اليوم العالمي للتنوع الثقافي: الثقافات قوة محركة للتنمية المستدامة

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: اضافة الى تبنيها اعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي الذي قدمته اليونسكو في شهر تشرين الثاني-نوفمبر سنة 2001، رحبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاعلان وبالخطوط الرئيسية لخطة العمل الرامية لتنفيذه، وأعلنت يوم 21 ايار-مايو، يوما عالميا للتنوع الثقافي للحوار والتنمية.

يزودنا هذا اليوم بفرصة من اجل تعميق مفهومنا لقيم التنوع الثقافي ويعلمنا ايضا كيف "نعيش سويا" بشكل افضل، والعمل على الترويج لزيادة الوعي حول طبيعة العلاقة الماسة والضرورية بين الثقافة والتنمية، وأهمية الدور الذي يجب ان تلعبه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في هذه العلاقة الحيوية.

ووصف المدير العام لمنظمة اليونيسكو السيد كوشيري ماتسورا، التنوع الثقافي بـ "القوة المحركة للتنمية المستدامة" و"الأداة الحاسمة لمكافحة الفقر".وأشار المدير العام للمنظمة في رسالة عشية الاحتفال باليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية (21 مايو) أن "التنوع الثقافي لا يصدر بموحب مرسوم وإنما هو أمر نلحظه ونمارسه".

ويرى السيد ماتسورا أن الغاية من الاحتفال بهذا هي "تغذية تجربة هذا التنوع في جو يكتنفه حب الاطلاع واطلاق الحوار مع الاخر والاصغاء اليه واختبار الامكانات العملية للتنمية المتاحة من جانب المؤسسات والمشاريع الثقافية والصناعات الابداعية والسياحة الثقافية وصون التراث الثقافي لا سيما في اطار خطط التنمية الوطنية وعملية البرمجة القطرية المشتركة لنظومة الامم المتحدة".

واشار المسؤول الاول للمنظمة انه يجب علينا اليوم "الاعتراف بمساهمة الثقافة في بروز تنمية مستدامة حقيقية تحترم الاشخاص والبيئة وتكون في خدمة الحوار والسلام".

ونكون بذلك ـ حسب ماتسورا ـ "قد ادركنا كيفية استعادة معنى التزامنا الجماعي في خدمة التضامن الثقافي والمعنوي للانسانية".

اليونسكو تحتفل بغِنى اللغات والثقافات الانسانية

وقد صُممت احتفالات اليونسكو لتعزيز التفاهم والحوار بين الثقافات من خلال الكلمة والصوت والصورة بالتعاون مع شركاء من المجتمع المدني.  

كما يشكل التزام القطاع الخاص لصالح التنوع الثقافي والتنمية المستدامة موضوع غداء عمل رسمي يضم الشركات الدولية الكبرى بالإضافة إلى ممثلين عن رئيس الجمهورية الفرنسية، ومبادرة "الأثر العالمي" التابعة للأمم المتحدة، وهيئة الإذاعة الفرنسية لما وراء البحار، والهيئة الخاصة الفرنسية للبث التلفزيوني تي أف آن. كما سيجري تمثيل الشركات التالية خلال الحدث: شركاء إيه إي سي؛ إليور؛ إسيلور؛ أش أس بي سي؛ فرانس تيليكوم – أورانج؛ فرانس تيليكوم؛ لوريال؛ نيستله فرنسا إس آ إس؛ سيمنز؛ سوني؛ فيفاندي يونيفرسال. بحسب فرانس برس.

وإذا أردنا الانتقال الى مرحلة جديدة والاستجابة بفعالية للتحديات العظيمة التي تتيحها تقنيات وأساليب "العيش معاً" في عصر العولمة، علينا أن نعيد النظر بإمعان في الظروف التي تسمح للتنوع الثقافي بأن يبرهن عن قدراته على ابتكار أشكال متعددة من الحوار. وهذه هي الرسالة المنشودة من خلال الاحتفال بيوم 21 أيار/مايو2006".

التنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية

إن العيش المشترك والتعاون والانسجام، من الأساسيات التي قامعليها الإجماع البشري منذ أمد قديم،فلقد اقتضت ظروف الاجتماع البشري والعمل على تطويع الطبيعة لصالح الإنسان، تعاون الجميع بغض النظر عن اختلاف الأعراق والثقافات والأديان، وحرصا على أن يظل هذا التآخي قائما بين الإنسان وأخيه الإنسان وتذويب الفوارق، عملت الدول والمجتمعات والمنظمات الدولية المتخصصة (اليونسكو) مثلا على وضع برامج لتثمين التنوع الثقافي وجعله حافزا للتنمية من خلال الحوار والعمل المشترك.

التنوع الثقافي حافز للتنمية

إن العالم الذي نعيش فيه يتشكل من أمم وشعوب مختلفة، فهي أعراق وأجناس ولغات متعددة متنوعة، غير أن ثمة قيم ومثل عليا تتوحد حولها هذه الأمم والشعوب وتشكل بالنسبة لها إرثا مشتركا ينبغي حمايته والدفاع عنه. لقد أصبحت جهود البلدان اليوم تتجه نحو خلق تنمية مستدامة تضمن لجميع الشعوب حياة آمنة في جو من الإخوة والانسجام، وذلك من خلال استغلال وتوجيه التنوع الثقافي لصالح جهود التنمية ومحاربة الفقر والأوبئة التي تجتاح مناطق عديدة من العالم ، إن التنوع داخل المجتمع الواحد يمكن أن يستغل كحافز للتنمية والاستقرار إذا ما كرست الجهود الحكومية وغير الحكومية لذلك، وهو ما يمكن أن يحدث عن طريق خلق برامج وأنشطة مهتمة بهذا المجال. لقد قطعت موريتانيا أشواطا هامة في هذا المجال، حيث تساهم مختلف مكونات الشعب( العرب- الزنوج) في تكريس التنوع الثقافي لصالح تنمية وتطوير البلاد ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا، وذلك من خلال العمل على محاربة الأمية والتصدي للبؤس والمجاعة وكل ما يعيق التقدم.

التنوع الثقافي رمز الاحترام المتبادل

بفضل الجهود الدولية التي تبذلها منظمات متخصصة(اليونسكو،والأيسسكو، ....الخ) أصبح بمقدور الشعوب الاستفادة من الاختلاف الثقافي والإسهام بعملهما في المحافظة عليه للأجيال القادمة. فجميع الثقافات ثقافات خلاقة ودينامكية، مع أن كل واحدة منها تبقى فريدة من نوعها، وهشة وغير قابلة للاستبدال. ذلك أن أية حضارة قد تهمل خلال جيل واحد قد تتعرض للضياع إلى الأبد. وبالتالي فمن الحاسم أن نخلق جوا يتيح لجميع الثقافات أن تتفتح بكل حرية. إن التنوع الثقافي العالمي ينبغي أن يشكل دافعا نحو تعزيز الاحترام والاعتراف للآخر بما لديه من خصوصيات وتقاليد ومميزات،إذ لم يعد ممكنا ولا مقبولا التطرف والتزمت وإقصاء الآخر في عالم القرية الكونية الواحدة، عالم يتجه للتقارب والتوحد وإرساء قواعد ثابتة للتلاقي والتبادل على أسس متينة من الاحترام المتبادل.

الحوار بين الثقافات من أجل السلام

إن الإرادة المشتركة التي تحدونا جميعاً في الإسهام ، من خلال تضافر جهودنا ، في سبيل صناعة المستقبل المزدهر للإنسانية ، وتشبثنا بالقيم الإنسانية وتعلقنا بمبادئ القانون الدولي التي تستلهم روح الحضارات والثقافات الإنسانية المتعاقبة عبر العصور ، تحتم علينا بذل جهود مضاعفة لتشجيع فكرة الحوار بين الحضارات والثقافات والإسهام في دعم جهود المجتمع الدولي المبذولة على أكثر من صعيد ، من أجل إقرار الأمن والسلم في العالم ، وإشاعة روح التسامح والتعايش بين الشعوب والأمم ، من خلال تعزيز الحوار الموضوعي النزيه بين الحضارات والثقافات. إن تحقيق فعالية أكبر وجدوى أعمق للحوار بين الحضارات والثقافات يقتضي التوسّع في إقامة منتديات عالمية تتوزَّع على أكثر من منطقة وإقليم ، تقوم على مبادرات من المؤسسات والمنظمات ذات الاهتمام المشترك ، ومن الجامعات والمحافل الثقافية والأكاديمية ، على أن تُكرَّس جهودها لإشاعة قيم الحوار والتعايش ، بما يمهد السبل نحو التقارب والتفاهم ، تعزيزاً للروابط الإنسانية التي تجمع بين الشعوب والأمم. ومن الضروري أن يتم الحرص على أن يقوم الحوار بين الحضارات والثقافات على قاعدة الاحترام المتبادل بين المنتسبين لهذه الثقافات والمنتمين لهذه الحضارات جميعاً، ويحمي مبادئ الحق والعدل والإنصاف، ويكون دافعاً مساعداً لمساعي المجتمع الدولي من أجل تعميق التسامح واستتباب الأمن والسلام والتعايش الثقافي والحضاري الشامل بين البشر.

العولمة والهوية الثقافية

إن التحدي الأبرز الذي يواجهنا اليوم هو إخراج هذا المصطلح من الزاوية السياسية الضيقة، وتقديمه في إطاره الصحيح،ذلك إن الكثيرين حول العالم وخاصة في العالم العربي والإسلامي أصبحوا ينظرون إلى العولمة على أساس أنها أداة للهيمنة والغطرسة وسيطرة القوي على الضعيف وابتلاع السريع للبطيء، غير أن ظاهرة العولمة – من منظور الشمولية الكونية - باتت تطال المجتمعات الوطنية والقومية في مقوماتها الثقافية الأساسية. الفكر واللغة والآداب والفنون والتاريخ والعادات والتقاليد وحتى أنماط العيش والسلوك. فليس الانكماش والانطواء على الذات هو الوقاية من "هذا الوحش" المتوهم، بل إنه بإمكاننا أن نتعامل مع العولمة على أنها تطور هائل في التقنيات ووسائل المعرفة وأن هذا التطور ليس موجه ضدنا بالضرورة وإنما هو لصالحنا إن نحن استخدمناه الاستخدام السليم.الذي يمكننا من الحفاظ على هويتنا الثقافية في ظل تعاطي إيجابي مع العالم والمستجدات الدولية في هذا المجال.

ترسيخ مفهوم التنوع الثقافي لتعزيز التعايش والحوار

يعتبر التنوع الثقافي مصدرا مهما في مجال هوية الإنسان وحقوقهالأساسية. فاختلاف الثقافات الذي يحيط بنا اليوم هو نتاج لآلاف الأعوام من تفاعل الإنسان مع الطبيعة والعلاقات بين شعوب ذوي أعراف ومعتقدات وأنماط عيش مختلفة. فعلينا أن نجد طريقة ننقل بها للأجيال المستقبلية هذا الإرث الذي لا تقدر قيمته بثمن. كما أن توظيفه توظيفا سليما من خلال التواصل والحوار و تجذير روح المحبة والتآخي بين أبناء المجتمع الواحد بمختلف أعراقه وثقافاته، يعتبر صمام أمان وضامن أساسي لحوار حقيقي يشكل سندا قويا للتعايش والتواصل الحضاري. في موريتانيا وتخليدا لليوم الدولي للتنوع الثقافي والحوار والتنمية نظم نادي اليونسكو الثقافي الموريتاني حلقات حوارية شملت العديد من المؤسسات المدرسية حول طرق ووسائل وآليات للتوعية بأهمية تجذير مفهوم التنوع الثقافي والعمل على إزالة العراقيل التي تقف حاجزا دون تحقيق الاندماج المطلوب بين كل مكونات وأعراق المجتمع الواحد.

دور منظمات التربية والثقافة والعلوم في دعم التبادل الثقافي والتنمية

لعل المنظمات الدولية تعتبر الجهة الأكثر قدرة على الفعل في هذا الإطار، وذلك لكونها تضم في عضويتها العديد من البلدان والقارات التي هي بدورها تمثل شعوبها ومواطنيها على رغم تنوعهم واختلافهم،وانطلاقا من دورها المحوري هذا، يمكن للمنظمات الدولية ذات الصلة بالتربية والثقافة والعلوم كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم...الخ،أن تلعب دورا كبيرا في دعم وتشجيع ورعاية التبادل الثقافي والتنمية،وذلك من خلال تنظيم اللقاءات والمنتديات والاجتماعات التي تدخل في هذا الإطار.مع التركيز على المناطق التي مازالت تعاني من ضعف في وسائل الإعلام والتعبئة حول مواضيع كهذه، ومن أجل أن يؤتي هذا العمل ثمارا طيبة لابد من تضافر جهود الحكومات والمنظمات وجميع الفعاليات ذات الصلة بهذا الميدان.

التنوع الثقافي وخطرالاستنساخ

وكتبت الباحثة فاطمة بوزيان مقالا بهذه المناسبة جاء فيه: من ابرز الاحداث الثقافية التي عرفتها سنة 2005 هو موافقة منظمة اليونسكو على اتفاقية حماية وتعزيز التنوع الثقافي، وهذه الاتفاقية تستكمل عمل اليونسكو في مجال تعزيز التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات بعد اعتمادها الاعلان العالمي بشان التنوع الثقافي في الدورة 31 للمؤتمر العام سنة2001، واعتماد الاعلان من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة عام2002 والتي اعلنت يوم21مايو اليوم العالمي للتنوع الثقافي من اجل الحوار والتنمية.

واضافت الكاتبة، تأتي أهمية هذه الاتفاقية من خلال سياق الاستنساخ الذي اصبحت تنخرط فيه الثقافات، والانقراض الذي تشهده اللغات المحلية في ظل العولمة والهيمنة الامريكية، فهناك دراسات تحدد أن 90% من لغات العالم سوف تختفي في القرن القادم،وليس غريبا ان امريكا عارضت الاتفاقية بدعوى انها تُقيد اتفاقية التجارة الحرة وتدفق الأفكار وبها عيوب كثيرة لاتتوافق وواجب اليونيسكو الدستوري لتشجيع التدفق الحر للأفكار عن طريق الكلمة والصورة،فحين تحمست فرنسا لها ورات فيها سلاحا لمكافحة ما يعتبره كثير من الفرنسيين خطر الهيمنة الثقافية الأمريكية وهيمنة سينما هوليوود. و قد قال الرئيس الفرنسي جاك شيراك انها تطور مهم في عالم يجب أن يحمي التنوع الثقافي وينظم حوارا بين الثقافات يحترم الجميع وان على جميع الدول ان تصادق علىالاتفاقية على وجه السرعة وأن تطبقها. وتؤكد الاتفاقية حق الدول في صياغة سياساتها بهدف حماية وتعزيز التنوع الثقافي. وبوسع الدول أن تستخدم هذا كذريعة لتحديد عدد معين من الأفلام الأجنبية لعرضها بهدف حماية صناعة السينما المحلية والهوية القومية لهذه الدول.

واضافت الكاتبة، وتنص الاتفاقية أيضا على كفالة حق التعبير الثقافي للنساء والاقليات والشعوب الأصلية ووافقت على الاتفاقية 148 دولة ولم ترفضها إلا دولتان هما الولايات المتحدة واسرائيل،وفي 22 ديسمبر –2005- اصبحت كند أول دولة تصادق عليها وأعرب مدير عام اليونسكو، كويشيرو ماتسورا، عن سعادته بهذه المصادقة الأولى. وأشار إلى أن "الدفاع عن التنوع الثقافي يأتي في صميم رسالة المنظمة"، وذكر بأن اليونسكو قامت ببلورة سلسلة من الأدوات المعيارية تهدف إلى حماية التنوع الثقافي، الذي يجد أدواته التعبيرية ليس فقط في التراث المادي وغير المادي فحسب، ولكن في أشكال الإبداع المعاصرة أيضا و ستدخل الاتفاقية حيز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من مصادقة ثلاثين دولة عليها.

 واضافت الكاتبة، تؤكد الاتقافية على الخطر الحقيقي الذي يهدد التنوع الثقافي،وتعكس تنامي الشعور بضرورة التمايز الثقافي والمحافظة على الجذور الحضارية للشعوب، وهذا الحنين يجتاح كل الحضارات فالبايان ترغب بشكل ما في العودة الى اصولها الاسيوية، والهند تنادي من اجل احياء ثقافتها الهندوسية، والعالم الاسلامي تنامت داخله حركات اسلامية تعمل على اسلمة المجتمعات، ومن هنا ايضا تعلو اصوات الاقليات ويتكرس الحديث عن اقصاء ثقافات كثيرة كالامازيغية والكردية، ومنذ ان ارتفع خطاب العولمة برز هذا القلق اكثر، وقد شهدت الالفية الجديدة عدة ندوات ونقاشات حول ضرورة حماية الثقافات المحلية من الاستنساخ وفق النموذج الامريكي الواحد، وذهب البعض الى ان الاختلافات الثقافية هي امور حقيقية يجب الانتباه والتعامل معها بحذر لانها اكثر حدة من التمايزات الايدلوجية ويمكن ان تولد نزاعات وتصادمات عنيفة وتؤدي الى تنامي ظاهرة التفجيرات الانتحارية وتطرف الافكار والمذاهب.

ومع ان اتفاقية التنوع الثقافي تشكل اطارا و آلية قانونية يمكن ان تشتغل في ضوءه وفي سياق أهدافه الدول والمنظمات غير الحكومية التي تعمل من اجل الحفاظ على الثقافات المحلية، ويمكن للمجتمع المدني ان يلعب الدور البارز في هذا الاتجاه، فمثلا القضية الامازيغية لم تعرف دينامية في النقاش والطرح الا بفضل الجمعيات التي انتبهت خاصة منذ الثمانينات لما طالها من الاقصاء ولما بثته المناهج الدراسية من الاحساس بدونيتها حتى عند الامازيغ انفسهم، وقد ناضلت هذه الجمعيات باشكال مختلفة حتى تعيد الاعتبار للغة الامازيغية وثقافتها ولماخلفته سياسات التعريب المتعسفة من اثار على تدوال الامازيغية وتطورها، من هنا نفهم اصرار غرامشي في كتابه الامير الحديث على دور ووعي المجتمع المدني، الا ان ثمة عوامل اخرى لاينبغي اغفالهاتتعلق بضرورة دراسة بسيكولوجية الانسان المعاصر واسباب ميله الى تقليد النموذج الاكثر روجا وانتشارا، خاصة وان الثورة الرقمية والشبكة العنكبوتية اعطت الثقل للثقافة الامريكية وايديولوجيتها، كما ان النظرة التراتبية والاستعلائية لثقافة مركزية تجاه ثقافات محلية،متجذر في الوعي الانساني الذي يحمل احيانا نزعة النفي والإقصاء لثقافات اخرى. كتمهيد من أجل غلبة ثقافة مركزية هي غالبا ثقافة الدولة الاكثر تقدما اقتصاديا وثقلا سياسيا باعتبارها الاقدر على الاقناع والادهاش،وبما ان الثقافة تكون مرتبطة بالدولة فانها تتعرض غالبا لتكيفات ايديولوجية معينة لاتنتمي بالضرورة لروح الثقافة، وفي كل عصر تكرست هيمنة ثقافة معينة كالاغريقية والاروبية وتبدو الان امريكية التوجه والاتجاه من هنا نفهم معارضتها للاتفاقية.واذا كانت اروبا في فترة التنوير دعت الى التسامح ونبذ العنصرية مع فولتير ودعوته لبناء الروح وتدبير العقل او جون لوك في الفكر الانجلوسكسوني، لكن مع ذلك ثمة اطروحات كانت على نقيض ذلك وقد كتب البعض كتباً تبرز نظرتهم الاستعلائية التي تنم عن مركزية شديدة تقصي أي تنوع ثقافي من أجل هيمنة ثقافية غربية واحدة في العالم. فكتب كوفييه (مملكة الحيوان) وغوستاف لوبون (القوانين النفسية لتطور الشعوب) وقد رسمت تلك الكتابات نظرة دونية للشرق على اعتبار انه بيولوجياًينتمي إلى عرق ادنى من هنا وجب استعماره ووضع ثقافته على سكة التمدين والتحضر.

واضافت الكاتبة، ويصعب الآن الفصل بين حدود التعلم وجدلية التاثير والتاثر بين الثقافات وعملية النسخ والاستنساخ الثقافي ولم يعد بوسعنا التفرقة بين التعلم والنسخ واليوم تتعدد الاطروحات التي تفسر مركزية ثقافة الغرب وتحديدا الثقافة الامريكية فاطروحة استعمار الكوكا والماكدونالدز يعتقدو منظريها ان الثقافة الامريكية سوف تهيمن على العالم وان الرموز الثقافية الامريكية الجينز والكوكا والشعر الاشقر ووجبات الهمبوركر ستلقى اقبالا حماسيا من كل شعوب العالم ويذهبون الىالاستدلال بالتحولات التي طالت حتى الشعوب المحافظة والعريقة وذات التوجه الاشتراكي كالحضارة الصينية بقومياتها الكثيرة التي عرفت ثقافتها تصدعات وتداعت تجاه الثقافة الامريكية، فالشباب الصيني اصبح يتحمس للغة الانجليزية والوجبات الخفيفة والشعر الأشقر رغم انه لون لايناسب البشرة الصفراء وفق مفاييس الجمال الحقيقية، ولكن معارضوا هذه الاطروحة يؤكدون مع ذلك ان هذه الهيمنة هي شكلية فقط لاتتجاوز مجال الثقافة الاستهلاكية، وان اقبال الصيني مثلا على الكوكا والجينز لايعني انه يتخلى عن التفكير الشرقي وروح الكونفونشو خاصة وان مجالات الثقافة عميقة وغير محصورة فهي تشمل الدين والقيم والاخلاق والعادات.

اما الاطروحة الثانية فانها ترى ان الثقافات مفتوحةعلى التحديث وان الغرب فقط يقودها الى الحداثة ومن هنا فهذه الثقافات والحضارات الاخرى العربية والهندية والصينية والاسلامية انما نتخرط في الحداثة كما تفتضي صيرورة التحديث وتهجر قيمها التقليدية وان هذا ميل طبيعي الى العصرنة، ولهذا فالنخب المتعلمة هي التي تقبل عليه اكثر لانها تمتلك الوسائل التقنية البارزةوالمعرفية التي تجعلها لا تستطيع إخفاء إخفاق الثقافات المحلية وتعتبر ان الثقافة الغربية تمتلك الكمال الذى أدخله العلم على تقنياتهابحيث يمكننا الوصول إلى نتائج متشابهة فيما يتعلق بعمق ثقافتنا ومطابقتها وانسجامها كلياً مع حياتناحتى من خلال هذه الثقافة الغربية.

وفي كلا الاطروحتين نلاحظ نزوع الى ثقافة كونية مهيمنة ليس بالمفهوم القرآني القائم على التثاقف والتعارف وتحاور الافكار بحيث تسود الافكار الصالحة وتدحض غير السليمة والمجدية اعتبار لما يقنضيه الصالح العام والتصور الشمولي للا نسان في علاقته بالانسان وبالكون وبالله  "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"

واختتمت الكاتبة بالقول، ان دخول النزعات الذاتية والعنصرية والمصالح المادية في ترتيب الثقافات هو ما يهدد التنوع الثقافي في عمقه، ويقوض دعائم استمرارة كسنة ضرورية تنسجم واختلاف طبائع البشر، ومناطق وجودهم جغرافيا وتطور تاريخهم، واذا كان هذا هو الواقع في المحيط العبر دولي فانه هو ذاته داخل المجتمع الواحد بحيث تصبح الثقافة تابعة للدولة وتكيفها وفق ايديولوجيتها فتمنح الاعتراف الرسمي للغة وتقصي لغة اخرى، وتعتبر لغة وطنية، واخرى ترف فولكلوري، من هنا تخضع الثقافات داخل المجمتع الواحد للنزعة الاستعلائية، والاقصاء وداخل المدينة الواحدة وداخل الحي الواحد، وهذه النزعة العنصرية التي تتحكم في النظرة الى اللغات والثقافات ومن ثم تصنيفها وفق تراتبية الاهم والاقل شأنا هو ما يهدد التنوع الثقافي في اتجاه استنساخ ثقافي كوني منسجم ظاهريا ومتصارع ومنفتح على الصراعات داخليا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24 أيار/2008 - 17/جماد الاول/1429