الغذاء العربي فجوة يمكن ردمها

عدنان برجي

تصاعدت في الآونة الأخيرة، أزمة الأمن الغذائي العربي، أمام زيادة تضاؤل فرص الحصول على القمح والدقيق والحبوب بشكل عام، وقد رأينا الطوابير تزدحم طويلة أمام الأفران في اكثر من بلد عربي، وزاد من حدة الازمة، ارتفاع الأسعار للمواد الغذائية، اذ ان معظم الدول العربية، ربطت اقتصاداتها بالدولار الأميركي، الذي تراجع بفعل ما تكبدته الإدارة الأميركية من خسائر في حربها على العراق، واختلاف حساب البيدر عن حسابات الحقل.

وقد دفع ذلك، أمين عام الأمم المتحدة، للتحذير من أخطار الجوع القادم، الى مناطق كبيرة في العالم، ضمنها المنطقة العربية، لأن العرب، وحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد، الصادر عن جامعة الدول العربية، في ديسمبر 2007، يستوردون ما قيمته 35.5 مليار دولار من الانتاج الزراعي، ويصدرون بما قميته 10.7 مليار دولار أي ان العجز المحقق للعام 2006، بلغ 24.6 مليار دولار. وهذا الرقم قابل للازدياد للأسباب التالية:

1 – تزايد عدد السكان العرب ، فمعدل الزيادة يبلغ 2.4 في المئة سنوياً. لقد كان عدد السكان العرب في العام 1970، حوالي 122 مليون نسمة وزاد في العام 2003 على الثلاث مئة مليون نسمة.. ويشير التقرير الاقتصادي العربي الموحد، الى ان الفئة العمرية الأقل من 15 عاماً تمثل حوالي 35.8 في المئة من اجمالي السكان العرب، وذلك يعني تزايد الحاجة الى الغذاء.

2 – تزداد الحاجة الى المياه، وقد جاء في البيان الختامي للمؤتمر الدولي حول المياه والبيئة، والذي انعقد في وبلن عام 1992، ان الوضع المائي سينتقل من حالة الوفرة الى حالة الندرة، وبخاصة في المياه العذبة، ومعلوم ان العالم العربي، يعتبر الافقر ماءً بالمقارنة مع المناطق الكبيرة في العالم، وحسب،  الاستاذ في الجامعة اللبنانية الدكتور عبد الأمير دكروب، فإن المعدل السنوي لنصيب الفرد من المياه العذبة في الوطن العربي تبلغ حوالي 1000م2 سنوياً، مقابل 7700 م3 في الدول المتقدمة.

وقد سطت اسرائيل على مياه فلسطين المحتلة، وعلى مياه الجولان السوري المحتل، ومياه اليرموك، وعلى مياه الحاصباني والوزاني في لبنان.

كما اقامت تركيا سدوداً على نهري دجلة والفرات، مما قلّل كثيراً من نسب المياه المتدفقة الى سوريا والعراق، وكل ذلك يؤثر سلباً على الناتج الزراعي العربي، سيما وان نسبة الأراضي العربية الصالحة للزراعة لا تشكل أكثر من 11 في المئة من مساحة الوطن العربي.

3 – غياب خطة عربية موحدة للأمن الغذائي العربي، حيث تسعى كل دولة عربية الى حل مشاكلها بنفسها، وكأنها قارة قائمة بذاتها، في ظل عولمة اقتصادية تفرض قيوداً على الدول الصغيرة، وتفرض عليها انماطاً اقتصادية لا تتوافق وطبيعتها وامكانياتها.

لقد توقع الكثيرون سابقاً، ان بلدان كالهند والصين مثلاً، قد تتعرض لمجاعات بسبب تزايد عدد السكان، لكن، وبسبب الانتباه لمخاطر الأمن الغذائي، فقد نجحت كلا الدولتين في تحقيق الاكتفاء الذاتي بفعل السياسات الزراعية التي اعتمدت..

وهنا يُطرح السؤال، هل يمكن للوطن العربي تحقيق الأمن الغذائي، أم أن قدره ان تبقى الفجوة الغذائية، وتبقى الإرادة العربية رهينة القوى الخارجية؟؟

لقد عمدت جامعة الدول العربية، الى اعداد دراسة جدوى لاستثمار الأراضي الزراعية في السودان، الذي تبلغ مساحته 2.5 مليون كلم2، وتتصدر فيه المناخات، مما يسمح بتنويع الزراعات، وينعم بوفرة مائية عادية وجوفية، وقد خلصت هذه الدراسة الى ان المطلوب لا يتجاوز العشرين مليار دولار، وحين يتوفر ذلك يتأمن الغذاء العربي لكل العرب.

ذلك يؤكد، مرة أخرى، أن التكامل العربي، مدخل لحل أصعب المشاكل وأخطر الأزمات.. وما المبالغ المطلوبة سوى نذر يسير من مردود النفط، حيث من المقدر ان يبلغ حجم العائد من النفط العربي ما يقارب الـ 800 مليار دولار في العام 2008. وفي حال تحسن الظروف المعيشية للانسان العربي، يخفف كثيراً من الاحتقان الذي يولّد التطرف والنزاعات، ويقلل من فرص الخلافات العربية – العربية.

* مدير المركز الوطني للدراسات

شبكة النبأ المعلوماتية- االاثنين  21/تموز/2008 - 17/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م