الزبير.. مدينة الخير الفقيرة!!

عدسة وتحقيق: عبدالأمير رويح

 

شبكة النبأ: مدينة ولدت من رحم الصحراء فاحتضنها الرمل وطوق حدودها فكبرت ونشئت في حجر الشمس الحنون الزاخرة بالعطاء. لتحتضن هي بدورها الشعر والتاريخ والتجارة. وتخزن في رحمها المبارك ذلك الذهب الأسود الذي لم يسعفها في شيئ برغم غلاء أسعاره.!

مدينة لطالما أطعمت الجميع من خيرها المباح وخضارها المبروكة، فهي مدينة الكرم، الذي شح حتى على أهلها! .مدينة الجوامع والمساجد مدينة الأثل الشامخ الحي رغم ملوحة الأرض وحرارة الجو. مدينة الموانئ وبوابة العراق الجنوبية. تلك هي مدينة (الزبير) والمعروفة اليوم بقضاء (الزبير) أحد أهم أفضية محافظة البصرة..

تاريخياً تأسست مدينة (الزبير) عام(979هـ-1571م) حينما أمر السلطان العثماني(سليمان القانوني) بترميم قبر (الزبير بن العوام). لتبدأ بعد ذلك مرحلة الاستيطان وزيادة عدد السكان في هذه المدينة. وكانت مدينة (الزبير) ولازالت محطة من محطات الخير فبحكم موقعها المهم أصبحت طريقا ومركزا تجاريا، يربط مابين الشرق والغرب فكانت نقطة لإنطلاق القوافل التجارية وسوقا مهما من أسواق البصرة التجارية عرف بسوق (المربد).

أول حاكم حكم هذه المدينة هو (الشيخ إبراهيم بن محمد الجديد). وكان لهذه المدينة سور كبير لحمايتها، كان لهذا السور أربعة ابواب تفتح في أوقات معينة مع وجود حراسة مشددة، بني هذا السور عام (1177هـ) في عهد حاكمها(يحيى الزهيري) وهدم في الحرب العالمية الأولى عام (1914) وبقيت اثاره قائمة حتى فترة متأخرة. سميت هذه المدينة بعدة تسميات منها (وادي السباع و وادي النساء) وغيرها من التسميات حتى عرفت باسمها الحالي (قضاء الزبير) نسبة للزبير بن العوام المدفون في أرضها.

بعد هذه المقدمة التاريخية المختصرة سنأخذ القارئ العزيز في رحلة خاصة في قضاء الزبير، هذه الرحلة سوف لن تكون خالية من الهموم والمعاناة التي يعيشها أبناء هذا القضاء الغني بكل الثروات والخيرات والذي يعتبر مصدر من مصادر الإنتاج (النفطي والزراعي) وميناء العراق التجاري وبوابة الخير المطلة على مشارف الخليج..

يشكل قضاء (الزبير) القسم الجنوبي الغربي من محافظة البصرة وهو من أكبر أقضية هذه المحافظة وتقدر مساحته الإجمالية بـ (10000كم2) مشكلا بذلك نسبة (54%) من مساحة المحافظة  وهو الامتداد الحدودي الكامل لشمال دولة الكويت وبوابة العراق على هذه الدولة الخليجية. عدد سكان القضاء يتجاوز الـ ( 650 ألف نسمة) تقريبا.

من الناحية الإدارية يتبع لهذا القضاء ناحيتين رسميتين الأولى ناحية (صفوان أو سفوان ) وهي المنطقة الحدودية المتاخمة لدولة الكويت الشقيقة وطريق العراق البري الأول بتجاة دول الخليج .

أما الأخرى فهي ناحية (أم قصر) ويقع فيها أهم موانئ العراق البحرية والمعروف بميناء أم قصر وهو من الموانئ الحيوية المهمة. هذا ويتبع القضاء أيضا بعض المناطق المهمة مثل منطقة (بادية الزبير) ومناطق (خور الزبير وفية ميناء خور الزبير والشعيبة والرميلة والبرجسية ) وهي مناطق نفطية وصناعية مهمة بل من أهم مصادر تصدير النفط العراقي.

مجتمع الزبير خليط متجانس

مجتمع الزبير مجتمع متجانس متداخل فيما بينه، ويسكن هذا القضاء الكثير من القوميات والمذاهب والديانات فبالإضافة لوجود  المسلمين من أبناء المذهبين ( السني والشيعي ) هناك أيضا (المسيح ) و(الصابئة ). ويمتاز أبناء القضاء بطيبة القلب وحب المساعدة وطيب العشرة. وهذا التنوع والاختلاف أوجد ميزات أضافية للمجتمع الزبيري. منها اختلاف وتنوع العادات والتقاليد والشعائر هذا بالإضافة لتنوع واستخدام بعض ألهجات والكلمات التي تخص أبناء هذا القضاء فلهجة أبناء الزبير القدماء أو مايسمون بـ(الزباره) وهي لهجة خاصة قريبة من لهجة أبناء الخليج العربي ولهم عاداتهم  وممارساتهم الاجتماعية الخاصة وهم بذلك ليسوا بعيدين أو ومنعزلين عن باقي السكان في القضاء بل تربطهم أواصر الحب والتصاهر والأخوة من دون تميز. وبصوره عامة فالمجتمع الزبيري مجتمع عشائري محافظ ومتماسك.

الواقع الخدمي ومعاناة المواطن

رغم أهمية هذا القضاء فمازال الواقع الخدمي فيه دون المستوى المطلوب وما زال الإهمال يسود بعض المناطق رغم وجود الخطط المعدة لأعمارها. فما زالت بعض شوارع القضاء غير معبده أو تشكو التخسفات والإهمال. ومازال قطاع المجاري في غيبوبة تامة عن بعض المناطق. والصحة تحتاج لاهتمام أكثر ودراسة مستفيضة لنهوض بواقعها المنشود. وقطاع الكهرباء ليس بأحسن ممن سبقه من القطاعات فشبكات التوزيع القديمة تحتاج إلى الصيانة والاهتمام حتى تعود نشطة من جديد فالواقع الخدمي في هذا القضاء يستغيث.. فهل من مجيب!!!

وللماء حكاية..

مشكلة الماء مشكلة أزلية ومرض عضال أصاب بعض مناطق القضاء وزاد في معاناة أبناء هذه المناطق. ورغم ما شهده هذا القطاع من مشاريع ومد شبكات الا أنه مازال يعاني ويعاني. فقد شهد قطاع الماء نصب وتشغيل بعض المضخات في مشروع الشعيبة بالإضافة لتأهيل محطة الضخ في خور الزبير وأم قصر وإنشاء بعض محطات التحلية وحفر الآبار الخاصة للنفع العام. ورغم كل ذلك لا زالت بعض المناطق تعاني من شحة المياه والتي أصبحت بالنسبة لها مشكلة مزمنة فـمناطق (الدريهمية والحي العسكري والظويهرات وحي السلام ) تشكو شحه المياه والحرمان مما دفع أهلها إلى أللجوء لحفر الآبار أو شراء الماء.. ويقول أحد الأخوة أن حفر البئر يكلف مابين (100000-150000 ألف دينار) أما طن الماء المالح والذي يستخدم للغسل والذي نشتريه من أصحاب السيارات الحوضية (التناكر) فسعره (2500دينار) والماء الحلو سعر الطن هو(6000دينار) هذه معاناة أبناء مناطق العطش في بلد النهرين!!

ويرجع المسؤلين أسباب شحة المياه إلى:

1. أسباب تتعلق بالكهرباء التي تعتبر المصدر الأساسي لتشغيل المضخات.

2. قلة كمية الماء الواصل إلى القضاء.

3. قلة كفاءة المضخات الدافعة للماء.

أما المقترحات المطروحة  لحل هذه ألازمه فهي، زيادة مضخات دفع الماء في مشروع الشعيبة. إنشاء مغذي اخر لمشروع ماء الشعيبة. ربط مشروع الماء بخطوط الطوارئ للكهرباء.

القطاع الزراعي يحتضر

 كانت الزبير إحدى أهم مدن العراق الزراعية والمدينة الأولى بلا منافس في زراعة (الطماطم) لقد كانت في بعض أقسامها جنة خضراء تسر الناضرين. الواقع الزراعي اليوم في هذه المدينة أختلف كثيرا عن الأمس وبالتحديد أختلف مابعد السقوط النظام السابق وقد تمنى احدهم أن يسمى تاريخ مابعد سقوط الزراعة!!!.عن الواقع الزراعي في الزبير اليوم وما يعانيه وما وصل إليه قصدنا مقر جمعية الزبير الفلاحية والتقينا رئيسها السيد (أكرم نعمة) الذي تحدث بألم الفلاح وحزن المزارع وقد بان ذلك على ملامح وجهه المسمر حيث قال: لقد كان قطاع الزراعة من أنشط القطاعات في هذه المدينة وقد وصل عدد المزارع في زمن الحصار إلى ( 10000 آلاف مزرعة)! وبدأ هذا العدد بتناقص بعد توقيع مذكرة التفاهم في تسعينيات القرن الماضي، أما بعد سقوط النظام في عام 2003 وحسب الجرد الذي أجريناه مع شعبة زراعة الزبير فأن العدد قد تناقص ووصل إلى (4000 آلاف مزرعة) فقط، ومازال هذا العدد يتناقص، والسبب في ذلك هو إهمال الدولة  لهذا القطاع المهم والحيوي. لقد وجدت الجمعية التي تأسست عام (1976م) لخدمة ودعم الفلاح والمزارع وكنا في السابق  نوفر كل احتياجات ومتطلبات الزراعة المهمة.. كنا نجهز البذور والأسمدة والأغطية البلاستيكية ومضخات الماء وأجهزة التقطير كل ذلك كان بأسعار مدعومة وكانت الدولة تدعم ذلك. أما الان فقد أختلف الواقع فشعب الزراعة غير متعاونة والفساد الإداري متفشي والمسؤول غير مكترث بحال الفلاح وما وصلت إليه الزراعة. كل هذا أدى إلى عزوف الفلاح عن الزراعة وهجرانه لها. ولقد طرحنا هذه المعاناة على أكثر من مسؤول وعلى مختلف الأصعدة الحكومية والبرلمانية ولكن من دون فائدة. واقعنا الزراعي يحتضر وجمعيتنا تجود بما لديها من القليل الذي تحصل عليه فنحن نوفر اليوم للفلاح قسم من وقود الديزل وبجهود أعضاء مجلس الجمعية هذا بالإضافة إلى بعض البذور والأسمدة من مديرية الزراعة وهي لاتكفي و لاتسد الحاجة.

ويضيف السيد (أكرم) لقد كان أنتاج مزارع الزبير يغذي العراق من أقصاه إلى أقصاه من محصول(الطماطم) ويسد حاجة المحافظة من الخضروات إما اليوم فالمستورد هو سيد السوق بلا منافس!!!

الحاج ( علي خواف أبو محمد) مزارع شاركنا الحديث المؤلم حيث قال: الفلاح اليوم أصبح جائعا.. الفلاح اليوم لم يعد يبيع الطماطم والخضار بل أصبح يبيع أغراض منزله  وحاجياته الخاصة والتي لا يجد من يشتريها بسبب وجود السلع التجارية الجديدة والرخيصة.. لقد ذُلَّ الفلاح!! وهجر الزراعة بسبب عدم اهتمام الحكومة.

وأضاف الحاج ابو محمد، سابقا كان الفلاح بخير وخير الفلاح يعم الجميع. كانت الدولة تدعم الفلاح والمزارع وتوفر له الأسمدة والبذور والبلاستك كل ذلك كان بأسعار مدعومة فقد كان سعر طن البلاستك بـ(400 ألف دينار) أما اليوم فأصبح سعره (3) مليون دينار! والسماد كنا نحصل عليه بـ(17 ألف دينار) للطن الواحد أما سعره اليوم فيتجاوز الـ(200 ألف دينار) والبذور لا توجد وان وجدت فأسعارها خيالية مقارنة بأسعارها السابقة. نتمنى إن ينظر الجميع إلى العراق ويداو جراح هذا البلد الذي اتعبته السنين..

أما عن معاناة أبناء البادية فقد حدثنا السيد (أبو رياض) مسؤول منطقة البادية في المجلس البلدي لقضاء الزبير، حيث قال لـ شبكة النبأ: أبناء البادية كثر وهم طيف من أطياف المجتمع الساكن ضمن قضاء الزبير ومنطقة البادية منطقة لم تشمل بمشاريع الإعمار المقدمة، فمنطقتنا ليس فيها محطات تحلية المياه، وسكانها يعتمدون في شربهم  على مياه الآبار، وهي تحوي على نسب عالية من المواد الكيماوية التي أثرت وتؤثر على حياتهم وحياة مواشيهم!

والواقع الصحي لمنطقة البادية واقع مؤلم فبالرغم من تواجد المجتمعات السكانية فليس لدينا (مركز صحي) وفي حالة مرض احدنا يجب علينا الذهاب إلى مركز (اللحيس ) الصحي أو إلى مستشفى الزبير العام وهي مناطق بعيدة جدا. وللذهاب أليها يجب أن نسلك طرق ترابية محفوفة بالمخاطر.. فهي طرق تحوي الكثير من الألغام المتروكة والتي تشكل خطر كبير على حياة المواطنين، وقد أودت بحياة العديد من رعاة الأغنام في تلك المنطقة.

هذا من ناحية أما الأمر الاخر فهو صحي أيضا ولكن يتعلق بالثروة الحيوانية لساكني البادية ويتلخص بعدم وجود مستوصف بيطري متخصص واقرب مركز بيطري يبعد عنّا (250كم ) تقريبا!! لذا وعند حدوث أي حالة مرضية يستوجب علينا إحضار الطبيب البيطري وشراء الأدوية واللقاحات على حسابنا الخاص.

 وأضاف ابو رياض لـ شبكة النبأ: نعاني في هذه الفترة من وباء مجهول أصاب الأغنام وسبب في نفوق الكثير منها وهذا الوباء أو المرض لم يكن معروفا من قبل. وأعراضه هي أصابة الأغنام بتقلصات معوية حادة تسبب الموت بعد فترة. لذا قد فقد المربون الكثير من الغنم بسب هذه الإصابات المجهولة.. واعتقد أنها خسارة تهدد الثروة الحيوانية في العراق.

وتابع ابو رياض، معاناتنا الأخرى هي قلة الأعلاف.. سابقا كان لكل مربي حصة معينة من الأعلاف وبأسعار مدعومة  تستلم بحسب مايملكه من مواشي. اليوم فقدنا هذه الحصص ولجأ المربي إلى شراء الأعلاف  وهذا مكلف جدا لذا نقترح أن يكون هناك أتفاق بين المسؤولين في المحافظة وبين السايلوات و مطاحن الحبوب لتوفير هذه الأعلاف، ولدينا وكما أعتقد أكثر من (15 مطحنة ) في المحافظة، تستطيع أن توفر أكثر من عشرين طن شهريا لكل مطحنة، وهو رقم بسيط جدا من الأعلاف وغير مكلف سيسهم كثيرا بتخفيف معانات المربي..

مدينة التاريخ تطرق أبواب السياحة فهل من مجيب

لهذه المدينة وكما أسلفنا سابقا تاريخ قديم شاهد على أصالتها وعراقتها. وهناك الكثير من الشواهد التاريخية الحية القائمة التي تحكي قصص التاريخ الذي عاشته هذه المدينة والموغل بالقدم. ومن هذه الشواهد (مسجد البصرة) المعرف اليوم بمسجد الإمام علي(ع) أو كما يسميه أبناء الزبير (خطوة علي (ع) وهو مزار يتبرك به المسلمون من أبناء الطائفة الشيعية ويقيمون فيه بعض شعائرهم الدينية الخاصة بالإضافة لإقامة صلوات الجمعة وغيرها. بني هذا الأثر التاريخي عام (14هـ) أيام غزوات المسلمين. بني هذا المسجد في بادئ الأمر من القصب ثم من البن ثم رمم وبني من الحجر وسيج بسياج خارجي وأصبح فيما بعد من أكبر المساجد الإسلامية وأعظمها. وتشير بعض المصادر أن هذا المسجد كان يحوي على (18) بابا وحيطانه الخارجية تحتوي على (14 ألف مربط لربط الدواب)!!

المعلم التاريخي الآخر هو (مقبرة الحسن البصري) وهي من أقدم المقابر الإسلامية. دفن في هذه المقبرة الكثير من الشخصيات المعروفة مثل (الحسن البصري المتوفى سنة 728م.  مفسر الأحلام الشهير أبن سيرين. الفرزدق ورابعة العدوية.. هذا بالإضافة إلى  قبر الشاعر الكبير بدر شاكر السياب والشاعر محمد البريكان). كما وتحوي أرض الزبير بعض المراقد مثل مرقد الزبير بن العوام ومرقد طلحة بن عبيدالله ومرقد أنس بن مالك. وكل هذه القبور والمراقد تعتبر معالم سياحية وتاريخية يزورها الكثير من الناس وهي اليوم تستغيث بمن يمنحها الحياة لتنهض كمعلم سياحي بصري كبير.

وفي الختام نتمنى أن لا نكون قد أثقلنا على قارئنا العزيز بطرح هموم هذه المدينة. مدينة الخير الفقيرة!! كما ونتقدم بالشكر الجزيل لجميع الأخوة الذين شاركونا الحديث والهموم. ونتمنى أن يستشعر السادة المسؤولون تلك الهموم ويستذكروا عضم الخير في هذا القضاء ويبادروا  للاهتمام به أكثر. والى هنا تركنا الرمل والنفط والمزارع مودعين سياب البصرة مستذكرين معه أحدى قصائده الحزينة التي يقول فيها:

الموت في الشوارع

والعقم في المزارع

وكل ما نحبه يموت.!!

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت  6/أيلول/2008 - 5/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م