نظرية التطور بين دارون والسيد حسن الشيرازي

الباحث: عبد الكريم العامري

(ان الرد من وجهة النظر الاسلامية، كل ما في الكون يتطور والتطور طريقة خلق الاشياء، فقد خلق الله الحيوان من النبات، والنبات من التراب، والتراب من الماء، والماء من الهواء، كما يقول القرآن الكريم  (والله خلق كل دابة من ماء)..).

السيد الشهيد حسن الشيرازي (قده) في معرض رده لنظرية دارون

 

فكرة التنازع

شبكة النبأ: ان التنازع أمر طبيعي في البشر لا مفر منه، فليس في مقدور البشر أن يكونوا متعاونين من غير تنازع، ونحن ينبغي ان لا نعجب حين نرى البشرية يتنازعون بل الاحرى بنا ان نعجب حين نراهم جميعاً في صفاء تام لا تنازع فيه.

أن الانسان لديه حاجات لا يمكن اشباعها لذلك يتعاون وأذا لم يتمكن من تأمينها يتنازع.

أن الانسان ليس حيواناً محضاً ولا انسان محضاً، بل هو أنسان ويتصرف تصرف الحيوان عندما ينافسه من بين جماعته أحد... لكي يتكيف مع المحيط.

والاكثرية لا يرغبون التغيير وقد وصفهم القرآن الكريم هم القائلين هكذا وجدنا أبائنا... أما القليل فهم يرغبون بالتغيير.

والقرآن الكريم سبق نظريات علم الاجتماع بقوله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لفسدت الارض).

أن نظرية التطور أو نظرية دارون عنيت بالتطور، والتطور طريقة الاشياء الى التكامل، بشهادة قول الله سبحانه: (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

النظرية بدون نقد

سميت نظرية النشوء والارتقاء بأسم (نظرية دارون) بالرغم من أن (لا مارك) الفرنسي هو مؤسسها، لكنها سميت بأسم (دارون) لأنه هو مطور هذه النظرية وحامل لوائها وباذل عمره في سبيل تعضيدها ونشرها، لقد كرس حياته في سبيلها، حيث قام سنة 1831 م برحلة حول العالم أستغرقت خمس سنوات أطلع فيه على الكثير من اسرار النبات والحيوان... وجعله هذا الامر أي الاطلاع قطباً لهذه النظرية وكرس عشرين سنة من عمره لدراسة هذه النظرية وتأييدها حتى الوفاة سنة 1882م.

تقوم النظرية على اربعة قوانين هي:

1- قانون التنازع والبقاء: معناه الداروني ان الكائنات الحية في تنازع مستمر وأن البقاء انما يكون للأكل والاقوى من المتنازعين.. أما الاضعف فأنه يتلاشى لأنه غير صالح للحياة.

2- قانون الانتخاب الطبيعي: معناه الداروني... ان الطبيعة تنتخب الاقوى والآكل فتبقيه وتلاشي الأضعف ويتبدد وأن الحياة ذات اطوار تغيرات بها ترتق من حال الى حال.

3- قانون المطابقة: ومعناه الداروني.. أن لنوع الاغذية وطرق الوصول اليها دخلاً كبيراً في احداث الاختلافات من الانواع، وضرب دارون مثلاً فقال الاسد من أكلة اللحوم لذا زود بأنياب حادة وأظافر ولو ترك الاسد ليعيش في بيئة زراعية لا أفتراس فيها بطلت وظيفة أنيابه وأضافره.

4- قانون الوراثة: ومعناه الداروني.. ان الصفات الوراثية التي تحدث في الآباء وتنتقل بشيء من التغيير الى الابناء وعبر الآف السنين تظهر الاختلافات العرضية الى جوهرية فيحدث ان الابناء مغايرون للآباء السابقين حتى ان الرائي ينظر اليهما فيظنهما نوعين مستقلين وهما نوع واحد.

إتجاهات المفكرين

اتجاهات القائلين بهذه النظرية متفقين من حيث التسليم بالنظرية ومختلفين من حيث الانتاج الفلسفي أنقسموا الى:

1- فريق جعل النظرية منطلقاً للدعوة الى الالحاد وإيجاد فلسفة لنفي الخالق وأعطاء المادة صنعة القادر على كل شيء وعلى رأس هذا الفريق مؤسس النظرية الاول (لا مارك) الفرنسي و(هيجل) الالماني.

2- فريق لم يدع انه بهذه النظرية يفسر سر الحياة أو سر الكون وأنما همه البحث عن اصل الانواع الحية وتكوين فكرة عن اصل نشأتها وصلة بعضها ببعض.. ولم يتخذوا النظرية قاعدة للألحاد وأنكار الخالق وعلى رأس هذا الفريق (دارون).

إتجاهات الناس

كان دارون مسيحياً من أب مسيحي انكليزي. أما ايمانه فقد انقسم الناس الى ثلاثة فرق:

1- فرقة حكمت بأيمانه وبأنه كان مثبتاً لوجود الله معترفاً بأن الخلق من صنعه وأعتمدوا على ما قال بأن نظريته لا تتنافى مع وجود الله.

2- فرقة أتهمت دارون بالتردد واتباع مذهب (اللا أدري) فهو شاك متردد ويؤيدون قولهم بما قاله عن نفسه حينما سئل عن إيمانه فقال: (أن آرائي الخاصة مسالمة لا خطر لها ولا تعني أحد غيري ولكني متردد).

3- فرقة قالت بأنه كافر كفراً صريحاً ملحداً الحاداً مكشوفاً وأعتمدوا على قول زوجته التي قالت عند وفاته: (لا ريب عندي ان دارون قد كفر بالله سبحانه ولكن الله غفور رحيم وهو سيصفح عنه).

هل قال دارون ان أصل الانسان قرد؟

 قال ذلك (هكسلي) ايضاً، وأنما قال ان الفرق بين القردة الدنيا وبين العليا اكبر من الفرق بين هذه وبين الانسان، أما (هيجل) فقد تورط وقال ان اصل الانسان قرد.

أذن، دارون لم يقل ان اصل الانسان قرداً كما اشيع عنه بل قال: الانسان والمجموعة الشبيهة  به من انواع القرود الاربعة وهي الجيون والاورانج والغوريلا و الشمبانزي.. والشمبانزي     

والانسان منحدران من اصل واحد كما ورد في كتبه.

الذين زعموا ان اصل الانسان قرد أو القرد ابو الانسان هم غلاة الماديين الذين يمثلون الجناح الالحادي لنظرية دارون لشهرتها العلمية وأستدلوا بأن الانسان اصله قرد للتشابه بين القرد والانسان من اكثر الاعضاء وبعض الطبائع كالحيض ووجود الفقرات العصعصية في الانسان وأنها اثر للذنب الموجود في القرد، وأستدلوا بوجود الزائدة الدودية في الانسان وأنها متطورة من الزائدة الدودية في الحيوان حيث تقوم بأفراز مواد كيمياوية تقوم بهضم السلبيلوز من الاجزاء والاغذية النباتية التي يأكلها الحيوان.

نقد النظرية

يشير السيد الشهيد حسن الشيرازي (رحمه الله) في معرض رده نظرية دارون، وأن الرد من وجهة النظر الاسلامية، كل ما في الكون يتطور والتطور طريقة خلق الاشياء، فقد خلق الله الحيوان من النبات، والنبات من التراب، والتراب من الماء، والماء من الهواء، كما يقول القرآن الكريم: (والله خلق كل دابة من ماء) النور / 45.

ويقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع): (ثم انشأ سبحانه فتق الاجواء... فأجرى فيها ماء متلاطماً حمله على متن الريح العاصفة... فأمرها بتصفيق الماء حتى رمى الزبد... فسوى منه سبع سماوات).

فالتطور أحدى الحقائق الكونية، وقد عرفته الاديان والحكماء منذ التاريخ، دليلاً على وجود الله تعالى، بأعتبار ان الشيء الواحد لا ينسلخ أطواراً جديدة، ألا بآرادة دائبة في التحويل والتطوير، لأن طبائع الاشياء تدعوا الى التزمت والجمود، أما التطور فنتاج قاهر خارجي، ينقص نداء الطبيعة ويدفع الى الانطلاق.

وعندما استيقظ الغرب لنظرية التطور، ذهب دعاتها الى فوضى التطور في كل شيء، وحسبوا ان الانسان وجد نتاج سلسلة من التطورات الذاتية التي تتابعت بلا أنظمة ومقاييس، ولكنهم لم يجدوا الدليل الذي أطلقوا عليه اسم (الحلقة المفقودة) وهو الكائن الحي الذي يعتبر ويسطاً بين الانسان والقرد.

ان الحياة التي درسها العلماء من قديم الازل لم تغير كائناً الى اخر، ولم يجدوا حيواناً اقترب من الانسان، ولا نباتاً تطور الى حيوان، بل لم تقترب فصيلة من اخرى، ولا نوع من آخر من نفس الفصيلة الواحدة، ولم يثبت ان حيه اصبحت جملاً ولا خنفساء أضحت صرصاراً.

ومجمل النظرية تهدف الى:

1- الكون نتاج طبيعي لتطورات قديمة ولم يخلقه أله ولا أنسان.

2- ان الانسان تطور من القرد.

3- ان الاديان كلها باطلة.

ان هذه الاتجاهات متضاربة، ورأى السيد حسن الشيرازي (رحمه الله): أن هناك حقائق ثابتة لا تتطور على الدهر، والى جانبها امور تتطور بأختلاف الازمان والظروف، والاديان تشتمل على احكام ثابتة لتلك الحقائق الثابتة، واحكام متطورة لتلك الامور المتطورة، فالظلم والغش والاغتصاب من المحرمات الدائمة، بينما تتطور احكام الصلاة والصيام والحج باختلاف المرض و السفر والفقر على الانسان، والدين نظام الحياة الاصلح، الذي يقول للأنسان كيف يمارس نشاطاته، ويباشر الموجودات الحية وغير الحية... حتى لا تعكر صفوة العقد والمشاكل والازمات ويقول الدين في كل جديد كلمته الباته ورأيه الحاسم الصواب.

ولهذا... نجد العقل والعلم في كل زمان ومكان يؤكدان ما تقوله الاديان.

وهذا العلم الحديث، بكل ما أوتي من عبقرية ونبوغ، لم يجد إلا ان يركع أمام الاسلام ببالغ الاعجاب والاكبار.

إذن فالتطور حقيقة كونية أبدية، ولكنها لا تشمل غير المظاهر والحالات، وأما الجوهر والاصول فأنها ثابتة لا تتغير، وأذا صح ذلك وجب ان تعرف ونعترف:

أولاً: بأن للكون إلهاً أوجده بعد العدم، وليس نتاجاً طبيعياً لتطورات قديمة.

ثانياً: إن الإنسان اصل برأسه وليس فصيلة متطورة من القرد.

ثالثاً: إن الأديان صحيحة، ونازلة من عند الله سبحانه وتعالى، وليست باطلة، كما يزعم الماديون.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاثنين  14/تموز/2008 - 10/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م