القضاء التركي العلماني يحكم بقتل الحجاب وموت الحريات المدنية

شبكة النبأ: في دفاعه عن الحريات الفردية ولاسيما حرية الحجاب داخل الجامعات التركية، خسر حزب العدالة والتنمية ذا الجذور الإسلامية، معركته مع القضاء التركي هذه القضية، كما مرجح ان يخسر قضيته القادمة في إيقاف الحزب عن نشاطه مع اعضاء بارزين فيه، ولمدة تتراوح بين الخمس سنوات.

وعدت بعض المنظمات الدولية هذه الخطوة من قبل القضاء التركي بأنها خطوة نحو سحق الحريات الفردية والدينية، خاصة في مجتمع يغلب عليه الطابع الاسلامي الديني أو العرفي الذي يتخذ من الحجاب ليس فقط رمزا دينيا وإنما تقليد عرفي.

(شبكة النبأ) في سياق هذا التقرير تسلط الضوء على نتائج الحكم في قضية الحجاب داخل الجامعات التركية، مع عرض لردود أفعال كبار حزب العدالة والتنمية الحاكم، وبعض المخاوف والقلق الدولي من تنامي ظاهرة الخرق التام للحريات في تركيا تحت مسمى الحفاظ على شكل العلمانية التركية:

المحكمة الدستورية التركية تلغي قانونا يسمح بارتداء الحجاب

اعلنت المحكمة الدستورية التركية رفضها ارتداء الحجاب في الجامعات في حكم ذي دلالة يمكن ان يمهد لمنع حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي سبق ان دافع عن قراره هذا رغم الانتقادات.

وقام احد عشر قاضيا طوال سبع ساعات بمناقشة طلب تقدمت به المعارضة العلمانية والغوا تعديلا دستوريا مثيرا للجدل سبق ان اقره البرلمان في شباط/فبراير ويسمح بارتداء الحجاب في الجامعات.

واورد بيان صدر عن المحكمة ان التعديل يتعارض واحكام الدستور الذي ينص على ان تركيا جمهورية علمانية وان هذا المبدأ غير قابل للتعديل.

ويشكل هذا الحكم اسوأ سيناريو لحزب العدالة والتنمية المنبثق من التيار الاسلامي والذي يتولى الحكم منذ العام 2002 كونه قد يشكل تمهيدا لحل هذا الحزب الذي اثار انقساما في المجتمع التركي عبر سماحه بارتداء الحجاب في الجامعات رغم استياء المعسكر العلماني.

وقال متحدث باسم الحزب ان الحكم "مخالف للدستور" معتبرا انه لا يحق للقضاة اصدار قرارهم الا حول شكل التعديل ملمحا الى ان القرار سياسي اكثر منه قانونيا.

وصرح بكر بوزداق نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية لمحطة "ان تي في" التلفزيونية ان: المحكمة تجاوزت وظيفتها ولن يملك البرلمان بعد الان تاليا صلاحية القيام بتعديلات دستورية. بحسب فرانس برس.

ويتوقع ان يبت القضاة انفسهم خلال الاشهر المقبلة اجراء منفصلا يطالب بحظر حزب العدالة والتنمية بتهمة ممارسات تناقض العلمانية في تركيا التي يدين سكانها بالاسلام في نظام علماني.

ويشكل قرار السماح بارتداء الحجاب في الجامعات احدى الحجج الاساسية لمدعي محكمة التمييز الذي طالب في اذار/مارس بحظر حزب العدالة والتنمية ومنع 71 من اعضائه من ممارسة السياسة لخمسة اعوام في مقدمتهم رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان.

وقال المحلل السياسي والصحافي روسن جاكير لمحطة ان تي في، ان: هذا الحكم سيكون له تأثير نفسي على آلية الحظر هذا امر مؤكد.

ولتبرير اقرار التعديل في البرلمان اعلن الحزب ان منع ارتداء الحجاب يتنافى مع حرية التعبير والحق في التعلم. وسبق للمحكمة ان اتخذت قرارين ضد السماح بارتداء الحجاب في الجامعات.

وكان مجلس الدولة التركية والمحكمة الاوروبية لحقوق الانسان ابقيا على منع ارتداء الحجاب في الجامعات.

ورغم التعديل الدستوري لم تسمح غالبية الجامعات بارتداء الحجاب معتبرة ان على البرلمان ان يصادق على قوانين مفصلة حول الثياب المسموح بارتدائها.

وغطاء الرأس الاكثر رواجا في تركيا هو المنديل الذي يربط تحت الذقن والرائج خصوصا في الارياف. ويرى الاتراك انه يجسد العمق التركي التقليدي. وترتديه النسوة تعبيرا عن تمسكهن بالتقاليد اكثر من تعبيرهن عن موقف سياسي.

دعوة إلى اجتماع طارىء لحزب العدالة والتنمية الحاكم

عقد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا اجتماعا طارئا اثر الغاء القضاء تعديلا دستوريا سمح بارتداء الحجاب في الجامعات مما شكل ضربة لهذا الحزب المهدد بالحظر بداعي ممارسات مناهضة للعلمانية.

والغى رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان برنامج عمل في اسطنبول وعاد الى انقرة ليترأس دورة طارئة للهيئات القيادية في حزب العدالة والتنمية على ما افادت وكالة انباء الاناضول.

كما الغى اردوغان زيارة الى سويسرا بهدف متابعة اول مقابلة للمنتخب التركي لكرة القدم في اطار بطولة اوروبا 2008 التي ستجمعه بمنتخب البرتغال. ولم يدل اردوغان باي تصريح لدى وصوله الى مقر الحزب.

وفي المقابل فقد انتقد بولنت ارينش الرئيس السابق للبرلمان والعضو النافذ في حزب العدالة والتنمية قرار المحكمة الدستورية التي اعلنت رفضها ارتداء الحجاب في الجامعات التركية كما جاء في تعديل دستوري تبناه الحزب الحاكم. واورد بيان صدر عن المحكمة ان التعديل يتعارض واحكام الدستور الذي ينص على ان تركيا جمهورية علمانية وان هذا المبدأ غير قابل للتعديل.

وقال ارينش: لقد استخدمت المحكمة بشكل سيء الصلاحيات الموكلة اليها. مشيرا الى ان حكمها خاطىء وخطير.

وقال مسؤولون آخرون في حزب العدالة والتنمية ان القضاة تجاوزوا صلاحياتهم من خلال الحكم على جوهر التعديل بدلا من الجانب الاجرائي فيه. بحسب فرانس برس.

وبالفعل فان التعديل المثير للجدل جاء ضمن لائحة اتهام طويلة للمدعي العام للمحكمة الدستورية اكد من خلالها ان حزب العدالة والتنمية يسعى الى اسلمة المجتمع التركي ويجب ان يتم حله.

ومثلت هذه المحاولة للسماح بارتداء الحجاب احد ابرز نقاط لائحة اتهام قدمت في بداية آذار/مارس وتطالب علاوة على حل حزب العدالة والتنمية بمنع رئيس الوزراء والرئيس التركي عبد الله غول من ممارسة السياسة.

وراى قسم من الصحف التركية ان قرار قضاة المحكمة الدستورية "اعلان لنهاية" حزب العدالة والتنمية الذي رجح ان يتم حله في الاشهر المقبلة.

وقالت صحيفة "وطن" الليبرالية في افتتاحيتها ان المحكمة اكدت ان حزب العدالة والتنمية يعارض العلمانية: ودعت اردوغان الى الاستقالة لانه احدث في تركيا المسلمة ولكن العلمانية انقساما عميقا بين محافظين وعلمانيين.

وخلال اجتماعهم سيكون على قادة الحزب الحاكم بحث ردهم على قرار القضاء وقد يدعو بعضهم الى تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة بحسب بعض الصحف.

وكان حزب العدالة والتنمية الذي تولى السلطة في 2002 حقق فوزا ساحقا في الانتخابات التشريعية في تموز/يوليو 2007 وحصل على 47 بالمئة من الاصوات.

وعشية فوزه سعى رئيس الوزراء التركي الى طمأنة قسم من الاتراك قلق من اسلمة تدريجية للبلاد. غير ان حزبه هاجم اثر ذلك منع الحجاب وتوصل الى تعديل الدستور بفضل اغلبيته المريحة في البرلمان رغم انف العلمانيين.

وتعارض القوى العلمانية وبينها بالخصوص المؤسسة العسكرية والقضاة والجامعيين هذا التعديل الدستوري خشية ان يؤدي الى تشريع الحجاب في الادارات والاعداديات والثانويات حيث لا يزال محظورا.

منظمة دولية تتهم المحكمة التركية

قالت منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومان رايتس ووتش) إن الحكم الذي أصدرته أعلى محكمة في تركيا بابطال إصلاح اقترحته الحكومة برفع حظر ارتداء الحجاب في الجامعات ضربة للحرية الدينية ولحقوق أخرى أساسية.

وقالت هولي كارتنر مديرة قسم أوروبا واسيا الوسطى في منظمة مراقبة حقوق الانسان في بيان: هذا الحكم يعني أن النساء اللاتي قررن ارتداء الحجاب في تركيا ستجبرن على الاختيار بين الدين والتعليم. بحسب رويترز.

ومضت تقول: هذا حكم مخيب للامال حقا ولا يبشر بخير بالنسبة لعملية الاصلاح.

كما انتقدت المنظمة التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها حزب العدالة والتنمية لتقاعسه عن اعادة صياغة الدستور التركي بشكل كامل والذي قالت انه فشل في حماية حقوق الانسان بالرغم من اطلاقه خطة لاعادة صياغة الدستور بعد اعادة انتخابه العام الماضي.

وتشتبه المؤسسة العلمانية التي تضم جنرالات الجيش والقضاة في ان حزب العدالة والتنمية يتبنى جدول أعمال اسلاميا سريا. وينفي الحزب هذه الاتهامات.

رئيس البرلمان ينتقد حكم إلغاء قانون الحجاب

انتقد رئيس البرلمان التركي اكبر محكمة في البلاد لالغائها قانونا رفع حظرا على ارتداء الحجاب في الجامعات قائلا إن القضاة تجاوزوا صلاحياتهم.

والغت المحكمة الدستورية في وقت متأخر من يوم الجمعة تعديلا كان سيسمح للطالبات بارتداء الحجاب في الجامعات مما اثار احتجاجات من حزب العدالة والتنمية الحاكم.

وقال كوكسال توبتان: اتخذت المحكمة الدستورية قرارا بشأن مضمون هذا القانون الذي مرر بموافقة 411 نائبا في برلماننا رغم ان الدستور ينص بوضوح على ان بوسع المحكمة مجرد القيام بفحص اجرائي.

واوضح في مؤتمر صحفي: لقد اصبح مبدأ الفصل بين السلطات محل شك مع هذا القرار.

وقال توبتان إنه يتعين ان تبحث تركيا صياغة دستور جديد وتنشأ مجلسا للشيوخ بالاضافة الى برلمان مضيفا انه يخطط الى دعوة زعماء الاحزاب السياسية الرئيسية الى اجراء محادثات بشأن قرار المحكمة. بحسب رويترز.

وكان توبتان يشغل في السابق منصب نائب رئيس حزب العدالة والتنمية رغم انه بحكم منصبه الحالي محايد من الناحية الرسمية. ودور رئيس البرلمان شرفي الى حد كبير لكنه يأتي بعد الرئيس في البروتوكول.

وجدد التعديل الخاص بالحجاب نزاعا يرجع الى عدة عقود من الزمن بشأن دور الاسلام في البلد البالغ تعداده 70 مليون نسمة وهو علماني من الناحية الرسمية لكن غالبية سكانه من المسلمين ويجب عليه التوفيق بين الجانبين.

ولتركيا تاريخ في حظر الاحزاب السياسية وتم حظر الحزب السابق لحزب العدالة والتنمية في عام 2001 بسبب أنشطة اسلامية.

غضب النساء المحجبات ومسيرات احتجاج

احتج مئات من النساء المحجبات في تركيا ضد قرار محكمة بإلغاء تعديل دستوري كان سيسمح للطالبات بارتداء الحجاب في الحرم الجامعي.

وتظاهرت حوالي 500 امرأة في مدينة ديار بكر الجنوبية الشرقية بعد صلاة الجمعة ورددت مئات اخريات من المحجبات هتافات في اسطنبول.

وقالت اسراء التيني اوزبجتك (29 عاما) والتي تركت الجامعة في التاسعة عشرة من العمر بسبب عدم السماح لها بارتداء الحجاب اثناء الدراسة: انا منسحقة واشعر باليأس. انا فعلا لم أعد اشعر بالمساواة مع اي احد اخر في هذا البلد.

واضافت، على مدى عشر سنوات رأيت الناس يدخلون ويخرجون من الجامعة واكتفيت بالجلوس والمتابعة. بحسب رويترز.

ومثل التيني اوزبجتك لم تذهب آلاف من النساء الى الجامعة بسبب الحظر الذي فرض بصرامة منذ 1997 . واختارت بعضهن السفر الى الخارج للدراسة.

وهتفت المتظاهرات في اسطنبول: اللعنة على من يقفون وراء انقلاب القضاة، وترددت صيحات الله اكبر.

واظهرت دراسات مسحية حديثة ان حوالي ثلثي النساء التركيات يرتدين شكلا من اشكال الحجاب وتؤيد نفس النسبة تقريبا رفع الحظر عن ارتداء الطالبات للحجاب.

وقالت نسليهات اكبولون رئيسة جماعة (اقدر) الحقوقية: يعني ذلك اننا لسنا على قدم المساواة. ستستمر النساء المحجبات في المعاناة من التمييز وسيكون ذلك (جزءا من) القانون.

وقالت: لو كانت هناك سياسات مدنية.. لو كانت هناك ديمقراطية... فلا يمكنهم تجاهل النساء اللواتي يغطين رؤوسهن.

وكان قرار المحكمة مصدر سعادة لبعض النساء اللواتي يخشين من فرض الحجاب يوما ما على كل نساء تركيا اذا سمح بارتدائه في الحياة العامة.

وقالت فاطمة اصلان (24 عاما) وهي طالبة دراسات عليا: انا شخصيا اخشى ان يصبح الحجاب رمزا راسخا للدولة وان يكون ارتداء الحجاب في الجامعات مجرد الخطوة الاولى.. ولذلك اعتقد ان القرار (القضائي) يقوم على اسباب جيدة.

مسعى لتقليص صلاحيات المحكمة الدستورية

اقترح رئيس البرلمان التركي تقليص صلاحيات المحكمة الدستورية بعد ان ألغت قانونا ينهي حظرا على ارتداء الحجاب في الجامعات.

وقال رئيس البرلمان كوكسال توبتان: اتخذت المحكمة الدستورية قرارا بشأن مضمون هذا القانون الذي مرر بموافقة 411 نائبا في برلماننا رغم ان الدستور ينص بوضوح على انه ليس بوسع المحكمة الا القيام بفحص اجرائي.

واشار الى انه يتعين على تركيا ان تبحث صياغة دستور جديد وتؤسس مجلسا للشيوخ بالاضافة الى برلمان للحد من صلاحيات المحكمة الدستورية.

وقال توبتان في مؤتمر صحفي: ربما يخفف العبء عن المحكمة الدستورية في وجود نظام يضم مجلسين. بحسب رويترز.

ونقل التلفزيون التركي عن دينيز بيكال زعيم حزب الشعب الجمهوري اكبر حزب معارض في تركيا والمخلص للعلمانية رفضه لمثل هذا الاجراء. ولن يستطع حزب الشعب الجمهوري اعاقة هذا الاجراء بمفرده ولم يتضح على الفور الموقف الذي ستتخذه الاحزاب الاخرى.

وقال توبتان انه يعتزم دعوة قادة الاحزاب السياسية الرئيسية لعقد محادثات بشأن قرار المحكمة.

وانتقدت منظمة هيومان رايتس ووتش ايضا قرار المحكمة ووصفته بانه ضربة للحرية الدينية.

وقالت هولي كارتنر مديرة قسم اوروبا ووسط اسيا بمنظمة هيومان رايتس ووتش في بيان: هذا القرار يعني ان النساء اللاتي اخترن ارتداء الحجاب في تركيا سيجبرن على الاختيار ما بين ديانتهن وتعليمهن. واضافت كارتنر، هذا امر مخيب حقيقة للامال ولا يبشر بالخير لعملية الاصلاح.

من جانبه قال دينجر محمد فيرات نائب رئيس حزب العدالة والتنمية: قرار المحكمة الدستورية هو تدخل مباشر في السلطة التشريعية للبرلمان وهذا انتهاك واضح لمبدأ الفصل بين السلطات.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت  14/حزيران/2008 - 10/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م