هل نهاية الكون في معجّل الهادرونات الكبير؟!!

د. مؤيد الحسيني العابد

لقد قرأنا وإستمعنا هذه الايام عن موقف جديد من المواقف المعلّبة التي تأتي لنا من الجانب الآخر!

 لقد ترقّبنا العام 2000 يوم جاء وإنتهى ولم يحدث أيّ حدث من الاحداث التي حذّروا منها ووصفوا العام المذكور قبل حدوثه بأنّه عام إنقضاء العالم وأفوله وروّجوا الى هذه الخرافة ليس من (دراويشنا!!) إنّما من (دراويشهم!!) هذه المرّة، لا بل وصل الامر الى إنتحار العشرات بسبب وصايا كاذبة من هؤلاء الدراويش حتى مات من مات وعاش الكلّ مترقّبين رحمة الله الواحد. ومرّ العام 2000 بسلام وبأقل حوادث من السنوات التي سبقته وربّما من التي بعده!

وهذه الايام برزت لنا (دراويش!!) من يدّعي العلم ويصرّح لنا أن القادم سيكون الموت الابدي للكون بفعل تجربة يقوم بها عدد من العلماء في المعجّل المسمّى  مصادم الهادرون الكبير (Large Hadron Collider).

 ما الامر هنا؟

يريد العلماء من إجراء هذه التجربة وربّما تجارب أخرى الى الوصول الى نفس الظروف التي كانت قبل نشوء الكون والتي ساهمت في تكوينه وخلقه من الجزيء المسمّى بالجزيء الربّاني(هيكس)! حيث يتوقّع العلماء إحتمالاً من إثنين:

الاول: عند عملية تعجيل البروتونات من جهة وإلتقائها بحزمة بروتونية قادمة من الجهة المعاكسة بعد فترة من الزمن بعد أن تكون البروتونات قد وصلت سرعتها الى ما يقارب سرعة الضوء( أي قرابة أن تكون الجسيمات عبارة عن طاقة وفق النظرية النسبية الخاصة لانشتاين فتكون طاقات الجسيمات في حدّها الاقصى) فتكون قد تحققت عملية مشابهة لما حدث للكون في بدايته فنفهم ما حدث هناك! من أصل المادة وغير ذلك.

الثاني: أن يقوم العلماء بإستنتاجات جديدة لنظريات قد تثير الكثير من الشجون العلمية بأطر نظرية أخرى قد تتضارب فيها العديد من النظريات القديمة أو قد يتأكّد من بعضها.

المصادم أو المعجّل المذكور هو معجّل مخصّص لتعجيل البروتونات والايونات الثقيلة وهو معجّل ضخم كبير يقوم بتعجيل الجسيمات وسمّي بإسم الهادرونات(هي مجاميع متنوّعة من الجسيمات الاساسية الموجودة أو التي تحتويها النويات وهي إمّا ميزونات أو باريونات مثل البروتونات أو النيوترونات) لانّ البروتونات المعجّلة فيه تحتوي على النويات الثقيلة المسمّاة بالهادرونات.وقد قامت مؤسسة الابحاث النووية الاوروبية بإنشائه في ضواحي جنيف. وأجري الاختبار الاول بقدرة المصادم الدنيا أي التي تقل ب 30 مرّة عن القدرة المتوخاة من تصادم البروتونات داخل المعجّل المذكور. وقد وصف بعض العلماء الذين أشرفوا على تنفيذ المشروع بأنّه أضخم مشروع ولا نظير له في تأريخ البشرية. ومن مميّزات هذا المعجّل أن يكون محيطه الذي يمتدّ عبر الاراضي السويسرية والفرنسية 27 كيلومتراً. وفيه يحاول العلماء من إجراء عدّة عمليات بتمرير الحزمة البروتونية(كما أشرنا) بدائرة معيّنة وفق العديد من النظريات التي تنصّ على إمكانية إجراء تصادم كبير بين هذه الجسيمات. وقد قاموا بالفعل بإجراء برنامج محاكاة على جهاز الكومبيوتر وقد توصّلوا الى نتائج جيّدة للحصول على حلّ للغز تكوين وخلق الكون وفق النظرية المسمّاة نظرية الانفجار الاعظمBig Bang Theory التي تقول أنّ الكون كان عبارة عن نقطة ذات مواصفات فيزيائية معينة وحصل لها هذا الانفجار بفعل الضغط العظيم فنتج عن الانفجار المذكور المليارات من المجرّات والاجرام الاخرى المعروفة. لذلك يحاول العلماء التأكّد من هذا الفعل تطبيقياً ومن أصل المادة التي حصل لها هذا الانفجار. حيث يجرون خلال الاسابيع القادمة ولاول مرة عملية تصادم بروتوني تكون طاقة حزمة البروتونات لا تزيد عن 450 غيغا إلكترون فولت.

 تبلغ قدرة المصادم التصميمية 7 تيرا إلكترون فولت(التيرا تساوي مليون مليون إلكترون فولت وبوحدات الجول نقول: أنّ الجول الواحد يساوي6241506.47996 تيرا إلكترون فولت)، وتبلغ التصادمات الكلية 14 تيرا إلكترون فولت. حينها (كما يقول بعض العلماء) تحدث هذه التصادمات بين الجسيمات عند هذه الطاقة ثقوباً سوداء مصغّرة ربما تسقط الى مركز الارض وتقوم بإمتصاص المادة شيئاً فشيئاً حيث سيظهر ما يشبه الانفاق التي تسمح بالحركة المعاكسة لسير الزمن(أي إنقلاب الزمن كما تنصّ رياضيات النظرية النسبية لانشتاين). لابل قال بعضهم الى أنّ هذه الثقوب السوداء ستقضي الى نهاية الكون!!(هذا ما يعتقده العالم رويسلر صاحب الدراسات العديدة حول نظرية الهيولى (الهيولى عبارة عن كلمة معرّبة من اللغة اليونانية وتعني مادة غير معيّنة أصلاً وتشترك بها الاجسام في كونها أجساماً وهي الموضوع الذي تقوم به الصفات وفي ذاتها لا يمكن وصفها ولا حدّها ويمكن أن توصف في حالة واحدة هي حالة خلع الصورة عليها).

لكنّ العديد من العلماء قد أشاروا عكس ما يقول رويسلر وجماعته بنصّ يؤكّده العالم الروسي الكبير فكتور سافرين في تصريحه الاخير حول نشوء الثقوب السوداء بالطريق الذي يعتقده رويسلر وجماعته. فيقول سافرين:(( ان التصورات الهوجائية مرتبطة بالفوضى في فهم هذه الظواهر. وتنطلق من هنا تساؤلات عديدة. ويصعب على الرأي العام التفريق بين العالم الأكبر (الماكروي) والعالم الاصغر (الميكروي) حيث المسافات والاوقات أقل بمليارات المرات منها في العالم الاكبر.وبطبيعة الحال تختلف قوانين وجود أجسام ما في العالم الاصغر اختلافا مبينا، ولذا فان هذه الظواهر لا تؤثر اي تأثير على العالم الاكبر. وعلى حد قول سافرين  فليس لها من حيث المبدأ اية صلة الا صلة الحلول الرياضياتية بالثقوب السوداء والمجرة  والكون.وأضاف قائلا ان المعادلات نفسها تطبق في كلتا الحاتين)). وقال سافرين:(( الثقوب السوداء التي يُزعم انها قد تظهر اثناء تشغيل مصادم هادرون الذرات الكبير ما هي الا  تجريد رياضياتي لا يمت باية صلة الى الثقوب السوداء الناجمة عن انهيار الشموس الكبرى)).

إنّ العملية لا تتجاوز التأكّد من نظريات رياضية قد تضاربت مع بعضها حول مفهوم الثقوب السوداء من خلال هذه النظريات، العديد من الآراء.

سنقوم بإستطلاع بسيط ومختصر لما يشار اليه بالنظريات المتعلقة بمفهوم الثقوب السوداء لنرى هل من الممكن حصول عملية البلع المدّعاة من قبل بعضهم للمواد عن طريق هذه الثقوب السوداء؟!!

إنّ الثقوب السوداء أو الثقب الاسود، حيّر سلوكه العلماء الى درجة تحوّلت معها الدراسة الى نظريات متباينة في التفسير((فمثلاً يقول هارفي من جامعة شيكاغو: إنّ الثقوب السوداء عديمة الكتلة وتتحرك بسرعة الضوء. ويقول هوروويتز من جامعة كاليفورنيا أنّها لا تملك شيئاً، وليس لها زخم(أو إندفاعmomentum ) ويقول الاول أنّه ليس لها طاقة ولا إندفاع، لاشيء هناك(عن مجلة أبريل Scientific American1996). وهذه الثقوب السوداء تتشكّل من جراء إمتصاص كتلة كبيرة من المادة تحت وطأة قوة التجاذب Gravitational، لكنّ الثقوب السوداء وهي تبتلع عادة كل ما يقع في حبائلها ولو كان ضوءاً يمكنها أيضاً كما بيّن هوكنك من جامعة كامبردج: أن تصدر إشعاعاً جسيميّاً يجعلها تفقد بعض مادتها وتتقلّص. فإذا كانت الكتلة الأصلية مكوّنة من أوتار(وفق النظرية الوترية التي تقول إنّ الثقوب السوداء ربما تساعد على ربط آلاف من عشرات آلاف الحلول للنظرية الوترية في شبكة معقّدة، والروابط تسهل مسألة إيجاد الحلّ الصحيح للنظرية، الحلّ الذي يعطي أوصاف الكون الذي نعيش فيه) يكون من شأن هذا التفكّكك أن يقود في النهاية الى شيء عديم الحجم ـ ثقب أسود(خارجي) يبدوفي الواقع وكأنّه جسيم:المصدر مجلة    Scientific American الصفحة 56.1996

ثمّ هناك من يقول انّ الثقوب السوداء الخارجية هي مجرّد فتات حقول وترية معروفة في مجال آخر باسم سوليتونات (مفردها سوليتون Soliton كلمة تنطوي على معنى التوحّد والتفرّد. المصدر السابق الصفحة 52 الى 56. وهكذا تبقى الثقوب السوداء هي سرّ الاسرار الذي ما زال قيد الدرس والبحث.. أي أنّ الثقب الاسود قزم من الاقزام الجسيمية ويعتبر لدى الفلكيين الفيزيائيين عبارة عن مقبرة النجوم والكواكب المنهارة التي تنهار وفي حركتها تدخل هذا الثقب لتتحوّل الى طاقة في العمق السحيق له.

السؤال الذي يمكن أن يثار هنا، هل يمكن لهذه الظروف التي سترد أن تكون مثل تلك التي كانت يوم تكوين الكون وخلقه؟ وهل يمكن الوصول الى نتيجة مخيفة كتلك التي يشار لها هذه الايام؟

سنحاول من خلال ما ورد أن نسلّط ضوءاً على أمور مهمّة:

1.     إنّ ما يشار الى التطابق الفعلي بين العالم الميكروي(الدقيق) والعالم الماكروي(الكبير أو المرئي) غير دقيق من جهة إختلاف المقاييس حيث كما هو معلوم من خلال النظريات الرياضية والفيزيائية أنّ الطاقة الناشئة أو التي نشأت من التصادم الاول في الكون كان مهولاً ولا يمكن مقارنته بالتصادم الذي يحدث في المعجّل المذكور حيث أنّ عمر الكون يقارب 14 مليار سنة وهو منذ ذلك الوقت يتعرّض الى كميات عظيمة من الاشعاعات من مصادر مجهولة وذات قدرات هائلة ولم يحدث ما يشابه معتقد هؤلاء الذين يقارنون الامرين بنفس المقارنة(وقد أشار العالم سافرين الى ذلك بشكل جميل!).

2.     إنّ تكوين الثقوب السوداء مستمرّ منذ مليارات السنين والتي كما أشرنا، أنّها مقابر للنجوم والكواكب المنطفئة على طول خط إستمرار الكون فلم يلحظ العلماء أي نتائج سلبية لهذا السلوك الغريب الذي يتمتّع به الثقب الاسود من بلع لما خلق في الكون إلاّ بعد إنتهاء الجرم السماوي الذي بدوره يقترب من الثقب الاسود شديد الجاذبية ليقوم بإبتلاعه. ولم تكن هناك أية كارثة من هذا النوع الذي يعتقدون.

3.     إنّ ما يشار الى هذا التخمين يثير القلق بجانب عدم الدراية من ظهور نتائج سلبية أخرى غير تلك التي يعتقد بظهورها كأن يحصل تفاعل ما أو نشوء أجسام غير تلك المعروفة فتسبب الضرر الكبير بالمعجّل نفسه أو في المحيط عموماً. وحول هذا يقول العالم سافرين ((من اجل تزويد الطاقة الى المغناطيس القوي الذي يحافظ على سير البروتونات ويوجهها  تستخدم الكوابل عالية التوصيل  المبردة حتى الصفر المطلق بواسطة الهليوم السائل. وفي حال تسخن الهليوم  بسبب ما تفقد قدرته على التوصيل العالي، ويقوم التيار بشدة هائلة بتسخين تلك الموصلات  حتى درجة الحرارة الخارقة الامر الذي يتسسب بطبيعة الحال في وقوع كارثة ما. واعرب العالم عن يقينه بانه  نظرا لوقوع هذا المصادم وطاقمه على عمق 100 متر والسيطرة الدائمة عليه باستخدام الاجهزة التقنية  الخاصة  لن تحدث اية عواقب خطيرة على الناس)).

أليس من حقّ الناس على العارفين بالامر العلمي أن يعلموا ما يقارب أو يباعد في إعتقاداتهم الروحية؟!

هنا ماذا يقول الله تعالى حول نهاية الكون (أو بلعه!!) لتبدأ عملية أخرى من الحساب واللقاء الآخر!

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ((سورة الاعراف:الآية(187)).

الامر ليس بيدك أو يدي لنعمل على نهاية وبداية كون مثل كوننا!!  أليس كذلك؟ !

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/أيلول/2008 - 14/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م