فرق أن نجد رجل دين ينذر نفسه في خدمة الاسلام ويقضي جل عمره في
البحث عن كل ما يخدم المسلم فيما يخص أمور الشريعة والفقه وأصول
الدين ومحاولة ايجاد حلول وأجوبة فقهية لكل مشكلة أو مسئلة تقف في
وجه المسلمين بازاء أداء الأمور الدنيوية بطريق شرعي.
هناك فرق بين هكذا رجل دين وبين رجل (دين) آخر قد كرس جل وقته
في تكفير الغير وايجاد الفتن والنعرات بين المسلمين وأفتى بكل ما
يلزم لخدمة سياسة هذا البلد أو ذاك الحاكم.
ما بين رجل الدين الأول ورجل (الدين) الثاني نقف على طرفي نقيض،
وتعاودنا هنا نظرية وعاظ السلاطين التي طرحها باحث الاجتماع
العراقي العلامة المرحوم د. علي الوردي في خمسينيات القرن الماضي
في كتابه القيم الذي يحمل نفس اسم الفكرة، نعم، اليوم وأينما نلتفت
نجد الكثير من الوعاظ الذين كرسوا جهودهم لكل ما يقضي على الفكر
التربوي الاسلامي ومنهجه المتكامل ليأخذوا بأناسهم من خلال كلامهم
(الذي هو عبارة عن تصريحات أكثر من كونه فتاوى ومواعظ) الى فترة
الجاهلية وما قبل الجاهلية, فترة كان يسود الساحة فيها أثنان من
بني البشر، الحاكم والراهب، فتنقاد كل مقدرات البلد والشعب الى
الحاكم طواعية ًوبمباركة الراهب مستغلين جهل الناس وحيرتهم في أن
يوازنوا بين حبهم لطريق الحق والعدل من جهة (والذي من المفروض أن
يكون الدين هو من يأتي بهذا الطريق) وبين خدمة الحاكم وتلبية
رغباته وطلباته من جهة أخرى، فما على هؤلاء الناس الحيارى الهائمين
الا أن ينتظروا فتوى من راهبهم والذي عادة ما يكون وقع كلامه
عليهم كسيف الحاكم، كلام لا جدال فيه ولا نقاش، فتأتي الفتوى
دائمًا لصالح الحاكم ولكن دائمًا باطار ديني.
هذه الحالة تعودت كل المجتمعات أن تتعايش معها على مضض وفي كل
عصور التاريخ، لكن ما يؤسف له حقًا أن نجد مثل تلك الظاهرة قد
أصبحت بارزة للعيان بشكل ملفت وواضحة وضوح الشمس في داخل المجتمع
المسلم، ظاهرة كان لها الأثر الكبير في تراجع المسلمين عن أداء
المهام والتكاليف الشرعية, ولها الأثر الكبير في فقداننا للكثير من
قيم ومباديء الدين الحنيف و العودة بالناس الى حالة الحيرة والشك
في كيفية التعامل مع مستجدات الأمور في هذه الدنيا، وكل هذا بسبب
تسلط حكام ورهبان علينا أهتموا وانشغلوا بأمورهم الدنيوية أكثر من
انشغالهم بما يخدم العقيدة الاسلامية الحقة. ولا نكاد نخوض في مثل
هكذا حديث الا ويحضرنا مثال صارخ يجسد فكرة الراهب وواعظ السلطان
على أتم وجه وبأحسن ما يؤدى الدور كما هو حال (الشيخ) القرضاوي،هذا
الرجل الذي أحسن وأجاد في استغلال دراسته لعلوم الدين في سبيل خدمة
نفسه أولا ً وخدمة كل من يقدم له خدمة، فلم نجد منه سوى تصريحات
رخيصة متتابعة باتجاه اثارة النعرات الطائفية ومحاولة تكفير
الغير،والغير هنا هو كل من يقف ضد التوجهات الدنيوية للواعظ
والسلطان على حد سواء، ولن يجد القرضاوي هذا أكثر من المسلمين
الشيعة ليبث فيهم حقده ومكره وأنانيته، مستغلاً كرسي العلم الذي
يجلس عليه ويفتي به كما يستغل أيضًا الكم الهائل من برامج القنوات
الفضائية التي يظهر فيها وأصبح ظهوره مزاحمًا لظهور نجوم الفن
والطرب والسياسة ومعدي الأكلات والطبخات، وبدل أن يوجه جهوده في
دعم كل ما يأخذ بيد المسلم لأداء واجبه التكليفي والشرعي، نراه يحث
على الفتن من خلال اصراره في الحديث عن كل ما يبث الفرقة بين مذاهب
الاسلام والتي ما كان لها أن تغدو مذاهبًا وفرقًا لولا وجود الآلاف
من هؤلاء (الشيوخ) وعلى مر الزمن يواصلون التفريق بين المسلمين
بفتاواهم مقابل الحفاظ على مكاسبهم التي يجنونها بارتداءهم لباس
أهل الدين.
ولن يجد الحاكم بذلك أحسن من هكذا سلاح ليدافع به عن كرسيه
وليستمر في اخضاع الكل لرغباته الدنيوية الدنيئة، لذلك لم تكن محض
صدفة أن يأتي رجل (الدين) المصري هذا ليستقر في بلده الجديد قطر
ويصبح هناك أكبر طفل مدلل على الاطلاق، فتعطى له كل الميزات والمنح
والهبات من أجل أن يقوم بتلميع صورة حاكمه الجديد، الحاكم الذي
يتوق في أن يكون هو أيضًا طفلاً مدللاً ولكن لمن ؟، أكيد لحاكم آخر
أكبر منه حجمًا وأكثر صيتاً، فيتزلف له محاولة منه لأن يكون الربيب
المدعوم ضمن هذه المنطقة الساخنة والمهمة من العالم، ولم يتوان هذا
الحاكم الصغير ومن أجل أن ينال رضا الكبار في أن يبعث وفودًا الى
اليهود ألد عدو للاسلام وأهله ويستقبل بدوره وفودًا منهم، ولا بأس
في أن يعترف باسرائيليتهم واسرائيلية الأرض التي أغتصبوها من
المسلمين.
كل هذا لا بأس به لدى القرضاوي ولا ضير، فكيف يستطيع الأعتراض
على أصحاب الفضل عليه الذين أتوا به من بلد كان ممكن أن يظل فيه
رجلا ً مغمورا ً لا صيت له يذاع ولاخبر، فيضيع بين كل تلك الحشود
من الفقهاء والدعاة المتخرجين من المدارس الاسلامية هناك ولن يجد
حينها من يسمع لتصريحاته وفتاواه ولظل وقتها مكتفيا بأكل الفول
والطعمية والقاء محاضرات (دينية) بسيطة ومقتضبة أيام المولد وفي
مناسبات الأحتفال بافتتاح مسجد أو جمعية خيرية أو ما شابه، لا أكثر
من ذلك ولاأقل.
فخض يا قرضاوي فيما داومت على الخوض فيه، وباشر في سعيك لهدم
لحمة المسلمين، ودق أسفين حقدك وقم بتكفير الغير كما تشاء، وأذهب
بعدها للأستمتاع بكل مباهج الدنيا وزينتها وبما أغدقه عليك حكامك
من عطايا وهبات ومنافع، وأشبع بطنك وأملأ عينيك بكل ما تحب وتشتهي،
وقبل أيادي الشر وألثمها، وواصل ظهورك نجمًا لامعًا في فضائيات
الحقد والرذيلة، ودعنا نحن شيعة آل البيت عليهم السلام مع مراجعنا
الكرام في النجف الأشرف وغيرها من مدن العلم، نتزود بعلومهم،
ونستشف منهم كل ما يحفظ بيضة الاسلام وعقيدة الدين من الضياع،
واستمر أنت في (قرضك) لمعالم ديننا و (قبضك) نتائج مجهودك ومسعاك،
وسواء أكنت (قرضاويًا) أم (قبضاويًا)، فالأمر لدينا سيان.
t73_hassan@yahoo.com |