مسلمو بريطانيا بين الإنصاف والعقاب الجماعي

شبكة النبأ: تبقى مسألة التطرف العرقي والتعصب المذهبي أو الجغرافي قائمة في أحسن الأحوال والظروف وفي أكثر البلدان تمتعا بالروح الديمقراطية أو الثقافة العالية التي تزاولها هذه البلدان من خلال العرض الإعلامي الخارجي والواصف التي تصف نفسها به.

بيد ان المفارقة هو مانراه يحدث مع المسلمين في بريطانيا حيث مع حلول الذكرى السنوية الثالثة لهجمات السابع من يوليو / تموز في لندن، لا يزال الجدل مستمرا حول المسلمين في بريطانيا: اندماجهم في المجتمع وموقفهم من الإرهاب وما إذا كانوا يتعرضون لسوء معاملة أم لا.

ومع ما تمثله هذه الذكرى من صدمة ومرارة للشعب البريطاني، الذي لم ينس أن جميع منفذي هجمات لندن كانوا من المسلمين، أصدر باحثون بريطانيون دراستين تتناولان المعاملة التي يلقاها المسلمون في بريطانيا وكيفية تناول وسائل الإعلام لهم.

وتتناول إحدى الدراستين، والتي أصدرتها كلية كارديف للصحافة والإعلام والدراسات الثقافية تحت عنوان: صور الإسلام في بريطانيا، كيف تناولت وسائل الإعلام الإخبارية المحلية المطبوعة لمسلمي بريطانيا، في الفترة بين عامي 2000 و2008، بينما تحمل الدراسة الثانية عنوان: المسلمون تحت الحصار - تغريب المجتمعات السهلة الاستهداف.

وشملت الدراسة الأولى تحليلا لمحتوى 974 مقالة صحفية تناولت مسلمي بريطانيا في 1412 سياقا مختلفا في الفترة بين عامي 2000 و2008، وتحليلا للصور والرسوم المصاحبة لمقالات صحفية عن مسلمي بريطانيا خلال عامي 2007 و2008، إضافة إلى دراسات لحالات مسلمين بريطانيين وردت قصص عنهم في الصحافة البريطانية.

وقد وجد الباحثون كيري مور وبول ميسون وجستين لويس أن التغطية الإعلامية للمسلمين زادت في الفترة بين عامي 2000 و2008، وأنها ارتبطت بشكل واضح بالزيادة في التغطية الإعلامية للإرهاب وما يتعلق به. بحسب تقرير لـ بي بي سي.

فقد ساهم كون منفذي هجمات 11 من سبتمبر / أيلول على الولايات المتحدة وهجمات قطارات مدريد ثم هجمات السابع من يوليو تموز على لندن من المسلمين في تسليط الضوء أكثر على المسلمين.

كما أشار الباحثون إلى ازدياد أهمية موضوعات أخرى تتناول المسلمين في بريطانيا، وبالأخص تلك التي تركز على الاختلافات الدينية والثقافية أو على التطرف الإسلامي.

ويقول الباحثون إنهم تفحصوا التقارير الإعلامية التي تتناول المسلمين، وإنه على الرغم من أن بعضها حرص على أن يظل موضوعيا ومحايدا، فإن مقالات كثيرة أبرزت زوايا ذات أهمية خبرية على حساب التوازن والمحتوى.

وضرب الباحثون مثلا بموضوعات تضع المسلمين في إطار أنهم يمثلون تهديدا وتنشر الخوف من الإسلام، مثل تلك التي تتحدث عن أن بريطانيا أصبحت مكانا للمسلمين فقط وعن المناطق المغلقة للمسلمين حيث تحل المساجد محل الكنائس وعن قرب تطبيق الشريعة الإسلامية.

وقد خلصت الدراسة إلى أن واحدة من بين كل خمسة مقالات صحفية عن مسلمي بريطانيا تقارن بين الإسلام وأديان أخرى، وأنه على الرغم من أن نصف هذه المقارنات تقريبا لا تصدر حكما صريحا على الإسلام، فإن أكثر من 80% من تلك التي تصدر حكما جاء تقييمها للإسلام سلبيا.

وقد رجحت الدراسة أن يكون الانطباع المأخوذ عن المسلمين في بريطانيا مستمدا من موضوعات الأخبار التي يرد ذكرهم فيها. وبما أن أغلب هذه الموضوعات تتحدث عن الإرهاب والاختلافات الحضارية أو التطرف، فقد خلق هذا ربطا في إذهان الناس بين المسلمين وبين هذه المواضيع.

وتقول الدراسة إنه: بغض النظر عن لهجة هذه التغطية فإن الإطار الذي يتم تناول الإسلام والمسلمين من خلاله يميل إلى السلبية. كما أن اللغة المستخدمة في الحديث عن مسلمي بريطانيا تعكس الأطر والسلبية والإشكالية التي تميل وسائل الإعلام البريطانية إلى وضع المسلمين في سياقها.

لكن الباحثين أشاروا أيضا إلى أنه من الصعوبة بمكان تحديد إلى أي مدى تتحمل الصحف المسؤولية المباشرة عن التوتر والعداء إزاء المسلمين.

ويشدد الباحثين على أن الصحافة المطبوعة تمثل أحد منافذ الأفكار التي تتناول المسلمين في بريطانيا، لكن هذا لا يقلل من أهمية تأثيرها. وأوضح الباحثون أن الصحف الشعبية كانت أكثر سلبية من غيرها في تناول شؤون المسلمين في بريطانيا.

كما تتناول الدراسة الثانية: المسلمون تحت الحصار، والتي نشر نتائجها مركز حقوق الإنسان بجامعة إسكس، تحليلا لاستبيانين مختلفين شملا بريطانيين مسلمين وغير مسلمين.

ويقول الأستاذ ستيوارت واير، مدير التدقيق الديموقراطي بمركز حقوق الإنسان بجامعة إسكس في مقدمة التقرير إنه: على مر القرون تعرض كثير من المهاجرين والأجانب للكراهية والازدراء من قبل التيار الرئيسي في المجتمع البريطاني، الذي رأى أنهم يشكلون نوعا من التهديد لهويته. وفي العصر الحالي، يلقى المسلمون ذات المعاملة السيئة.

لكن واير شدد في الوقت ذاته على أن ذلك لا يستدعي أن يتلقى المسلمون معاملة تفضيلية أو أن يتم إعفاؤهم من سلطة القانون أو التدقيق العادي الذي تستلزم الديموقراطية تطبيقه على جميع شرائح المجتمع.

وأشار واير إلى تقرير سابق كشف عن أن المساجد في بريطانيا تنتشر فيها الدعوة لمعاداة السامية والخوف من المثليين. وأوضح واير، أن الاعتقاد السائد بأن المسلمين يتلقون معاملة خاصة هو بالأخص الذي يغذي الشعور بالاستياء ضدهم.

كما تطرق واير إلى الحديث عن التنوع العرقي والثقافي للمسلمين في بريطانيا، الذين يقارب عددهم المليونين، مشيرا إلى أنهم يضمون 50 عرقا مختلفا ويتحدثون نحو مئة لغة مختلفة.

وأشار واير إلى أن أغلب المسلمين محرومون ويعانون من التمييز والتفرقة في الإسكان وفي التعليم وفي التوظيف، مقارنة مع الطوائف الدينية الأخرى، وأنه كلما بدت عليهم مظاهر التدين، كلما زاد احتمال تعرضهم للتحرش وللإساءة.

وقد أشار واير إلى أن هناك من ينكرون وجود ما يعرف بالخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) وأن الساسة يبالغون في الحديث عن الإساءة وكراهية المسلمين لتتناسب مع حاجاتهم الشخصية ولإسكات منتقدي الإسلام، وهم يرون أن مفهوم الخوف من الإسلام يخلط بين الكراهية والتفرقة ضد المسلمين وبين انتقاد، يرون أنه مشروع تماما، للإسلام.

ويعلق واير على ذلك بالقول إنه يتعين على جميع الأديان أن تقبل بأن معتقداتها وممارساتها قابلة للنقد. لكنه يرى أن الأمر عندما يتعلق بانتقاد الإسلام فإنه يتجاوز حدود الجدل الموضوعي ليؤثر على حياة المسلمين في بريطانيا مثيرا المخاوف والغضب بما يعرضهم لاستياء المجتمع.

وأشار الباحثان بيتر أوبورن وجيمس جونز في نفس المركز والذين شاركا في إعداد الدراسة إلى أنها تكشف عن استعداد مقلق بين كتاب الصحف وغيرهم للانخراط في جدل وكتابات تعادي الإسلام بفظاظة، يقول الكتاب أنفسهم إنهم لا يتحملون أن توجه ضد اليهود أو المثليين، على سبيل المثال.

ويشدد أوبورن وجونز على أن المسلمين في بريطانيا لا تتوفر لهم ذات الحماية التي تتمتع بها الأقليات الأخرى من الإهانات والإساءات المنبثقة عن الجهل.

ويشير الباحثان إلى إشكالية في هذا الصدد. فكثير ممن شملتهم الدراسة اتهموا المسلمين بالتعالي ورفض الانخراط في أسلوب الحياة البريطاني، وهو انتقاد يرى الباحثان أنه صحيح أحيانا دون شك. لكن في ذات الوقت، فإن التغطية الإعلامية تظهر تحيزا ملحوظا يؤثر بدوره على الاعتقادات السائدة عن المسلمين.

كما أشار الباحثان إلى استطلاعات الرأي التي تتناول المسلمين وهويتهم البريطانية. ويرى الباحثان أن استطلاعات الرأي التي أظهرت نتائجها أن أغلب المسلمين في بريطانيا يدينون بالولاء أولا للإسلام ثم للمملكة المتحدة تلقت تغطية إعلامية أكثر بكثير من تلك التي أشارت نتائجها إلى العكس.

وأضاف الباحثون أن استطلاعات الرأي، التي تسأل المسلمين عن شعورهم بالولاء للمملكة المتحدة، غالبا ما تصاغ بشكل سيء ويساء تفسير نتائجها.

وفي نهاية الدراسة يقرع الباحثون جرس إنذار، إذ يصفان العائلات المسلمة العادية في بريطانيا بأنها أقلية مكممة الأفواه وأن الوقت قد حان لأن يتمتع المسلمون بذات الاحترام والحقوق التي يتمتع بها غيرهم من المواطنين.

 وختم الباحثون تقريرهم بالقول إنه: يتعين علينا جميعا أن نشعر بالخزي من طريقة معاملة المسلمين في الإعلام وفي سياساتنا وفي شوارعنا. فهم إخوتنا في المواطنة، لكننا لا نكاد نعترف بهم، بل نظهرهم بشكل محرف ونضطهدهم أحيانا. نحن لا نعامل المسلمين بالتسامح وباللياقة وبالإنصاف التي نفاخر دائما بأنها من شيم البريطانيين.

لكن الباحثين شددا على أن نتائج دراستيهما قد تتعارض مع نتائج دراسات سابقة، وإنه يتعين أن ينظر إليها في سياق أنها دعوة لبدء نقاش جاد حول تناول الإعلام البريطاني للمسلمين.

وقد أعدت هاتان الدراستان بالتعاون مع برنامج (Dispatches) في القناة الرابعة بالتلفزيون البريطاني وليصاحب الحلقة الوثائقية التي تحمل عنوان: يتعين ألا يحدث ذلك لمسلم. التي يبثها التلفزيون.

شبكة النبأ المعلوماتية- االسبت  19/تموز/2008 - 15/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م