حقيقة الاعلام العربي والاموال السعودية!

رياض الحسيني

لايخفى على احد ان اغلب الاعلام العربي مملوك من قبل العائلة الحاكمة في السعودية فمن جريدة الشرق الاوسط والحياة اللندنيتين الى جريدة المستقبل المحلية اللبنانية الى موقع ايلاف الالكتروني وليس انتهاءا طبعا بفضائيات مثل الام بي سي والعربية والمستقبل اللبنانية. هذا فضلا عن عشرات الصحف المحلية الصادرة في بلدان الخليج ولندن ومصر ومحطات اذاعية وصلت حتى الى العراق مؤخرا وكل ذلك تحت مسميات عروبية تارة واسلامية اخرى.

السعودية باعتبارها بلد يفتقر للكفاءات الاعلامية فقد استفادت من بعض الوجوه ورجال الاعلام في لبنان على الاغلب وبالاخص اولئك الذين لديهم قبول شعبي وممن تعودوا الكاميرا وتعودت عليهم. وبطبيعة الحال فان مهمة هؤلاء وتلك القنوات الاعلامية هي لاسكات الاخر والقامه حجر من النوع الثقيل فضلا عن التاثير على الرأي العام العربي بعد تخلي مصر عن القيادة لاسباب اقتصادية من جهة وحسابات اقليمية من ناحية اخرى يأتي الصراع العربي الاسرائيلي في مقدمتها.

المتابع الذكي لاتفوته الحملة التي قادتها السعودية منذ فترة ليست بالقصيرة عبر جامعة الدول العربية واللجنة الدائمة للاعلام العربي التي تضم وكلاء وزارات الاعلام في الدول العربية. فمن خلال الضغط السعودي على هاتين القناتين ولاجل احكام القبضة السعودية على الاعلام العربي وتحديدا المخالف بالرؤية والهوية فقد مارست السعودية ضغوطا ضخمة لاقرار ماسمي لاحقا بوثيقة تنظيم البث والاستقبال الفضائي والاذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية.

تلك الوثيقة التي اثنى عليها وزير الثقافة والاعلام السعودي اياد امين مدني بقوله "انها مرحلة مهمة في تاريخ الاعلام العربي" ومعترفا بحجم الضغوط التي مارستها السعودية على جامعة الدول العربية واللجنة الدائمة للاعلام. بطبيعة الحال تلك الوثيقة لم تترك جمالا ادبيا ولا حسنا من بديع الكلمات الا وحوته حالها كحال كل الاتفاقيات العربية الموقعة بدء من العمل المشترك والدفاع المشترك وليس انتهاء بالمصير المشترك! بيد ان الوزير برر الضغوط السعودية لاقرار هذه الوثيقة بعبارات رنانة وجمل طنانة لاترقى الى الترجمة الفعلية على ارض الواقع ففي الوقت الذي تدعو في تلك الوثيقة الى نبذ الطائفية والامتناع عن بث كل شكل من اشكال التحريض على العنف والارهاب نجد كل وسائل الاعلام السعودية تبث وبالمانشيت العريض "هجوم على السنّة" في تغطيتها للاحداث الاخيرة التي جرت في شمال لبنان، وفي الوقت الذي تدعو فيه الوثيقة الى احترام المذاهب والرموز الدينية والالتزام بالاخلاق الدينية والاخلاقية فلاتجد القنوات الاعلامية السعودية حرجا من التشنيع على رموز الطائفة الشيعية تحديدا وبلا استثناء تحت حجج لامبرر لها ولامسوغ.

 المثير للسخرية ايضا ان هذه الوثيقة تدعو الى الامتناع عن بث المشاهد والحوارات الاباحية وترى وجوب حماية الاطفال والناشئة من كل مايمكن ان يمس بنموهم البدني والذهني والاخلاقي كما جاء في نص الوثيقة ولكن لمن يتابع برامج الام بي سي والمستقبل فلن يجد ! الا برامج تحت حجج الابداع من قبيل سوبر ستار وشاكلته!

تمويل الاعلام السعودي هذا لايخرج عن خزينة الدولة في اغلبه بينما يتولى بعض الامراء هذه المهمة لذلك فان مهمة الاعلام هذا تتمحور حول طائفية اي موقف لايتماشى مع نظرة الحاكم في السعودية او يقف بالضد منه فبعد تحييد فضائية الجزيرة القطرية حول تعاطيها في الشان السعودي فان الترسانة الاعلامية السعودية انفردت بالعالم العربي بلا منازع! فبعد اتهام الشيعة بالتبعية لغير العرب وتحديدا ايران وهي محاولة مكشوفة ابتدعها الامويون لابعاد بني هاشم عن الحكم واستمرت تلك السياسة حتى وقتنا الحاضر! فان اهل السنة والجماعة لم يسلموا من هذا الاعلام الموجه فكل من لايدخل تحت العباءة السعودية فهو مرتبط بـ "ولاية الفقيه" فوقف هذا الاعلام مع فتح ضد حماس في حربها مع الاحتلال وادواته بل عايروا حماس لتلقيها مساعدات ايرانية الامر الذي حدا بوزير الداخلية الفلسطيني سعيد صيام ان يرد بالقول "هذا لا يعيبنا وافضل من الذين يأخذون مساعدات من اميركا والاحتلال، ومن يخفه هذا الامر فليتفضل ويقدم مساعدات للشعب الفلسطيني".

كذلك وقف الاعلام السعودي مع الحزب الوطني المصري الحاكم ضد الاخوان المسلمين بل كان سببا في تأزيم الامور حتى بين الاقباط والمسلمين هناك من خلال تضخيم الاحداث. كذلك الحال في العراق فابتدعوا تشكيل سمي وقتها "حماس العراق" ومؤخرا بالاموال السعودية ايضا تم تشكيل والترويج لما يسمى "جبهة انقاذ العراق" مستفيدين من تواجد بعض قادة الجيش العراقي السابق في دمشق من امثال الفريق صباح العجيلي معاون رئيس اركان الجيش والفريق نوري داود المشعل قائد الفيلق الثالث. جاء ذلك بالتنسيق مع بعض الوجوه السلفية من امثال عبد الناصر الجنابي عضو مجلس النواب والذي قدم استقالته مبررا فعله هذا بانضمامه الى "المقاومة" بينما تؤكد الاحداث ان استقالته جاءت على خلفية فتح ملفه من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي نظرا لارتباطاته بشبكات ارهابية تتخذ من القتل الطائفي والخطف والتفجير اساسا لاعمالها ومصدرا لتجميع الثروة!

اما تبني الاعلام السعودي للمخطط الامريكي فليس هناك مايدعو الى الشك ان هذا الاعلام اصبح رهينة واليد المطيعة لتنفيذ ماتريده الادارة الامريكية في المنطقة العربية بغض النظر عن كونها ديمقراطية كانت او جمهورية، وما تجربة الخلاف الايراني الامريكي حول التجربة النووية الايرانية الا واحدا من اعداد لاحصر لها من المخططات. فقد اخذ الاعلام السعودي على عاتقه في هذا المفصل تحديدا زمام المبادرة على تأزيم العلاقات العربية الايرانية وافشال اي تقارب بين العرب والايرانيين من شأنه ان يزيح ايا من مخلفات الماضي البغيض بحجة ان الخطر الايراني اعظم من الخطر الاسرائيلي.

اضف الى ذلك كله فان الاعلام السعودي يمارس تناقضا رهيبا يجعل من الانسان العربي عموما مصابا بانفصام الشخصية على اقل قول وتقدير فمن جانب الورع والتقى نجد العهر والمجون والفسق فاق في احايين كثيرة الفضائيات الغربية لدرجة صار فيها المتابع العربي مترحما على الفضائيات الغربية وبين ماتعرضه الفضائيات الممولة سعوديا.

 اما المرأة فحدث ولاحرج ففي الاعلام المرئي السعودي الخارجي صارت المرأة سلعة تجارية بكل ما للكلمة من معنى وفي الوقت الذي تمارس فيه لجان مايسمى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اعمال الورع فان هذا اللجان هي نفسها من يحمي الفضائيات السعودية التي تضج بهز الارداف والاكتاف فما دون في وقت لازالت تُمنع فيه المرأة السعودية في الداخل ممنوعة من قيادة السيارة، فهل بعد هذا الانفصام انفصام!

اخيرا تحاول السعودية جاهدة وبكل قواها السيطرة على الاعلام العربي من خلال البوابة اللبنانية مستغلة بذلك الخلاف اللبناني-السوري على بعض القضايا لذلك نرى حجم الضغوطات والتدخلات السعودية في الشأن اللبناني على غير العادة. كما انها تدرك تماما ان هزيمة حزب الله اللبناني يعني انكفاء ايران الاسلامية وسوريا العروبية معا وقتها فقط تكون الابواب مشرعة امام المارد الامريكي الذي يمهد ويسهل على حليفه الصهيوني مهمة اختراق العرب واحتلال ارض العرب وكل ذلك طبعا بمباركة السعودية وباموال النفط العربي ومن قوت الشعب العربي في نجد والحجاز وباقي المناطق في جزيرة العرب.

وفي الوقت الذي يتوجب فيه ان تستغل هذه الاموال لتطوير الانسان السعودي على اقل التقادير وتقوية الاقتصاد خصوصا في هذه الظروف التي تشهد فيها السوق النفطية تقدما كبيرا في حجم العائدات فلانرى الا مزيدا من التدهور والخضوع والخنوع بل ومزيدا من الابواب المشرعة امام الصهاينة ليدخلوا ارض العرب من البوابة السعودية ذات القوائم اللبنانية وهو امر مؤسف حقا ولا نقول اكثر فاللبيب بالاشارة يفهم.

* كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل

www.alhusaini.bravehost.com

شبكة النبأ المعلوماتية- االخميس  3/تموز/2008 - 29/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م