينما يستمتع هو بالعيش الرغيد مع عائلته وأولاده وقد رأيناه كيف أستنفر وأستنجد بالبوليس السعودي ليمنع أبنه من الذهاب للعراق- ليجاهد حسب تنظيرات والده- خوفا منه على فلذة كبده من أن ينال نفس المصير الذي لاقاه الكثير من الشباب الذي غرر بهم من خلال خطبه الجهادية وتحريضه الديني.

الصفّار يستنكر على القرضاوي تصريحاته الجارحة ضد الشيعة

وأبدى رجل الدين الشيخ حسن الصفّار انزعاجه الكبير من دعوات بث الأحقاد والضغائن بين المسلمين واستغرابه الشديد من انحدار بعض رجال الدين المعروفين لهذا "المستنقع القذر".

ووجه الصفار اعتراضه على ما صدر مؤخراً من تصريحات متشنجة للداعية المصري "قطري الجنسية" يوسف القرضاوي تجاه الشيعة والذي حمل فيه على الشيعة متهماً إياهم بغزو البلدان السنية.

مؤكداً أن تلك التصريحات "تزرع الانطباعات السلبية بين المسلمين مما يُنتج عنها الحقد والعداوة فيما بينهم".

وقال الصفار في حين كان مؤملاً من العلماء أن يكون لهم دورٌ في تأليف قلوب المسلمين، والدفع باتجاه الوحدة والتعايش. إلا أن البعض الذين تأخذهم العزّة بالإثم، فيُصرّوا بجهلهم على مواقفهم التي اتخذوها بحقدهم.

وحول ذات الموضوع أشار الصفار في كلمته التي القاها في خطبة صلاة الجمعة بالقطيف إلى الأسباب التي تدعو الإنسان للحقد على أخيه المسلم أهمها تضارب المصالح، والانطباعات السلبية.

وأضاف إننا في الوقت الذي نشيد بمواقف العلماء ودورهم في إنهاض الأمة، ومن بينهم الشيخ القرضاوي، لكننا نستغرب كثيراً من صدور تلك التصريحات الجارحة التي يقول فيها بأن أكثر الشيعة يقولون بتحريف القرآن، مما يعني زرع الانطباعات السلبية في نفوس المسلمين تجاه بعضهم البعض، ومؤداه الأخير هو الحقد الذي سيلوّث القلوب. بحسب تقرير شبكة راصد الاخبارية.

وأكد الصفّار عدم رغبته في الدخول في سجال عقيم، لكنه في الوقت ذاته يدعو القرضاوي إلى أن يُصحح هذا الانطباع السلبي الذي أعلنه، وأن ينظر بعين العقل، فهؤلاء مراجع الشيعة وعلماؤهم في كل مكان، فهل يدلنا القرضاوي على واحد منهم يقول بتحريف القرآن..

وقال الصفار نأمل من الشيخ القرضاوي أن يُعيد النظر فيما صدر منه، وأن لا يكون مصرّا على ما قاله.

وأكد أن شهر رمضان فرصة للتقرب إلى الله تعالى وإزالة هذه الشوائب من النفوس. ودعا لاستثمار هذه الفرصة العظيمة فالله تعالى يشمل جميع المسلمين برحمته وعفوه في هذا الشهر الفضيل إلا من كان في قلبه حقدٌ على أخيه المسلم.

وفي هذا الصدد أثنى الشيخ الصفار على صحيفة الرياض التي اعتذرت عن نشر تلك التصريحات وحذفتها من طبعاتها التالية، ونشرت اعتذاراً وتنويهاً في صفحتها الأولى في اليوم التالي وقال بأن "الاعتراف بالخطأ فضيلة" واننا نقدر لرئاسة تحرير جريدة الرياض هذا الموقف الواعي والحرص على الوحدة الوطنية والإسلامية.

واختتم الخطبة بالتأكيد على ما بدأ به من ضرورة تصفية النفوس من الأحقاد، ففي ذلك راحة للقلب وهو ليس من طباع الأخيار.

صحيفة الرياض رَوّجت لـ تجديف القرضاوي ضد الشيعة

واحتفت صحيفة الرياض السعودية بالتصريح المثير للجدل الذي أطلقه الداعية المصري قطري الجنسية  يوسف القرضاوي وحمل فيه على الشيعة متهماً إياهم بغزو البلدان السنّية.

فعلى صدر صفحتها الأولى نشرت الصحيفة السعودية تصريح القرضاوي الذي أدلى به لجريدة "المصري اليوم" ووصف فيه الشيعة بأنهم "مبتدعون".

وقال "إن خطرهم يكمن في محاولتهم غزو المجتمع السني وهم مهيؤون لذلك بما لديهم من ثروات بالمليارات وكوادر مدربة على التبشير بالمنهج الشيعي في البلاد السنية".

ولطالما نظر للقرضاوي على أنه رمز للاعتدال في الأوساط الدينية السنية والشيعية غير أنه بات لا يخفي هجومه على الشيعة على خلفية العنف الطائفي الذي شهده العراق.

في حين لا تنظر التيارات السلفية السعودية للقرضاوي باحترام وتشن عليه هجمات متكررة بينها الحملة التي اطلقها الداعية السعودي الشيخ مقبل بن هادي الوادعي وتضمنها كتابه "إسكات الكلب العاوي يوسف القرضاوي".

غير أن صحفا سعودية دأبت منذ سقوط النظام العراقي في 2003 وحرب تموز في 2006 على تهويل الخلاف الطائفي لمحاصرة ما تسميه بالتصاعد المستمر للنفوذ الشيعي والايراني في المنطقة.

وقد أثار نشر الخبر في الصحيفة السعودية إمتعاضاً شديداً لدى المواطنين السعوديين الشيعة الذين وجدوا في نشر الخبر "تحريضاً" ضدهم واستهدافاً "غير مبرر" من الصحيفة الأكبر في السعودية والتي باتت تستورد الفتن الطائفية من دول الجوار إلى البيت الوطني.

الرياض تعتذر ورئيس تحريرها يهاجم القرضاوي!

وفي تطور لافِت قدمت صحيفة الرياض وعلى صدر صفحتها الأولى اعتذارا لنشرها تصريحات مسيئة للمسلمين الشيعة تحدث فيها الشيخ يوسف القرضاوي عن ما أسماه بالغزو الشيعي للمجتمعات السنية.

وتحت عنوان "تنويه واعتذار" قالت "الرياض" أنها الغت خبر تصريحات القرضاوي في الطبعات التالية للصحيفة "نظرا لحالة التعميم والمبالغة غير الموضوعية التي جاءت فيها صياغته".

وأرجعت الصحيفة ذيول الخبر إلى ما وصفته "التحريض السياسي في بعض الدول العربية وهو ما نرفضه في بلادنا".

وجاء اعتذار "الرياض" على صدر صفحتها الأولى على غرار ما حصل مع نشر تصريحات القرضاوي قبل ذلك بيوم واحد.

إلى ذلك شنّ رئيس تحرير صحيفة الرياض تركي السديري هجوما ضمنيا عنيفا على الشيخ القرضاوي بقوله "ليحترق من يوظفون عرقيتهم أو مذهبيتهم في دول عربية أخرى لصالح قوى غير عربية".

وقال السديري في مقال بعنوان "القرضاوي والاختصار الخاطئ" نشرته الرياض يوم السبت الماضي "نحن في المملكة ضد كل هذه التوجهات."

موضحا بأن أخطر معيق لتسارع تطور مجتمعنا هو الانصراف نحو هذا النوع من الابتذال في المواطنة على حد تعبيره.

وتابع "استغربت نوعية النص الذي صدر به خبر تصريحات الشيخ القرضاوي.. ولذا تم حذف الخبر في الطبعتين وزودت الطبعة الأولى في الغد بنص اعتذار."

مضيفا القول "نسعى لأن نكرّس وحدة ولاء جماعي لوطن واحد تعايشنا فيه عبر قرون طويلة.. وأثبت أنه الأنظف والأسرع توجهاً نحو التقدم."

وعلمت شبكة راصد الاخبارية أن سلسلة اتصالات رفيعة المستوى أجرتها شخصيات شيعية بارزة مع صحيفة الرياض ساهمت في تدارك نشر الخبر وحذفه من الطبعات اللاحقة ونشر اعتذار في اليوم التالي.

القزويني يستنكر تصريحات القرضاوي حول "الغزو الشيعي"

من جهة ثانية أصدر مكتب سماحة العلامة السيد حسن القزويني مرشد المركز الاسلامي في أميركا- أكبر المراكز الإسلامية في اميركا الشمالية - بيانا جاء فيه:    

في الوقت الذي تمر فيه الأمة الإسلامية بأحلك الازمات و الظروف وتعاني من اسوأ المؤامرات التي تحاك ضدها من قبل اعداء المسلمين، وفي وقت المسلمون فيه بأمس الحاجة الى التآخي وتعميق اواصرالاخوة  بينهم، فاجأتنا التصريحات المثيرة والمؤسفة التي أطلقها فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي" رئيس إتحاد علماء المسلمين" التي حذر فيها مما أسماه" بالغزو الشيعي" للمجتمعات السنية ودعوته لعلماء السنة للتكاتف في مواجهة هذا الغزو.

لقد انحدر الشيخ القرضاوي في التصريحات التي أدلى بها لصحيفة "المصري اليوم" بتاريخ ١٠- أيلول٢٠٠٨  الى مستويات كنا نربأ به ان ينزل الى مثلها حيث تحدث عن الشيعة وعن خطرهم في غزو المجتمعات السنية واعتباره المجتمعات السنيّة غيرمحصنة ثقافيا ضد الغزو الشيعي!

 لقد ثارت ثائرة الشيخ القرضاوي ضد الشيعة بسبب اعتناق عدد قليل من المصريين لمذهب التشيع حديثا،علما ان شيخ الازهر الاسبق المغفور له الشيخ محمد شلتوت كان قد أصدر فتوى تاريخية شهيرة العام١٩٦٧ اجاز فيها التعبد بالمذهب الجعفري معتبرا اياه أحد المذاهب الاسلامية المعترف بها.

  ومن الغريب ان يضيق صدر الشيخ القرضاوي لممارسة بعض المصريين طقوسهم وفق مذهب اهل البيت(ع ) في بلد يكفل حرية المعتقد ليس للمسلمين فحسب بل حتى لليهود ، والاقباط  وسائرالأقليات الاخرى.

ومن المؤسف ان يتحدث الشيخ القرضاوي عن تهم باطلة وجهها الى الشيعة، كنا نود أن يربأ بنفسه عنها مثل اعتقادهم بتحريف القرآ ن- ونحن نتحداه ان يعرفنا على شيعي واحد يعتقد بتحريف القرآن- وسبهم للشيخين ابي بكر، وعمر والسيدة عائشة وكذا اعتناقهم لمبدأ التقية.

اننا اذ نستهجن الخطاب الطائفي الذي اعتمده الشيخ القرضاوي مؤخرا نهيب به وبكافة العلماء المسلمين ان لا يتحولوا الى أداة للتحريض الطائفي ، وأن ينأوا بأنفسهم عن الفتنة المقيتة بين المسلمين.

نقول للشيخ القرضاوي  اتق الله ايها الشيخ في وحدة المسلمين ،ولا تتخذ من الفتنة الطائفية بضاعة

 تتاجر بها ،ولقد كان الأحرى بك ان تدعو المسلمين جميعا – سنة وشيعة – الى التآخي والتعاون على البر والتقوى لا التنابذ والتعاون على الاثم والعدوان.

لقد كنا نأمل فيك ايها الشيخ ان تدعو المسلمين الى الاعتصام بحبل الله والى المحبة والتآزر، لا ان تدعو الى التحريض من خلال تهويل الامور. كان الاجدر بك أن تحذر من الغزو "الصهيوني" لبلاد المسلمين وأسواقهم وثقافتهم خصوصا في مصر العروبة لا " الغزو الشيعي " الموهوم للمجتمعات السنية. وأخيرا نقول لفضيلة الشيخ القرضاوي ان الفتنة نائمة فلعن الله من ايقظها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 21/أيلول/2008 - 20/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م