
شبكة النبأ: في تقرير أعدته الباحثة فابيولا بدوي في جريدة
الحياة قالت: إن الفقراء في مصر وهم الآن غالبية الشعب - يعتبرون
الدجل والخرافات والشعوذة الزاد الحقيقي لمعظمهم.. فقد أثبتت أحدث
الدراسات التي أجراها المركز القومي للبحوث الجنائية بالقاهرة أن
المصريين ينفقون عشرة مليارات جنيه مصري سنوياً على قراءة الغيب
وفك السحر والعلاج من الجان، وهذا مبلغ يفوق فعلياً ما تحصل عليه
مصر من قناة السويس نتيجة عبور السفن فيها، كما أشارت الدراسة
نفسها إلى أن هناك 274 خرافة تسيطر على سلوك أهل الريف والحضر،
وأنه يوجد ما يقرب من 200 ألف آخرين يعالجون الأمراض والمسّ من
الجن بالقرآن أو بالإنجيل وأن هناك مليون مصري على الأقل يعتقدون
أنهم ممسوسون من تحت الأرض، وأن نصف نساء مصر يعتقدن اعتقاداً
جازماً بتأثير السحر على جوانب الحياة خاصة الاجتماعي منها.وهذا
المبلغ الضخم الذي ينفقه المصريون على الشعوذة هو أكبر من ميزانية
التعليم المصرية.
دجال لكل 240 مصري!
وتؤكد الدراسة المذكورة في إحدى فقراتها على أن هناك دجالاً لكل
240 مواطناً يعينه على كشف الغيب.
وليس بالغريب أو الجديد أن يسيطر تيار الخرافة والدجل على العقل
الجمعي لمجتمع ما كردة فعل على الأزمة الحياتية التي يعانيها،
فبعدما فاقت نسبة البطالة التراكمية 22 في المائة من مجموع أفراد
قوة العمل البالغين تتفشى بيروقراطية من لا ينتجون، ممن يؤذيهم أن
ينتج غيرهم وبعض هذه العوامل وليس كلها كافٍ لأن يؤدي إلى احتراف
الدجل والاحتيال على كافة المستويات السياسية والدينية والاجتماعية
وهو ما تبلور إلى مناخ معيش يحمل إلينا كل يوم الجديد من المفردات
والأساليب والسلوكيات والتبريرات التي تعكس مدى الخلل النفسي الذي
يعيشه السواد الأعظم من الشعب المصري، وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى
ما جاء في أحدث الدراسات النفسية المصرية من أن 19 مليون مواطن
مصري يعانون من ظهور أعراض اكتئابية عليهم بينهم خمسة ملايين شخص
مريض بالاكتئاب بالفعل ".
العرب ينفقون خمسة مليارات دولار على
الشعوذة!
وفي دراسة ميدانية حديثة قام بها محمد عبدالعظيم بمركز البحوث
الجنائية في القاهرة أشار إلى أن ممارسي السحر يخلطون بين السحر
والدين، ويزعمون أن لهم القدرة على علاج الأمراض، وأن هناك زهاء
300 ألف شخص في مصر يدعون علاج الأمراض بتحضير الأرواح وأن 250
ألفا: أي ربع مليون دجال يمارسون أنشطة الشعوذة في عموم الدول
العربية. وأن العرب ينفقون زهاء خمسة مليارات دولار سنوياً على
السحر والشعوذة وأن نصف نساء العرب يعتقدن بفعل الخرافات
والخزعبلات ويترددن على المشعوذين سراً وعلانية وقد تم الكشف عن
فضائح جنسية كثيرة قام بها المشعوذون مع النساء اللواتي لا ينجبن،
وقد أنجبن بعد أن تم تخديرهن ونكاحهن من قبل المشعوذين بفعل أعمال
السحر والخرافة والجان.
الصحافة المغربية تعتاش على إعلانات
الشعوذة
وإذا كانت الدراسة السابقة قد كشفت عن صرف هذه المبالغ الكبيرة
على الشعوذة داخل المجتمع المصري فإن عددا من الصحف المغربية كما
يقول "عبد لاوي لخلافة" تقتات على مداخيل إشهارات للدجالين
والمشعوذين إذ تخصص هذه الصحف حيزاً يومياً أو أسبوعياُ أو شهرياُ
في أسفل صفحاتها لإعلانات الشعوذة والصداقة الوهمية وأرقام أصحابها
الهاتفية لتسهيل الاتصال بهم.
هذا بالإضافة إلى وجود عدة محلات في مختلف مناطق المغرب مخصصة
للشعوذة تقصدها شريحة متنوعة من المغاربة، كما أن بعض المشعوذين
يستغلون مناسبة الأسواق التجارية والمناسبات الخاصة بالأولياء
للترويج لتجارتهم على مرأى من السلطات القريبة من أماكن هذه
المناسبات.
وفي هذه السياق قال صاحب جريدة مغربية فضل عدم ذكر اسمه: إنه
يقبض ثلاثة آلاف درهم مقابل إشهاره لإعلانات الدجالين والمشعوذات
ونشر أرقامهم الهاتفية والذين يدعون قدرتهم على التنبؤ بالمستقبل
وحل المشاكل العاطفية والتسريع بالزواج والشغل.
وتكلف المكالمات الهاتفية مع هؤلاء المشعوذين والمشعوذات تسعيرة
عالية تتراوح بين ستة دراهم وسبعة للدقيقة الواحدة ويتم استهلاك جلّ
وقتها - حسب أحد المجرمين لها - في مقطوعات موسيقية لمزيد من
ابتزاز الضحايا المغفلين.
ولا توجد إحصاءات رقمية لعدد هؤلاء المشعوذين بالمغرب مع العلم
أنهم يمارسون خزعبلاتهم بشكل مريح لا تقلق راحتهم تدخلات أمنية إلا
ما كان من خطب ومواعظ علماء وفقهاء في مناسبات محدودة.
فتوى سعودية بشرعية الزواج من الجن !
وفي السعودية تنتشر الخرافة بشكل كبير ويتوافد كثير من رجال
الأعمال السعوديين وزوجات الطبقة الغنية إلى المغرب للالتقاء
بالمشايخ المغربيين ( الأولياء ) و ( أصحاب الكرامات ) وعقد جلسات
الشعوذة والجلسات الصوفية المبتذلة والخرافية وكتابة الأحجبة لطلاق
فلان من فلانة أو لعودة فلانة إلى فلان أو للتفريق بين فلان وفلانة،
وتقول منال الشريف في جريدة الوطن السعودية 18 / 6 / 2003 على لسان
الشيخ عبدالحق المسغوي أشهر الشيوخ المعالجين بالرقية الشرعية في
المغرب أن فصل الصيف في المغرب يعد موسما لصيد الزبائن الأجانب
وبالخصوص الخليجيين من قبل المشعوذين والدجالين الذين يوزعون
السماسرة على المطارات والفنادق والشقق المفروشة أو يستعينون
بسائقي سيارات الأجرة أو عمال الفنادق أو حراس الشقق المفروشة.
وقد أصبح قول إن فلانة قد عملت حجاباً لزوجها لكي يطلّق ضرتها
أو لكي لا يتزوج غيرها من الأقوال المتعارف عليها بل إن بعض الأسر
الثرية تحتفظ في منازلها بمشايخ من المغرب مرفوع عنهم الحجاب ومن
أولياء الله لطرد الجان والشياطين ودفع المكروه. وتقول منال الشريف
في جريدة الوطن السعودية أحب أن أخبركم بأنني في هذا الصيف التقيت
وبمحض الصدفة رجل أعمال من الخليج على وشك شراء خادم جني بمبلغ
خرافي حيث أخبره مشعوذ أنه سيشكل الخادم على شكل خنفساء ليتمكن من
حمله وأخذه معه في الطائرة فتصوروا أن يباع خنفس بآلاف الدولارات.،
كما أن العلاج بالقرآن من الدواء المأخوذ به لحالات الصرع والجنون
والهستيريا والإفلاس المالي والعقلي، كما أن حلول الجان الشريرة في
الإنسان من المسلمات بها في السعودية وإذا كانت مصر تصرف عشرة
مليارات جنيه على أعمال الشعوذة والسحر والخرافة، فالسعودية لا بد
أن تصرف رقماً مشابهاً، إن لم يكن أكبر، إضافة لذلك فقد أفتى مفتي
السعودية الراحل الشيخ عبدالعزيز بن باز بوجود الجان، وبأنهم
يتزوجون وأصدر فتوى دينية بشرعية الزواج من الجان استناداً إلى
فتوى ابن تيمية التي تقول: إن صراع الجن للإنس قد يكون عن شهوة
وعشق كما يتفق للإنس مع الإنس وقد يتناكح الإنس والجن ويولد بينهما
ولد وهذا كثير معروف ويصف الشيخ عبدالخالق العطار في موقع ( لقط
المرجان هي علاج العين والسحر والجان ) على الانترنت الواحد من
الجن بأنه جسم دقيق رقيق لطيف وهذا النوع هو الذي يدخل بإذن الله
جسم الإنسان ويقترن به، والنكاح بين هذا النوع من الجن وبين
الإنسان يتم بطريق الإثارة والتهيج من الجن إلى الإنس في موضع
الإثارة العظمى بفرج الإنسي ذكرا أو أنثى وأطمئن بناتي من بني
الإنس أن التناكح لا يترتب عليه هتك غشاء البكارة ولا ينجم عنه حمل
لأنه لا يعدو إثارة وتهيج في موضع العفة للفتاة الإنسية.
وقد وضع بعض علماء الدين الأشكال التالية لمناكحة الجن
للإنس!!!:
1-الاحتلام: وهذا لا يكون إلا في المنام وهو معلوم يوجب الغسل
بسبب الإنزال.
2-الاستمتاع المنامي: يستمتع الجان بالإنسان في المنام بغير
شعور الإنسان ولا يكون معه إنزال بكيفية يعلمها الله.
3-المعاشرة الخفية: وهي أن يشعر الإنسان بمن يجامعه وهو في كامل
وعيه ولا يستطيع رده.
4-التشكل: يتشكل الجان على صورة إنسان وتكون المعاشرة طبيعية
كما هو حاصل بين الإنس.
مفهوم الخرافة:
يمكن تعريف الخرافة بأنها:
اللامعقول من المواقف أو الأحداث أو الأقوال أو الاثنين معاً.
كما أن كل ما لا يمكن قياسه من مواقف وأحداث وأقوال أو أفكار
يمكن أن يمثل خرافة.
يمكن النظر إلى الخرافة أو تعريفها أيضاً باعتبارها: منظومة
رمزية جدلية.
التحليل الوظيفي للخرافات
الخرافة في قاموس Longman
جاء في قاموس ASD ـ لونجمان Longman
أن الخرافة: قصة قديمة تحتوي على أحداث عقائدية
أو سحرية تفسر أحداثًا تاريخية معينة.
وعادة ما توجد فكرة مشتركة أو عامة من الخرافات
وأنه من المحتمل أن يصدقها النسا كبير.
وقد ورد بالقامس المثال الآتي كخرافة:
الرجال أفضل من السيدات في قيادة السيارات.
التحليل الوظيفي للخرافات
قد يكون من الصعب إدراك الظاهرة من مجرد قراءة مفهومها أو حتى
صياغة تعريف دقيق لها , حيث يظل حيز الإدراك ضيقًا أو قاصرًا إلى
حد كبير. لهذا فإن التحليل الوظيفي لظاهرة أو موقف ما يساعد على
فهمها وإدراكها بشكل يساعد على احتيار نمط السلوك أو التصرف
للتعامل الملائم لطبيعة الظاهرة أو الموقف.
وإذا كان الاغتراب Alienation هو مجاراة هامشية لأفكار أو
سلوكيات أو قرارات معينة سواء داخل منظمات الأعمال أو على نطاق
الأسرة أو المجتمع , حتى إن كان يحمل في طياته المجاراة القهرية
أيضًا كنتيجة التعارض بين توجهات الفرد وتوجهات الجماعة فقد يكون
من الضروري تبني الحذر لعدم خلط مجموع أسبابه مع أسباب الخرافات.
قد تكون أسباب الاغتراب أسبابًا في معظمها للشائعات.
إن بعض نتائج الاغتراب قد يمثل خرافات سلوكية. كما أن النفاق
الوظيفي يعتبر كذلك طالما أنه تصرفًا مبنيًا على عدم القناة حتى
وإن كان مستهدفًا لتحقيق أغراض معينة وبغض النظر عن تحقيق نتائج من
ورائه.
مراحل ظهور ونمو الخرافة
يكون الفرد مهيًأ لقبول خرافة ما أو إطلاقها ـ أو شائعة ما ـ
لأسباب أيديوجرافية. فغياب المعرفة أو الجهل قد يشكل مرحلة التهيؤ
للخرافة. أيديوجرافيًا يمكن القول أيضًا فإن فقدان الاعتقاد بالقيم
الأخلاقية كالولاء والصدق والأمانة والفراغ الذي يساهم في نفس
الوقت في التمهيد للتهيؤ لإطلاق أو قبول الخرافة. وباختصار يمكن
ذكر مراحل ظهور ونم الخرافة وذلك لأغراض التحليل والدراسة فقط على
النحو الآتي:
مرحلة التهيؤ (على نحو ما جاء في المقدمة) وتشمل كل الأسباب
الأيديوجرافية والعقائدية.
مرحلة اللامعنى: إذا فقد الفرد/ المنظمة الهدف وفي حالة عدم
وجود مرشدات موجهة للسلوك والتصرف تبدأ الخرافة في الظهور والنمو
بدرجة أكبر من مرحلة التهيؤ.
جـ. المرحلة اللاميعارية: مع الأخذ في لااعتبار المرحلتين
السابقتين مرحلة التهيؤ ومرحلة اللامعنى فإن إخفاق الفرد المستمر
للتكيف مع جماعة العمل أو الأسرة أو الأصدقاء أو المجتمع يؤدي إلى
وصول الخرافة إلى مرحلة الاستقرار الشعوري لدى الفرد.
د. مرحلة التحول الأسطوري للخرافة: وعادة ما ينظر إلى الأسطورة
باعتبارها خرافة. غير أن الأسطورة تكون هي المرحلة الأكثر نضجًا من
مراحل نمو الخرافات أو هي الطور المتقدم منها خاصة تلك الخرافات
الأدبية أو القصصية التي عادة ما يتوارثها جيل بعد الآخر.
هـ. مرحلة التحول إلى العادة: تتحول بعض الخرافات (خاصة خرافات
الفلك) إلى عادة , كثيرًا من النواب والقانونيين والوزراء لا
يبدأون يومهم إلا بعد قراءة برج الخط. وفي ضوء ما يقرأونه يبدأون
في تخطيط أجندة العمل أو إعادة تخطيطها.
ملحوظة:
من حيث الزمن قد تظهر الخرافة ولا تستمر إلا لفترة محدودة جدًا
مثلها في ذلك مثل سلع الصرعة أو التقاليع Fad product , فكما يوجد
هذا النوع من السلع يوجد ما يمكن تسميته بخرافات التقاليع أو
الصرعة Fad myth حيث تنتشر بشكل كبير ثم سرعان ما تبدأ في الأندثار
بلا عودة.
وظائف الخرافة
يوجد تشابه بين الخرافة والشائعة من منظور التحليل الوظيفي لكل
منهما. ويمكن في السطور القلية الآتية بعد عرض أهم الوظائف أو
الأدوار (إن صح التعبير) التي تلعبها الخرافة وذلك على النحو الآتي:
الوظيفة النفسية: تلعب الخرافة دورًا في تحقيق نوع من الهدنة
النفسية للفرد حتى وإن كانت غير حقيقية أو لفترة مؤقتة. فالفرد
كثيرًا ما يقبل الخرافة أو يقوم بنيجها كنوع أو وسيلة للتنفيس عن
النفس. أو بمعنى آخر خداع النفس بصحة ما يسمح أو يعتقد أو يقوله من
بنات أفكاره. ولكن إذا تمكنت من الفرد تحولت إلى مرض نفسي.
الوظيفة الإعلامية والثقافية. تستخدم الخرافة أحيانًا لتوصيل
معلومة أو فكرة لمسؤول ما أو للغير عمومًا. كما تستخدم من المنظور
الأدبي ـ قصص الأطفال والدراما ـ لإرسال تقليد أو قيمة جديدة أو
تعديل في السلوك أو تغيير عادة. كما توظف الخرافة الأدبية لتغيير
معتقدات أو إرسال مبادئ معينة.
ملحوظة:
يمكن تقسيم الخرافات وظيفيًا إلى نوعين رئيسيين هما:
الخرافات البناءة أو المحمودة.
الخرافات التدميرية.
ومن ثم يمكن القول بأن الخرافات تلعب أدوارًا بنائية وأخرى
تدميرية أو هدامة على الصعيد الفردي أو الأسري أو الأعمال... الخ.
الوظيفة التسلطية أو القهرية. تطلق الخرافات أو يتم نسجها
كوسيلة للتسلط أو السيطرة خاصة الخرافات التي يكون الجنون أو السحر
مصدرًا لها.
استخدام الخرافات أيضًا كأسلوب غير مباشر للقهر المعنوي للسلطة
الحاكمة (حزب حاكم, أو مسؤول كبير).
التدمير: تستخدم الخرافات كمعول للتدمير خاصة الخرافات الواردة
من ثقافات أخرى. من أبرز هذه الخرافات خرافة عبدة الشيطان , فهذه
الخرافة إنما استهدفت تدمير الشباب خاصة في دول العالم الثالث.
الاحتجاج الجماعي , كثيرًا ما تطلق الإشاعة للتعبير عن الاحتجاج
الجماعي على تصرف أو قرار معين ثم اتخاذه داخل شركة أو على مستوى
دولة يحدث بالقياس نسج خرافات لنفس السبب وكوسيلة لتعديل القرار أو
إلغائه.
الوظيفة البنشماركية (المرجعية) Benchmarking function. من بين
الأدوار البنائية للخرافات الابتكار والتجديد والتطوير. هنا يكون
الخلق بعضها البعض والتطوير يمثل خرافة لأن الأصل أو الأساس هو
التقليد سواء بالقرار أو التصرفات ,ففي ظل خرافة الإبداع والخلق
تحظى الكثير من الشركات اليابانية بالشهرة في الوقت الذي نجد فيه
أن هذه الشركات هي في الأصل بنشماركية أو مقلدة لشركات أخرى
أوروبية أو أمريكية.
سحر
السحر مصطلح عام يستعمل لوصف فعالية تقوم بتغيير حالة شيء ما او
شخص ما في نطاق التغيير الذي يمكن للشيئ او الشخص ان يتعرض له دون
خرق لقوانين الطبيعة والفيزياء ويعتقد البعض إن بإمكان هذه
الفعاليات خرق قوانين الفيزياء في بعض الحالات، وهناك على الأغلب
إلتباس بين السحر و خفة اليد و الشعوذة ويستعمل كلمة السحر كمرادف
لجميع هذه المصطلحات التي تختلف عن بعضها البعض. فخفة اليد هو فن
ترفيهي يقوم بإيحاء إن شيئا مستحيلا قد حدث علما ان التغيير كان
مصدره مهارة وخفة في اليد. الشعوذة من جانب آخر يعتبر مايعتقد
القائمين به قدرتهم على إستحظار قوى غير مرئية لتساعد في حدوث
تغييرات يتمناه شخص ما وتكون تلك الأمنيات على الأغلب تخلص من خصم
او الحصول على قوة ويتم عملية الشعوذة عادة في طقوس خاصة.
هناك العديد من التفريعات الثانوية لمصطلح السحر فالبعض يعتبره
فرعا من حقل الباراسايكولوجي من خلال توظيف قدرات خارجة عن حواس
الإنسان الخمسة للقيام بفعاليات تتحدى قوانين الفيزياء. إستنادا
إلى آليستر كراولي (1875 - 1947) Aleister Crowley الذي كان يعتبر
نفسه من جماعة "العلوم الخفية" وإشتهر بكتابه "كتاب القانون" The
Book of the Law وفيه زعم إنه تمكن من إستحظار روح حورس ويعتبر هذا
الكتاب مرتكزا لفكرة ثيليما الذي ينص على الإمتلاك الكامل للإنسان
لجسده و روحه و حياته ويمكنه السيطرة عليها بنفسه دون تأثير خارجي.
وعليه فإن السحر حسب كراولي هو نشاط يغير حالة معينة معتمدة على
إرادة الشخص القائم بها وهو يختلف عن الشعوذة و خفة اليد ويعتمد
على البحث العلمي حسب رأي آليستر كراولي.
السحر في اللغة العربية وإستناد على تفسير القرطبي للآية 102 من
سورة البقرة "السحر أصله التمويه بالحيل والتخاييل، وهو أن يفعل
الساحر أشياء ومعاني، فيُخيّل للمسحور أنها بخلاف ما هي به كالذي
يرى السراب من بعيد فيُخيّل إليه أنه ماء، وكراكب السفينة السائرة
سيراً حثيثاً يُخيّل إليه أن ما يرى من الأشجار والجبال سائرة معه.
وقيل: هو مشتقّ من سَحرتُ الصبيّ إذا خدعته، وقيل: أصله الصّرف،
يقال: ما سَحَرك عن كذا، أي ما صرفك عنه. وقيل: أصله الاستمالة،
وكلّ مَن استمالك فقد سحرك"
قال ابن منظور: ( قال الأزهري: السحر عمل تُقُرِّب فيه إلى
الشيطان، وبمعونة منه، كلّ ذلك الأمر كينونَة للسِّحر، ومن السحر
الأخذة التي تأخذ العين حتى يظن أن الأمر كما يرى، وليس الأصل على
ما يرى، والسحر الأخذة، وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر 000 وأصل
السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره، فكأن الساحر – لما أرى الباطل
في صورة الحق وخيل الشيء على غير حقيقته – قد سحر الشيء عن وجهه،
أي صرفه ) ( لسان العرب – مادة " سحر " – 4 / 348 )
قال فخر الدين الرازي: ( السحر في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفى
سببه ويتخيل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع ) (
المصباح المنير - ص 268 ) 0
قال ابن قدامة: ( هو عقد ورقى وكلام يتكلم به أو يكتبه، ليعمل
شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له، وله
حقيقة فمنه ما يقتل، وما يمرض، وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه
وطأها، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، وما يبغض أحدهما إلى الآخر
أو يحبب بين اثنين ) ( المغني - 10 / 104 ) 0
قال الحافظ بن حجر: ( السحر: هو صرف الشيء عن وجهه، قال
القسطلاني: أمر خارق للعادة، صادر عن نفس شريرة لا تتعذر معارضته،
وهو بتأثيره نوع من الأمراض، كما قال القرطبي: الحق أن لبعض أصناف
السحر تأثيراً في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر، وفي
الأبدان بالألم والسقم ) ( إرشاد الساري – 8 / 401 ) 0
قال الجصاص: ( السحر: كلّ أمر خفي سببه، وتخيل على غير حقيقته،
وجرى مجرى التمويه والخداع ) ( أحكام القرآن – 1 / 51 ) 0
قال النفراوي: ( قال ابن العربي: حقيقته أنه كلام مؤلف يعظّم به
غير الله تعالى، وتنسب إليه فيه المقادير والكائنات ) ( الفواكه
الدواني – 2 / 200 ) 0
قال صديق بن حسن القنّوجي: ( " علم السحر ": هو علم يستفاد منه
حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأشياء خفية قاله في
كشاف اصطلاحات الفنون ) ( أبجد العلوم – 2 / 318 ) 0
نظريات السحر
هناك العديد من الفرضيات التي يؤمن بها التيار الذي يعتقد بوجود
ظاهرة السحر وإستنادا إلى هذا التيار فإن السحر قد يمكن تفسيره
باحدى هذه العوامل:
قوى طبيعية فيزيائية لم يتم إكتشاف ماهيتها لحد الآن وحسب هذه
الفرضية هناك قوة خامسة بالأضافة إلى القوى الأربع المعروفة الا
وهي الجاذبية، كهرومغناطيسية، التفاعل بين الكواركات و بقية أجزاء
الذرة والتي تسمى بالتفاعلات القوية و اخيرا التفاعلات الضعيفة في
نواة الذرة والتي يمكن تحليلها عن طريق فيزياء الجسيمات ويعتقد
البعض ان نظرية-م ونظرية الأوتار الفائقة قد تلعب دورا في هذه
القوة
قوى روحية نابعة من إعتقاد البعض ان الكون يحوي مخلوقات تتصف
بالذكاء وليست من جنس الإنسان.
القوة الغامضة الموجودة في كل مكان مثل مانا التي يعرفها البعض
بمكون رئيسى لتلك القوى الغامضة و نومينا التي يمكن تعريفها بالقوة
الغامضة الموجودة في كل شيء.
الترابط الغامض بين القوى الكونية التي تربط وتنظم الأشياء
بصورة منافية لقوانين القوى الطبيعية.
القوة الغير طبيعية الناتجة من التركيز او التأمل العميق التي
تؤدي حسب البعض إلى تحكم الدماغ بالأشياء مثل مايحدث عند ممارسة
اليوغا أو التخاطر..
القوة الكامنة في لاوعي الإنسان والتي إن تم تطويعها و تدريبها
فإن بإمكانها القيام بنشاطات تخرج عن تفسير الفيزياء.
خفة اليد
هاري هودينيبالرغم من إن مهارة خفة اليد و الإيحاء يعتبر من
الفنون الترفيهية القديمة إلا انها تحولت إلى نوع منظم من الفن
الترفيهي في القرن الثامن عشر ويعتبر العديدين الفرنسي جان يوجين
روبرت (1805 - 1871) من الرواد في هذا المجال حيث فتح خشبة لعرض
مهاراته في باريس عام 1840 وتم إفتتاح مسرح لهذا الغرض في لندن عام
1873. يعتبر الهنغاري المولد هاري هوديني (1874 - 1926) من أكبر
الأسماء في فن الأيحاء و التخلص من القيود ولكن معظم عروضه كانت
منسقة مع بعض طاقمه المختفين بين الجمهور وكان هناك تعاون بينه
وبين صانعي الأغلال و الأقفال. بصورة عامة يعتمد هذا النوع من الفن
على خفة اليد و التنسيق مع بعض من المشاهدين للعرض وإستعمال
المرايا وإستعمال أنفاق تحت خشبة المسرح ومع إختراع التلفزيون أصبح
الأمر أكثر سهولة بواسطة استعمال الخدعة التصويرية.
من الأنواع الشائعة في فن الأيحاء:
إظهار شيء من لاشيئ مثل إخراج أرنب من قبعة فارغة وإخراج قطع
نقدية من جيب فارغ وغيرها.
الأختفاء مثل إختفاء حمامة او طير بمجرد التصفيق او إختفاء شيء
ما في راحة اليد.
التحويل ويتم عادة بواسطة أوراق اللعب حيث يقوم شخص بإختيار أحد
الأوراق ثم يناوله الموحي ورقة اخرى ولكنها بخفة اليد تتحول إلى
الورقة الأصلية التي إختارها المتطوع في أول الأمر
إعادة تجميع لقطعة قماش او حبل تم تقطيعه او فك عقدة محكمة في
حبل او قطع جسد بمنشار ثم إعادته.
تحويل شيء ما من موضع إلى آخر مثل عملة نقدية إختفت فجأة لتظهر
في حقيبة احدى المتفرجات او تبديل لموضع شخصين في صندوقين مختلفين.
الأرتفاع في الهواء
عادة تمارس هذه الفعاليات لغرض الترفيه ويعلم الجمهور إن هناك
خدعا في كل فعالية ولكن الهدف الرئيسي هو قضاء وقت ممتع ويحافظ
هؤلاء الفنانون عادة بسرية الوسائل والخدع المستعملة لإبقاء روح
الإثارة ولأن النقابات التي ينتمون اليها تطالبهم بتعهد السرية
لعدم إفساح المجال للهواة بإقتحام مصدر رزق المحترفين.
الشعوذة
يسمى الشعوذة ايضا بالسحر الأسود ويمكن إعتباره فرعا من فروع
السحر الذي يستند على إستحظار مايسمى بالقوى الشريرة او قوى الظلام
التي يطلب مساعدتها عادة لإنزال الدمار او إلحاق الأذى او تحقيق
مكاسب شخصية. هناك جدل حول تقسيم السحر من الأساس إلى سحر أسود و
سحر أبيض فكل سحر هو اسود حسب اليهودية و المسيحية و الإسلام و
البوذية و الهندوسية ولكن هناك إنطباعا قديما ان بعض السحر هدفه
الخير ويلاحظ هذا الإنطباع في كتابات عديدة ومن أحدثها و أكثرها
انتشارا قصص هاري بوتر. كان الإعتقاد السائد بأن للمشعوذ بالفعل
قدرة على إنزال المرض او سوء الحظ او العقم و حالات اخرى ولايزال
هذاالنوع من الإعتقاد سائدا في العصر الحديث بصورة محدودة لدى
البعض.
كان مايسمى بتحضير ارواح الموتى أحد الطقوس الشائعة في الشعوذة
وتم ذكر هذا الطقس من قبل المؤرخ اليوناني استرابو (63 قبل الميلاد
- 24 بعد الميلاد). وكان هذا الطقس شائعا لدى صابئة حران (ملاحظة
صابئة حران يختلف عن الصابئة المندائيين)، و منطقة إيترونيا
القديمة والتي تقع في وسط إيطاليا الحالية و البابليين وهذا الطقس
مذكور ايضا في الإلياذة للشاعر هوميروس وتم ذكر هذا الطقس ايضا في
العهد القديم من الكتاب المقدس حيث طلب أول ملوك اليهود ملك شاوول
Saul (שאול המלך) من مشعوذة إندور ان تستحظر روح النبي شاموئيل
Shmu'el (שְׁמוּאֵל) ليعين الجيش في قتالهم للفلسطينيين في ارض
كنعان.
السحر و الباراسايكولوجي
يعرف السحر من وجهة نظر حقل الباراسايكولوجي بدراسة ماهية و
تطبيقات مايسمى الإمكانيات الفوق طبيعية التي يمتلكها البعض مثل
الرؤية من خلال جدار او القدرة على رؤية احداث او اشخاص من مسافات
هائلة في البعد او القدرة على معرفة حوادث قديمة لشيئ ما او شخص ما
بواسطة لمس الشيئ اوالشخص او التنبأ بالمستقبل.
هذا الحقل عادة مايثار حولها شكوك كثيرة من قبل الأكاديميين
ويصفها الكثير بالعلوم الكاذبة ومن جهة اخرى يوجد هناك أكاديميون
مقتنعون بان هذه الظواهر حقيقية ومن أشهر هؤلاء داريل بيم Daryl
Bem المتخصص بعلم النفس الاجتماعي والحاصل على الدكتوراه من جامعة
ميشيغان ويورد بيم تجربة جانزفيلد كدليل على ان الصدفة ليست العامل
الرئيسي لتفسير هذه الظواهر الغريبة.
من أشهر المشككين بهذه الظواهر هو فنان إيحاء سابق كان يحترف
عروض خفة اليد المسرحية وإسمه جيمس راندي وهو كندي وإشتهر عالميا
بعد التحدي المشهور الذي اطلقه بإستعداده لأن يدفع مليون دولار لأي
شخص يأتي بدليل علمي واحد على صحة مزاعم الأشخاص الذين يعتقدون إن
لديهم قابليات خارقة. من الجدير بالذكر ان التحدي لازال قائما ولم
يتمكن أحد لحد هذااليوم من إجتياز الإختبارات العلمية التي تركز
على حذف عامل الصدفة في هذه الظواهر.
كتاب القانون لآليستر كراولي
قام آليستر كراولي بكتابة هذا المؤلف في القاهرة عام 1904 ويحوي
على 3 فصول وحسب كراولي فإن كل فصل تم كتابته في ساعة واحدة. زعم
كراولي ان الشخص او الشئ او المخلوق الذي أملى عليه الكتاب كان "نفسه
الخفية" وكان إسمه أيواس. يسمى التعاليم الموجودة في الكتاب بإسم
ثيليما ويمكن إيجازها بهذه المبادئ:
إدراك النفس الحقيقية والإرادة الفريدة لشخص ما كفيل "بالأتحاد
مع الكل"
يمكن الوصول لهذا الإدراك بواسطة بعض الطقوس.
من هذه الطقوس: اليوغا، إستحظار الأرواح، طقس العشاء الأخير
للمسيح، قراة كتاب الكبالاه الذي يعتبر روح التوراة، قراءة الطالع،
التنجيم
فهم رموز شجرة الحياة التي هي عبارة عن اعداد او ارقام متصلة
ببعضها عن طريق 22 إرتباط خطي، الأعداد تمثل الكواكب وخطوط
الأرتباط هي رموز الأبجدية العبرية والتي تقسم بدورها إلى سبعة
كواكب و 12 برجا.
إتباع هذه المبادئ سوف يؤدي حسب معتقدات اتباع ثيليما إلى حالة
التيقظ الشبيهة بالنيرفانا في البوذية وإكتشاف النفس الخفية. "النفس
الخفية" بإمكانها مغادرة الجسد والإنتقال عبر الأثير وعبور "بحيرة
الفراغ" وهي اساس السحر والهدف الرئيسي من الممارسات المذكورة
اعلاه حيث ان بإمكان هذه النفس الخفية او مايسمى ايضا من قبل
كراولي "الجسد الضوئي" إنجاز اعمال تخرق قوانين الفيزياء مثل إزالة
قوى غير مرغوبة و تحظير ارواح.
من الجدير بالذكر إن كراولي البريطاني المولد كان يلقب من قبل
الصحافة "الرجل الشرير" وتم طرده من إيطاليا عندما حاول ان يشكل
تنظيمه الخاص ومات مفلسا نتيجة إلتهاب الرئتين و إدمانه على
الأفيون.
السحر و الأديان
حرم الدين الإسلامي السحر والشعوذة ويعد الساحر كافرا ومن أتاه
وصدقه. من جهة أخرى كان الأعتقاد بدور السحر كعامل في التأثير على
الطبيعة و ماوراء الطبيعة سائدا في معظم الديانات التي كانت سائدة
قبل الديانات التوحيدية وخاصة في الديانة الزرادشتية التي كانت
عاملا مهما في الإعتقاد بوجود كينونة الشر التي هي في صراع أزلي مع
كينونة الخير ويعتقد ان كلمة السحر بالإنجليزية Magic قد أتت من
افراد قبيلة ماجاي الميدية اللذين كانوا رجال الدين الرئيسيين في
الديانة الزردشتية. ويرجع بعض المؤرخين جذور السحر في إطار ديني
إلى فترة العصر الحجري الحديث حيث كان الإنتقال من حياة التنقل إلى
حياة الزراعة والإستقرار دور في تحول رئيس القبيلة إلى ملك و
والمؤمن بالخرافات و الأساطير و العلوم الخفية إلى كاهن كان مهمته
نقل تعليمات الإله إلى المجتمع.
كانت الوسيلة الرئيسية للسحر في المعتقد الديني هي التعويذة
والتي كانت عبارة عن كلمات او كتابات مخلوطة بمواد خاصة يقوم
بتحضيرها الرجل الديني في طقوس خاصة وكان هدف التعويذة يتراوح من
تغيير للمستقبل إلى السيطرة على شخص ما او عامل ما وكانت هذه
التعاويذ عادة ما تتم تحت مزاعم إستحظار قوى إلهية وغالبا ما كانت
التعويذة تتم على مراحل منها:
التحضير بأيام قبل طقوس التعويذة بالصوم او الصلاة
تهيئة جو خاص بالطقوس بإستعمال روائح خاصة او مواد معينة كان
اتباع دين معين يعتقدون بإحتواءها على قوى خارقة.
طقوس إستحظار القوى الخارقة او الإلهية التي كانت تختلف بإختلاف
الدين المتبع.
إلقاء التعويذة وتقديم القرابين
هناك إجماع على إن مفهوم السحر في الديانات القديمة كانت نابعة
من عدم إدراك الإنسان لقوى الطبيعة وعدم وجود تحليل علمي لظواهر
كانت تعتبر غامضة للإنسان القديم. بصورة عامة كان استعمال السحر من
منطلق ديني نابعا من ايمان صاحب الدين بقدرة الإله في تغير حياته
ومصيره وكانت الطقوس السحرية من هذا المنظور دعاء الشخص للإله
بالتدخل. ويمكن ملاحظة هذا في تشابه إلى نوع ما لفكرة الدعاء و
الصلاة و تقديم القرابين في ديانات متعددة لاتزال تمارس لحد هذا
اليوم حيث إن فكرة طلب المساعدة من الخالق الأعظم هي نفس الفكرة
القديمة ولكنها أكثر عمقا و فلسفية من الديانات البدائية.
هناك بعض الآثار القديمة تشير إلى استعمال السحر من منظور ديني
لدى الإنسان القديم و تشير بعض الرسومات القديمة في كهوف فرنسا إلى
استعمال السحر للمساعدة في عملية الصيد وتم العثور على آثار مماثلة
لدى قدماء المصريين و البابليين وإستنادا إلى مارغريت موري (1863 -
1963) المتخصصة في العلوم المصرية القديمة فإن كل طقوس السحر و
الشعوذة يمكن إقتفاء آثارها إلى طقوس دينية قديمة لديانات كانت
تعبد الظواهر الطبيعة وإن بعض التعويذات التي كانت تستعمل في
أوروبا في القرون الوسطى مشابهة إلى حد كبير لكتابات هيروغليفية
عمرها 2500 سنة على اقل تقدير وإن فكرة تقديم القرابين للإله ترجع
إلى العصرالحجري حيث تم العثور على منصة ذبح القرابين في العديد من
الكهوف القديمة في أوروبا.
السحر عبر العصور
عرف الإنسان السحر منذ القدم وهناك كتابات تتحدث عن السحر في
قصائد هوميروس وكتابات قدماء المصريين التي تركزت على استعمال ورق
البردي في السحر وكتابات بلاد فارس القديمة وخاصة كتابات رجال دين
الزرادشتية الذي يعتقد ان كلمة السحر بالإنجليزية Magic قد أتت من
افراد قبيلة ماجاي الميدية اللذين كانوا رجال الدين الرئيسيين في
الديانة الزردشتية. هناك نقاط تشابه حول الكتابات القديمة حول
السحر منها على سبيل المثال:
استعمال ما يسمى الكلمات السحرية وهي كلمات يعتقد البعض إنها
قادرة على تطويع و توجيه الأرواح.
استعمال آلات موسيقية بدائية مصنوعة من الخشب وإحداث اصوات
متناغمة نوعا ما أثناء الطقوس.
استعمال رموز وكتابات و شيفرات غامضة لغرض إستحضار الأرواح.
استعمال وسيط بين القوى الخفية و السحرة وكان الوسيط في العادة
أشخاص كانوا يزعمون القدرة على إستقبال رسائل من القوى الغير مرئية.
في العصور الوسطى قام ألبرت الكبير (1206 - 1280) Albertus
Magnus بجمع عدد كبير من التعويذات السحرية ومن الجدير بالذكر إن
ألبرت لم يكن ساحرا بل كان رجل دين مسيحي مهتم بعلم الخيمياء وكان
غرضه الرئيسي هو البحث العلمي.
مع بداية عصر النهضة و الثورة الصناعية حل التفسير العلمي محل
الخرافات والأساطير. قام الكيميائي البروسي كارل رايخنباخ (1788 -
1869) في عام 1850 بتجربة على البرافين والفينول لغرض معرفة ما
أسماه بالقوة الغريبة او القوة الغامضة لبعض المواد التي أستعملت
في السابق من قبل السحرة في طقوسهم وإستخلص إلى نتيجة ان هناك "تدفق"
إيجابي و سلبي في المادتين وقدم نظريته بان هناك إستعمالات اخري
غير معلومة للمواد بجانب الأستعمالات المعلومة ولكن نظريته لم تلق
قبولا من قبل علماء عصره
في القرن التاسع عشر ومع موجة الإستعمار الأوروبي للشرق تعرف
العالم الغربي عن كثب على أساطير الشرق الغامضة وخاصة في الهند و
مصر وبدأ ولع جديد بالسحر و طقوسه وتشكلت جماعات منظمة تحاول دراسة
السحر وفي عام 1951 تم إلغاء قانون منع الشعوذة في بريطانيا والذي
كان ساري المفعول منذ عام 1401 وتم تأسيس جماعة ويكا التي لاقت
افكارها قبولا عند Hippie الهيبيين
السحر من وجهة نظر العلم
هناك قياسات علمية متفقة عليها لتحديد فيما إذا كانت ظاهرة او
طريقة او تحليل او إعتقاد معين يمكن تصنيفه كعلم حقيقي أم لا وإذا
لم يتم تجاوز بعض الإختبارات فإنها ستنتهي إلى تصنيف يسمى العلوم
الكاذبة. بعض من القياسات المتفقة عليها ويجب توفرها في العلم
الحقيقي هي التالية:
القدرة على الحصول على نفس النتائج او نتائج متقاربة عند إجراء
اختبار معين مرات عديدة وإذا لم يتم الحصول على نتائج متقاربة عند
تكرار عملية او خطوة ما فإن الطريقة او الظاهرة تعتبر غير علمية
على سبيل المثال اختبار تعويذة معينة على عدد من الأشخاص
المتطابقين في العمر و الجنس و الحالة الاجتماعية و الثقافية لرؤية
فيما إذا كانت التعويذة لها نفس التأثير.
القدرة على حصول تأثير مع توفر شرط عدم معرفة الأشخاص المشتركين
بالتجربة فيما إذا قد تعرضوا للمادة الحقيقية او مادة وهمية شبيهة
بالشكل للمادة الأصلية ولتوضيح هذه النقطة يقسم المتطوعون للتجربة
إلى نصفين متشابهين قدر الإمكان من ناحية العمر و الثقافة و نواحي
اخرى بحيث يكون تعاطيهم للمادة الحقيقية او المادة الوهمية الفرق
الرئيسي بين المجموعتين. على سبيل المثال إذا تم التوصل إلى معرفة
فيما إذا كانت تعويذة معينة ذات فعالية حقيقية فإنه يصمم نوعين من
التعويذات إحداهما مصمم من قبل شخص يدعي السحر و الأخر شبيه
بالظاهر للاولى ولكنها ليست حقيقية ويتم توزيعها على مجموعتي
الإختبار الذين لايعرفون فيما إذا تلقوا التعويذة الحقيقية او
الوهمية وبعد فترة مراقبة يتم معرفة فيما إذا كان هناك فرق حقيقي و
ملموس بين تاثير الحقيقي و الوهمي.
الغاية الرئيسية في هذه التجارب هو معرفة احتمال دور عامل
الصدفة او عوامل نفسية او اجتماعية او اي عامل آخر في حدوث التأثير
الملاحظ. ومعظم مدعوا السحر او الباراسايكولوجي يفشلون امام هذه
الإختبارات.
السحر.. تظرة تاريخية
يقول صاحب كتاب " قصة الحضارة ": ( وقد كانت الغابات – في رأي
الأقدمين – في أول أمرها عامرة بالجن والشياطين والسحرة والمردة
والأقزام وعرائس الجن، والفلاح الساذج في إيرلنده ( إيرلنده: جزيرة
أوروبية في بحر الشمال تقع غرب بريطانيا – معجم اللغة والأعلام )
لا يزال يؤمن بوجود الجنيات ويستحيل أن يعترف بشاعر أو كاتب على
أنه من رجال النهضة الأدبية هناك إلا إذا أدخل الجنيات في أدبه
وشعره ) ( قصة الحضارة – 1 / 101 )
ويقول أيضاً: ( ونحن لا ننكر أن تكون الغابات والأماكن الخربة
والصحارى والقبور وأماكن القذارة كالمعاطن والمزابل والحمامات
وغيرها من هذا القبيل هي أماكن يأوي إليها الجن بكافة أنواعه غالباً،
إلا أن الإنسان البدائي تصور عالماً من الأرواح يجهل طبيعتها
وغاياتها ولهذا سعى إلى الخرافة وعمل على استرضاء تلك الأرواح
واجتلابها في جانبه لمعونته، ومن ثم كان السحر هو جوهر الديانة
البدائية بمثابة الروح من شعائر العبادة، ولهذا تصور الناس آنذاك
أن خضما حقيقياً مليئاً بقوة السحر وأطلقوا عليه اسم " مانا " وكان
الساحر في رأيهم إنما يقطر قطرات ضئيلة من هذا المورد الذي لا
ينتهي، والذي يستمد منه قدرته على السحر، وكان هناك ما يسمى بالسحر
التمثيلي ( السحر التمثيلي: هو أن يقوم الإنسان بأداء أشباه
الأفعال التي يريد أن تحصل له بقوة نفسه ) الذي كان هو أول الطرائق
التي كسب بها الإنسان معونة الأرواح، وكان هذا النوع معروفاً في "
سومطرة " ( سومطرة: كبرى جزر أندونيسيا شهيرة بخصب تربتها ) وفي "
أرخبيل بابار" ( أرخبيل بابار: هي مجموعة جزر بحر إيجة ) والحال
كذلك كان في قبيلة " دياك " في " بورينو " ( بورينو: ثالث جزيرة في
العالم وكبرى جزر أندونيسيا ) فقد كان الساحر إذا أراد أن يخفف
آلام امرأة تضع يقوم هو بنفسه بحركات الوضع على سبيل التمثيل لعله
بذلك يوحي بقوة سحره إلى الجنين أن يظهر، بل كان أحياناً يقوم
الساحر بدحرجة حجر على بطنه ثم يسقطه على الأرض آملا أن يقلده
الجنين المستعصي فتسهل ولادته 0 وهذا كله نوع من الإيحاء 0
وفي العصور الوسطى كانوا يسحرون الشخص بأن يغرزوا الدبابيس في
تمثال من الشمع يمثل صورته ( قلت: كما حدث تماماً للنبي فقد ذكر
ابن حجر في الفتح من الزيادات على رواية عمرة عن عائشة أن الرسول
وجد في طلعة الذكر المستخدمة في سحرة الذي فعله لبيد بن الأعصم
تمثالاً من الشمع، وهو تمثال له وفيه إبر مغروزة ووتر فيه إحدى
عشرة عقدة فنزل جبريل بالمعوذتين فكلما قرأ الرسول آية انحلت عقدة
وكلما نزع إبرة وجد لها ألماً ثم يجد بعدها راحة حتى قام كأنما نشط
من عقال – فتح الباري – 10 / 230 – انتهى كلامي ) 000 ) ( قصة
الحضارة – 1 / 111 ) 0
وقال: ( وكان هنود بيرو ( بيرو: جمهورية في أمريكا الجنوبية تقع
بين كل من كولومبيا، والبرازيل، وبوليفيا، والأرجنتين ) يحرقون
الناس ممثلين في دماهم ( دماهم: جمع دمية ومعناها: الصور المزينة
فيها حمرة كالدم ومنها الصنم 0 راجع دمى في المعاجم ) ويطلقون على
هذا اسم " إحراق الروح " وليس سواد الناس في العصر الحاضر بأرقى من
هذا السحر البدائي في أراجيفهم وخرافاتهم فنسمع عن أشياء مثل هذا
وإن اختلفت في الطريقة والأسلوب
وصحيح أن السحر بدأ بالخرافة إلا أنه انتهى بالعلوم، فهناك
الألوف من أغرب العقائد جاءت نتيجة للفكرة الروحانية القديمة ثم
نشأت عنها طقوس عجيبة بعد ذلك، ولقد بدأ الاعتقاد في السحر في
أوائل التاريخ الانساني إلا أنه لم يزل عن الإنسان زوالاً تاماً،
وكانت عبادة الأصنام وغيرها مما يكون له قوة سحرية كالتمائم أرسخ
في القدم من السحر نفسه وأثبت منه في أعماق النفوس ثم ظهرت بعد ذلك
الأحجبة وما زالت مثلاً من الأمثلة التي تعاصرنا حتى الآن كالأصنام
وما إليها من ذوات القوة السحرية – على حد ما يزعمون – والعجيب أن
نصف سكان أوربا تقريباً يلبسون المدليات والتمائم ليستمدوا
بوساطتها وقاية ومعونة من وراء الطبيعة ) ( قصة الحضارة – 1 / 115
) 0
وقال أيضاً: ( والواقع أن تاريخ المدنية ليعلمنا في كل خطوة من
خطوات سيره كم تبلغ قشرة الحضارة من الرقة والوهن، ثم كيف تقوم
المدنية على شفا جرف هار فوق قمة بركان لا يخمد سعيره من الوحشية
البدائية والخرافة الواسعة والجهل المكبوت، وما المدنية المعاصرة
إلا غطاء وضع وضعاً على قمة العصور الوسطى ولا تزال آثار العصور
باقية في بعض الناس إلى اليوم، فقد بالغ فريزر في مبالغة غير
مستغربة منه فقال: إن أمجاد العلم تمتد بجذورها إلى سخافات السحر،
لأنه كلما أخفق الساحر في سحره استفاد من إخفاقه هذا استكشافاً
لقانون من قوانين الطبيعة ( قلت: لا يجوز اطلاق هذا المصطلح في
الواقع، حيث أن كافة مقادير الحياة بيد الله سبحانه وتعالى وهو
المتصرف في هذا الكون بأرضه وسماءه وأفلاكه وكل ما فيه، وكافة
القوانين هي من صنع الله سبحانه وتحت تقديره ومشيئته ) يستعين
بفعله على مساعدة القوى غير الطبيعية في إحداث ما يريد إحداثه من
ظواهر ثم أخذت الوسائل الطبيعية تسود وترجح كفتها شيئاً فشيئاً،
ولو أن الساحر كان دائماً يخفي هذه الوسائل الطبيعية ليحتفظ
بمكانته عند الناس ما استطاع إلى إخفائها من سبيل بأن يعزو الظاهرة
التي أحدثها إلى السحر الذي استمده من القوى الخارقة للطبيعة، وهذا
شبيه جداً بأهل هذا العصر حين يعزون الشفاء الطبيعي لوصفات وعقاقير
سحرية.
ثم لا يخفى أنه كان للكهنة دور كبير في إضرار الناس في إبقائهم
على الخرافة باحتكارهم لضروب معينة من المعرفة، وقد كان أدب الكهنة
آنذاك ترانيم دينية وطلاسم سحرية يتغنون بها عادة 0 وتنتقل
بالرواية من ذاكرة إلى أخرى، وكانت الكلمة التي معناها الشعر عند
الرومان تدل على الشعر وعلى السحر في آن واحد، وكذلك الكلمة التي
معناها النشيد عند اليونان معناها في الأصل طلسم سحري، وقد تطورت
أنغام الشعر وأوزانه تطوراً ظاهراً على أيدي السحرة في ذلك الوقت
ليزيدوا – بزعمهم – من التأثير السحري ) ( قصة الحضارة – باختصار –
1 / 116، 117، 132 ).
وقال: ( ولا شك أن التنجيم سابق على علم الفلك، وقد دام وجوده
على الرغم من ظهور علم الفلك أما طرق العلاج في هذه الفترة
البدائية فكانت باصطناع الرقية السحرية التي من شأنها – على حد
دعواهم – أن تسترضي الروح الشريرة التي حلت في البدن العليل لعلها
تتركه، وكان للخزاف دور في تصوير الأشخاص في تماثيل يستفاد منها في
تمائم السحر ) ( قصة الحضارة – باختصار – 1 / 136، 137، 148 ).
* نبذة تاريخية عن السحر وتطوره حتى عصرنا الحاضر: ( أنظر بتصرف
– أحكام القرآن للجصاص – 1 / 43، 44، فتح الباري – 10 / 222، 223
).
يرجع تاريخ السحر إلى ما قبل زمن نوح عليه السلام لأن قصة هاروت
وماروت ( هاروت وماروت قيل أنهما بدل من الشياطين، وقال الحسن: هما
علجان كانا ببابل ملكين، وقيل أنهما ملكان نزل عليهما السحر فتنة
وامتحاناً يعلمان السحر تعليم إنذار من السحر لا تعليم دعاء إليه –
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي – 2 / 50، 52، 54 ) كانت قبل زمنه
عليه السلام على ما ذكره ابن اسحق وغيره، وكان السحر موجوداً في
زمن نوح عليه السلام إذ أخبر الله عن قوم نوح أنهم زعموا أنه ساحر.
وفي عهد إبراهيم الخليل كان سحر أهل بابل وكانوا قوماً صابئين
يعبدون الكواكب السبعة ويسمونها آلهة، ويعتقدون أن حوادث العالم
كلها من أفعالها، وعملوا أوثاناً على أسمائها، وجعلوا لكل واحد
منها هيكلاً فيه صنمه، ويتقربون إليها بضروب من الأفعال على حسب
اعتقاداتهم من موافقه ذلك للكوكب الذي يطلبون منه بزعمهم إليه بما
يوافق المشتري من الدخن والرقى والعقد والنفث عليها، ومن طلب شيئاً
من الشر والحرب والموت والبوار لغيره تقرب بزعمهم إلى زحل بما
يوافقه من ذلك، ومن أراد البرق والحرق والطاعون تقرب بزعمهم إلى
المريخ بما يوافقه من ذبح بعض الحيوانات وجميع تلك الرقى بالنبطية
( النبطية: لغة قديمة أول من استعملها آدم عليه السلام حينما
استيقظ فوجد حواء بجواره فقال " أثا " بالنبطية امرأة – بتصرف –
جامع البيان في تفسير القرآن للطبري – 4 / 150 ) تشتمل على تعظيم
تلك الكواكب لتحقيق ما أرادوا من خير أو شر أو محبة وبغض فتعطيهم
ما شاؤا من ذلك، فيزعمون أنهم عند ذلك يفعلون ما يريدون في غيرهم
من غير مماسة ولا ملامسة سوى ما قدموه من القربات للكوكب الذي
طلبوا ذلك منه، وكان من العامة من يزعم أنه يقلب الإنسان حماراً أو
كلباً، ثم إذا شاء أعاده ويركب المكنسة والخابية ( الخابية: وعاء
الماء الذي يحفظ فيه والجمع الخوابي – المعجم الوسيط – 1 / 212 )
ويطير في الهواء فيمضي من العراق إلى الهند وإلى ما شاء من البلدان
ثم يرجع من ليلته.
وكانت السحرة من خلال عبادتهم للكواكب وكل ما دعا إلى تعظيمها
تموه بحيل على العامة زاعمة لهم أن سحرهم لا ينفذ ولا ينتقع به
أحد، ولا يبلغ ما يريد إلا من اعتقد صحة قولهم وتصديقهم فيما
يقولون، ولم تكن ملوكهم تعترض عليهم في ذلك، بل كانت السحرة عندهم
بالمحل الأجل لما كان لهم في نفوس العامة من التعظيم والإجلال،
ولأن الملوك في ذلك الوقت كانت تعتقد ما تدعيه السحرة.
ولما كانت علوم أهل بابل ( بابل: قطر من الأرض، قيل: العراق وما
والاه، وقال قوم: هو جبل نهاوند – الجامع لأحكام القرآن للقرطبي –
2 / 53 ) تقوم على الحيل والنيرنجيات ( النيرنج والنيرج: أخذ
كالسحر وليس به إنما هو تشبيه وتلبيس – هامش الجامع لأحكام القرآن
للقرطبي – 2 / 42 ) وأحكام النجوم، فقد بعث الله إليهم إبراهيم
الخليل مبطلاً لمعتقداتهم الباطلة ودعاهم إلى الله تعالى وحاجهم
بالحجج التي بهرتهم.
وكان أهل بابل ببلاد العراق والشام ومصر والروم على هذه
المعتقدات إلى أيام بيوراسب الذي تسميه العرب الضحاك وكان ساحراً.
وقد استطاع افريدون وكان من أهل دنباوند أن يقضي على بيوراسب
ويزيل ملكه ويأسره في جبل دنباوند العاليز
ولا يزال جهال الناس يزعمون أن بيوراسب حي في جبل دنباوند وأن
السحرة يأتونه هناك فيأخذون عنه السحر، وأنه سيخرج فيغلب على الأرض،
وأنه هو الدجال الذي أخبر به النبي وحذرنا منه، ولعلهم أخذوا ذلك
عن المجوس.
ثم صارت مملكة إقليم بابل للفرس فانتقل بعض ملوكهم إليها في بعض
الأزمان فاستوطنوها، ولم يكونوا عبدة أوثان، بل كانوا موحدين مقرين
بالله وحده، إلا أنهم مع ذلك يعظمون العناصر الأربعة: الماء والنار
والأرض والهواء لما فيها من منافع الخلق وأن بها قوام الحياة،
وإنما حدثت المجوسية فيهم بعد ذلك في زمن كشتاسب حين دعاه زرادشت
فاستجاب له على شروط وأمور.
وكانت الفرس تتعبد بقتل السحرة وإبادتها، ولم يزل فيهم ومن
دينهم قبل حدوث المجوسية فيهم وبعده إلى أن زال عنهم الملك.
وفي زمن فرعون كان الناس، يتبارون بالعلم والسحر والحيل، ولذلك
بعث الله إليهم موسى عليه السلام بآياته ( الآيات التسع: هي العصا
واليد البيضاء والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمسة
وفلق البحر – تهذيب الأسماء واللغات للنووي – ص 120 ) التسع التي
علمت السحرة أنها ليس من السحر في شيء، وأنها لا يقدر عليها غير
الله تعالى.
( وفي عهد سليمان كان السحر متفشياً فجمع سليمان كتب السحر
والكهانة ودفنها تحت كرسيه، فلم يستطع أحد من الشياطين أن يدنو من
الكرسي فلما مات سليمان، وذهب العلماء الذين يعرفون الأمر، جاء
الشيطان في صورة إنسان فقال لليهود، هل أدلكم على كنز لا نظير له ؟
قالوا نعم، قال: فاحفروا تحت الكرسي فحفروا – وهو متنح عنهم –
فوجدوا تلك الكتب، فقال لهم: إن سليمان كان يضبط الإنس والجن بهذا،
ففشا فيهم أن سليمان كان ساحراً.
فلما نزل القرآن بذكر سليمان في الأنبياء، أنكرت اليهود ذلك،
وقالوا إنما كان ساحراً، فنزل قوله تعالى: ( وَمَا كَفَرَ
سُلَيْمَانُ وَلَكنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ
النَّاسَ السِّحْرَ ) " سورة البقرة – الآية 102 " ) ( أخرجه
الطبري وغيره عن السدي، ومن طريق سعيد بن جبير بسند صحيح نحوه، ومن
طريق عمران بن الحارث عن ابن عباس موصولاً بمعناه – فتح الباري –
10 / 223 ).
وقيل إن الشياطين هي التي كتبت السحر ودفنتها تحت كرسي سليمان،
فلما مات سليمان استخرجتها وقالوا هذا العلم الذي كان سليمان يكتمه
عند الناس، وقيل غير ذلك.
يقول إبراهيم الجمل: ( وقبل ظهور المسيح بخمسة آلاف عام، زاول
الساحر ( زوروستر ) السحر في بلاد الفرس، ويعتبر هذا الساحر واضع
طرق السحر وأسسه التي سار عليها الكنعانيون والمصريون والهنود
وغيرهم.
وكان لكل فئة معتقد خاص يعتقده في القوة السحرية فمنهم من
يعتقدها في القطط والكلاب ومنهم من يعتقدها في الطيور الصغيرة.
ومن أعظم الملوك الذين حكموا مصر الملك ( نيكتاييبس ) وكان
ساحراً ضليعاً وامتد المصريون القوة لنجاح سحرهم تدعى ( He KAW )
وقد وجدت منقوشة على التعاويذ ( التعاويذ: ما يعلق لدفع الحسد
والرقية يرقى بها الإنسان من فزع وجنون وهي مأخوذة عاذ به عوذاً
وعياذاً: التجأ إليه واعتصم به، وأعاذه بالله حصنه به – المعجم
الوجيز – ص 440 ) والطلاسم ( الطلاسم: جمع طلسم وهو خطوط وأعداد
يزعم كاتبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية بالطبائع
السفلية لجلب محبوب أو دفع أذى – المعجم الوجيز – ص 393 )
والجعارين ( الجعارين: جمع جعران، وهي عند قدماء المصريين، تمثال
لحشرة سوداء من نوع الخنافس عرفها المصريون فقدسوها ثم جعلوا منها
تميمة وحلية – المعجم الوجيز – ص 107 ) وغيرها من آثارهم، ووجد
بورقة البردى رقم 122 المحفوظة بالمتحف البريطاني بعض التلاوات
والرموز السحرية التي كان يستعين بها السحرة المصريون في أعمالهم
وطقوسهم ( الطقوس عند غير المسلمين نظم الخدمة الدينية أو شعائرها
واحتفالاتها – المعجم الوجيز – ص 392 ).
وقد بذلت جميع الدول في الممالك الغربية قصارى جهدها ومجهودها
للخلاص من السحرة ففرضت عليهم أقسى وأشد العقوبات التي أخفها الشنق
ونالتهم بالتعذيب والتنكيل والتشهير ومصادرة الأموال وإنزال
العقوبات بهم وبذريتهم.
وكانت فرنسا وألمانيا وإيطاليا تحكم على السحرة بالإعدام حرقاً.
وفي اسكتلندا كانوا يعاقبونهم بإلقائهم في إناء حديدي كبير
مملوء بالقار، وكانت إنجلترا أو بعض دول أوربا تعدمهم شنقاً أمام
الجمهور.
وكان عقاب الساحر أو الساحرة في أمريكا الإعدام شنقاً في أقرب
شجرة بالطريق.
وقد استعملت بعض الممالك طريقة ( الخازوق ) في إعدام السحرة،
كما عاقبتهم دول كثيرة بطريقة ( التشبيح )، فقد كانوا يأتون
بالساحر ويمدونه على مائدة كبيرة غليظة مقسمة إلى أربعة أقسام
مفصولة عن بعضها ويفردون ذراعيه إلى أعلى بحيث يقيدون الذراع
الأيمن في ركن المائدة الأعلى الأيمن والذراع الأيسر في ركنها
الأيسر، والقدم اليمنى في الركن الأسفل الأيمن ومثلها القدم اليسرى،
ومركب بوسط هذه المائدة عجلة مصنوعة ومتصلة بالمائدة بطريقة مخصوصة
حتى إذا ما دارت العجلة انفصلت أربعة أجزاء المائدة عن بعضها وتحرك
كل جزء منها في اتجاه مضاد للآخر، فيتحرك الذراع الأيمن إلى الشمال
الغربي والذراع الأيسر إلى الشمال الشرقي والقدم الأيمن إلى الجنوب
الغربي والأيسر إلى الجنوب الشرقي، وبهذا تتفكك أوصال عضلات ومفاصل
الساحر، وتسبب له من الآلام الفظيعة المبرحة ما لا تقوى عليه
الأبالسة وتتسبب في نهاية أجله بعد بضع دقائق ثم تؤخذ جثته وتحرق
ويبعثر رمادها في الشوارع.
ولكن أبشع وأقسى طريقة اتبعت لعقاب الساحر هي التي طبقتها محاكم
التفتيش بإسبانيا، فقد أعدت هذه المحاكم غرفاً مخصوصة مزودة بكافة
آلات التعذيب التي لا تخطر على بال البشر، وأطلقوا عليها ( غرف
التعذيب أو الاعتراف ) فعند القبض على الساحر واعترافه مبدئياً
بمزاولته السحر يدخل غرفة التعذيب حيث تجري عليه العقوبات التالية:
يعلقونه من ساقيه بعد ربط يديه إلى جانبيه في عجلة كبيرة بحيث
تكون رأسه إلى أسفل ثم تدور العجلة عدة دورات عنيفة حتى إذا ما
دارت وجعلته في الوضع الصحيح ( أي انقلب وضعه وصارت رأسه فوق
ورجلاه تحت ) يبدأون في تقليع أظافر يديه واحداً بعد الآخر، ثم
تدور العجلة وتضعه في وضع أفقي ويختارون من جسده الجهات المختلفة
باللحم والشحم كالكتفين أو الفخذين، أو الساقين ويشقون فيها طرقاً
طويلة أو قصيرة حسبما يتراءى لهم ثم يصبون فيها الزيت أو القار
المغلي ثم يضعونه في الوضع المقلوب الأول ويفقئون عينيه بمسامير
كبيرة محماة وينهون هذا العذاب أخيراً بحرقه.
ونظراً لهذا العذاب الأليم كانت المحاكم في إسبانيا لا تقرر
مجازاة الساحر إلا بعد اعترافه الصريح بمزاولة السحر بناء على
اتفاق أو عقد أبرمه مع الشيطان وعلى الساحر أن يقرر هذا كتابة
ويبين في إقراره متى وأين عقد اتفاقه، وما هي نصوص الاتفاق ومدته
وعلى أي صورة كان يظهر له الشيطان وما هي المواد التي يستعملها في
سحره ومن يحضرها له ولمن كان يسحر ولصالح من ولضرر من ؟ وغير ذلك
من الأسئلة التي لا تجعل هناك محلاً للشك في نوايا الساحر أو عقابه
زوراً.
وانتقل السحر من أوربا إلى آسيا ووصل إلى جزيرة حاميكا
والأمريكتين وقد ذكر المستر ( ي ويليامز ) عن سحر أهالي جاميكا
وفنونهم الشيء الكثير في كتابيه الصادرين سنة 1932، 1935 م.
وما زال في الأمريكتين من يعملون بالسحر لوقتنا هذا.
ورغم العقوبات وأنواع التعذيب التي فرضتها الحكومات الأجنبية
على السحرة والساحرات إلا أن كل هذا لم يكن كافياً لشل حركتهم أو
شوكتهم أو تخويفهم أو استئصال بذور الشر من نفوسهم، وكانوا يعتقدون
أنهم ببيعهم روحهم للشيطان لم يبق هناك روح لإزهاقها بمعرفة
الحكومة بواسطة الشنق أو الحرق وغيرها من طرق الإعدام، وبجانب
هؤلاء كان هناك من السحرة المثقفين كأرباب الأعمال أو المال أو
الأساتذة فكانوا خوفاً من الجزاء الصارم يسترون سحرهم بحجج باطلة
واهية إذ كانوا يدعون أن سحرهم موجه للأعمال الخيرية والإفادة مثل
شفاء المرضى أو الإصلاح بين العائلات أو الأزواج أو الكشف عن أسرار
الكنوز والعلوم المخبأة التي تنفع المدنية ويستفيد منها الناس ولذا
كانوا يطلقون على عملهم هذا السحر الأبيض تفرقه له عن السحر الأسود
المقصود به الضرر ولكن كل هذه الإدعاءات وكل هذه الحيل لم تأخذ بها
الحكومات ولم يقرها القانون وقضوا على كل حالاته لأنه لا يخرج عن
كونه السحر الأساسي الذي يعتمد في نجاحه للاستناد إلى قوى غير
طبيعية، وأن الساحر بعمله يهب نفسه القوة للتغلب على النواميس
الطبيعية ونظمها ويدعيّ سلطته على عقول وقلوب ونفوس البشر ويمكنه
أن يمسها بالضرر كلما شاء كما أنه يسحر الإنسان وجسده والحيوان
والنبات والجماد لخدمته في أغراضه المشينة، وكلها أمور تتنافى مع
القدرة الإلهية.
وفي القرن الثامن عشر عندما ألغيت عقوبة الإعدام على السحرة
واستبدلت بعقوبة الحبس البسيط أو الغرامة، وجد الناس الفرصة الطيبة
لمزاولة السحر وتعلمه والعمل به جهراً، وتكونت الأندية والجمعيات
السحرية التي ضمت عدداً كبيراً من الرجال والنساء من مختلف الطبقات
وأدى تخفيف العقوبة إلى رواج الدجل والشعوذة، وكان من يخشى اللوم
أو العتاب يدعي إنه يعمل في علم الكيمياء الذي اشتهر أمره في هذا
الوقت، وكان بعض السحرة في القرن المذكور يقطن بين القبور والأمكنة
الموحشة ويتجسدون في أجساد الموتى ويسطون ليلاً على الآدميين
فيمتصون دماءهم واشتهروا في هذا الوقت باسم ( مصاصي الدماء )، وزاد
عددهم في فرنسا وروسيا والمجر وبولندا، وراجت بهذه المناسبة
الوصفات السحرية التي تحصن الشخص ضد شاربي الدماء.
وفي أوربا وفي القرن التاسع عشر والعشرين انتشر السحر انتشاراً
واسعاً وتعقب البوليس السحرة وما زال يتعقبهم ويفاجئهم ) ( السحر
دراسة في ظلال القصص القرآني والسيرة النبوية – 35 وما بعده ).
يعتقد الكاتب (اريك فروم) ان الانسان وفي كل عصر يحتاج الى
الوهم للبقاء وربما هو يعتقد حاجة الانسان للامل ولو على مستوى
الخرافة، فنحن نشاهدها تحيط بنا وتسيطر على العقول.
هذه نبذة عن السحر وتطوره إلى عصرنا الحالي، وهو ممقوت عند جميع
الأديان، مكروه من البشر، لما فيه من الضرر البالغ، ولما يشترطه من
توجه لنجاح عمله إلى غير الله.
المراة العربية والسحر والخرافة
وفقا لدراسة علمية ميدانية أجراها الباحث المصري محمد عبدالعظيم
فان نصف النساء العربيات يؤمن بالسحر والخرافة، وحوالي نصف مليون
دجال يمارسون أنشطتهم سرا وعلانية في الدول العربية، فيما ينفق
العرب نحو 5 مليارات دولار سنويا على المشعوذين، كما بينت الدراسة
ان مئات الآلاف من العرب يدعون علاج الأمراض بتحضير الأرواح
وبالقرآن والكتاب المقدس، وبرأيه فان الناس لا يلجأون إلى الخرافة
ويتعلقون بأوهامها إلا حين تضيق في وجوههم أبواب الأمل، وتحاصرهم
الشدائد، كاشفا ان هناك أعدادا متزايدة من الدجالين ليصل الأمر
بحسبة بسيطة إلى معدل دجال لكل ألف عربي.
وفي البحرين هناك العديد من السيدات اللاتي يقمن بالذهاب إلى
الفوالة والسحرة والمشعوذين وغيرهم من الذي يرون البخت عن طريق
قارئة الفنجان أو الودعة أو عن طريق قراءة القرآن الكريم، أو الورق
(الكوتشينة)، أو السبحة وغيرها من الطرق المختلفة. وهناك العديد من
القصص لكثير من الناس الذين وقعوا ضحايا للسحر والشعوذة نتيجة
ايمانهم الكاذب بصدق أقوال هؤلاء السحرة.
وعن الاسباب التي تدفع بالنسوة الى التردد على السحرة والفوالة
كانت هذه بعض الاجابات:
ل.ع تقول وقد بدا على وجهها اليأس: لقد قمت بالتردد على
الفوالة بعد ان يئست وخاصة بعد ان تخرجت في الجامعة ولم احصل على
عمل مدة طويلة فذهبت إلى إحدى النساء لعمل احجبة لجلب الرزق، وأخذت
الفوالة عن كل حجاب (25) دينارا وفي كل مرة تسحب مني المال من دون
جدوى، وفي إحدى المرات ذهبت إلى امرأة أخرى وفي كل مرة يعملن احجبة
لجلب الرزق من دون فائدة.
وتقول ليلى وعلامات الحزن على وجهها من حظي السيئ أني لم أتزوج
إلى الآن وعندما راجعت الفوالة قالت ان أحدهم عمل سحرا لي لكي لا
أتزوج ويجب ان يقرأ علي شيخ من اجل فك السحر، ولكن أمي ترفض ذلك
بحجة ان ذلك (كتبة من الله) ولكني أريد ان أتزوج مثل باقي البنات
واخاف من العنوسة، فماذا افعل؟ هل اذهب إلى الشيخ من وراء أمي؟
أؤمن بالفوالة أما أم عيسى فتقول: أؤمن كثيرا بالفوالة فكثيرا ما
اتردد عليهم عندما امرض وخاصة أني أعاني كثيرا آلاما في جسمي نتيجة
كبر سني فعندما اذهب لهؤلاء يعملون احجبة لي لأشفى من مرضي ولكنهم
يأخذون المال الكثير فماذا افعل؟ ففي إحدى المرات ذهبت إلى أحد
المشايخ وطلبوا ان اذبح ذبيحتين على باب المنزل وادفع المال لثمن
الاحجبة وكان ذلك مكلفا ولاني أؤمن بذلك فعلت ذلك.
وتواصل أم عيسى لقد كانت لنا تجربة أيضا مع إحدى السيدات
اللواتي يرين البخت فعندما جلس ابني من دون عمل بعد تخرجه طلبت
إليّ الفوالة عمل الاحجبة للرزق حتى يحصل ابني على عمل.
وام عبير تقول لقد نصب على كثيرا نتيجة لذهابي إلى السحرة
والمشعوذين، ففي إحدى المرات ذهبت إلى أحد المشايخ لفك السحر كما
يقول لكي أتزوج فقال ان هناك جنيا يسكنك ويبعد كل من يريد الزواج
منك، واخذ مني المال الكثير وظللت فترة طويلة حتى تزوجت، وفي إحدى
المرات ذهبت إلى إحدى السيدات وعملت لي حجابا لكي احمل ولكن من دون
جدوى.
وتواصل أم عبير ان تجربتي مع السحر والشعوذة كبيرة فقد فقدت
مبلغا كبيرا في إحدى المرات وعندما ذهبت إلى إحدى السيدات لفتح
الفأل طلبت مبلغا كبيرا من اجل ان تدلني على الضيعة،ولكني لم أجدها
إلى الان، وفي إحدى المرات أخذتني صديقتي لسيدة لعمل حجاب ليحبني
زوجي، فطلبت مبلغا خياليا فقلت لها (إن شاء الله ما حبني فلن ادفع).
المشكلة العاطفية
د. عبد السلام خشبة (استشاري الطب النفسي بمجمع الحكيم الطبي،
يعلق على الموضوع ويقول: لماذا يذهب الإنسان إلى المشعوذين والسحرة
وقارئي الفنجان وعارفي البخت والنصيب والمستقبل وضربات الحظ، غالبا
هذا الإنسان يعاني مشكلة في حياته قد تكون عاطفية ولا يعرف حلها،
والثقافة الاجتماعية لها تأثير أيضا على السحر بأنه يغير الإنسان
ويجعله شاردا مهموما وإن الجن مسه أو دخل في جسده حتى انه في بعض
الأوقات صوته يتغير ويتكلم بصوت جنس مخالف له فإذا كان ذكرا كان
الصوت أنثويا والعكس صحيح،وكذلك عدم فهمه للدين الصحيح فان ذلك من
سحرة فرعون، وذكر القرآن ان الثعابين التي تتحرك هو خداع للبصر
والوهم الذي سيطر على المشاهد فتنقلب الانفعالات على المنطق والهوى
على العقل.
ويواصل د. خشبة: الجن مذكور في القرآن الكريم ولكن له عالمه
الخاص وقد خلق من نار أما الإنسان فمن صلصال ولا اختلاط بينهما،
فلكل معيشته كما لا يمتزج الماء العذب والماء الأجاج، كذلك الإنسان
بفطرته يريد ان يعرف ماذا سيحدث له في المستقبل وخاصة إذا كان ذا
شخصية قلقه فانه يجد في كلام المنجم راحة لنفسه فيهدأ أو يصدق
كلامه فيعطيه دفعة للأقدام وقد يتحقق حلمه ولكن ذلك نتيجة للإيحاء
الذي يمكن ان يقوم به طب نفساني أو صديق، كذلك قد يلجأ الإنسان
إليهم إذا كان مريضا مرضا عصيا على الشفاء ومزمنا، ووجد الدواء
ضعيف المفعول او ان العلاج طويل الأمد فيلجأ إليهم، وللأسف فإن
هؤلاء الدجالين يحتالون بطرق حديثة وملتوية تنطلي على الزبون ويكون
صيدا ثمينا وذلك باستخدام أناس يندسون بين الزبائن ويعرفون مشاكلهم
ثم يخبرون المشعوذ بها ثم يخبر المشعوذ الزبون بهذه المعلومات
فيندهش ويقول كيف عرف هذا هذه المعلومات؟ وفي بعض الأحيان يستعملون
مكبرات صوت مصغرة يسمعها المشعوذ في الداخل ولهم من الحيل ما لا
يعد أو يحصى.
المراة اكثر ترددا على المشعوذين
هناك دراستان تؤكدان ماذهبت اليه ابحاث سابقة من ان المراة هي
الاكثر ترددا على السحرة والمشعوذين والدجالين...
الأولى هي الأحدث أعدها الدكتور "محمد عبد العظيم" الباحث
بالمركز القومي للبحوث الجنائية الاجتماعية بمصر قبل 4 شهور، أكدت
الدراسة على أن نصف نساء مصر يعتقدن في السحر والخرافات، وأن للجان
تأثيرًا على مجريات حياتهن، كما أكدت الدراسة أيضا على أن النساء "يتفوقن"
كثيرا على الرجال في هذا الأمر، ويصل عدد المترددات على السحرة
والمشعوذين من النساء ضعف عدد الرجال.
وأضافت الدراسة أن المصريين رجالا ونساء ينفقون أكثر من 10
مليارات جنيه سنويا على قراءة الطالع وفك السحر والعلاج من الجان،
وهناك دجال لكل 240 مصريا ومصرية.
الدراسة الثانية أعدتها الدكتورة "سامية الساعاتي" أستاذة علم
الاجتماع بجامعة عين شمس، أكدت هذه الدراسة أيضا على أن النساء هن
الأكثر اعتقادا في السحر والشعوذة والأكثر ترددا، وكشفت الدراسة عن
أشياء خطيرة أخرى؛ حيث أكدت أن 55% من المترددات على السحرة من
المتعلمات، و24% يجدن القراءة والكتابة، و30% من الأميات.. نفس
النسب تقريبا تنطبق على الرجال.
وأضافت الدراسة أن 51% من المترددات متزوجات؛ وهو ما يوضح
المشاكل الزوجية، و2.1% من العوانس الراغبات في نيل رضا المحبوب..
الطريف أن الدراسة كشفت عن أن 57% من المترددات اعترفن أنهن لم
يحققن شيئا، في حين أعرب 42%عن اعتقادهن أنهن استفدن من السحر.
بعد الاطلاع على الدراسة توجهت بالسؤال إلى الدكتورة "سامية
الساعاتي" عن رأيها في السبب وراء ارتفاع نسبة المترددات عن
المترددين على السحرة، أجابت: الأسباب عديدة، لعل أهمها تفشي
الأمية وانعدام الثقافة بمجتمعاتنا العربية التي تتميز أيضا
بالاعتقاد في الخرافات والأساطير الشعبية الوهمية عن الجان وقدرته،
بالإضافة إلى أنه هروب من الواقع، كما أن المرأة أضعف من الرجل
ويستغل المشعوذ أو الساحر هذا الضعف ليخضعها لسيطرته وتستجيب
لطلباته إرضاء للجان، كما أن الرجال أكثر عقلانية من النساء ولا
يتم خداعهم بسهولة.
كما تؤكد الدكتورة "إجلال إسماعيل" أستاذة علم الاجتماع على
كثرة تردد المرأة على المشعوذين عن الرجل، وأرجعت ذلك لأن المرأة
أكثر تصديقا للشائعات؛ فهي تصدق بسهولة أن الدجال يستطيع حل
مشاكلها، كما أنها تجد في السحر وسيلة سهلة ومريحة لحل الأزمات
التي تتعرض لها وتميل للبوح بما يؤرقها بصورة أكبر من الرجل،
بالإضافة إلى أن لديها وقت فراغ أطول ومسئوليات أقل!
السحر والشعوذة في بلاد الغرب
بحسب الأطباء الذين يختزلون الظواهر السحرية إلى بعدها النفسي،
لا يلجأ إلى السحر إلا صنفان من الناس: الهستيريون شديدو الحساسية
للإيحاء، والذهانيون المزمنون الذين يعانون من أحد الذهانات. بيد
أن هذا الطرح يهمل تأثير السياق الثقافي في الأعراض التي يقدمها
المرضى. وهو أمرٌ سبق أن انتبه إليه إدموند دوتيه منذ مستهل القرن
العشرين عندما قال: «ومعروف أن علماء مثل ليهمان يبنون نظرية السحر
بكاملها على الهستيريا والتنويم المغناطيسي باعتبارهما ظاهرتين
عصبيتين. بيد أن هذه النظرية الطبية تبدو على كل حال غير كافية،
بالخصوص لدى المسلمين الذين هيهات أن يكون سحرتهم كلهم عصابيين».
كما أظهر دومنيك كامو أن الساحر لا يمكن أن يُختزل إلى شخص هستيري:
«بتصرف الساحر مثل تقني يفكر في طريقة الحصول على أفضل النتائج
الممكنة في فعل أو تدخل يكون فيه الفشل أمرا خطيرا، فإن هذا الساحر
نفسه يتميز عن الهستيري الذي تكمن خصوصيته في الحصول على دور
ممثل».
يرى أغلب المثقفين أن الممارسات السحرية تدجيلٌ وشعوذة. وهذا
الطرح لازال يمرَّر إلى أيامنا هذه عبر العديد من المقالات
والملاحق الأسبوعية التي تخصصها صحف تقدمية وأخرى مستقلة للعرافات،
والأولياء، والمطببين التقليديين، والسحر، والجذبة. في هذه الملاحق،
يعزى ترسب هذه الممارسات إلى عاملين أهمها سياسي-اقتصادي: يقالُ إن
الدولة هي التي تشجع هذا النوع من الممارسات لصرف الشعب عن
الاهتمام بمشاكله الحقيقية. فالدولة عندما لاتنشئ مؤسسات صحية،
إنما تقود الناس إلى البحث عن العلاج لدى أناس «منحرفين». أخيرا،
إذا كان الناس يمارسون السحر فلأن الدولة لم تهيء لهم شغلا. بيد
أننا لاحظنا أن شريحة من أصحاب هذا الخطاب أنفسهم يلجأون أحيانا
إلى الممارسات نفسها. يصفهم الدكتور عبد الله زيوزيو بـ «محرري
محضر مناهض للسلفية مع التصرف تصرفا سلفيا»، إذ يقول:
«يمكن لـ [شخص] تقدمي أن يدخل في جذبة في فضاء كناوي (...) مع
أنه ينتقد باحتقار طائفة كناوة. وبالتالي، فإن قسما كبيرا من
المثقفين والطلبة، عندما يسقط مريضا، يعيش هذه التناقضات».
ويبدو أن هذه الأحكام تستند إلى تمثُّلٍ للغربِ مُتَخَيَّلٍ،
شائع بين المغاربة والعرب عموما، يرى في هذا الغرب نموذجا للاحتذاء
بوصفه «تخلى عن هذه المعتقدات والممارسات نهائيا»؛ وهو تمثل لا
ينفرد به المغاربة وحدهم، إذ تقول باحثة تونسية في معرض حديثها عن
ظاهرة الصرع:
«... فهل الصرع ظاهرة ميتافيزيقية أم ظاهرة أنثربولوجية؟ مع
العلم أن هاتين المرحلتين يمكن أن تتعايشا بشكل مكثف في المجتمعات
العربية أكثر منها في المجتمعات التي حسمت أمرها مع الخرافة
ووضعتها في مكانها الصحيح، وأحلت العلم ليجيب عن أسئلتها»!!.
والحال أن الواقع بخلاف ذلك تماما: ففي فرنسا وحدها، وصلت
الميزانية السَّنوية للسحر في عام 1957 مبلغ 3 مليار فرنك فرنسي،
وستتضاعف هذه الميزانية بسرعة قصوى لتصل في عام 1976 إلى 70 مليار
فرنك فرنسي. وفي أمريكا السبعينيات:
«كان العمل من الوفرة بما اقتضى تشغيل 000 10 مُنجِّم طيلة
الوقت و000 175 لوقت جزئي. كما جعل بعض 40 مليون أمريكي من الـ
zodiac buiness مقاولة بلغ رقم معاملاتها السنوي مائتي مليون
دولار. عدة أجهزة حاسوب تشغل باستمرار لسحب الأبراج وتفسيرها.
مقابل عشرين دولارا، يطبع أحد هذه الحواسيب في بضع دقائق طالع برج
من عشرة ألف كلمة. حاسوب آخر يشتغل ليل نهار، يـزود بالطوالع
الفلكية ألفي موقـع في كافة أرجاء البـلاد. حاسـوبٌ آخر يقع في
Grand Central Station، يقرأ يوميا 500 برج تابع له».
كما أن: «"كافة مبادئ السحر الطقسي متضمنة في الإنتاج
التلفزيوني، في الإعلانات التجارية والبرامج المنسقة بعناية كليهما"،
[هذا ما] كتب مايكل بنتاين، الذي يعرف الكثير عن كل من السحر
والتلفزيون، ويضرب عدة أمثلة على طرق التأثير في عقول المشاهدين
طيلة الوقت دون معرفتهم الواعية.
ثم فيما تُنادي أصواتٌ هنا، باسم العلم، بضرورة إحلال أدوات
العلاج الغربية محل نظيرتها التقليدية يُقرّ عدد لا يُستهانُ به من
الغربيين أنفسهم بفعالية هذه الأخيرة ويدعون إلى الاستسعاف بها في
مراجعة الأسس النظرية التي ترتكز عليها الأولى.
أخيرا، هل من الضروري تكرار ما صاغه ليفي ستروس نفسه منذ 1949
لحسم النقاش الجاري حول الموضوع من قبل، والذي كان يدور حول الجانب
الأنطولوجي للمسألة، أي السعي إلى معرفة ما إذا كان السِّحر موجودا
فعلا أم غير موجود، وهل هو مجرَّد خُرافة أم أنه علم من نوع آخر؟
السّحرُ موجود بكل بساطة لأنه يُمارَسُ. ولو لم يكن موجودا لما كان
يُمارَسُ. ثم لو لم تكن لممارسات الأطباء التقليديين فعاليات
مماثلة، بل وأحيانا مطابقة لممارسات زملائهم الأطباء العصريين لما
شهدت الممارسات العلاجية التقليدية والسِّحرية هذا الانتشار الواسع
على مستويي الزَّمَن والمكان.
وبذلك فالمسألة هنا هي مسألة قراءة أو ملاحظة أساسا؛ هذه
الأخيرة تتمُّ - والاستثناءات قليلة جدا - وفق خطاطة يتَّخِذُ فيها
العالمُ لنفسه دور العليم العارف أو المُلاحِظ الإيجابي فيما ينيطُ
بمن يلاحِظُهُم دورَ «الجَهَلَة» والملاحَظين السلبيين. وهذه
الخطاطة، فضلا عن أنها تنخرط في حقبة من المُلاحظة في الإثنوغرافيا
مُتَجاوَزة، كان يمثلها مالينوفسكي وإيفانس بريتشارد أساسا، تقع في
فخ اصطدام التمثلات التي تسود المجتمع المغربي اليوم بحكم اجتيازه
فترة تحوُّل من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث، فيترتب عن ذلك - ضمن
ما يترتَّب - انتزاع الباحث الكلامَ من الظواهر المدروسة وحرمانها
من التعبير عن نفسها، وتعذّرُ فهم إواليات اشتغالها، والوظائف التي
تؤديها والدلالات التي تحملها، وتَمَثُّلُ تمثلاتها التي تُقصِي
منها الباحثَ حواجزُ الثقافة العالمة.
من جهة أخرى، إن تفسير ترسّب الممارسات السحرية واللجوء إليها
بالعامل الاقتصادي وحدَه هو تفسير اختزالي يكذبه الواقع. أخيرا، إن
الدولة ليست لا عقلانية بالشكل الذي يُزعَم. ذلك أن التلفزة
والإذاعة الرسميتين تخصصان في العديد من المناسبات برامج خاصة
بالسحر والعلاجات التقليدية، يتم شجبهما فيها باسم العقلانية نفسها.
ففي سنة 1988، مثلا، خلال حملة للتلقيح ضد بعض الأمراض المعدية،
مضت وزارة الصحة إلى حد نشر ملصقا، في كافة أرجاء الوطن، يحث
المواطنين على القيام بالتلقيح ومقاطعة الفقيه الذي «يقتل» الأطفال
الصغار باسم السحر العلاجي.
وبذلك يلتقي قسمٌ من الأطباء والمثقفين، والتقدميين والدولة
نفسها، ضمنيا في تعيين الساحر وزواره باعتبارهم «أكباش فداء»
ينشرون الشرور ويعيقون التقدم.
يبدو أن نقلة نوعية في الخطاب الصحفي قد حصلت في نهاية
التسعينيات، وتتمثل في:
- نشر ما يفيد أن استفحال الإيمان بالخفي منتشر في الدول
الغربية نفسها. هكذا، نشرت جريدة العلم مقالا تحت عنوان «هل تحرر
علم الفلك من التنجيم؟»، أوردت فيه أن فرنسيا من اثنين يهتم برمزه
البرجي، وأن فرنسيا من 10 فرنسيين استشاروا واحدا من 10000 مُنجِّم،
وأن الرئيس ميتران اهتم بكواكب رجال السياسة، وأن ثلاثين منجمين
ضمن مستشاري الرئيس الأمريكي رونالد ريغن، وأن مُنجِّما وراء تحديد
العملية الجراحية للرئيس الروسي بوريس يلتسين، وتحت عنوان «عودة
عصر المعجزات» نشرت جريدة الأحداث المغربية مقالا ورد فيه أن 69%
من الأمريكان يؤمنون بالمعجزات، وأن شخصا من كل سبعة في ألمانيا
يلجأ للسحر[.
- تمكين السحرة والعرافين والمداوين بالأعشاب من الدعاية
لأنفسهم عبر نشر مجموعة من الصحف لبطاقات زياراتهم، مع تفاوت في
هذا «الاحتضان» طبعا، حيث لا تتردد الاسبوعيات المسماة بـ «صحف
الرصيف» في نشر كل طلبات المشتغلين بالخفي في حين تكتفي بعض
اليوميات الكبرى بشر أرقام هواتف المنجمين، وتخصيص عمود ليوميات
الأبراج.
قد تجد هذه النقلة تفسيرها جزئيا في التراجع الذي عرفته
الإيديولوجيات التقدمية والتوسع المتزايد للقيم الغربية ممثلة هنا
في حرية الإعلام والمنافسة والسعي إلى تلبية حاجيات أكبر عدد ممكن
من القراء.
على النقيض من الطرح الذي ينبذ السحر، هناك أطباء يدعون إلى
التنسيق مع المطببين التقليديين. هذا الموقف ينخرط في إطار مزدوج:
إزالة الوهم عن الأمراض العقلية عبر خلق طب عقلي جديد في المغرب،
وإنشاء بديل مستوحى من الطب العقلي المضاد الغربي. الإطاران معا
يقترحان نفسيهما لتخطي فشل مستشفى الأمراض العقلية - في المغرب -
الذي لم يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الثقافة المغربية، ومن ثمَّ
صار مكانا للانغلاق بالنسبة للطبيب العقلي وللإقصاء بالنسبة للمريض.
هكذا، فالذين يرغبون في إزالة الوهم عن المرض العقلي، قد يكون ليس
في الإمكان إقامة أي طب عقلي جديد في المغرب ما لم يتم إغناؤه
بإسهام من العلاجات التقليدية. والحالة هذه، فإن التنسيق بين
الطبيب العقلي والمطببين التقليديين لا يجب أن يكون سوى استراتيجية
تهدف إلى استبدال هذه العلاجات والتمثلات التي تسندها بالطب العقلي
باعتباره علما وممارسة وضعية:
«لن يكون المرض العقلي أبدا هُجُوما من الجنّ، أو عملا من أعمال
السحر أو العين الشريرة أو عقابا من الأولياء أو انتقام أولياء
تعرضوا للإهانة أو الشتم، سيكون بكل بساطة خللا عقليا أو نفسيا
يقتضي العلاج داخل مستشفى الأمراض العقلية وليس داخل ضريح الولي».
بيد أن «البديليين» يرون أن المرضى المغاربة لا يقدمون دائما
الأعراض نفسها التي تصفها نوزوغرافيات طب الأمراض العقلية
المحرَّرَة في الغرب؛ الهدف النهائي لتحليل ما، في التحليل النفسي
الغربي، هو تطور «الأنا»، أي الفرد، والحال أن المجتمع المغربي هو
بالأحرى مجتمع للـ «نحن»، للجماعة. أضف إلى ذلك أنَّ العلاجات
التقليدية هي بديلٌ موجودٌ سلفا. هكذا، فالطقوس العلاجية لطائفة
كناوة هي تحليلٌ نفسي للجماعة يلعب فيه رئيس الفرقة دورَ المحلِّل؛
فهو يأخذ بعين الاعتبار التعبير الجسدي للمريض ويساعده على تحويل
قلقه. وزيارة الولي هي أيضا حصة علاجية مادام المريض يجعل جسده
بكامله يتكلم في تلك الحصة، يُسدِّد ثمن الحصة التحليلية بعيدا عن
صرامة المواعيد واختيار المحلل. وبعض جوانب السحر العلاجي تتقاطع
مع طرق علاج الأمراض العقلية المبتكرة في الغرب:
«... حتى الجانب القمعي في السحر، يبدو أن له أثرا إيجابيا على
المعاناة. إنني أستحضر دائما هؤلاء الحمقى المجلودين بـأعناق أوراق
[أعشاب] لا تؤذي ذبابة حتى. بيد أنها تغمس في صباغة نباتية حمراء
تترك في البدن علامات تذكر بدم المريض لإفزاعه. يتعلق الأمر هنا بـ
«صدمة كهربائية ناعمة».
عوالم السحر...
عالم السحر قد ينخدع به المتعلم كما ينخدع به الجاهل وينخدع به
الرجل كما تنخدع به المرأة وقد يؤدي الى الوفاة في حالة الاعتماد
على السحرة والدجالين في علاج بعض الامراض المستعصية وكذلك فان
السحر والايمان هما سلاح التقدم والرقي والعمل الانساني لذا نتوخى
الى التربية ضد السحر ولفت الانتباه الى التخلف من يتعامل بالسحر
وخلق عقلية علمية اسلامية نتعامل مع الحقائق الانسانية بعقل معرفي
وفلسفي بعيداً عن الخرافة والانحطاط الانساني.
فالسحر عالم تختلط فيه الحقيقة بالخيال والخرافة بالعلم
والشعوذة بالدين وهو شيء يخلب الالباب ويفتن القلوب فيصدقه البسطاء
والسذج ! اساسه عفن بعيد عن نظافة الضمير وطهارة النفس!والسحر خدع
شيطانه منذ قيم الزمان كما وان للسحر ايماءات نفسسية وعقلية توحي
للمؤمن به والمصدق له نوعا من الايمان تجاه الاخطار الطبيعية
ووقاية من بعض الناس وصدهم ونفاقهم كما يقدم تفسيرات مرضية يقتنع
بها كثير من شرائح المجتمع لبعض الامراض الجسدية والنفسية والعقلية
الغامضة التي يعجز عنها الاطباء وهذه التفسيرات في هذا الانسان
الامل والتفاؤل لقد كان السحر ومازال اعتقاداً لم تجن منه
الانسانية المعذبة الا العلقم!
السحر يتضمن ادراكاً عملياً للقوى فوق الطبيعية واعتقاداً بانه
يعطي قوة للانسان ليؤثر في القوى الخارجية فالسحر عمل شيء فيه
تناقض للنواميس الطبيعية وخروج عليها !وبصورة اوضح اخراج الباطل في
صورة الحق فالسحر اذن يعتمد على قوة غير منظورة يؤمن بها او لايؤمن
بها فالحس البشري ليس معياراً للحقيقة الوجودية وانما هو معيار
للمعرفة البشرية المحدودة ان كل محسوس علمي هو حقيقة وجودية معينة
وهذا هو شأن السحر والجن والشياطين لقد اقتضت حكمة الله ان يخلق
الانسان في كبد وتعب وان يجعل الدنيا دار ابتلاء وعناء تكفيراً
للذنوب ورفعاً لدرجاتهم وعذاباً للكافرين ومن هذه الابتلاءات العين
والسحر
وقد كشفت دراسة حديثة للمركز القومي للبحوث الجنائية
والاجتماعية في مصر عن وجود 275 خرافة على الاقل تتحكم في حياة
المصريين وأوضحت الدراسة ان المصريين ينفقون اكثر من 10 مليارات
جنيه سنوياً علي الدجالين وان 63% من المصريين بينهم 20% من صفوة
المجتمع يؤمنون بالخرافات. وقالت الدراسة ان نسبة المؤمنين بخرافة
الربط الجنسي في ليلة الدخلة تصل الي أكثر من 90% بين أهل الريف
والمدينة الذين يلجأون الي الدجالين لفك هذا الربط بالاضافة الي
استخدامهم الاحجبة لمختلف الاغراض بداية من طلب الشفاء الي طرد
العفاريت والتي حددتها الدراسة بنسبة تصل الي 70%..
نفتقر نحن هنا في المغرب لمثل هذه الدراسات التي تكشف حقائق
الواقع المر..وقد صرحت د. خديجة أميتي، رئيسة شعبة علم الاجتماع
بكلية الآداب والعلوم الإنسانية - جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، ان ما
يعرفه المجتمع المغربي من تحولات على مستوى بنياته السياسية
والاقتصادية والاجتماعية لا ينعكس بالضرورة على تغيير في العقليات
وفي البنيات الثقافية، بل إن بعض الممارسات والعادات القديمة ذات
الأبعاد الغيبية والشعوذة والدجل ما زالت سائدة وبشكل كبير، بين
فئات عريضة من المجتمع المغربي ؛ فمع تفاقم الأزمات وتداخلها
وارتفاع نسبة الفقر والبطالة والأمية ومع تنامي حاجات الأفراد،
يتزايد تعاطيها لمثل هذه الممارسات كوسائل لإيجاد الحلول لأوضاعها
المزرية ومشاكلها الحميمية خاصة. علما ان فئات واسعة من ذوي الدخل
المحدود والذين تفتقر مداشرهم وقراهم لمراكز استشفائية يلجؤون
للشعوذة والتمائم والابخرة وزيارة الاضرحة كوسائل للعلاج، خصوصا مع
سد باب مجانية العلاج في وجه الضعفاء وارتفاع تكاليف التطبيب
والدواء.
احداث وغرائب
الدكتور (...) يكشف عن مستقبلك، يفك عنك "السحر"، في نشاطاتك
العاطفية والعملية. هاتف (...) (من صفحة الإعلانات في صحيفة خليجية
تصدر باللغة الإنجليزية).
كنت أطالع القمر بالصدفة، وفجأة ظهر وجه صدام حسين، لم أصدق
عيني وأصبت بالذهول، أيقظت جاراتي ونظرنا جميعا، كان وجه صدام يغطي
القمر كله. وكان يبتسم... وقعت المعجزة وعرفنا أنه سوف ينتصر (من
رواية تداولتها وسائل الإعلام العراقية والأردنية أثناء حرب تحرير
الكويت نقلا عن صحيفة تصدر في فلسطين المحتلة)، وقد ترافقت هذه
الرواية مع رواية أخرى كانت أقل انتشارا، وهي أن عنزة في الضفة
الغربية المحتلة نطقت باسم صدام وأبلغت صاحبتها أنه سوف ينتصر
(!!).
إن السحر والعرافة والموروثات الشعبية هي ترسانة كاملة من
السلاح يمكن الاستفادة منها في الحرب النفسية (من دراسة عسكرية
أجازت لجنة شئون الدفاع في الكونغرس الأمريكي نشرها في العام
1968).
ارقام وحقائق
عندما نعرف ان العرب ينفقون 6 مليارات سنوياً على السحر
والشعوذة يحق لنا التساؤل عن حجم ماينفقونه على البحث العلمي
والتطوير اذا كان هناك نصف مليون دجال ينتشرون في مختلف الدول
العربية فانه من الواجب البحث عن المسؤول عن ذلك؟ وكيف وصلنا الى
درجة اصبح فيها نصف النساء العربيات يؤمن بالسحر والخرافة ويترددن
على المشعوذين سراً وعلانية حتى اصبح هناك مشعوذاً او دجال لكل الف
مواطن؟ واذا عرفنا ان رسوم الجلسة الواحدة مع احد المشعوذين
المصريين قد تجاوزت الالف دولار فان الامر بالتاكيد يتعدى نطاق
القصص ويحتاج الى اكثر من علامة استفهام ويعتبر الرئيس العراقي
المخلوع صدام حسين هو الابرز في مجال التردد على العرافين والسحرة
حيث جمع حوله عددا ً ضخماً منهم وكان يستشيرهم قبل الاقدام على اي
خطوة هامة ولم يكتف صدام بذلك بل حاول اعطاء صبغة علمية على هذا
الولوع غير المنطقي فأنشأ مركزاً للقدرات الخارقة في جامعة بغداد
تولى ادارته احد اكبر المتخصصين في هذا المجال ولم تقتصر مهمة هذا
المركز على الدراسات والبحوث فقط وانما تولى ايضاً البحث عمن يمتلك
قدرات خارقة وعرضه على الرئيس ليستفيد من قدراته. |