المشروع السياسي في باكستان والوصول الى الفوضى المطلقة

شبكة النبأ: بعد سلسلة من الأحداث السياسية والعنف الذي أطال البلاد، يستفيق الشعب الباكستاني اليوم على حكاية جديدة، وهي إنسحاب قطب الأكثرية بقيادة نواز شريف من الحكومة وإنتقاله إلى المعارضة، وهذا ما بدأ في يقلق المراقبون الدوليون، خاصة والأحداث الأخيرة التي لاتنذر بخير أبدا، في بلد يمتلك العدة والعديد والسلاح النووي.

(شبكة النبأ) في سياق هذا التقرير تسلط الضوء على أهم وآخر المستجدات في الساحة السياسية الباكستانية، وآخر التطورات في قضية عودة القضاة والمعارضة الرافضة لمشروع العودة:

قطب الاكثرية السياسية في باكستان ينتقل الى المعارضة

اعلن حزب رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف الدعامة الثانية في الائتلاف الذي دفع مؤخرا الرئيس برويز مشرف الى الاستقالة انضمامه الى المعارضة ما يزيد من ضعف البلاد التي تواجه تصعيدا رهيبا لاعمال العنف التي تقوم بها الجماعات الاسلامية المتشددة.

وهذا الانسحاب الذي هدد به شريف منذ بدايات الحكومة الهشة المنبثقة عن انتخابات شباط/فبراير التشريعية لن يكون من شانه احداث تغيير جذري مباشر للمشهد السياسي. فحزب الشعب الباكستاني الذي اغتيلت زعيمته بنازير بوتو في 27 كانون الاول/ديسمبر 2007 ما زال يتمتع باكثرية في الجمعية الوطنية بفضل دعم احزاب صغيرة اخرى في الائتلاف ما يخوله مواصلة الحكم. بحسب فرانس برس.

لكن على المدى الطويل يحذر المحللون السياسيون والصحافيون الباكستانيون من ان المهمة ستكون شاقة على الحزب الذي سيصبح تحت رحمة احزاب صغيرة تتعارض مصالحها.

واتى هذا الاعلان لشريف في مؤتمر صحافي في اسوا توقيت بعد ان اقسمت طالبان باكستان على تكثيف موجة الاعتداءات غير المسبوقة التي اسفرت بالفعل عن مقتل حوالى 1200 شخص في كافة انحاء البلاد في عام ونيف.

وايضا في الوقت الذي تضاعف فيه واشنطن الداعم المالي الاساسي لاسلام اباد الضغوط على القوة النووية الوحيدة في العالم الاسلامي وحليفتها الرئيسية في الحرب على الارهاب.

وتطالب الولايات المتحدة الحكومة الجديدة التي كانت في طور التفاوض على اتفاق سلام مع طالبان بمحاربة القاعدة وطالبان الافغان بمزيد من الفعالية وتؤكد ان الجماعتين استجمعتا قواهما في منطقة القبائل الباكستانية المتاخمة لافغانستان في شمال غرب البلاد.

ولم يقصر شريف في مؤتمره الصحافي في توجيه الانتقادات الى آصف علي زرداري زوج بوتو الذي يراس فعليا حزب الشعب الباكستاني والذي ترشح الى الانتخابات الرئاسية المقررة في 6 ايلول/سبتمبر والتي ستجري بتصويت في البرلمان والمجالس المحلية.

وقال شريف: اتخذنا هذا القرار بعد ان فقدنا الامل اذ لم يتم الايفاء باي من الالتزامات التي قطعها لنا آصف علي زرداري زعيم حزب الشعب الشريك في الائتلاف.

وتاكيد على هذا الخلاف اعلن شريف ان حزبه رشح رئيس المحكمة العليا المتقاعد القاضي سعيد الزمان صديقي لخوض الانتخابات.

وياتي انسحاب شريف بعد اشهر من الخلافات المتواصلة بين عمادي الائتلاف الرئيسيين المنبثقين عن معارضة برويز مشرف الذي اطاح بسلطة شريف في انقلاب عسكري ابيض عام1999.

وتكمن العقدة الرئيسية بين الرجلين في الوعد الذي قطعه حزباهما بعد انتصار شباط/فبراير باعادة تعيين قضاة المحكمة العليا الذين اقالهم مشرف في تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم لتهديدهم باعلان عدم شرعية اعادة انتخابه.

وطالب شريف بذلك على الفور فيما اجل زرداري القرار تكرارا لانه بحسب الرابطة الاسلامية في باكستان نواز والاعلام يخشى ان تلغي المحكمة العليا المعاد تشكيلها عفوا عاما اقره مشرف واتاح لبوتو وزوجها تجنب ملاحقات خطيرة بتهمة الفساد.

ويزيد اعلان شريف من هشاشة حكومة اطلقت قبل ثلاثة اسابيع بضغط اميركي حملة عسكرية واسعة على طالبان ومقاتلي القاعدة في مناطق القبائل.

في رد فعل على ذلك نفذت حركة طالبان باكستان، المقربة من تنظيم اسامة بن لادن ثلاثة اعتداءات دموية الاسبوع المنصرم ادت الى مقتل حوالى 100 شخص وهددت بتكثيف موجة الهجمات الانتحارية التي تفتك بالبلاد منذ عام ونصف.

نواز شريف يعلن التصدع في بيت الإئتلاف الحاكم

تصدع الائتلاف الحاكم في باكستان بسبب الخلافات بين المشاركين فيه بعد أسبوع فقط من اتحاد الحزبين الرئيسين في البلاد لإزاحة الرئيس برفيز مشرف حليف الولايات المتحدة عن رئاسة البلاد.

فقد أعلن نواز شريف زعيم حزب الرابطة الإسلامية الباكستاني انسحابه من الائتلاف إثر خلافات مع حزب الشعب، حزب رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو.

كما أعلن شريف مرشح حزبه للانتخابات الرئاسية المزمع إقامتها في السادس من شهر سبتمبر/أيلول الجاري، وهو القاضي السابق سعيد الزمان صديقي. بحسب بي بي سي.

غير أنه لا يتوقع أن يؤدي خروج ثاني أكبر حزب في باكستان من الائتلاف الحكومي إلى انهيار الحكومة.

بل على العكس فقد اتخذت وزارة الداخلية قرارات بشان محاربة المسلحين توحي بصلابة موقفها وتشدده، مثل حظر حركة طالبان الباكستانية.

وجاء خروج حزب الرابطة إثر تصاعد حالة الانقسام داخل الائتلاف الحاكم بسبب خلافات حول النظام القضائي وشخصية الرئيس المقبل للبلاد.

ولم يستطع حزب رئيسة الوزراء السابقة التي ذهبت ضحية عملية اغتيال، حزب الشعب الباكستاني، التوصل الى اتفاق مع حليفه الرئيسي، حزب الرابطة الاسلامية ، حول اعادة القضاة الذين اقالهم مشرف العام الماضي الى مناصبهم.

وكان شريف قد حدد موعدا نهائيا لإعادة تعيين القضاة الذين كان الرئيس الباكستاني المستقيل برفيز مشرف قد عزلهم من مناصبهم، الأمر الذي يرفضه حزب الشعب الباكستانى بزعامة آصف زرداري زوج بوتو.

ويختلف الحزبان أيضا على شخصية الرئيس القادم للبلاد، فبينما أعلن حزب الشعب ترشيح رئيسه آصف زرداري، يعارض حزب الرابطة الاسلامية هذا الخيار.

غير أن زرداري استطاع الحصول على تأييد عدد من الأحزاب الأخرى في الائتلاف مما حما الحكومة من الانهيار. وتلقى زرداري أنباء طيبة أخرى إذ أعلن المدعي العام في جنيف بسويسرا إسقاط تهم تبييض الأموال الموجهة إلى زرداري، قائلا إن التحقيقات التي دامت 11 عاما لم تسفر عن شيء يمكن متابعته.

ووسط احتدام الجدل السياسي تشهد أحداث العنف في البلاد تصعيدا، فقد قتل 8 وجرح 4 أشخاص، جراء هجوم نفذه مسلحون مجهولون على منزل أحد السياسيين المحليين في وادي سوات، شمال غربي باكستان، وفق مصادر الشرطة الباكستانية.

واستهدف الهجوم منزل وقار أحمد خان الواقع في وادي سوات وهو عضو في البرلمان المحلي، نائبا عن حزب عوامي القومي الحاكم شمال غربي باكستان.

وأكد خان مقتل شقيقه واثنين من أبناء أخيه وبعض أفراد الحراسة جراء الهجوم على المجمع السكني الذي يقطن فيه مع أفراد عائلته الكبيرة.

وكانت حركة طالبان باكستان قد أعلنت مسؤوليتها عن عدد من الهجمات الانتحارية خلال الأيام الأخيرة، واصفة إياها بأنها أعمال انتقامية ردا على هجوم الجيش الباكستاني على سوات ومنطقة باجور القبلية شمال غربي البلاد.

وقررت السلطات الباكستانية رسميا حظر حركة طالبان الباكستانية التي تنشط في منطقة القبائل جنوب وزيرستان قرب الحدود الأفغانية. كذلك رفضت عرضا من مقاتلى طالبان فى منطقة باجور بالقرب من الحدود مع أفغانستان بوقف لإطلاق النار.

ويتزعم طالبان الباكستانية بيت الله محسود، وقد بررت إسلام آباد قرار الحظر بتورط الحركة في سلسلة التفجيرات الانتحارية الأخيرة.

يُذكر أن الإدارة الأمريكية قلقة إزاء قدرة الحكومة الباكستانية على تركيز جهودها على محاربة المسلحين في المناطق الحدودية مع أفغانستان. وتخشى واشنطن من تحول بعض المناطق الحدودية إلى ملاذات آمنة لمسلحي طالبان الذين يخططون لشن هجمات على القوات الأمريكية وقوات حلف شمالي الأطلسي في أفغانستان.

جدل سياسي حول عودة القضاء في باكستان

قال آصف علي زرداري الرئيس المشارك لحزب الشعب الباكستاني في اجتماع اللجنة المركزية التنفيذية لحزبه، عندما قام أحد قادة الحزب بتذكيره بأن من واجبه إعادة 61 قاضيا تمت إقالتهم من قبل الرئيس السابق برويز مشرف: أين كان القضاء المستقل عندما كنت أعاني من ويلات السجن لأحد عشر عاما؟.

وقد ألقى إيتزاز إحسان وهو قائد بارز لحركة المحامين، التي تهدف إلى إعادة القضاة إلى مناصبهم، وهو أحد أعضاء اللجنة المركزية التنفيذية لحزب الشعب الباكستاني، خطابا مطولا في الاجتماع حول الحاجة إلى إعادة احترام القضاء الأعلى، من خلال إعادة كل القضاة الذين أقالهم الرئيس السابق برويز مشرف. وقال ايتزاز إحسان أثناء خطابه في اجتماع في مقر زرداري: إن القضاء المستقل مطلب أساسي من أجل التحول السهل للديمقراطية، ومن أجل المحافظة على الحريات المدنية في المجتمع. بحسب الشرق الاوسط.

لكن زرداري قام بتوبيخ إيتزاز إحسان وسأله لماذا لم يفعل القضاء المستقل شيئا عندما قام الديكتاتور العسكري السابق بسجنه لأحد عشر عاما. وقد تم إلقاء القبض على زرداري عام 1997، بعد أن تمت إقالة حكومة بي نظير بوتو. ويقول محامو زرداري إنه حرم من حق دفع الكفالة أمام عدد من المحاكم الباكستانية طوال فترة اعتقاله في السجن. ولا يقتصر كره زرداري للقضاء الباكستاني على معاناته الشخصية، لكن حزب الشعب الباكستاني له تاريخ طويل من العلاقات المتوترة مع القضاء الأعلى. فقد تم إصدار حكم بالشنق على ذو الفقار علي بوتو والد بي نظير بوتو وأول رئيس لحزب الشعب الباكستاني عام 1979 طبقا لأوامر القضاء الأعلى في باكستان، الذي اتهمه بتهم جنائية. وقد كانت بي نظير بوتو التي دخلت معترك الحياة السياسية بعد مقتل والدها على الفور، تصف هذا الحكم بأنه جريمة قضائية.

لكن الأمور لم تنته عند هذا الحد، فقد كان قادة حزب الشعب الباكستاني دائما ما يشتكون من أن المحكمة العليا دائما ما كانت تعامل حزب الشعب الباكستاني وقادته بتحيز شديد ومن دون إنصاف. فقد قضت المحكمة العليا بإعادة حكومة رئيس الوزراء السابق نواز شريف عام 1993 بعد أن تمت إقالتها بتهم الفساد من قبل الرئيس آنذاك. ومع ذلك فإن المحكمة العليا فشلت في إعادة حكومة بي نظير بوتو، التي أقيلت بسبب تهم مماثلة.

وقد كانت قيادة حزب الشعب الباكستاني دائما ما تشتكي من القضاء الأعلى وقضاته. ويقول أكرم شيخ وهو رئيس سابق لهيئة قضاة المحكمة العليا: إن قادة حزب الشعب الباكستاني يعتقد أن القضاة والمحكمة العليا هما المسؤولان عن معاناتهم، سواء كانت هذه المعاناة تتمثل في شنق ذو الفقار علي بوتو أو السنوات الإحدى عشرة التي قضاها زرداري في السجن.

وعلى الرغم من هذه الذكريات والمشاعر الأليمة فإن قادة حزب الشعب الباكستاني انضموا إلى المتظاهرين ضد مشرف في شوارع باكستان عندما قام الرئيس السابق بإقالة 61 قاضيا في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007. وتقول فارزانا راجا، وهي عضو في البرلمان عن حزب الشعب الباكستاني: لقد كان حزبنا على خط المواجهة لإعادة القضاة عندما بدأت الحملة للمطالبة بذلك.

وفي واقع الأمر فإن إيتزاز إحسان يعتبر من أبرز القادة في حركة المحامين وحزب الشعب الباكستاني وقد قضى أكثر من 6 أشهر في سجن مشرف لقيادته الحركة التي تدعو إلى إعادة القضاة. وقد كان حزب الرابطة الإسلامية (نواز) يبني حملته الانتخابية على إعادة القضاة. وفي خطاباته الانتخابية، كان نواز شريف يتعهد بإعادة القضاة إلى مناصبهم فور توليه السلطة. ومن ناحية أخرى، كان حزب الشعب الباكستاني يبتعد تماما عن المناداة بشعارات تدعو إلى إعادة القضاة.

وطبقا لآخر استطلاع رأي أجراه معهد غالوب فإن 86 بالمائة من الباكستانيين يرغبون في إعادة القضاة، الذين أقالهم مشرف على الفور. وإدراكا منه بأنه كان البطل الذي ينادي بإعادة القضاة، انسحب رئيس الوزراء السابق نواز شريف من الائتلاف الحاكم، بعد فشل الحكومة في إعادة القضاة والوفاء بوعده.

ويقول فصيح الرحمن وهو معلق سياسي ورئيس مكتب تلفزيون الدنيا وهي قناة إخبارية خاصة: إن أهم عامل سياسي يجعل زرداري لا يتحمس لإعادة القضاة هو أن رئيس محكمة العدل المقال افتخار محمد شودري له شعبية في المناطق الحضرية بالبنجاب ومقاطعة الحدود الشمالية الغربية. وهي المناطق التي فاز حزب نواز شريف بالانتخابات فيها. ومع ذلك، يشير بعض المحللين السياسيين إلى أن هناك أسبابا شخصية وراء تعنت زرداري في موضوع إعادة القضاة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس  28/تموز/2008 - 25/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م