سعي عالمي الى مدن مستقبلية بلا كاربون

شبكة النبأ: رغم التفاؤل المفرط الذي تبديه العديد من الجهات الدولية والمعاهد البحثية حول امكانية التحول الى استخدام طاقة نظيفة بعيدا عن الملوِثات التي تفرزها الصناعة النفطية نجد ان الجهود الرامية لتحقيق ذلك الحلم لاتزال في مراحلها الاولى ولا تحظى سوى بالقليل من المبادرات الجدية الهادفة للتغيير، ومع ذلك فإن بناء مدن خالية من الانبعاثات السامة لن يكون حلما في المستقبل على ضوء تنامي الشعور بالحاجة الى مدن تكون نموذجاً للتناغم البيئي بإعتمادها الكامل على الطاقة المتجددة.

فعلى الطرف الشرقي لتشونجمينج اكبر جزيرة من الطمي في العالم والتي تقع عند مصب نهر يانجتسي ينتظر مراقبو الطيور بصبر من أجل نظرة على طائر الغرنوق او طائر الزقزاق وهي تحلق منطلقة من بين أعشاب الجزيرة.

وعلى بعد بضعة كيلومترات الى الجنوب الغربي في منطقة من بحيرات الاسماك والمستنقعات والارض الزراعية يخطط مطوِرون مدينة تتسع لما يصل الى 400 الف نسمة يأملون في أن تكون نموذجا للتناغم البيئي حيث تعتمد على الطاقة المتجددة بالكامل.

ولمدينة دونجتان البيئية في شنغهاي طموح نبيل بأن تصبح أول مدينة خالية من الكربون في العالم حيث ان تقديرات أخيرة أشارت الى أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة لتصبح اكبر دولة تصدر انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري.

لكن المشروع تأثر بسبب تأجيله اكثر من مرة والشكوك التي ثارت حول ما اذا كان سيصبح نموذجا للتمدن السريع في الصين او مجرد مجتمع أنيق للموظفين الاثرياء الحريصين على الهروب من الجو الملوث والزحام المروري في شنغهاي. بحسب رويترز.

وقال داي شينجيي الاستاذ بقسم علوم البيئة والهندسة في جامعة فودان بشنغهاي "مسألة اقامة مدينة خالية من الانبعاثات هي دعاية تجارية بحتة."وأضاف "لا يمكن أن نتوقع من تكنولوجيا ما أن توفر حياة تتسم بالرفاهية والراحة وتوفر الطاقة في نفس الوقت. هذا مجرد حلم."

وأقيمت عشرة توربينات تعمل بالرياح بالفعل على حدود المدينة التي ستعتمد على الطاقة من مصادر من بينها الرياح والطاقة الشمسية والغاز الحيوي الذي يستخرج من المخلفات المحلية.

وقال روجر وود المدير المساعد بمؤسسة اروب وهي مؤسسة استشارية مقرها لندن وقع عليها الاختيار لتصميم مشروع دونجتان "الفكرة هي أن الصين تنتقل من العصر الصناعي الى عصر الاهتمام بالبيئة."

وعملت اروب ايضا في بعض الاماكن المهمة لاولمبياد بكين من بينها الاستاد الوطني الذي يعرف على المستوى الشعبي باسم "عش الطير" والذي سيشهد حفل الافتتاح ومنافسات ألعاب القوى. ويرفض البعض خطة انشاء المدينة البيئية باعتبارها مكلفة بدرجة يتعذر معها تنفيذها.

وقال داي من جامعة فودان "انعدام الانبعاثات الحقيقي يمكن تحقيقه لكن بتكلفة باهظة. أشك في أن أي أحد سيرغب في دفع الاموال من أجله."

وسيكون سعر توليد الكهرباء من الرياح مثلي سعر استخدام الفحم على الاقل. ويمكن أن تكون الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية أغلى بعشرة أمثال.

وأحجمت اروب عن الكشف عن تكلفة مشروع المدينة البيئية لكن مسؤولا في شريكتها شنغهاي للاستثمارات الصناعية المملوكة للدولة قال ان تكلفة الانشاءات يمكن أن تزيد بنسبة تتراوح بين 30 و40 في المئة عن مشروع عادي للتنمية العقارية بنفس الحجم.

وجادل وود من مؤسسة اروب بأن هذه التكاليف سيجري تعويضها على المدى الطويل حين تصل المدينة الى الاكتفاء الذاتي من الطاقة. وأضاف أن الصداقة مع البيئة يجب أن تكون عملية وليس مجرد صورة يتم اضفاؤها على مشروع من مشاريع التنمية المعتادة. ومضى يقول "لا نريد المخادعة بأنها صديقة للبيئة. يجب أن يكون الامر حقيقيا."

وأرجيء انشاء المرحلة الاولى من المدينة البيئية من 2006 الى مطلع 2009 فيما انخفض عدد السكان المتصور لهذه المرحلة الى خمسة الاف نسمة وتقلص محور التركيز الرئيسي الى اقامة معهد أبحاث متصل بالبيئة.

أنصار المشروع يمتدحونه لجمعه بين تقنيات موفرة للطاقة قائمة بالفعل.

وقال تسينج شيلينج الاستاذ بقسم العمارة في جامعة تونججي في شنغهاي " دونجتان تستكشف سبلا جديدة للتمدن... اذا واصلنا بناء المدن بالطريقة التي كنا نتبعها فلن يكون هذا أمرا واقعيا."

ومدينة دونجتان البيئية التي تحظى بالاشادة بوصفها نموذجا للتمدن ستحتل مساحة 30 كيلومترا مربعا اي ما يوازي نصف مساحة مانهاتن وسيسكنها 400 الف نسمة عند الانتهاء منها بحلول عام 2050.

وتتصور اروب أن يعيش المزارعون والصيادون على مشارف المدينة ليمدوا سكانها بالمنتجات والمأكولات البحرية الطازجة.

لكن عند رصيف الصيادين حيث رست عشرات مراكب الصيد في عصر يوم عاصف لم يبد على الصيادين والباعة الحماس بشأن المشروع.

وقالت بان ميتشين (45 عاما) التي تدير متجرا صغيرا للبقالة مع زوجها "لن ننتقل الى تلك المدينة لاننا غير متعلمين ولن تكون لنا فائدة."

وتستغرق الرحلة الى تشونجمينج اليوم 40 دقيقة على الاقل باستخدام عبارة من أطراف شنغهاي ومن الممكن أن توقف العواصف حركة النقل تماما. ومن المقرر استكمال انشاء نفق وجسر في عام 2009 مما سيجعل الرحلات الى الجزيرة اكثر سرعة حيث يمكن الاعتماد عليهما بدرجة اكبر.

ويتكهن بعض الخبراء بأن تسهيل امكانية الوصول الى دونجتان سيحولها الى مجتمع للموظفين الاثرياء الذين ستجذبهم اليها مراسي الزوارق الموجودة بها اضافة الى هوائها ومائها النقيين.

وقال وليام ريس الاستاذ بجامعة بريتيش كولومبيا في رد بالبريد الالكتروني على أسئلة بشأن المشروع "سيتسم بالتالي بمستويات عالية من الاستهلاك الشخصي والبصمات البيئية للفرد."

وريس رائد في مجال تحليل البصمة البيئية والتي تقدر مساحة الاراضي وكم المياه التي يحتاجها السكان لانتاج الموارد التي يحتاجونها.

وهدف اروب هو ضمان أن تقل البصمة البيئية بنسبة 40 في المئة عما هو متعارف عليه في نموذج معتاد للتنمية العقارية.

واستقطبت خطة انشاء المدينة البيئية اهتماما واسعا على المستوى الدولي بعد أن شارك رئيس الوزراء البريطاني حينذاك توني بلير في حفل توقيع عقد تخطيط وتنمية دونجتان بين شركة شنغهاي للاستثمارات الصناعية واروب في 10 داوننج ستريت او مقر رئيس الوزراء البريطاني عام 2005 . وأشاد جوردون براون خليفة بلير بالمشروع بوصفه مثالا ناجحا على التعاون بين بريطانيا والصين.

وفي الوقت الذي يحتدم الجدل بشأن القيمة البيئية للمشروع يرى بعض الخبراء مثل هذه المدن البيئية على أنها مستقبل التنمية الحضرية. وأضاف ريس "مع تقبل مسألة أن التمدن في العالم النامي أمر لا مفر منه ربما يكون من الافضل بناء مدن بيئية صغيرة بدلا من المباني المعتادة منخفضة الفعالية والبنية التحتية الحضرية."

مكسيكو سيتي تزرع أسطح مبانيها لمحاربة التغير المناخي

من جهة ثانية بدأت مكسيكو سيتي وهي من أكثر عواصم العالم تلوثا في زراعة أسطح المباني العامة في اطار برنامج أطلق لمكافحة التغير المناخي.

وتعتزم المدينة التي يخنقها الدخان استبدال صهاريج الغاز وحبال الغسيل والاسفلت على مساحة 9300 متر مربع من الاسطح ذات الملكية العامة كل عام بالعشب والشجيرات التي من شأنها امتصاص ثاني أكسيد الكربون.

كما تنوي المدينة أيضا تقديم خصومات ضريبية للمؤسسات والافراد الذين يزرعون حدائق على أسطح مبانيهم الادارية والسكنية.

وتعهد رئيس بلدية المدينة المنتمي لليسار مارسيلو ابرارد بتخصيص مبلغ 5.5 مليار دولار خلال خمسة أعوام لتقليل انبعاثات الغازات الضارة في مكسيكو سيتي التي يبلغ عدد سكانها 20 مليون نسمة وعدد السيارات فيها أربع ملايين. وقال ابرارد في احتفال بتدشين الخطة البيئية "هذه ليست أهدافا ضبابية ..لدينا هدف واضح."

والهدف هو خفض انبعاثات الكربون بمقدار 4.4 مليون طن سنويا وهو جزء يسير من 643 مليون طن من الغاز تنبعث من كافة أنحاء المكسيك سنويا مما يجعلها بين أكبر الملوثين على مستوى العالم.

وشجع رئيس البلدية على ركوب الدراجات من خلال توفير طرق لها وبعض الطرق التي لا يسمح فيها بمرور السيارات في عطلة نهاية الاسبوع.

ويهدف برنامجه أيضا الى التخلص من الغازات التي تسبح فوق مدافن النفايات التي تفيض بما فيها كما يطلب انشاء خط جديد لقطار الانفاق ومزيد من الطرق السريعة للحافلات.

وحتى الان وضعت على سطح مبنيين تابعين لهيئة المواصلات العامة طبقة من التربة زرعت فيها الحشائش.

وعلى سطح مدرسة لابناء العاملين في قطارات الانفاق تحيط طرق مفروشة بالحصباء برقعة من العشب وحديقة صغيرة. وتنمو نباتات حول فتحات التهوية والمواسير.

ويقول عمال الصيانة ان الحفاظ على الحديقة مزدهرة أمر صعب تحت الشمس المكسيكية اللافحة لكنه يستحق العناء ولو كان فقط من أجل التلاميذ الذين يصعدون كل يوم للعب.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاربعاء  2/تموز/2008 - 28/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م