نعم لمقاطعة انتخابات المحافظات!

رياض الحسيني

حسب اخر احصائية للمفوضية العليا للانتخابات العراقية فان تحديث سجل الناخبين قد سجّل قرابة المليون شخص رغم تمديد المفوضية للمهلة المقررة ثلاث مرات لحد الان. هذا الرقم يعطينا اكثر من دلالة على مدى استجابة الشعب العراقي للاحداث الجارية فيه ومدى مقبولية الحكومة والمعارضة على حد سواء في الشارع العراقي.

طبيعة وسايكلوجية الغالبية العظمى للمجتمع العراقي لاتحبذ الانخراط في العمل الحزبي ايا كانت الايدلوجية المطروحة وايا كانت الشعارات التي تتخفى وراءها الشخوص الحزبية وليس هناك من دليل اكثر مما حدث بعد السقوط المدوي لحزب البعث وماتبعه من تخندق طائفي وتمترس مذهبي ومع ذلك فلم يدفع ذلك العراقيين للانخراط في الاحزاب الدينية على الاخص وهي صاحبة الموجة.

بعد تجربتين انتخابيتين للبرلمان العراقي وتجربة انتخابات المحافظات فقد وصل الشارع العراقي الى قناعة راسخة وهي ان شعارات الحقبة الجديدة لم تكن بمستوى الطموح ولم تكن الا شعارات الهدف منها كان السلطة والاستقواء بالخارج على الداخل وهو ليس بالامر الجديد على الحكومات التي تعاقبت على سدة الحكم طوال عمر الدولة العراقية. ذلك الاستقواء الذي يضمن للحكومة الاستمرار بالسلطة بحجة انها الافضل وللمعارضة بالتراجع بحجة انها الاسوء ان لم تكن "العميلة" فيما تضيع حقوق الشعب بين الاثنين!

تبعا لسجلات الناخبين في دهاليز المفوضية العليا للانتخابات فان تعداد الذين شاركوا في الانتخابات السابقة قد تجاوز الثمانية ملايين ناخب ووفقا للسجلات المدنية فان هذا الرقم كان المفترض ان يقفز الى مافوق العشرة ملايين على اعتبار دخول ناخبين جدد قد اتموا السقف الادنى من العمر القانوني الذي يسمح لهم بالمشاركة واذا بنا نتفاجأ ان رقم الاقبال قد قارب المليون ناخب فقط! فماذا يعني ذلك لدى الاحزاب الحكومية واحزاب المعارضة؟ وهل من رسالة اراد الشعب العراقي ان يوصلها بطريقة حضارية وسليمة وشفافة؟

المليون ناخب في بلد فاق تعداد نفوسه الثلاثين مليون يعد رفضا شعبيا عارما يحرج الحكومة والمعارضة معا ويضعهما في سلة واحدة فيما هي سلة الرفض الشعبي لما قام به الطرفان من خداع للامة وتنصل عن الالتزامات التي وعدوا بها هذا الشعب في التجارب السابقة. لقد برهن الشعب العراقي عن حالة من اليقضة لما يجري حوله من اتفاقات سياسية ليس من مردود من وراءها الا المزيد من الخراب والدمار خصوصا وان معارضة اليوم قد كانت في سدة الحكم بالامس القريب.

الرفض الشعبي المليوني الذي يتقدمه اكثر من تسعة ملايين من الناخبين البالغين يعد رفضا ليس للاجندة المتعفنة التي تقدمها الاحزاب فقط بل رفضا للقائمين على تلك الاحزاب من اصحاب الوجوه الكاذبة والمنافقة التي آثرت ميزانية احزابها ومصالحها الفئوية على حساب تقديم ابسط الخدمات للمواطن من ماء صالح للشرب الى كهرباء فضلا عن خدمات الامن والاعمار والتوظيف وماشابه.

الورقة التي يلعب بها اليوم المواطن العراقي ورقة ذكية جاءت عن ادراك عال وهي خطوة حتما ستحرج الحكومة والمعارضة على حد سواء ليس امام الرأي العام المحلي فحسب بل وعلى المستوى الاقليمي والدولي وسيظهر حجم التأييد الفعلي لهؤلاء الذين طالما تغنوا بجماهيرية احزابهم وطالما خدعوا الرأي العام الدولي وذلك من خلال تصوير المسيرات الجماهيرية العفوية على انها جموع تأييد لهذا الحزب او ذاك.

 وعلى الرغم من الاتكاء على اسطوانة "المرجعية" التي حثت هي الاخرى الناس الى التقدم للانتخابات من دون تغليب طرف على اخر الا ان ارقام المفوضية لازالت لاتبشر بخير فشعار الشارع العراقي اليوم "لايُلدغ المؤمن من جحر مرتين"!

* كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل

www.alhusaini.bravehost.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت  30/آب/2008 - 27/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م