ابتزاز المالكي بالانقلابيين!

رياض الحسيني

الحديث عن الانقلابات من جانب المؤسسة العسكرية على الحاكم في العراق ليس وليد اللحظة او حديث الساعة بل كان ولايزال العلامة الابرز للحكم في هذا البلد الذي كان ولايزال من ابرز الدول التي حصلت فيها انقلابات على مدى القرن الفائت. لقد ترسّخ هذا المفهوم تحديدا بعد ثورة تموز 1958 ذات الصخب الشعبي العارم والتي قادها عبد الكريم قاسم ضد العائلة الهاشمية الحاكمة تلاها انقلاب 1963 بقيادة البعثيين والقوميين على "المعسكر الاشتراكي" وذلك وفقا لادبيات البعث العراقي. عقب ذلك انقلاب البعثيين على القوميين في تموز من عام 1968 واخيرا انقلاب البعث على نفسه "صدام على البكر" عام 1979 الهادئ جدا.

المتتبع لهذه الانقلابات وخلفياتها لايجد عناءا في استنتاج ان هذه الانقلابات كانت اما مدعومة من قبل القطب الدولي الاخر وهو الاتحاد السوفياتي السابق او القطب الامريكي وذلك حسب التوجهات والرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها كل منهم واما انها اي تلك الانقلابات كانت ذات عمق شعبي وتأييد نخبوي او على الاقل تحييد الجماهير في الصراع والايحاء على ان التغيير خاص بالنخب وانه صراع سلطوي لايجب ان يتدخل فيه المواطن البسيط! فهل من السهولة بمكان ان تُجرى انقلابات من هذا النوع في العراق الجديد ونحن نشهد التقسيم القومي والتخندق الطائفي والتحزب الذي اختزل الوطن وعلا فوق الوطنية؟!

صرخات السياسيين العراقيين بين الفينة والاخرى وتحذيرهم من انقلاب يقوم به هذا الطرف او ذاك وان كان يصنف في خانة الدعاية والتخندق الا انه لايخرج عن الحقيقة المرة "الابتزاز" التي يعاني منها جميع من يتربعون على قمة الهرم الحزبي. فبعد الاتهام الطائفي لقيادة الانقلاب جاء الاتهام الحزبي تلاها الاتهام القومي مؤخرا! فقد جاءت الصرخة الاخيرة من جانب الاحزاب الكردية وهي تتهم رئيس الوزراء نوري المالكي بقيادة "انقلاب" وذلك على خلفية قرارين كان المالكي قد اتخذهما في فترة وجيزة جدا تجسّد الاول بسحب ملف الاتفاقية الامنية المزمع اجراؤها مع الجانب الامريكي من وزارة الخارجية فيما هي حصة الاحزاب الكردية "الحزب الديمقراطي الكردستاني"!

 أما القرار الثاني فكان الايعاز الى قيادة الجيش العراقي لتطهير محافظة ديالى والغاء المظاهر المسلحة فيها بالكامل بدلا من تقاسمها مع مليشيا "البيشمركة"! طبعا لمن ينظر الى هذين القرارين يجد فيهما ان القاسم المشترك هو الاحزاب الكردية التي تنظر الى قرارات من هذا النوع على انها "انقلاب"! ومن الطبيعي ان يعود التحذير من الانقلاب من تلك الجهة خصوصا وانها جهة تملك اليوم ترسانة اعلامية يساندها الانتهازيين والمتسلقين من العرب بحجة الدفاع عن القضية الكردية ودعم دولي يسيل لعابه للثروة النفطية التي تتطلع الاحزاب الكردية للسيطرة على جزء كبير منها وذلك من خلال السيطرة على كركوك وحقولها الغنية.

صرخات التحذير هذه من الانقلاب لا أساس لها على أرض الواقع طبعا خصوصا لو علمنا ان المؤسسة العسكرية اليوم تتقاسمها الاحزاب كما هو حال كل شاردة وواردة في "العراق الفيدرالي" القائم اساسا على ما يسمى جزافا " عراق التوافقات السياسية" فيما هو في الحقيقة عراق التقسيمات الحزبية! لذا فالصرخة الكردية الاخيرة والتحذير من انقلاب تقوده المؤسسة العسكرية هو بمثابة ابتزاز علني وواضح وصريح لرئيس الوزراء وهي سياسة دأبت عليها وانتهجتها تلك الاحزاب في عدة ملفات وقضايا حساسة.

 الجميع يعرف ان الانقلاب في العراق الجديد ليس بتلك السهولة واليسر ولو حاول البعض من القيام بذلك وهو ضرب من الجنون فلن يرى النور ولو رأى النور فلن يُكتب له النجاح الا لبضع دقائق تدوسه بعد ذلك اقدام ثقال من كل الاصناف والالوان ولو كان الانقلاب بتلك السهولة واليسر لكان اولى بالبعثيين القيام به او تنظيم القاعدة الذي يعتبر الفصيل الاشرس على الارض.

سحب ملف المباحثات العراقية الامريكية بخصوص الملف الامني من وزارة الخارجية وارجاعه الى مكتب رئيس الوزراء يعني فقدان الجانب الامريكي لحليف مهم كان ولازال يعوّل الجانب الامريكي عليه لانجاز تلك المهمة بيسر وسهولة. هنا تبرز حاجة الجانب الامريكي ايضا لابتزاز المالكي وتخويفه من اسطوانة "الانقلاب الموعود" وهو ما يتطابق مع نهم الحليف الستراتيجي! خصوصا لو علمنا ان لقاء وزير الخارجية هوشيار زيباري بمجلس النواب العراقي في وقت سابق قد اثار حفيظة النواب وهو في معرض شرح مواد وبنود الاتفاقية لدرجة ان بعضهم قد وصف زيباري بانه "امريكي اكثر من الامريكيين" بينما وصفه نائب اخر بانه كان ممثلا للجانب الامريكي وليس العراقي وهو المفترض!

ببساطة شديدة انقلابات هذه الايام ليس كما السابق فالثورة المعلوماتية الكونية مارست بشكل كبير ومن دون ارادة للانقلابيين في اشراك الشعوب في اي انقلاب يُكتب له النجاح فكيف ونحن امام فعاليات من الوزن الثقيل في عراق اليوم ليس المرجعيات الدينية والحزبية اولها ولا الارادة الاقليمية اخرها. وان ماحدثت معجزة العصر والزمان وتحرك الانقلابيون نحو المنطقة الخضراء فلن يكون حالهم بأفضل من حكومة رشيد عالي الكيلاني في ايار من عام 1941 وهو تحرّك وبالرغم من انه كان اقرب الى الثورة على الاحتلال البريطاني منه الى الانقلاب على الدولة الا انه لم يُكتب له النجاح كما لم تستمر حكومته الا لاسابيع قليلة استسلم بعدها القادة وأعيد العراق الى الحضيرة البريطانية والى حكومة نوري السعيد.

* كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل

www.alhusaini.bravehost.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/أيلول/2008 - 10/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م