رابطة الدول الديمقراطية.. الثوب الجديد للعولمة

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: رغم محاولات بوش المتجددة وشعاراته المتلاحقة بشأن تعزيز الديمقراطية، إلا أن ممارساته أتت بنتائج عكسية. فقد جاءت شعارات الديمقراطية مع إعلانه الحرب على الإرهاب، وفرض الضغوط على النظم غير الموالية للولايات المتحدة الأمريكية، وتقوية الروابط مع حلفاء غير ديمقراطيين مثل الرئيس الباكستاني مشرف وبعض دول الخليج العربية، وانتهاك حقوق السجناء في المعتقلات الأمريكية، وانتهاك الحقوق المدنية.

ولهذا فإن إعادة كسب المصداقية الأمريكية بشأن سياسات تعزيز الديمقراطية ستكون واحدة من المهام الجسام التي ستواجهها الإدارة الجديدة من أجل كسب دعم دولي واسع يكفل لها دور نشط على الساحة العالمية.

وفي هذا الصدد تأتي فكرة "رابطة الدول الديمقراطية" لتلقي الضوء على حاجة الولايات المتحدة الأمريكية الملحة لبناء شرعية تعزز سياساتها الديمقراطية. وقد ركز عليها المرشح الجمهوري "جون ماكين" منذ أكثر من عام خلال خطاباته ولقاءاته التلفزيونية، وهي حسب ماكين سوف تكون بديلا للعديد من المنظمات الدولية التي أخفقت في حل العديد من المشكلات الدولية.

ليست بفكرة جديدة

ترجع جذور فكرة رابطة الدول الديمقراطية أو حلف الدول الديمقراطية إلى الديمقراطيين، فقد حاولت "مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (إبان إدارة بيل كلينتون) إنشاء مثل هذه المنظمة في التسعينيات. بحسب موقع تقرير واشنطن.

وقد طُورت الفكرة في السنوات الأخيرة على يد العديد من الخبراء منهم إيفو دالدر خبير السياسة الخارجية والمستشار الخاص للمرشح الديمقراطي السيناتور باراك أوباما، وجيمس ليندساي، وجون انبري وآن ماري سلاتور، وروبرت كاجان. ولكن التطورات التي تمر بها الولايات المتحدة مؤخراً وإخفاقها في تحقيق مشروعها الديمقراطي جعلت الفكرة تتصدر صفحات الجرائد والتقارير وحملات انتخابات الرئاسة الأمريكية، فقد جعلها المرشح الجمهوري السيناتور جون ماكين جزءاً من برنامجه الانتخابي.

وتكمن رؤية ماكين للرابطة في كونها ميثاق عالمي، وأن تأسيسها قد يُساعد على إحياء التوافق بين الدول الديمقراطية الذي وحد الغرب إبان الحرب الباردة. وفي هذا الإطار يتحدث السيناتور ماكين عن قيام الرابطة بفرض عقوبات على إيران، وتخفيف المعاناة في دارفور، ومعالجة الإيدز AIDS، والأزمات البيئية.

وفي هذا السياق نثير الجدل الذي طرحه رجال الفكر والسياسة الأمريكية بشأن رابطة الدول الديمقراطية، ونعرض لآراء كل من توماس كاروثرز، نائب الرئيس لدراسات السياسة والحوكمة الدوليتين في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، مورتون اش. هالبرين وقد عمل مديراً في معهد المجتمع المفتوح، إيفو دالدر، تود لينج بيرج.

هل أمريكا في حاجة إلى رابطة الدول الديمقراطية

تحدث توماس في دراسة مصغرة بعنوان " هل عصبة الدول الديمقراطية فكرة جيدة؟ Is A League of Democracies A Good Idea?" ، الصادرة عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي عن أن الرئيس القادم للولايات المتحدة سيواجه العديد من التحديات التي خلفتها الإدارة الأمريكية السابقة، حيث سيدور التساؤل حول الوضع في كوريا الشمالية وأزمة الأسلحة النووية، وأيضاً قضايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والوضع في العراق، بالإضافة إلى البرنامج النووي الإيراني، والوضع في أفغانستان، وكذلك التغيرات المناخية التي يصعب حلها. ومن ثم يرى توماس أنه في حال الافتراض بأن الرئيس القادم قرر أن يبدأ سياسته الخارجية بالقيام بمبادرة إنشاء عصبة للدول الديمقراطية، فلابد من أن نحدد أهمية هذه المبادرة بالنسبة للقضايا أو إن شئت القول التحديات سالفة الذكر.

فعلى سبيل المثال بالنسبة لكوريا الشمالية، تُعد الصين فاعل حاسم ورئيسي ومع ذلك فهي لن تكون جزءاً من هذه الرابطة، كذلك بالنسبة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والوضع في العراق وإيران، وهي قضايا تحتاج إلى التعاون مع حلفاء من الدول العربية غير الديمقراطية، وروسيا. وبالنسبة للتغير المناخي هناك ضرورة للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين.

ومن ثم فالمشكلات الدولية الحادة التي تواجهها الولايات المتحدة تتطلب التعاون مع دول غير الديمقراطية، فالعالم العربي يمثل منطقة حيوية للأمن الأمريكي بطرق مختلفة بخصوص البترول، ومكافحة الإرهاب، وهكذا. وفي حال قيام الرئيس الأمريكي في بداية توليه الإدارة التركيز على هذه المبادرة واعتبارها أحد الأولويات، وبالطبع لا يوجد أحد مدعو للعضوية في هذه الرابطة ربما عدا العراق، مما يعني ضياع فرصة سياسة جديدة لحكومة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.

وفي هذا الصدد يشير توماس إلى أن السيناتور ماكين يواصل تأكيده على صحة وأهمية التدخل العراقي، ولكن كيف سيوفق بين آرائه بشأن العراق مع الآراء المتناقضة لغالبية أعضاء العصبة الديمقراطية؟، وهنا يتساءل توماس عن المدى الذي يمكن لماكين أن يحترم إرادة هذه العصبة كما وعد؟، أيضاً يتحدث السيناتور ماكين عن طرد روسيا من مجموعة الثمانية كعقاب لها على حُكمها السلطوي. وفي هذا الصدد يؤكد توماس أنه من الصعب أن يحصل على دعم لمثل هذه المبادرة من غالبية أو كل الحلفاء الديمقراطيين للولايات المتحدة الأمريكية، حيث تُفضل هذه الدول استخدام أساليب معتدلة غالباً غير مباشرة لمواجهة مشكلات تنامي السلطوية.

كذلك أشار ماكين إلى أنه سيُمكن دول أمريكا اللاتينية من أن تكون أعضاء في رابطة الدول الديمقراطية وفي نفس الوقت يعمل ماكين على تهميش رئيس فنزويلا هوجو شافيز Hugo Chavez ، وهناك من يعارض ذلك من جانب دول أمريكا اللاتينية، فهل سيستمع ماكين كرئيس لهذه الأصوات في العصبة؟، أيضاً رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لأسباب تهديد الإرهاب تُثير الخلاف بصورة حادة في العديد من الدول الديمقراطية، كما أن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العالم الإسلامي نتجت عنها معاداة كبيرة ليس فقط في العالم العربي لكن كذلك في العالم الإسلامي.

ومن ثم يخلص توماس إلى أن هذه المبادرة ليست جيدة كبداية، ومن ثم فهو يقترح عدد من النقاط كخطوات لإعادة كسب ثقة ومصداقية السياسة الخارجية الأمريكية بشأن دعم الديمقراطية، وكبديل لمبادرة رابطة الدول الديمقراطية، وهي كالتالي:

- التأكيد على أن الولايات المتحدة لا تنوي استخدام القوة المسلحة أو أي وسائل أخرى للإطاحة بحكومات باسم الديمقراطية.

- تجنب السياسات التي اتبعتها الإدارة السابقة والتي أدت إلى تراجع مكانة الولايات المتحدة، والعمل على تحقيق حكم القانون والحريات المدنية الأساسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها.

- إظهار جدية الولايات المتحدة ليس بالضغط على الأنظمة السلطوية المعادية فقط، ولكن أيضاً على حلفائها السلطويين التي تؤثر عليهم بشكل حقيقي مثل باكستان ومصر؛ بهدف اتخاذ خطوات جادة تجاه الانفتاح السياسي والإصلاح الديمقراطي.

- تعزيز المؤسسات المتعددة الأطراف المختلفة الموجودة بالفعل، والتي تتعامل مع قضايا الديمقراطية مثل الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي.

إحياء الحرب الباردة

في حين تحدث مورتون اش. هالبرين Morton H. Halperin في مقاله بعنوان "رابطة الدول الديمقراطية: حكم بالفشل" عن أن اقتراح السيناتور جون ماكين بشأن إنشاء رابطة الدول الديمقراطية، التي يمكنها أن توحد الدول الديمقراطية في العالم: للعمل معاً لتحقيق السلام هي إحياء لحالة الحرب الباردة التي خلقت ثنائية تفصل بين الأشخاص الجيدين (ديمقراطية السوق) ضد الآخرين السيئين (السلطويين). ويرى مورتون أن هذه الفكرة تقوم على افتراض، خطأ، بأن الدول الديمقراطية لديها مصالح مشتركة بشأن القضايا المختلفة ترجع لنظامها السياسي المشترك. وأن الأمن الأمريكي يتحقق بتعزيز النظام الدولي لمواجهة التحديات العالمية، غير أن سياسات إدارة بوش المخفقة لتعزيز الديمقراطية من خلال الغزو العسكري في العراق وتغيير النظام في إيران، كوبا، وأي مكان أخر تقف في وجه أي مبادرة في واشنطن.

تدعيم التعاون الدولي

على الجانب الأخر أشار إيفو دالدر Ivo Daalder في ندوة بعنوان " هل عصبة الدول الديمقراطية فكرة جيدة؟ Is A League of Democracies A Good Idea?" ، أن التعاون بين الدول الديمقراطية يحقق التعاون الدولي ويدعم رأيه بأننا نعيش في عالم العولمة، فلو نظرنا لأحداث 11 سبتمبر سنجد أنه ليس هناك دولة واحدة ولو بقوة الولايات المتحدة ستكون قادرة على مواجهة هذه التهديدات بمفردها، ومن ثم فالتعاون الدولي ضرورة ملحة، فهو يرى أهمية المنظمة، في الأتي:

أولاً: يساعد على عمل الديمقراطيين معاً للمساعدة في عمليات إصلاح وتبني تغيير المؤسسات الدولية التي بدأت في الأمم المتحدة، وذلك من خلال تصويت الدول الديمقراطية كمجموعة.

ثانياً: العمل على تعزيز الديمقراطية، من خلال جذب الدول لأن تكون أعضاء في المجموعة وذلك كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فهو لا يقوم بنشر الديمقراطية عن طريق الغزو أو من خلال فرض بعض الممارسات على الدول، ولكن بوضع مبدأ أن تكون عضو في المجموعة لابد أن تفعل ذلك ومن ثم تغيير النظم يرتبط بمنافع العضوية.

ثالثاً: العمل على تقوية الروابط بين الدول الديمقراطية وتنسيق مشروعات التنمية الاقتصادية، فالدول الديمقراطية مسئولة عن الغالبية العظمى من المساعدات الاقتصادية في العالم.

رابعاً: ضرورة أن يكون هناك منظمة تستطيع مناقشة وحوار القضايا الأمنية مثل: الإرهاب، منع الانتشار النووي، وبشأن القضايا التي تستدعي استخدام القوة لتحديد متى وكيف تستخدم.

ويؤكد دالدر على أن هناك قناعة لدى كلاً من المرشحين الديمقراطي والجمهوري على أن العمل مع الدول الأخرى ضرورة ملحة.

وفي هذا السياق أشار تود لينج بيرج إلى أن الأمم المتحدة غالباً ما يتم السيطرة عليها من خلال تصويت المجموعات الإقليمية، ومن ثم تظهر ميزة أن تتعاون الحكومات الديمقراطية مع بعضها البعض. غير أنه يرى أهمية وجود معاهدة رسمية تضم حكومات الدول الديمقراطية، وأن يكون هناك هيكل تنظيمي يناقش القضايا المختلفة. وفي هذا الإطار أشار تود إلى أن الجماعة الديمقراطية قد فشلت لأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعطي المنظمة القيادة التي يجب أن تكون، ولم يكن واضحاً ماذا تريد. ومن ثم فهو يرى أن الولايات المتحدة ليست في وضع قوي يؤهلها لهذه القيادة، في ظل ما خلفته الثماني سنوات المنصرمة من أزمات وإخفاقات في العديد من الملفات.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاحد  20/تموز/2008 - 16/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م