فوائد الرخاء الاقتصادي في الخليج

أحمد شهاب

لعب الرخاء الاقتصادي في دول الخليج العربي دورا أساسيا في تبريد التوترات الداخلية، وساهمت الثروة النفطية التي أنعم الله بها على دول المجلس في تداخل المصالح وتبادل المنافع، سواء بين الأسر الحاكمة والنخبة التجارية في الخليج، أو بين القوى والعائلات والمجاميع الاجتماعية المختلفة، وأفرز الرخاء الاقتصادي ما يمكن تسميته بثقافة المساومة لتأمين حركة المصالح المتبادلة، وقد وجدنا في العديد من المجتمعات الخليجية تداخلا وتعاونا اقتصاديا أو اجتماعيا بين أطراف تتباين من حيث انتماءاتها المذهبية أو مستوياتها الاجتماعية أو أصولها القبلية، ولكن تجمعها المصالح المشتركة.

وكان يمكن لهذا التداخل أن يزدهر وينمو ويُقدم أنموذجا تطبيقيا في التعايش والاندماج الوطني لولا التحريض السياسي المستمر لدفع المذهبيات والقبليات نحو التصادم والتنابذ وفق قاعدة «فرق تسد»، التي دفعت في اتجاهها أطراف سلطوية في مسعى لتحقيق أقصى ما يمكن من الفائدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من وراء تلك الخلافات والتوترات، وللتقليل من فرص ظهور قوى وجماعات منظمة مقابل «حزب الحكومة»، نظرا لاعتقاد سائد عند أطراف من السلطة بأن قوة المجتمع وتنظيم هيئاته ومؤسساته يُمثل تهديدا لمصالح الحكم ويعمل على إرباك الأمن الوطني.

إن الربط بين التطور الاقتصادي من جهة وتطور النظم السياسية واستقرارها لم يعد أمرا جديدا في الفكر السياسي الحديث، والباحثون في العلوم السياسية يشيرون عادة إلى مثال الثورتين الفرنسية والأميركية للقول بأن الرخاء والاستقرار الاقتصادي يُعد أحد أبرز العوامل لتدعيم مسار التطوير السياسي ونهوض الدولة من جهة، ولإرساء التعددية الثقافية من خلال تطور التعليم والثقافة من جهة ثانية، وأيضا للمساهمة في تحقيق السلم الاجتماعي من خلال تسريع خطى الإصلاح السياسي.

فالرخاء الاقتصادي يُدلل على إمكانية الانفتاح والتطور السياسي، ولذا وجدنا أغلب الدول الديمقراطية والمستقرة سياسيا هي دول ثرية في ذات الوقت، وكأن المال يجذب الديمقراطية والاستقرار إلى الدول، في الوقت الذي تُساهم الديمقراطية من جهتها في تحسين إدارة الثروة، وحمايتها من تبذير الفاسدين، كما يقود الدولة نحو تحقيق الإصلاح السياسي وتطوير المؤسسات السياسية وزيادة نسبة المشاركة الشعبية.

إن قراءة ملفات العنف والتوتر داخل حوض الخليج تُثبت بالكثير من الأدلة أن المناطق المحرومة اقتصاديا ظلت تُمثل أحد أكبر بؤر التوتر في خاصرة الدول الخليجية، وتُعتبر إحدى أبرز الثغرات التي شاغلت الحكومات الخليجية عن مشروع التنمية، ولو دققنا النظر في المناطق المتأزمة سياسيا وأمنيا، والتي شكلت بيئة ملائمة للاستجابة مع التوترات الصادرة من الخارج، والحاضن الرئيسي لجماعات العنف والتطرف، لوجدناها في الغالب المناطق المحرومة من الخدمات، والتي يقترب أهلها من مستوى الفقر ويشعر بنوها بالغبن الاقتصادي والتمييز الطائفي والعرقي في الوظائف والأعمال وتطبيق القوانين، وقد أدّى التراجع الاقتصادي -ثورات الخبز مثالا- في بعض دول العالم إلى نشوب ثورات وحروب طاحنة أطاحت النظم القائمة.

يميل بعض الباحثين للقول بأن فوائد الرخاء الاقتصادي تنحصر في العمل على تبريد التوترات الداخلية من خلال استيعاب أفراد المجتمع في الجهاز البيروقراطي الحكومي عبر سياسات التوظيف، ونقل المواطنين من الاعتماد على مصادر دخل حرة إلى الاعتماد على راتب الدولة، إن طبيعة العلاقة مع الدولة في هذا الحيز هي خليط بين الرغبة والرهبة، الرغبة في تحصيل رضا الدولة للتمتع بخيراتها لأطول فترة ممكنة، والرهبة من جلب سخط الدولة ورجالها النافذين، ولهذا تنتشر ثقافة الخوف الوطني من التعبير عن الرأي في هذه الدول، ليس خوفا من السجن فقط، وإنما أيضا خوفا من الحرمان وشظف العيش.

ورغم صحة هذا الرأي، إلا أن ثمة دوراً آخر تلعبه الوفرة المالية، فمن شأن الرخاء الاقتصادي أن يجعل الأنظمة الحاكمة أقلّ عدوانيّة، كما من شأنه أن يجعل المواطنين أقلّ ميلاً للجوء إلى العنف، لأن المال وببساطة، وكما مرَّ ذكره، يخلق قيما جديدة بين الأفراد ويسمح بالتداخل والتعاون بين شرائح متباينة دينيا وثقافيا واجتماعيا، إنه باختصار يعد مدخلا ملائما لتأمين الاستقرار الداخلي، ويفسح الفرصة لترقي الوعي العام.

إن ظرف الرخاء الاقتصادي الذي تشهده حاليا دول مجلس التعاون هو فرصة لتحديث النظام السياسي والعلمي والاجتماعي والثقافي، ولانتقال الدولة من عصر تقليدي إلى آخر حديث، كما هو فرصة سانحة لتغيير أوضاع المواطنين ودفعهم نحو المشاركة الإيجابية في إدارة المجتمع والدولة، ولا مجال لتأجيل استثمار الثروة في تحقيق المطالب الرئيسية للدولة، لأن أحدا لا يعلم إلى متى سوف تستمر تلك التدفقات النفطية، وما هو المصير الذي ينتظر دول الخليج في حال هوت أسعار النفط إلى الأرض وتقلصت ثرواتها المالية؟

لا تستطيع الثروة حل جميع المشكلات التي تواجه دول الخليج، لكنها تستطيع تحقيق الأهداف الحيوية والرئيسية التي تحتاجها هذه الدول وشعوبها، وتستطيع أن تساهم في توفير الأمان والسلام الاجتماعي، وتعزز أمل المواطنين بالمستقبل القريب، فظروف الرخاء الاقتصادي باختصار هي فرصة لا تعوض لتعاون شعوب الخليج ومنظماته ومجاميعه وقواه مع الحكومات القائمة في سبيل تحقيق الأهداف المرجوة من قبل الطرفين، وعلى رأسها الإسراع في خطى التنمية الشاملة.

* كاتب كويتي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 10/أيلول/2008 - 9/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م