لماذا لا يتقدم الإصلاح السياسي في الكويت؟

أحمد شهاب

خلال الأعوام العشرة المنصرمة، تم تغيير أعضاء في الحكومة، أو الحكومة برمتها مرات عديدة، كما تعرض مجلس الأمة لأكثر من حل، حتى أخذ الناس في التساؤل عن موعد الحل المقبل، وهل سيكون الحل المقبل كذلك دستوريا، أو سيلجأ أمير البلاد إلى الحل غير الدستوري؟ وبعدما جرت العادة أن يستفهم الناس: ماذا قدم المجلس في دورته التشريعية الفائتة، أو ماذا يستطيع أن يقدم الأعضاء في المرحلة المقبلة؟ بدؤوا يتساءلون في أي شهر سيتم الحل الآتي؟ والأمر لا يختلف بالنسبة إلى الحكومة، فالوزراء الجدد لا ينتظر الناس تقييم أدائهم، بقدر ما ينتظرون متى تحين لحظة استجوابهم، أو لحظة إعفائهم من مناصبهم؟

ولعل الجميع يُبدي استغرابه من أسباب استمرار التضعضع السياسي، وتنامي حالة الاحتقان السياسي في البلد، فعلى الرغم من كل الجهود التي تبديها الأطراف السياسية، والمرونة أحيانا التي تظهرها الحكومة، إلا أن شيئا لم يتغير إلى الأحسن على ارض الواقع، فلا تزال حالة اللاستقرار هي السائدة، والتوتر في العلاقات السياسية، هو سيد الموقف، ولم يخف بعض المتابعين خشيته من وجود عناصر داخل النظام تفتعل الأزمات من أجل تحقيق غايات كبرى على حساب المصلحة الوطنية.

هذا التشكيك له ما يبرره في نظر أصحابه، فمن غير المنطقي أن تُطفأ الحرائق السياسية بحرائق أخرى أكبر وأوسع، إلا إذا كانت ثمة إرادات ومصالح خفية تقف خلف تلك الحرائق وتدعم استمرارها، نحن نعلم مثلا أن الأنظمة العربية تفتقر للحنكة السياسية، وخبرتها السياسية متواضعة، لكننا في المقابل نعرف أن البلد لا يخلو من أهل الحكمة والرأي السديد، فأين يقف هؤلاء من هذه الأوضاع؟

حاصل الإجابة عن هذا السؤال، هو «مدخل الإصلاح» حسب ما أظن، إذ إن أغلب الذين يتم إدخالهم في العمل السياسي كمسؤولين، أو كمستشارين، لا يتم انتخابهم من طبقة الإصلاحيين، إلا في مرات نادرة أواستثنائية. والسائد أن الطبقة المختارة عند الدولة تنحصر في الفئات التي يكون بمقدورها أن تحقق معادلات محددة سلفا في الأجندة الحكومية، من خلال ارتباط مصالحهم بالحكم، أو لأن انتماءاتهم الاجتماعية، أو الدينية تدفع في اتجاه تحقيق تلك الأجندة، وهي أجندة لها علاقة بمستقبل الحكومة، لكنها في الغالب منفصلة عن مستقبل المجتمع.

هذه الشبكة المعقدة من الارتباطات والمصالح التي تحكم اختيار المسؤولين في الأنظمة العربية بصورة عامة، تلعب دورا أساسيا في إحباط الإصلاحيين وانسحابهم من مجهود الإصلاح، وبدلا من أن يضع هؤلاء خبراتهم المعرفية لتطوير الأداء السياسي، والمساهمة في مشروع النهوض الوطني، ينكفئ أغلبهم على ذاته، ويكتفي بالتذمر من غياب التقدير، والشكوى من محاربة الدولة للكفاءات الوطنية، وهي شكوى صحيحة، لكنها في النتيجة تظل مجرد صيحة في واد، كما يقول الكواكبي.

لا أخفي أن ثمة تراكما وخبرة سياسية تكونت لدى الأنظمة العربية خلال سنوات من الممارسة السياسية، أهّلتها لإدارة بلدانها إلى هذا اليوم، وهي خبرة عملية تراكمت بفعل الزمن، لكنها وللأسف ليست خبرة معرفية على الإطلاق، فهي لا تقوم على المعرفة، ولم يُثبت أي نظام عربي، والأنظمة الخليجية من ضمنها، أنه في مستوى تحديات العصر، أو انه قادر على النهوض ببلاده إلى درجات متقدمة، على رغم أن العلم أصبح سلعة الحداثة الرائجة، ولم تعد حكرا على طرف دون الآخر.

بل على النقيض من ذلك، تؤكد الدراسات الخاصة بالمنطقة، أن أحد أكبر مواطن الخلل في البلدان العربية، يكمن في طبيعة أنظمتها المغلقة والمعادية للانفتاح السياسي والمعرفي. ويصدق وصف الباحثين المختصين للأنظمة السياسية العربية والخليجية بالخصوص بالتجمد، والتقليدية، وغياب المعرفة عن حقولها الإدارية والسياسية، حيث لا يزال أغلبها يدور في حلقات مفرغة من الأزمات والصراعات السياسية والاجتماعية، ويلجأ هذا الأغلب إلى استخدام أساليب قديمة لحل أوضاع وأوجاع سياسية حديثة، ويحارب العلم فقط، لكونه كاشفا موضوعيا للحقائق، ويعمل على تغييب المعلومات الدقيقة عن أصحاب الاختصاص، على رغم حاجتهم الماسة إليها، ويحارب رجال الإصلاح، على رغم نواياهم الحسنة، ويستبعد أكبر العقول وأثقلها من أهم القطاعات، لأنها لا تنتمي إلى هذه القبيلة، أو تلك العائلة.

إن كل قطاع من قطاعات الدولة يئن بالكثير من الأزمات والمشكلات، ومن المتوقع أن يقع أي مسؤول في أخطاء نتيجة حجم التحديات والمشكلات التي سوف تواجهه بحكم وظيفته وموقعه القيادي، لكن الفرق بين المسؤول التقليدي، صاحب الخبرة العملية، والمسؤول الإصلاحي، صاحب الخبرة المعرفية، أن الأول يكتفي بمواجهة الأزمات التي تمر بالبلاد بكونها دقيقة وحساسة، وان الظروف الاستثنائية والخطيرة تلعب دورا في تأجيجها، لكنه لا يقدم على أرض الواقع أي حلول حقيقية، بقدر ما يعيد هذه الاسطوانة المشروخة.

أما الثاني فيمتلك القدرة على مواكبة الأزمة عبر مواكبة الزمن الجديد ومتطلباته، فيقدم أجوبة حديثة وحلولا غير تقليدية للظروف المختلفة.

إذا أردنا أن نخرج من حلقة الجمود السياسي، وتحريك مشروع الإصلاح، فيجب أن نبحث عن رجال الإصلاح بصفتهم الأكفأ على إدارته، لقد جربت دولنا ولا زالت تجرب توزيع المناصب حسب الانتماءات الطائفية أو القبلية، وجربت انتخاب رجال الزمن الماضي لإدارة الزمن الحاضر، بصفتهم أهل الخبرة والتجربة، واكتشفت مساوئهم وعيوبهم، وهي مدعوة اليوم أن تبادر وتجرب انتخاب رجالها من طبقة الإصلاحيين المعززين بالخبرة العملية والمعرفية معا، رجال الزمن الحاضر، وسيكتشفون لاحقا أنهم يتقدمون بخطى واثقة نحو بناء نظام سياسي حديث أقرب إلى روح العصر، وأقدر على تحقيق متطلبات التنمية، وأنهم تأخروا كثيرا في اختيار الطريق.

* كاتب كويتي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت  21/حزيران/2008 - 17/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م