البناء الثقافي

برير السادة

تعتبر عملية البناء الثقافي من العمليات الصعبة والمعقدة لكونها معرفة سلوكية او على الاقل منتجة لسلوكيات معينة, وذلك لتفاعلها وتاثرها بمعطيات كثيرة, او لتقلبها في ادوار ومراحل عديدة.  وهو ما يستدعي مراجعة ومتابعة دقيقة لعملية البناء الثقافي خوفا من الانماط المشوهة التي تفرزها في حالات الخلل الجيني الثقافي او الاضطراب الهرموني المعرفي والمتمثل في الاشكال الثقافية العنيفة القائمة على القتل والاقصاء والتهميش.

كما يجب مراعاة انسجامها مع الواقع الحياتي, وعدم انشدادها الى خارج الدائرة الواقعية والوجودية للانسان, خوفا من ولادة الازدواجية الثقافية التي تمثل تراكمات معرفية غير مؤثرة وفاعلة في السلوك الانساني, فتظل بذلك المعاني الكبرى والافكار السامية صور فتوغرافية في ذاكرة ووجدان الانسان. الامر الذي يؤسس لصدام معرفي بين ما هو فطري وما هو مكتسب قد يؤدي الى انسحاب ونكوص او تغليب لطرف على اخر.

فلا يكفي في عملية البناء الثقافي البحث عن مصادر المعرفة والتزود منها بنهم لتوسيع القاعدة المعرفية, بل يجب البحث عن المصادر الاكثر تاثير في حياة ووجود الانسان,  فمن المهم رصد الانماط المعرفية الفاعلة في انتاج وبناء سلوك حضاري يتناسب مع الطيبيعة الانسانية والبشرية, لان الاحساس بعدمية الثقافة وهامشيتها يجعل منها مجرد نغمات واصدى عبثية يمكن اجترارها في الحافل المتنوعة دون ان تكون قادرة على البناء والتاسيس الحضاري.

فتصبح بذلك كل الممارسات الثقافية ممارسات شعاراتية بعيدة عن الواقع المعاش وان حملت كل المعاني الانسانية الجميلة, بل ربما استبطنت كل ما يدمر هذه المعاني كما في الشكل التاريخي المتمثل في فرقة الخوارج  " الحكم لله لا لك يا علي"

فمعرفة وتشخيص المكونات المعرفية مهم في علمية البناء الحضاري, وهو ما يسهل من رسم الشكل المؤسساتي والاجتماعي للامة ولو بصورة تنبى وحدس لمستقبل الامة, وقد راينا بعض افرازات ونتائج الانماط المعرفية القائمة على العنف والتكفير.

ونحن لا نشير للمصادر المعرفية بشكل دوغماتي ضمن الاطار المذهبي او الاممي, بل نترك الامر لاختيار المهتمين والمختصين انفتاحا وتعزيزا لخيار التعاون والتشارك وفي حدود ومعالم الكرامة الانسانية.

كما يجب ان يعزز البناء الثقافي فرص من القناعة بجدواه واثره على الواقع الحياتي للفرد والمجتمع, حتى يمثل نقطة اهتمام الناس وحبهم وتنافسهم في تكوينه وتبنيه كخيار استراتيجي وعامل من عوامل الاصلاح والبناء. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس  26/حزيران/2008 - 22/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م