
شبكة النبأ: لم يشهد الشرق الاوسط منذ عقد تقريبا حراكا سياسيا
بهذا الحجم والسخونة، حيث تمتد جهودا صامتة لاعادة ترتيب الاوراق
في المنطقة، بدءا من مصر ورعايتها مفاوضات التهدئة بين حماس
واسرائيل ومرورا بلبنان والحراك الايجابي الحالي الذي تشهده ساحته
وانتهاءا بمحاولات فك العقد بين سوريا وايران من خلال اغراءات قد
تقدمها اسرائيل لدمشق من قبيل ارجاع الجولان المحتلة وتقديم ضمانات
عدم اعتداء بما يشبه معاهدة سلام بين الطرفين..
ايران من جهتها تطرح نفسها كحامية او عمقا استراتيجيا لسوريا،
فقد اعتبر وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي ان على اسرائيل ان
تعيد لدمشق هضبة الجولان من دون شروط في حين استأنفت الدولة
العبرية وسوريا مفاوضات غير مباشرة بوساطة تركية.
وصرح متكي للصحافيين "اننا ندعم سوريا لتستعيد الجولان ولا
نعتقد ان النظام الصهيوني قادر على املاء شروطه في هذا الملف".
واضاف "ان النظام الصهيوني يجد نفسه في وضع يفرض عليه الانسحاب
من كافة الاراضي المحتلة. وبالقليل من الحظ سينسحب من كافة الاراضي
الفلسطينية". بحسب فرانس برس.
وتطالب سوريا باستعادة الجولان كاملا حتى ضفاف بحيرة طبريا خزان
المياه العذبة الرئيسي بالنسبة الى اسرائيل.
وجاء الاعلان رسميا عن هذه المفاوضات غير المباشرة بعد نحو تسعة
اشهر على غارة جوية اسرائيلية استهدفت في ايلول/سبتمبر 2007 موقعا
سوريا تؤكد مصادر اميركية انه كان يضم منشآت نووية.
واشترطت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني احراز تقدم في
هذه المفاوضات بقطع سوريا لعلاقاتها مع "ايران وحزب الله (اللبناني)
وحركة حماس (الفلسطينية) ومنظمات ارهابية اخرى". وكانت سوريا رفضت
في الماضي مثل هذه الشروط.
وقال مشعل "اننا نشكك في جدية اسرائيل في اعادة هضبة الجولان
الى سوريا". واضاف "نعتبر ان (رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود)
اولمرت ضعيف ليتمكن من اتخاذ مثل هذه الخطوة".
ويجد اولمرت نفسه في موقع دقيق بعد ان فتحت بحقه عدة تحقيقات
بتهمة "اختلاس الاموال". ولم يلق اعلان استئناف المفاوضات بين
الدولة العبرية وسوريا اصداء ايجابية في الاوساط السياسية والرأي
العام في اسرائيل اللذين يعارضان انسحابا من الجولان والذي لن يتم
من دونه التوصل الى اتفاق مع دمشق.
ايران على ثقة من ان سوريا لن تتخلى عن
الخط الامامي
من جهته اعرب الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد عن ثقته في ان
سوريا حليفة ايران "لن تتخلى عن الخط الامامي" في مواجهة اسرائيل
التي لا تعترف بها الجمهورية الاسلامية كما افادت وكالة الانباء
الايرانية الرسمية.
وقال احمدي نجاد خلال لقاء مع وزير الدفاع السوري حسن توركماني
انه على ثقة بان "القيادة السوريه ستدير الموقف بذكاء ولن تتخلى عن
الخط الامامي حتى القضاء بشكل كامل على تهديدات الكيان الصهيوني".
وياتي هذا التصريح وزيارة توركماني بعد اعلان سوريا واسرائيل
الاربعاء الماضي عن استئناف مفاوضات سلام غير مباشرة بوساطة تركية.
ولا تعترف ايران باسرائيل. وقد دعا الرئيس الايراني الى "شطب"
الدولة العبرية عن الخارطة.
وتابع احمدي نجاد كما نقلت عنه وكالة الانباء الايرانية الرسمية
"حتى الان كان التعاون السوري-الايراني في مختلف المجالات مفيدا
للطرفين ويجب توسيع علاقات الدفاع باكبر قدر ممكن". بحسب فرانس برس.
وتتعلق المفاوضات بين اسرائيل ودمشق بالانسحاب الاسرائيلي من
هضبة الجولان التي احتلتها اسرائيل عام 1967 وضمتها عام 1981 مقابل
السلام.
واجرى توركماني محادثات مع نظيره الايراني مصطفى محمد نجار الذي
اكد ان سوريا تبقى الحليف "الاستراتيجي" لطهران.
والتحالف بين سوريا وايران الذي يعود الى قرابة ثلاثين سنة تعزز
بتوقيع اتفاق تعاون عسكري بين البلدين العام 2006.
وقال مصعب نعيمي رئيس تحرير صحيفة "الوفاق" الايرانية الناطقة
بالعربية لوكالة فرانس برس ان زيارة توركماني "تهدف للاشارة الى ان
العلاقات الايرانية-السورية لم تضعف او تتراجع جراء الحوار غير
المباشر الاسرائيلي-السوري" معتبرا ان هذا الامر لن يؤثر على
العلاقة بين دمشق وطهران.
من جهته رأى المحلل الايراني المستقل محمد صالح صدقيان ان
الجمهورية الاسلامية ليس لديها رسميا اعتراض على هذا الحوار غير
المباشر السوري-الاسرائيلي.
وقال لوكالة فرانس برس "لكن بعض دوائر السلطة تعارض اي تقارب مع
الاسرائيليين لانها تخشى ان يؤدي ذلك الى نوع علاقات مماثلة لتلك
التي يقيمها الاردن ومصر مع اسرائيل".
وبالتالي فان وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي اكتفى السبت
بالتعبير عن "الدعم لسوريا لكي تستعيد الجولان" لكن دون الاشارة
الى الحوار السوري-الاسرائيلي.
واعتبر صدقيان ان العلاقة الاستراتيجية بين دمشق وطهران ومهما
كان الامر "ستتواصل (...) لانها تخدم مصالح الامتين".
سوريا تستبعد ضمناً قطع روابطها بطهران
واعلنت صحيفة تشرين الحكومية السورية ان "دمشق ترفض كل الشروط"
في مفاوضات السلام غير المباشرة الجارية بينها وبين اسرائيل و"لا
تساوم" في علاقاتها مع دول اخرى في تلميح الى الحليف الاقليمي
الايراني لسوريا.
وكتبت صحيفة تشرين في افتتاحية ان "دمشق لا تريد شروطا مسبقة
تضع العربة امام الحصان ولا تساوم في علاقاتها مع الدول والشعوب".
وتابعت الصحيفة ان سوريا "ستعلن مستقبلا ما اذا حققت هذه
المفاوضات غير المباشرة تقدما ملموسا وما اذا كانت قد اصطدمت
بالعراقيل والشروط".
وحذرت من ان "الشروط التعجيزية لا يمكنها ان تسهل عمل المفاوضين
ومن يضع الشروط اليوم لاهداف داخلية وانتخابية فانه يضع العصي في
العجلات ويخضع عملية السلام لعملية مساومة وابتزاز".
واشادت الصحيفة "بالدور التركي الصديق في محاولة لاحياء عملية
السلام على المسار السوري بعد جمود قارب العقد من الزمن" لكنها رأت
انه "لا مجال للتنبؤ في هذا الملف الشائك والمعقد نظرا للظروف
الاقليمية والدولية التي قد تؤثر على مسار المفاوضات".
واكدت ان "سوريا كانت دائما مع عملية السلام التي تعيد لها
حقوقها وارضها المغتصبة ودخلتها في مؤتمر مدريد 1991 بنية صادقة".
وتابعت ان دمشق "عند دخولها مفاوضات غير مباشرة جديدة برعاية
تركيا فانها تفعل ذلك انسجاما منها مع مواقفها وقناعاتها
واستراتيجيتها السلمية التي كانت الاساس في مشاركتها الاولى في
مؤتمر مدريد".
واضافت ان سوريا "واضحة وصريحة في السابق واليوم وتعلن على
الملأ وبدون خجل وتخفي وراء الابواب المغلقة والمحادثات السرية وهي
تريد السلام الحقيقي في المنطقة برمتها وتريد الاستقرار والهدوء
والامن".
ورأت ان "المنطقة اليوم امام مفترق طرق ومرحلة جديدة عنوانها
الظاهر هو الحوار" معبرة عن املها في ان "تصدق النيات كي تخرج
منطقتنا من حالة الفوضى والحروب والدمار الى بر الامن والاستقرار
والازدهار".
السلام مع دمشق سيقلب الوضع الاستراتيجي
في الشرق الاوسط
من جهة اخرى صرح وزير البنى التحتية الاسرائيلي بنيامين بن
اليعازر ان السلام بين سوريا واسرائيل سيقلب الوضع الاستراتيجي في
الشرق الاوسط.
وقال بن اليعازر للاذاعة الاسرائيلية العامة ان "السلام مع
سوريا سيقلب الوضع الاستراتيجي في الشرق الاوسط لانه سيعزل ايران
ويسكت حزب الله". بحسب فرانس برس.
واضاف "نتحدث عن سلام حقيقي عن نهاية حالة الحرب عن فتح الحدود
واسرائيل مستعدة لدفع الثمن من اجل سلام كهذا وتعايش مع سوريا".
وتابع بن اليعازر انه سيتوجه الى الجولان "لتلبية احتياجات
السكان المحليين خصوصا في مجال الكهرباء والاشغال العامة والتنمية".
واحتلت اسرائيل هضبة الجولان في 1967 وضمتها في 1981. وتطالب
دمشق باستعادة الهضبة التي يعيش فيها حاليا حوالى عشرين الف مستوطن
اسرائيلي بما في ذلك بحيرة طبريا اكبر خزان للمياه العذبة لاسرائيل.
وردا على سؤال عن احتمال تبادل للاسرى مع حزب الله قال بن
اليعازر "اصلي ليكون ايلداد ريغيف وايهود غولدفاسر على قيد الحياة".
واسر حزب الله اللبناني الشيعي الجنديين في عملية في تموز/يوليو
2006 ادت الى مقتل ثمانية جنود آخرين. وشنت الدولة العبرية ردا على
العملية حربا لى لبنان استمرت 34 يوما.
وقال بن اليعازر "منذ سنتين نبذل ما بوسعنا ليتمكنا (الجنديان)
من العودة الى بلدهم ونحن مستعدون لدفع ثمن ذلك".
وذكرت اذاعة الجيش الاسرائيلي الاثنين ان اسرائيل مستعدة
للافراج عن خمسة اسرى لبنانيين واعادة جثث عشرة مقاتلين لحزب الله
مقابل استعادة الجنديين.
واضافت الاذاعة انه قد يكون بين الاسرى الذين سيتم الافراج عنهم
سمير القنطار الذي ينتمي الى جبهة التحرير الفلسطينية وحكم عليه في
1980 بالسجن 542 عاما لقتله مدنيا اسرائيليا وابنته وشرطيا
اسرائيليا في 1979 في شمال اسرائيل.
سورية بين السلام مع إسرائيل أو
الاستمرار مع إيران
وكتب الباحث ديفيد كمحي مقالا بصحيفة جيروزالم بوست، جاء فيه:
يمكنني القول من خلال عملي السابق في الموساد ان علاقة سورية بحزب
الله مقيدة جداً لدمشق في مواجهتها لإسرائيل وفي تعزيز نفوذها
بلبنان.
بيد ان اهمية هذه العلاقة تقف عند هاتين المسألتين فقط بسبب
اختلاف طبيعة الجانبين المتمثلة بالنظام العلماني في سورية
وبالاصولية المتطرفة في حزب الله.
ويمكننا قول نفس هذا الشيء ايضا حول موقف
سورية من إيران.
واضاف الكاتب ديفيد كمحي، على الرغم من ان التحالف مع طهران
يشكل فائدة كبيرة لدمشق بسبب مضامينه الاستراتيجية ومكاسبه المادية،
لا تكن العاصمة السورية في حقيقة الامر عشقاً كبيرا لحلفائها
الاصوليين بل هي اكثر ميلاً للمملكة العربية السعودية والغرب شرط
الا يفرض احد قيوداً عليها.
في الاسبوع الماضي رأى الكثيرون في الاعلان عن وجود مفاوضات
سلام بين دمشق والقدس امراً يتناقض مع علاقات سورية بإيران.
إذاً، هل جرى ذلك الاعلان بالتنسيق مع طهران؟ وهل نال مباركتها؟
ام هل يتعين النظر اليه كخطوة اولى تتخذها دمشق لاضعاف نفوذ إيران
في سورية؟
واضاف الكاتب ديفيد كمحي، من الطبيعي بالنسبة لنا نحن
الإسرائيليين ان ننظر الى خطر إيران من خلال جهودها لكي تصبح قوة
نووية، لكن من الواضح ان إيران باتت حتى من دون القنبلة اخطر عدو
لنا، فاستراتيجيتها تقوم الآن على الضغط علينا من الشمال بواسطة
سورية وحزب الله، والضغط من الجنوب من خلال حماس.
وعلينا ان نتذكر هنا ان حزب الله يمتلك اليوم من 30.000 الى
40.000 صاروخ بينما تمتلك سورية آلافا اخرى من الصواريخ القادرة
على الوصول الى كل انحاء إسرائيل.
لقد اصبحت حرب يوم الغفران عام 1979 شيئاً من الماضي، فاليوم لن
نرى مئات الدبابات في معارك ضارية على مرتفعات الجولان، لكننا يمكن
ان نشهد انطلاق آلاف الصواريخ على المراكز السكانية في اسرائيل اذا
ماوقعت حرب في المستقبل، واحبت إيران ان تترجم تهديداتها بمحو
إسرائيل من على الخارطة الى واقع.
هل هذا امر بعيد الاحتمال؟ ربما لكن لإسرائيل بالطبع قدراتها
التي يتعين عدم الاستهانة بها هي الاخرى.
واضاف الكاتب ديفيد كمحي، على اي حال، لو نظرنا لهذه المسألة من
خلال الاعتبارات العسكرية والامنية الصرفة لتبين لنا ان الجبهة
الشمالية ـ سورية ولبنان ـ هي اخطر بكثير من اخطار مواجهاتنا مع
الفلسطينيين، حماس وغزة مجتمعين. وانطلاقاً من هذا المنظور تصبح
الحاجة الماسة للسعي الى تسوية مع سورية من اجل اضعاف قبضة ايران
على حدودنا الشمالية اكثر اهمية لنا من الحوار مع الفلسطينيين على
الرغم من ان ايا من المسألتين يتعين الا تكون على حساب الاخرى.
لذا، اوضح اعلان رئيس الحكومة اولمرت ان محادثات السلام سوف
تكون »شاملة« وبموازاة التحرك على المسار الفلسطيني.
واضاف الكاتب ديفيد كمحي، لقد اعلن السوريون على نحو غير مفاجئ
بالطبع ان تحالفهم مع ايران ليس قابلا للتفاوض، وهم لا يستطيعون في
هذه المرحلة القول غير ذلك بالتأكيد، لكن ينبغي ان يكون واضحا ان
طهران ليست مرتاحة للتطورات الاخيرة، وهي تراقب بقلق احتمال التوصل
لاتفاق بين حليفتها سورية وغريمتها اسرائيل.
بيد ان التوصل لمثل هذا الاتفاق لا يمكن احرازه الا اذا اعطت
الولايات المتحدة بركتها له، وانخرطت به بشكل فعال، وادركنا انه
وسيلة ضرورية لابعاد دمشق عن طهران.
واضاف الكاتب ديفيد كمحي، ان من الحماقة المطبقة بالنسبة لنا ان
ندخل في مثل هذا الاتفاق دون تحقيق هذا الهدف. بالطبع، ما يزال
الموقف الامريكي فاترا ازاء التطور الاخير، فهو لم يعارضه ولم
يباركه. واود القول في هذا السياق ان المسؤولين الامريكيين ابلغوني
حينما كنت في واشنطن قبل فترة قصيرة انهم حاولوا اكثر من مرة
التوصل لتفاهم مع السوريين يتضمن تعديل السياسة الامريكية المناهضة
لدمشق مقابل اتخاذها عددا من الخطوات منها: احكام الرقابة على
الحدود السورية مع العراق لمنع عبور المقاتلين، التوقف عن تأييد
المجموعات الارهابية والكف عن التدخل بشؤون لبنان الداخلية. غير ان
السوريين لم يلعبوا دورهم المطلوب منهم في هذه المعادلة.
واضاف الكاتب ديفيد كمحي، لذا، لن تغير امريكا سياستها ازاء
سورية ما لم تفعل دمشق ذلك، طبقا لما ذكره هؤلاء المسؤولون. ولا شك
ان السوريين يحبذون قيام الولايات المتحدة بدور ايجابي في
المفاوضات وهم يريدون علاقات اوسع مع الغرب وعلاقات اقوى مع العالم
العربي، ويعتقدون ان المفاوضات معنا سوف تساعدهم في تحقيق هذه
الاهداف لكنهم يعلمون ايضا ان ثمة ثمنا بالمقابل هو انهاء زواج
المصلحة القائم مع ايران الاصولية.
ومن المأمول الآن ان تتحول الاتصالات التي بدأت قبل اكثر من سنة
بين سورية واسرائيل بوساطة تركية الى مفاوضات مباشرة كاملة.
ويختم الكاتب ديفيد كمحي بالتساؤل، لكن هل سيحاول حزب الله
تخريب هذه المفاوضات بشن حرب جديدة بمساعدة ايرانية قوية؟ ان هذا
الخطر ماثل في الحقيقة، ويتعين عدم الاستخفاف به. فبعد الفرح
العارم بانتصاره على منافسيه الغربيين في بيروت، يمكن ان ينجذب
الحزب للقيام بمثل هذا العمل لا سيما اذا ما شجعه ملالي ايران على
ذلك. |