حُمّى بغداد تصيب واشنطن!

 

شبكة النبأ: بينما لا تزال قضية الحرب في العراق هي الشغل الشاغل والهم الاكبر في السياسة الامريكية الخارجية وكذلك العنصر المهم في حملة انتخابات الرئاسة  الامريكية، اصبحت قضايا تتعلق بالحريات المدنية وإنسيابية مهام الموارد البشرية في امريكا تتأثر بشكل متزايد بما يجري على الارض في بغداد من قطع للطرق ونصب نقاط تفتيش دائمة ومؤقتة، الامر الذي جعل العديد من الجهات الحكومية وغيرها تحذر من تصاعد التجاوزات على الحريات المدنية والمضايقات والعراقيل التي قد تسببها الاجراءات الاحترازية الامنية خاصة في العاصمة واشنطن.

"أهلاً بكم في بغداد دى سى". هكذا وصف أحد أعضاء الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، الإجراءات الأمنية الجديدة التي أعلنتها رئيسة شرطة العاصمة الأمريكية كاثى لانير، بدعم من عمدة المدينة أدريان فنتى، والتي جاءت كرد فعل على ارتفاع معدل جرائم القتل التي شهدتها العاصمة، خاصةً فى الجزء الشمالي الشرقي، وبالأخص فى حي ترينيداد، والتي شهدت منذ مطلع شهر أبريل سبع حوادث قتل و16 حادثة سرقة وعشرين اعتداء بالأسلحة الخطيرة. بحسب موقع تقرير واشنطن.

وقد أحدثت الإجراءات جدلاً كبيراً، مابين مدافع عنها ويراها ضرورية للحد من معدل جرائم القتل، وما بين من يرى فيها انتهاكاً لحقوق الإفراد من ناحية، وأمراً غير مجدي من ناحية أخرى.

المبادرة الأمنية الجديدة

كان المبرر الأساسي الذي ساقته رئيسة الشرطة كاثى لانير لهذه الإجراءات يتمثل فى ارتفاع معدل جرائم القتل التي شهدتها العاصمة، فقد كانت حصيلة القتلى فى العام الحالي (2008) نتيجة لهذه الجرائم حوالي 73 قتيلاً، رغم أن هذا الرقم مماثل لنفس عدد جرائم القتل فى العام الماضي 2007 التي شهدتها نفس الفترة، لكن الجزء الشمالي الشرقي من العاصمة قد شهد وحده 22 جريمة قتل هذا العام، وهو رقم يفوق عدد جرائم القتل التي شهدتها تلك المنطقة طوال العام الماضي كله، ومما زاد من خطورة الأمر الحادثة الأخيرة فى المنطقة التي قتل فيها ثمانية أشخاص، وجرح ثمانية آخرين. وقد شهد عام 2007 ذاته زيادة في جرائم القتل بالعاصمة، حيث وصلت إلى 181 مقارنة بـ 169 عام 2006.

نقاط تفتيش وحظر مرور

ونتيجة لارتفاع معدل جرائم القتل، وخاصة فى المقاطعة التي تتبعها ترينيداد، أطلقت شرطة واشنطن مبادرة تهدف إلى جعل الحي منطقة آمنة، يُطلق عليهاNeighborhood Safety Zone initiative ، تنصب الشرطة بموجبها عدة نقاط للتفتيش، وخاصة على مدخل مدينة مونتيللو، وستستمر الإجراءات الجديدة التي بدأت مساء السبت 7 يونيو الماضي – طبقا لرئيسة الشرطة- لمدة خمسة أيام ويمكن مدها خمسة أيام أخرى.

والجديد فى نقاط التفتيش هذه أنه ورغم أن العديد من نقاط التفتيش تُستخدم كأداة لمكافحة جرائم القتل فى مدن أخرى عبر الولايات المتحدة، وخاصة فى "الأماكن الساخنة"، إلا أن نقاط التفتيش الأخرى لم تكن لها صلاحية عدم السماح بمرور السيارات وإجبارها على العودة من حيث أتت، كما تفعل نقاط التفتيش الحالية فى الجزء الشمال الشرقي من العاصمة.

العاصمة تحت الحصار

ومن خلال نقاط التفتيش هذه يقوم ضباط الشرطة بعدة إجراءات تشتمل على فحص هوية قادة السيارات، والتحقق عن سبب تواجدهم فى منطقة ترينيداد- مثل كونهم من سكان المكان أو أي أسباب أخرى مثل الذهاب إلى الطبيب أو إلى الكنيسة أو زيارة الأصدقاء والأقارب- وإذا لم توجد مثل هذه الأسباب لن يُسمح لهم بدخول المنطقة.

وستقوم الشرطة أيضا بتفتيش السيارات فى حالة الاشتباه فى وجود أسلحة أو مخدرات بداخلها، وسيتم القبض على كل من لا يُبدى تعاوناً مع الشرطة بتهمة الفشل فى طاعة أوامر ضابط الشرطة.

كما يتم تسجيل كل أرقام لوحات السيارات التي تمر من نقاط التفتيش ويتم التحقق من عناوين المقيمين وسؤال الآخرين عن أرقام تليفونات أقاربهم الذين يعتزمون زيارتهم، حسبما ذكرت كاثى.

وبالفعل بدأت الشرطة مساء السبت (7 يونيو) فى تنفيذ هذه الخطة الأمنية الجديدة، واستخدمت الشرطة نقاط التفتيش لتقييد الدخول إلى الطرق الرئيسية لمدينة ترينيداد، وقامت بتوقيف سائقي السيارات وفحصت هوياتهم، وهؤلاء الذين لم يكن لديهم "سبب شرعي" "legitimate purpose" للتواجد فى المنطقة لم يُسمح لهم بالدخول. حيث لم تسمح الشرطة فى اليوم الأول لحوالي 50 سيارة بالعبور، وكذلك لـ 26 سائق سيارة لم يعطوا الأسباب الكافية للمرور إلى ترينيداد، ولم تشهد ترينيداد أي إطلاق نار خلال عطلة نهاية الأسبوع، الأمر الذي اعتبرته الشرطة مؤشراً على نجاح المبادرة الأمنية الجديدة.

جدل حول المبادرة الأمنية

تفاوتت الآراء حول الإجراءات الأمنية الجديدة ما بين داعم لها ومتحفظ عليها، فقد دافع العمدة ورئيسة الشرطة عن هذه الإجراءات رغم اعترافهما أن إجراءاتها مشددة، إلا أنهما اعتبراها تكتيكاً ضرورياًً لمواجهة الارتفاع الملحوظ فى جرائم القتل التي تشهدها المنطقة.

ودافع العمدة عن القرار قائلاً "لقد أمضيت فى الوظيفة العامة سبع سنوات حتى الآن، ولقد عشت فى المقاطعة طوال حياتي، وما يقوله السكان هنا أنهم يريدون أن يشعروا بالأمان فى أحيائهم، والطريقة الأولى لجعل السكان آمنين هي الإجراءات التي تتخذها الشرطة".

أما رئيسة الشرطة كاثى لانير فقد استبقت الانتقادات فى المؤتمر الصحفي الذي أعلنت فيه عن الخطة الأمنية الجديدة، حيث قالت "إنه أمر مضحك، فنحن نضع نقاط التفتيش حول المباني الفيدرالية طوال الوقت من أجل الأحداث الهامة ولا أحد يهتم، والآن وفى الوقت الذي نريد فيه وضع هذه النقاط من أجل إيقاف إطلاق النار والعنف فى أحيائنا، يبدو الأمر وكأنه شيء غير معقول".

وأضافت "لقد ظللنا نفعلها لسنوات حول المباني الفيدرالية باسم مكافحة الإرهاب، وإذا كان الذي يحدث فى أحيائنا لا يمكن تصنيفه كمبرر لهذه الإجراءات، فأنا لا أعرف أي شيء آخر يُعتبر مبرراً لها"، وقالت إن المبادرة الجديدة مجرد أداة أخرى لوقف الجرائم قبل حدوثها.

أما مدعى عام المقاطعة بيتر نيكلس فقد قدم عدة مبررات هو الآخر، حيث نفى أن تنتهك نقاط التفتيش هذه حقوق المواطنين، كما أنها ستساعد سكان الحي "المروعين" بواسطة العنف الإجرامي على استعادة حياتهم الطبيعية مرة أخرى، إلى جانب أن مثل هذه المبادرات تم قبولها من قبل المحاكم الفيدرالية كممارسات قانونية ودستورية لإنفاذ القانون، كما أن الضباط المشاركين تدربوا جيداً على هذه المهمة، فضلاً عن أن الهدف من ذلك هو محدد ومدته قصيرة، وبالإضافة إلى ما سبق فقد شهدت مثل هذه الإجراءات منذ عدة سنوات وأيدتها المحكمة.

بل وأعلن نيكلس عن استعداده لخوض معركة قضائية من أجل هذا الأمر، حيث اعتبر التدابير التي اتخذتها الشرطة دستورية تماماً، وسوف تؤيدها المحاكم، وقال "نحن لدينا دعم المدعى العام الأمريكي، وهذا يُعتبر علاج غير عادي لفترة غير عادية من انتشار الذعر، ولذلك فنحن ندعم رئيس الشرطة بشكل كامل".

الإجراءات تنتهك حقوق الأفراد

وعلى الجانب الآخر، يُشكك المنتقدين فى فاعلية وقانونية الإجراءات التي تتخذها الشرطة، فقد عبر مساعد المدعى العام برادلي وينشايمر عن قلقه من هذا الأمر، كما أن البعض يُشكك فى فاعلية مثل هذه الإجراءات التي تتخذها شرطة العاصمة، حيث يرى أن مثل هذه الإجراءات عادةً ما تبدأ بشعارات مثيرة للجدل ولا تنفذ تنفيذاً كاملاً.

كما أنها لا تختلف كثيراً عن الخطة الأمنية التي كانت قد اعتمدتها الشرطة منذ عدة أشهر والتي أطلق عليها "منازل آمنة"، حيث كان رجال الشرطة يطرقون أبواب الأمريكيين فى الأماكن التي تشهد معدلات جريمة عالية، ويطلبوا إذنهم للبحث عن أسلحة، ولكن سرعان ما تراجع العمدة ورئيسة الشرطة عن هذه الخطة.

وبرز الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية كأبرز المتحفظين على هذه الإجراءات، حيث أعلن أنه سيراقب نقاط التفتيش ويتحدث إلى سائقي السيارات.

كما صرح جوني بيرنز، المدير التنفيذي لمكتب الاتحاد فى واشنطن، أنه سيتواجد هناك، وأن مجموعات من المحامين، يتجاوزون العشرين محامياً، وعدداً من طلاب القانون يراقبون نقاط التفتيش ويسألوا الذين لم يُسمح لهم بالمرور حول مدى تعرض حقوقهم للانتهاك.

وحذر بيرنز قائلاً "من واجبنا عدم تحويل ترينيداد إلى بغداد، وقد نبهت المحاكم أكثر من مرة أن الحق فى أن يتصرف الإنسان بحرية ويترك وحده حق هام جداً بل هو أهم حق يمتلكه الإنسان" وأضاف" لا يجب أن يتحول الدستور وإعلان الحقوق إلى الضحية التالية لعنف الشوارع".

وانتقد الإجراءات قائلاً "هذه الخطة ستعامل كل مقيم فى المنطقة بنفس الطريقة التي يُعامل بها المجرمون"، وأضاف "يبدو أنهم راغبون فى تنحية الحقوق الدستورية جانباً من أجل حلول سريعة وإنفاذ كسول للقانون".

وعبر أرت سبتزر، المدير القانوني للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية فى العاصمة الوطنية، عن الموقف بتهكم قائلا " أهلا بكم فى بغداد دى سى"، وانتقد الإجراءات بشدة قائلاً "فى هذه البلاد لا يحتاج المرء إلى أوراق للهوية، أو أن يعطى تفسيراً عن سبب رغبته فى التحرك من حي إلى آخر".

وفسر سبتزر ما يحدث بأنه مجرد طريقة تُرى بها الشرطة الناس أنها تتحرك، بعد عطلة نهاية أسبوع دامية شهدت مقتل ثمانية أفراد.

واعتبر فيل منديلسون، عضو مجلس العاصمة، الإجراءات غير قانونية، حيث قال أن "توقيف الناس الأبرياء، وطلب أوراق الهوية، وسؤال الأشخاص عن تقديم شرح حول أنفسهم يعتبر أمراً غير قانوني".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء  17/حزيران/2008 - 13/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م