مبادئ الإرشاد لدى المسلمين الشيعة

شبكة النبأ: تفرز المحاكاة المستندة للتجارب المعلوماتية الخاصة والعامة أن مبدأ الإرشاد المقرون بالنصح المخلص لدى المسلمين الشيعة هو مبدأ تعيين راسخ وملموس تماماً بكل تعاملاتهم مع الغير.. وبالذات مع من يكن العداء لهم سواء كان ذاك العداء صادر عن حقد أو جهل ضد النبي محمد (ص) أو ضد آل بيته (ع) بسبب اتسام ذلك العداء ضمنياً كونه عداء ضد رسالة سماوية إلهية وينبغي أن تصاحبها مرونة عالية في الدعوة لها.

فالمسلمون الشيعة المعاصرون كما كان آباؤهم وأجدادهم بكل دهر يعرفون بكل سجيات الأخلاق الرائعة ما لهم وما عليهم ولذا تراهم حريصون أن يحفظوا حقوق الآخرين ولعل في إطلالة على ما يسعى إليه المسلمون الشيعة لأجل الصالح الإسلامي العام والسلام الاجتماعي على وجه المعمورة، أن التحاور مع الآخرين حول أي نقطة كبيرة أو صغيرة تتعلق بالفكر الإسلامي هو موضوع رئيس يستهدفون منه نشر وتقريب الحقيقة كي يتبناها المسلمون وغير المسلمين ولعل في ما توضحه أدبياتهم الرصينة حول الخلاف المفتعل بأكثر جوانبه بين الشيعة والسنة مثل كتاب (المراجعات) لمؤلفه الإسلامي المعروف السيد عبد الحسين شرف الدين.

وكتب أخرى مثيلة تضع النقاط فوق الحروف وتبين الحرص المخلص لدى المسلمين الشيعة من أجل تحقيق وحدة المسلمين والانضواء معاً بما أراده الله تبارك وتعالى وما دعا إليه رسوله الكريم محمد (ص) ليكون أساساً فضيلاً وصالحاً للإخاء الحق (إيمانياً) بين المسلمين و(إنسانياً) مع غير المسلمين وهذا ما عرف به شيعة النبي (ص) وآله (ع) منذ بدايات ظهور الإسلام وحتى زمننا الحاضر.

ورغم أن مصطلح الشيعة الذي يعني في المعاجم اللغوية العربية معنى (الجماعة) وقد أكد هذا المعنى نص قرآني كريم عبر الآية (وأن من شيعته لإبراهيم) فإن ما يبعث على الفخر الإسلامي أن هناك إقرار إسلامي عام لدى العديد من الإخوة السنة يشير لكون رسالة الشيعة المحمدية المكتوب لها الاستمرار إلى يوم الدين الأكبر ما زالت مسيرتها تنشط على أيدي اتباع النبي محمد (ص) وآله بآن واحد ولعل في ظاهرة انصهار واستشياع العديد من الأخوة السنة في مبدأ الإرشاد لدى المسلمين الشيعة ما يبرهن على ريادة الفكر الإسلامي الشيعي.

وفي نظرة حيادية للتاريخ الإسلامي عموماً والشيعي منه خصوصاً يتوضح تماماً لدى كل منصف أن المؤمنين الشيعة هم الأكثر مظلومية من أي شريحة إسلامية أخرى ولعل في الاقتداء مثلاً بالأئمة الأطهار (ع) من آل النبي (ص) من قبل الجمهور الإسلامي الشيعي ليس أمراً مرهوناً لكونهم ينحدرون من سلالته (ص) بل لكونهم كانوا من أكثر الناس التزاماً برسالة دينه الإسلامي الحنيف.

وينقل لنا التاريخ الإسلامي عبر صفحاته الميمونة كيف أن آل نبي الإنسانية محمد (ص) قد بدأت حياتهم ناصعة وانتهت مشرفة في سبيل الإسلام وإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى، منها أن ابنته (ص) القديسة فاطمة الزهراء (ع) ومن بعدها الأئمة الأحد عشر الأبرار قد غادروا الحياة شهداء خالدين وغاب الإمام محمد المهدي (عليه سلام الله وصلاته) عن الوجود بـ(حكمة ربانية) ليظهره قريباً أن شاء الله سبحانه وتعالى منقذاً للبشرية المحطمة الآن في بقاع كثيرة من العالم.

إن في جزئية من مبدأ الإرشاد عند المسلمون الشيعة أنهم يدعون إلى تفتح العقول وقراءة كتب ومؤلفات العلماء السنة ليروا كيف قيموا تقيماً إيجابياً عظمة خلق النبي محمد (ص) وكيف تعرض آله من الأئمة الأطهار الاثني عشر من المظالم الكبرى التي يستنكرها كل ذو بصيرة وضمير حي.

وإذ يمكن الذهاب الى أن قطب الرحى لدى المسلمين الشيعة كافة هو النبي محمد (ص) ومن بعده آله الميامين محتسبون من القديسة فاطمة الزهراء (ع) والإمام علي (ع) ووِلدِهما ابتداءً من الإمام الحسن (ع) والإمام الحسين (ع) وحتى الإمام المهدي (عجل الله الكريم ظهوره) فإن التمسك بهم أولاً وبصحابتهم الميامين هو الذي جعل مسيرة الإسلام تتواصل منذ ما قارب 1400 سنة خلت.

وأن أمور كثيرة قد تغيرت من حياة البشرية لكن الإسلام بقي قوياً وأبوابه ما تزال مشرعة مفتوحة لاعتناقه من قبل كل البشرية وتلك إحدى غايات الإرشاد السمح في رسالة المسلمين الشيعة إلى العالم عبر كل جيل.

نظرة المسلمين الشيعة لمعتنقي الأديان الأخرى

المسلمون الشيعة الأنقياء مجبولون على الاعتراف الإيماني بجميع الأديان السماوية ويقيّموا أهميتها كما أراد الرب العلي القدير لأنها ـ الأديان ـ التي امتازت بكونها الحالة الوسيطة بين الخالق سبحانه وتعالى وبين المخلوق ولعل في اتخاذ الأديان على عاتقها نشر رسائل السماء إلى البشر في مراحل زمنية متواصلة، ما يجعل النظرة الفطرية عند الإنسان أكثر تشبثاً بحقائق وعدالة كل دين سمائي على حد سواء.

ومن بين ركام الإرث الكبير الذي جاءت به كل الأديان السمائية لتكون منارات هداية للبشر يمتاز المسلمون الشيعة في العصر الراهن بكونهم مواكبون بـ(سماحة وإيمان تامين) لقصص الأنبياء وما كانوا عليه من أحوال وما واجهوه أنبياء ورسل الله (سلام الله عليهم) من مصائب أثناء تبليغهم لدعوة تلك الأديان وما تخلل ذلك من عداء جهول من بني أقوامهم ومن ذاك تعريض حياتهم للخطر الدائم.

ولو خطر في البال أن عدد أنبياء الله (تبارك وتعالى وسلامه عليهم قد بلغ (124 ألف نبي ورسول) لم يصل من أسمائهم للبشرية سوى عدد قليل منهم إلا ما ميز كل من هؤلاء الأنبياء والرسل أنهم كانوا مسلمون – أي بمعنى نذر أنفسهم لأجل أن يسود السلام بين بني آدم وحواء وتعم السكينة في نفوسهم وينتشر العدل في ما بينهم ولعل في مسألة إدراك شيعة النبي محمد (ص) والأئمة الاثني عشر المعصومون من بعده وخاتمهم الإمام محمد المهدي (الحي في السماء) المسألة التوحيد لله تبارك وتعالى قبل أي أولوية اخرى ما يترجم كون المفتاح الرئيسي للإيمان الحقيقي الذي ينتهجه المسلمون الشيعة بكل أريحية ما يؤكد ببراهين ساطعة أن ما جاء به النبي محمد (ص) وما نهى عنه (ص) هو الذي سار تماماً عند جمهور الشيعة من ذاك اعترافهم الإيماني بكل الأديان السماوية التي سبقت ظهور الدين الإسلامي الحنيف.

ومن مجمل هذه المنطلقات الإيمانية فإن نظرة المسلمين الشيعة للأديان الأخرى فيها حرص على إبداء الإقرار بأن كل أديان الله عز وجل هي أديان ذات امتداد تاريخي عظيم لا يجوز التقليل من شأن أحداهها ولعل من صحة واقع ومحاسن هذه النظرة إلى الأخوة المؤمنين بالأديان السماوية الأخرى مايلاحظ عند عموم الأخوة المسيحيون الشرقيون على وجه الخصوص أن صلتهم الإيمانية مع المسلمين الشيعة هي أقرب مما لغيرهم من فرق المسلمين وللمس هذه الحقيقة لم تحصل اعتباطاً بل تعود إلى حسن المعاملة التي علاها الإخاء الإنساني معهم عند النبي محمد (ص) أولاً ومن ثم آل بيته الأبرار عليهم السلام وكذلك ما ابداه صحبه النجباء تجاه أهل الكتاب أي الذين هم من الأديان السماوية الأخرى.

ومما ينقله لنا التراث الإسلامي أن آل النبي محمد (ص) كانوا على علاقات مالية تعلوها الثقة من حيث التبادل والتعاون الإنساني ومما يحكى بهذا الصدد أن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ابن عم النبي محمد (ص) وزوج ابنته فاطمة الزهراء (ع) كان يستقرض من معتنقي الدين اليهودي الميسورين مالاً لأجل مسمى ثم يسدده لهم في التواريخ المتفق عليها وتنقل لنا بعض القصص المتداولة بهذا الشأن أن من أسباب اضطرار طلب الاستدانة عند الإمام علي (ع) من اليهود الميسورين كان لتمشية وملاقاة بعض ما يعتريه من إعسار أمور معيشته أو رغبته (ع) لإكرام الغير – المحتاج حين لم يكن متمكناً إذ يقدم على ذلك حين يكون (ع) صفر اليدين – أي يداه خالية من المال – ومما ينبغي تذكره أيضاً أن مبدأ الثقة بين المسلمين الأوائل وأهل الكتاب ومن ضمنهم اليهود المسالمون كان ذا أساساً ارسخاً ما بين الطرفين.

وكي لا ننسى أن شيعة آل محمد (ص) بقوا على مرِّ كل العصور يتعاملون إنسانياً حتى مع مَنْ لا يؤمن بأي دين فيفلح الشيعة بأحيان كثيرة في إرشاد غيرهم فمثلاً أنهم قد نجحوا في تحويل الكثير من (غير المسلمين) أو المسلمون اللاملتزمون بالإسلام سوى الاسم حتى غدا بعض هؤلاء من رموز الإيمان والإسلام كـ(بشر الحافي) وغيره كثير.

ولا بأس بهذا السياق المتقدم من الإشارة الصادقة أن (صفة المظلومية) بقيت لصيقة بـ(المسلمين الشيعة) طيلة دهور عديدة لكونهم أكثر وعياً بالإسلام كـ(دين وتاريخ) إضافة لكونهم أقرب لمعرفة حركة الحياة وحقائقها وما يمكن تثبيته بهذا المجال أن الشيعي الحقيقي لا يسيء حتى لمن يختلف معه في الرأي حول أمر ما بل يحاول أن يضع المقابل دوماً في موقع المعرفة فقد تأدب الشيعة المحمديون على أن كل المؤمنين أخوان ومن أولويات مذهبهم الإسلامي موقفهم المستنكر للظلم والظالمين ولذا يلاحظ أن الشيعة مستهدفون من قبل أعداء الإسلام بصورة لا يستيطع أحد أن ينكرها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين  28/تموز/2008 - 24/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م