اعتقال الشيخ توفيق العامر: السعودية تكرّس إمتهان الحقوق المدنيّة والدينيّة

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: مرة أخرى، يظَهر النفاق السياسي والديني في توجهات السلطات السعودية نحو حوار الحضارات والاديان وإدّعاء التخلّي عن التشدد والتطرف ومراعاة حقوق الاقليات والحقوق المدنية والدينية، من خلال تكريس مصادرة حرية الرأي والفكر والشعائر وخاصة تلك المتعلقة بالمسلمين من اتباع اهل البيت (ع).

وبدلاً من محاصرة النهج الوهابي التكفيري النافذ في المؤسسات السعودية وتطويق توجهاته الهدامة للإنسانية إستمرت السلطات السعودية في تضييق الخناق على المسلمين الشيعة ومنعهم من إقامة شعائرهم الدينية،  فقد مدّدت السلطات الأمنية السعودية  في الأحساء فترة اعتقال داعية الحقوق والحريات الدينية الشيخ توفيق العامر على خلفية رفضه التخلي عن اعلان الشعائر الدينية في الأحساء وفقا للمذهب الشيعي.

وذكرت مصادر مطلعة لشبكة راصد الاخبارية أن الشيخ العامر يرفض التوقيع على سلسلة تعهدات خطية يفرض أحدها التخلي عن رفع الأذان وفق الصيغة الشيعية في مسجده بمدينة الهفوف.

هذا واشترطت السلطات اطلاق العامر مقابل توقيع التعهد المذكور غير أنه رفض الاطلاق المشروط رفضا باتا وفق للمصدر.

وسبق للعامر التصريح لمقربين الأسبوع الماضي ردا على عرض اطلاق سراحه المشروط بالآية الكريمة ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾.

يشار إلى أن السلطات الأمنية تمنع المواطنين الشيعة من رفع الأذان وفق الصيغة الشيعية في مساجد المدينتين الأكبر في الأحساء المبرز والهفوف حيث يقع مسجد أئمة البقيع الذي يؤم العامر صلاة الجماعة فيه.

وإلى جانب الشيعة يقطن مدينتي الهفوف والمبرز خليط متجانس من أتباع المذاهب السنية الأخرى.

غير أن مدن وقرى الأحساء الأخرى ذات الصبغة الشيعية والتي تعاني التضييق الطائفي كذلك يرفع في معظمها الأذان "الشيعي" كما تشهد اقامة الشعائر المذهبية على نحو أفضل نسبيا.

صورة حديثة للشيخ توفيق العامر وهو خلف قضبان سجن المباحث الجنائية في الأحساءوعلى غرار ذلك ظل المواطنون الشيعة في محافظة القطيف حتى اليوم محافظين على رفع الأذان وفق الصيغة الشيعية برغم الضغوط التي برزت في عقود سابقة. بحسب تقرير لـ شبكة راصد الإخبارية.

ولا تختلف صيغة الأذان الشيعي عن السني سوى بإضافة ما تعرف بالشهادة الثالثة "أشهد أن عليا ولي الله" بعد الشهادتين المتعارفتين و"حي على خير العمل" بعد "حي على الصلاة وحي على الفلاح".

ويضع متابعون اصرار السلطات على منع الأذان وفق الصيغة الشيعية ضمن سياق الهجمة الطائفية المستمرة منذ أكثر من ست سنوات ضد المواطنين الشيعة في الأحساء.

وشملت الهجمة التي تجري بإشراف محافظ الأحساء بدر بن جلوي اعتقال المئات من المواطنين الشيعة واغلاق العشرات من المساجد والحسينيات.

يذكر أن هذه المرة الثانية التي يتعرض فيها الشيخ العامر للاعتقال التعسفي هذ العام فقد سبق للسلطات احتجازه اسبوعا واحدا خلال شهر يونيو الماضي وافرج عنه بعد تدخل هيئة حقوق الإنسان السعودية.

إقبال شعبي على زيارة العامر في السجن

إلى ذلك شهد سجن المباحث الجنائية حيث يعتقل الشيخ العامر على مدى الأيام الماضية وفود العشرات من الزوار للاطمئنان عليه حيث استقبلهم بمعنويات عالية وهو خلف القضبان. وعبر العديد من الزوار عن مساندتهم وتضامنهم معه وشكره على صموده.

من جهته خاطب العامر زواره بالقول "ان تفاعلكم الايجابي ومساندتكم هو دليل على وعيكم وتقديركم."

مضيفا بأن هذا الموقف "سيكون دافعا إضافيا على الصمود ورفض الضغوط بالتوقيع على التنازل عن ممارسة الشعائر الدينية".

ويشهد السجن اقبالا كثيفا وغير مسبوق من الزائرين من مختلف المناطق والقرى الاحسائية التي ابدت تفاعلا لافتا منذ انتشار خبر اعتقال الشيخ العامر للمرة الثانية في اقل من ستة اشهر.

الإعتقال الثاني له هذا العام.. والثالث في اربع سنوات

وكانت السلطات الأمنية السعودية قد اعتقلت العامر فجر الأحد الماضي، نتيجة دعواته المتكررة بوقف التضييق على الممارسات الدينية للمواطنين الشيعة في الأحساء. وجاء اعتقال الشيخ العامر لدى المباحث الجنائية بأوامر مباشرة من وزير الداخلية وفقا لمصادر مطلعة.

وذكر المصدر أن اعتقال العامر للمرة الثانية هذا العام جاء نتيجة رفضه التخلي عن المطالبة بحقوق المواطنين الشيعة في الممارسات الدينية.

إلى جانب رفضه التوقيع على تعهد بالتوقف عن دعواته تلك في مناسبات عديدة اثر استدعائه المتكرر لدي المباحث الجنائية.

يشار إلى أن السلطات احتجزت العامر في شهر يونيو وأودعته السجن لأسبوع واحد دون الرضوخ لطلبهم بتوقيع أي تعهدات مكتوبة.

وذكرت المصادر حينها أن اطلاق العامر جاء بعد تدخل مباشر من رئيس هيئة حقوق الانسان تركي السديري الذي خاطب امارة الشرقية كتابيا بهذا الشأن بخطاب رسمي حمل رقم 2411 في 20-6-1429. كما سبق للسلطات اعتقال العامر في ابريل 2005 على خلفية رعايته فعاليات دينية واجتماعية.

والشيخ العامر داعية بارز في مجال الحقوق والحريات الدينية وخطيب ومفسر معروف للقرآن الكريم ويؤم صلاة الجماعة في مسجد ائمة البقيع في مدينة الهفوف وهو في العقد الرابع من العمر.

ويتعرض المواطنون الشيعة في الأحساء إلى هجمة منظمة وانتهاكات حقوقية منذ تولي بدر بن جلوي مقاليد السلطة في المحافظة قبل نحو ست سنوات.

وشملت الانتهاكات سلسلة اعتقالات طائفية طالت المئات من المواطنين الشيعة واغلاق العشرات من المساجد والحسينيات وارتكاب الادارات الحكومية لتجاوزات صارخة لحقوق الشيعة تبعا لتوجيهات مباشرة بن جلوي.

وقالت مصادر مطلعة لشبكة راصد الاخبارية أن أمر اعتقال الشيخ العامر واحتجازه لدى المباحث الجنائية جاء بأوامر مباشرة من محافظ الأحساء بدر بن جلوي.

العامر الذي هاجم موقعي بيان الـ 22 واصفا اياهم بالنواصب وطلاب الفتنة وأنصاف العلماء رأى بأن البيان التكفيري المذكور يهيئ الجو إلى حرب ضد الشيعة.

وطالب اثر ذلك الحكومة السعودية في خطبته الأخيرة الجمعة الماضية بمدينة الهفوف بإتخاذ مواقف مطمئنة للمواطنين الشيعة.

"وللأسف جاءت أول المواقف الحكومية (المطمئنة) عبراعتقال الشيخ العامر تعسفيا وايداعه السجن بلا ذنب" وفقا لناشط حقوقي أحسائي بارز.

دوافع سياسية

ورأى ناشطون حقوقيون أن احتجاز العامر داعية الحقوق والحريات الدينية لدى المباحث الجنائية لن يصرف النظر بأي حال عن الدوافع السياسية لاعتقاله.

ويأتي اعتقال العامر بعد سلسلة استدعاءات وضغوط مارستها عليه الإمارة والسلطات الأمنية لمنعه من إقامة صلاة الجماعة في مسجد أئمة البقيع الذي يؤم الصلاة فيه بمدينة الهفوف.

ووفقا لمصادر مقربة شملت قائمة الضغوط تحذيرات بالإمتناع عن المطالبة بالحقوق والحريات الدينية للغالبية الشيعية في المحافظة.

يذكر بأن السلطات وبأوامر مباشرة من "بن جلوي" كانت قد احتجزت الشيخ العامر في أبريل 2005 لرعايته فعاليات دينية واجتماعية.

ورأى مراقبون بأن الممارسات الطائفية التي ترتكبها الأجهزة الأمنية السعودية تأتي على النقيض تماما من السياسات الجديدة للحكومة التي رعت مؤخرا مؤتمرا عالميا للحوار بين المذاهب الاسلامية في مكة المكرمة.

كما جاء الاعتقال الاخير للشيخ العامر غداة الدعوة لتنظيم حوار بين الأديان السماوية يُعقد في اسبانيا برعاية السعودية الشهر المقبل.

يأتي ذلك وسط سلسلة اعتقالات طائفية مستمرة طالت المئات من الأحسائيين الشيعة ومضايقات طائفية شملت اغلاق العشرات من المساجد والحسينيات خلال السنوات الخمس الأخيرة.

الشيخ العامر: مُصدّري بيان التكفير نواصب وطُلّاب فتنة

ووجه الشيخ العامر كلاماً لاذعاً للشيوخ الـ22 السعوديين الذين أصدروا بياناً يحذرون فيه من الشيعة حيث وصفهم بالكفرة وطلاب الفتنة وأنهم أنصاف علماء.

جاء ذلك في عرض خطبته التي ألقاها الجمعة الماضية بمسجد أئمة البقيع الواقع بمدينة الهفوف التابعة لمحافظة الأحساء.

وبين العامر أن هذا البيان حافل بتكفير الشيعة وعدهم من المشركين وعليه فإن مصدري البيان "نواصب وطلاب فتنة وكفرة" استناداً إلى الرواية التي تقول «من كفر مسلماً فقد كفر».

مشيراً إلى أن هؤلاء لايمثلون السنة بل يمثلون أنفسهم لأن الكثير من السنة في هذا البلاد نجلهم عن النصب فهم إخواننا في الدين الإسلامي كما أنهم يستنكرون هذا البيان الممزق للوحدة الوطنية.

وأضاف العامر أننا تحملنا الكثير من الفتاوى من «الشيخ عبد الله بن جبرين والشيخ إبراهيم الجبهان» واعتبرناها فتاوى شخصية إلا أن هذا البيان صدر من شيوخ لهم مراكز كبيرة في الدولة وهذا مايجعل الشيعة يتخوفون كثيراً. بحسب شبكة راصد.

وأوضح بأن هذا البيان يهيئ الجو إلى حرب ضد الشيعة مما يستوجب على الدولة إعطائنا نوعا من الاطمئنان على أنفسنا من هؤلاء وإلا سوف يحدث خلل في النسيج الاجتماعي.

مضيفاً أننا نشتكي من مشكلة طائفية على مستوى البلاد ولكن صدور بيان في هذا الوقت يخيف الشيعة ويؤكد أن هنالك تأسيسا لمرحلة جديدة.

وطالب العامر المشائخ الذين أصدروا هذا البيان بسحب بيانهم أو تأخذ الحكومة بحقنا منهم واصفاً إياهم "بأنصاف العلماء".

مشيراً إلى فشل هذا التيار الذي اجتمع في تركيا من قبل لدعم الحالة الطائفية في العراق وفشلوا في باكستان ولبنان واليمن والجزائر "فهم الآن يعملون في الوقت بدل الضائع".

ورأى العامر "أن غالبية المسلمين يرفضون هذه النغمة وقابلين بالتشيع ومعتبرين التشيع رقماً رئيسياً بين المسلمين بل أنهم يتعاطفون مع التشيع".

وناشد الحكومة بوضع حد لهؤلاء الذين أحرجوها وجعلوا مصداقيتها على المحك حيث صدر بيانهم في وقت دعت فيه الحكومة جميع الأديان للحوار في مكة المكرمة.

موضحاً أن في كل حوار وطني تخرج فتاوى تكفير وهذا يدل على أنه هنالك استهداف للوضع السياسي والاستقرار الاجتماعي في الوطن ككل وهذا يؤدي إلى ضعف الدولة مما يجعلنا مطمع للدول القوية.

وطالب العامر الحكومة أن تنتبه من هؤلاء "خصوصاً مع تبني خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الحوار بين الأديان".

وشكر العامر الشيخ مخلف الشمري على دعوته للسنة للصلاة في مسجد شيعي ودعوة الشيعة للصلاة في مسجد سني. واصفاً هذا الموقف بالشجاع من الشيخ الشمري داعياً الكل إلى الامتثال لدعوته التي تصب في مصلحة الوحدة الوطنية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 17/أيلول/2008 - 16/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م