الشاعر هادي الربيعي في حوار: لايمكن الإستهانة بما تحمله العولمة من مخاطر

 كربلاء - حاوره / تومان غازي

 

 - نحن نمتلك كنوزاً هائلة من معطيات الروح والحضارة

- أؤكد على وظيفة الرمز الأخلاقية

- لا يمكن الإستهانه بما تحمله العولمة من مخاطر

 

 

 

 

شبكة النبأ: أصدر الشاعر هادي الربيعي العديد من المجموعات الشعرية من بينها، البحث عن الزمن الأبيض، ارتحالات، العشاء الأخير، عالم الملائكة ومجموعات اخرى اضافة الى كتابته عشرات الدراسات والمقالات النقدية وله ترجمات عن حياته في العديد من الموسوعات العربيه والعراقية منها معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، معجم رجال الأدب والفكر في كربلاء وغيرها وفي هذا اللقاء نحاول ان نلقي الضوء على عالم الشاعر هادي الربيعي .

- بمن تأثرت من المتصوفة المسلمين؟

لااخفيك انني لم أقرأ الكثير بمعنى الابحار العميق في عوالم الصوفية والمتصوفين، ولكنني احمل قناعة راسخة بأن النفري والحلاج يقفان على رأس المتصوفة وما زال كتاب المواقف والمخاطبات يمثل باهميته صرحاً ثقافياً خالداً واذا كانت هناك ثمة صوفية في قصائدي فانها اشتعلت في داخلي دون التقاط شرارة خارجية فحين تتجاوز الخمسين من العمر او تتجاوز اعتاب الستين لابد ان يكون هناك موقف واضح امام السماء.

- هل هناك أوجه شبه بين تجربتك وبين تجربة اليوت؟

أولاً لامجال للمقارنة بيني وبين شاعر عملاق مثل اليوت، واعود الى سؤالك فاقول ان المدينة الأوربية كانت قد افزعت ايليوت بآلاتها واناسها المحشوين بالقش حتى تغلبت المادة على الروح، وأنا لا استطيع ان ادير ظهري للمدينة كما فعل ايليوت فهو نتاج حضارة اوربية يعمها الخراب الذي جسده بأبيداع خلاّق في قصيدته الرائعة ( الأرض الخراب) التي يعتبرها بعض النقاد قصيدة القرن العشرين لأهميتها، وفي بعض مسرحياته ايضاً وخاصة مسرحية ( جريمة قتل في الكاتدرائية )، اما نحن فلم نعانِ من هذا الخراب الروحي، لأننا نمتلك كنوزاً هائلة من كنوز الروح والحضارة قادرة على اسناد قاماتنا الأبداعية ونحن نمضي لنكتب عن الحياة ونواصل الكتابة لتستمر الحياة أو على الأدق لنستمر في الحياة من خلال الكتابة، ومهمة الشاعر لا تقف عند حدود تأمل العالم تأملاً ميتافيزيقاً مجرداً اذ لابد له ان يقف على الأرض بكل ما تحمله من قضايا ساخنة ليمارس فعالية وجوده على الأرض بتأثير اكبر.

- يعد ايليوت من الشعراء النقاد وأنت شاعر ذو ملكة نقدية فهل تأثرت بنقده؟

نعم.. لقد تأثرت بايليوت نقدياً واعتقد ان نظرية المعادل الموضوعي التي ارتبطت باسم ايليوت باعتباره مبدعها هي من اهم النظريات النقدية التي ظهرت في القرن العشرين من وجهة نظري وقد لعبت هذه النظرية دوراً هائلاً في ثقافة هذا القرن

- ما هو رأيك بالمدرسة الرمزية الفرنسية؟

المدرسة الرمزية الفرنسية تركت تأثيرها الكبير على معظم تيارات الشعر العالمي وقد وصل تأثيرها الى الشعر العربي ولا يمكن اغفال عبقريات شعرية مثل رامبو، ملارميه, بودلير وغيرهم وقد استطاع رامبو خلال اربع سنوات من عمره الشعري ان يهز العالم من اقصاه الى اقصاه وهذا ما لم يستطع انجازه اي شاعر على وجه الأرض حتى الآن، والجانب السيء الوحيد في الرمزية يكمن في كونها منطفئة على الحياة على الرغم من عبقرية ادائها الشعري على صعيد الفن، لقد استعمل الرمز لتدمير الحياة واحتقار القيم اجل كان انجاز الرمزية عظيماً، ولكن ما فائدة ذلك اذا استعمل لتدمير العالم وتدمير الشعراء لأنفسهم؟ لقد وصف نتاج لوتريامون بالتحرر لأن الشاعر تحرر من كل ما يضطهده في المجتمع فهو يلغي العائلة ويتنكر للاخلاق ويلغي الضمير ويجسد عنفوان الشر وقوة الموت.

- هل تؤكد على وظيفة الرمز الأخلاقية، ولماذا؟

لن تكون للإنسان قيمة حقيقية بوصفه انساناً إلا من خلال كفاحه ليكون فاعلاً تحت تأثير المعتقدات الأخلاقية التي تتكون تحتها مختلف العلاقات في المجتمع على نحو يسمح للافراد والشعوب ان تنمو وتتطور، لذلك يتوجب ان يتضمن الرمزالذي اشيده قيمة اخلاقية فضلاً عن الحرية التي لاترادف السكون وانما ترادف الحيوي المتحرك فأنا في حالة تغيير دائم لأنني اؤثر وأتاثر في نفس الوقت.

- ما هو موقفك من الدراما؟

قد يفاجأ حتى من يعرفني انني بدأت جانبا من حياتي في عالم المسرح، وقد أعد الأستاذ سالم الزيدي وهو واحد من اهم المسرحيين كتابا عن الحركة المسرحية في محافظة ديالى وسوف تجد انني واحد ممن اسهموا في مسيرة المسرح في هذه المحافظة ضمن مرحلة التجديد المسرحي، لقد كتبت مسرحيات مثلت على خشبة المسرح ولكنها ضاعت الى الأبد وقد قمنا بانشاء فرقة المسرح الحر في بعقوبة وكان يشرف على مركزها الرئيسي الفنان الكبير جاسم العبودي اذكر انني كتبت مسرحية بعنوان ( فلوس ) فقدت كما فقد اي عمل مسرحي آخر،وقد اخرج لي هذه المسرحية الفنان جبلة العزاوي الذي لا اعرف اين قذف به الزمن وقد عمل فترة في اخراخ البرنامج التلفزيوني المعروف ( العلم لجميع ) الذي كان يقدمه كامل الدباغ، اعددت ايضا سيناريواذاعي لعدد من الروايات العراقية تم تمثيلها وآخر ما اعددته مسلسل اذاعي قدم من اذاعة كربلاء اخرجه الفنان محمد صكر ومثله عددمن الممثلين منهم ستار البصري، عبد الجبار الشرقاوي، وجدان الأديب وغيرهم وسأبوح لك بسر قد تراه غريبا , لاشيء يسعدني اكثر من كتابة السيناريو ولكن المؤسف انني لا اجد الوقت لكتابة السيناريولكثرة المشاغل وتوزع الأهتمامات في وقت يحتاج فيه السيناريو الى تفرغ كامل بعيد عن اية اهتمامات اخرى ,, الحقيقة ان السيناريو هو عالمي الساحر الذي اتمنى ان اتوغل فيه ولكن.. ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، فقد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

- ماذا يعني سقوط المعسكر الأشتراكي لك؟

ما يصلح للانسان بوصفه جسداً وروحاً لا يسقط ولكن الذي يسقط هو اشكال الوعي التي تحاول ان تحول الانسان الى آلة ليفرض هذه الأشكال بإعتبارها قوانين ثابتة لا تمتلك المرونة مع متغيرات الحياة، كان ثمة خلل تحول الى كارثة, واعتقد ان التقدميين في العالم يتجاوزن هذا الخلل مستفيدين من اخطاء الماضي وتجاربه المريرة أما أنا.. فقد آمنت بأن كتاب الله هو الوحيد القادر على منحي سعادة الروح في رحلة الحياة الزائلة.

- ما رأيك بالعولمة؟

لقد ضربت الآن على اكثر الأوتار حساسية واقول لك اذا كانت العولمة كما يعرفها البعض هي آيديولوجية اللبرالية الجديدة وفق النظام الأمريكي فأنها غير منفصلة عن النظام الرأسمالي بكل سلبياته الأستغلالية والأحتكارية وهدفها تحويل العالم الى عالم يهتم بالاقتصاد اكثر من اهتمامه بأي أمر حياتي آخر بما في ذلك القيم وألأخلاق الأنسانية التي يتم استهداف تراجعها لاستبدالها بالقيم النفعية المتصلة بالعلاقات السلعية والربحية وتحويل الأفراد الى مستهلكين للسلع والخدمات التي تروج على نطاق عالمي عبر شركات عملاقة وشبكات عابرة للقارات.

 ولقد فتحت العولمة آفاقا علمية وتكنولوجية قد تتيح للدول ان تستفيد منها ومن منجزاتها الا اننا يجب ان نضع في حساباتنا ان مخاطر العولمة مخاطر لا يستهان بها لأنها توظف كل امكاناتها الهائلة الأقتصادية والعلمية والعسكرية للهيمنة على الشعوب في ظل غياب القيود الأخلاقية واذا كانت العولمة حتمية تأريخية فأنها لا تستطيع ان تلغي قدراتنا على الصمود في وجه تيارها الجارف ومكمن قدراتنا يكمن في استيعاب هذه الظاهرة استيعاباً فكرياً وسياسياً واقتصادياً عميقاً وعند ذلك تتفتح السبل التي تؤدي الى الحد من فاعليتها التدميرية ومن ثم تتفتح فرصة لتعديل اتجاهاتها ومساراتها بما يؤدي الى البناء وليس الى التدمير واخطر ما في هذا الموضوع ان الكارثة تحتوينا ومع ذلك يسير الجميع وكأن شيئاً لم يكن واعتقد انها فرصة لأن نشير ان علينا ان ننتبه الى ما يحيط بنا من كوارث واوراق سرية تستهدف وجودنا ومعتقداتنا وقيمنا الأخلاقية والروحية.

- تشغل قصيدة النثر في العراق حيزاً كبيراً في الساحة الشعرية، ما رأيك بقصيدة النثر؟

قصيدة النثر من وجهة نظري هي اصعب انواع الكتابة الشعرية، لأنها تفترض وجود طاقة ابداعية عالية الأداء، ومن لم يمتلك خلفية راسخة يصعب عليه التوغل في المياه العميقة لقصيدة النثر ويبقى سابحاً في مياه الشواطيء الضحلة اما اولئك الذين يعلنون القطيعة المعرفية مع المرجعيات الثقافية بادعاء الحداثة الشعرية فعليهم ان يعيدوا النظر في وجهات نظرهم فالحداثة ليست الغاء ثقافة الماضي بل الأمساك بافضل ما فيه للانطلاق الى الى الآفاق الجديدة باضافة بصمات جديدة لهذه الثقافة وما من شيء يولد من العدم فقصيدة النثر تعبر عما لا يمكن التعبير عنه بالأشكال الشعرية الأخرى لأنها تفتح الأفق الأوسع امام حرية حركة المبدع للتحليق في سماوات غير مألوفة وليست مجرد ظاهرة يواكبها الشاعر لكي يُقال عنه انه مجدد.

أما عن مدى شرعية قصيدة النثر فمن المؤكد انها اصبحت ظاهرة كبيرة في الشعرية العراقية المعاصرة وما دمنا نؤمن بحركة التطور في الأشياء في شتى مجالات الحياة فعلينا ان نؤمن بأنها اصبحت واحدة من الحقائق الكبيرة في حياتنا الثقافية وان قصيدة النثر جزء لا يتجزأ من مسيرة التطور الأنساني وشرعيتها تكمن في كونها تمتلك قدرة الأختراق لحاجز الرتابة واطلاق العنان للمبدع لكي يتفق شعرياً وايقاعياً بما يتناسق مع حركةالعصر وايقاعه وهذا بحد ذاته يُعتبر انجازاً اذا احسن المبدع استخدامه ولهذا فان قصيدة النثر تحتاج الى شاعر كبير الموهبة بأمكانه تعويض الأيقاعات المألوفة بايقاعات اخرى قادرة على اثارة الدهشة الشعرية، واعتقد ان المرحلة الحالية بأمس الحاجة الى حركة نقدية جادة ورصينة عليها ان تثبت حيوية اشتغالها لتفرز ما هو شعر حقيقي وما هو هراء شعري.

- ترد نورندا في معظم قصائدك هل لك ان تحدثنا عنها؟

كانت مجموعتي الشعرية الثانية ( البحث عن الزمن الأبيض) محاولة جادة لتفهم اسرار العملية الإبداعية امام مجموعة ارتحالات، فهي التي بدأت فيها بترصين تجربتي الشعرية، وفيها وُلِدت اسطورةُ وهمي، نورَندا، التي اتسعت لتمتلك عالمي الشعري بأسره فيما بعد.

وفي هذه المرحلة بدأت رحلة التأمل في الموضوع الشعري وتكثيف الصورة الشعرية في اصغر حيز من الكلمات وفي مجموعة ( نقوش على نصب الشهيد) بدأت بتوسيع مديات الرؤيا لهذه الأسطورة التي بدأت أراها حقيقية اكثر من اشياء حقيقية كثيرة لها وجودها الملموس، وجاءت مجموعة العشاء الأخير ثم مجموعة عالم الملائكة لتضيفا اتساعاً آخر، وتكوينات لونية جديدة تزيد من اتساع الرؤية الشعرية لهذه الأسطورة وترسخ حقيقة وجودها في تجربتي الشعرية وهكذا يتوضح ان على من يبحر الى جزيرتي عليه ان يجمع اولاً اجزائي المتناثرة في هذه المجاميع ومن خلال هذا الكل المتناسق يستطيع ان يصل الى ايقاع الكون العميق المنعكس على مرآة تجربتي الشعرية وهو يعبر بظلاله فوق وهم اقامتي على الأرض.

 ومن يسأل عن نورَندا اقول له: أنت يا من تبحث عن نورندا في السهول والوديان والمرتفعات الجبلية العالية، في الأوراق القديمة وضفاف الأنهار.. حين تصغي لهمس الأشجار.. وهمس الجداول.. حين تصغي لعصف الرياح وهزيم الرعود والتقاط ضوء البروق وسقوط الأمطار وهمس النخيل عبر الأحقاب.. حين تصغي لحشرجة عجوز يحتضر وصرخة طفل يولد وهي تشق صمت الفجر العميق، وحين تقف على الجبل في ساعات الفجر الأولى لتشرق الشمس في ذاتك، سأعرف ان قد وجدت منديلاً مطرزاً بالمحبة من مناديل نورندا، التي تبعثرها فوق هذا العالم وهي تواصل تجوالها المضيء في ليل الأرض، وعندها ربما تنهض فيك نورنداك، وهذا ما تريده نورندا.. من هدف وجودها.. على الأرض.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس  26/حزيران/2008 - 22/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م