حالة اندهاش!!

دكتور أحمد راسم النفيس

المنظومة السياسية العربية في غالبها الأعم تعيش حالة من الاندهاش لا لأن المعارضة اللبنانية التي يشكل حزب الله ركنها الأساسي استخدمت السلاح في إخراج ميليشيا المستقبل من الساحة بل لأن هذا الخروج من ساحة الصراع حدث بتلك السرعة المذهلة وخلال الدقائق الأولى من بدء المواجهة رغم الإعداد الطويل لهذه الميليشيات على مدى الأعوام الماضية.

حالة الاندهاش لم تقتصر على العرب بل امتدت لإسرائيل حيث يقول رئيس المخابرات الإسرائيلية السابق: لقد ضاعت جهود دولية وعربية مخابراتية إستمرت ثلاث سنوات في ليلة واحدة، كل عملاء المخابرات في بيروت خرجوا منها الآن واللبنانيون لم يعودوا قادرين على التحرك بغطاء مهماتهم اليومية المتعلقة بمناصبهم في الشرطة، خسر الغرب الكثير بمباغتة نصرالله لحلفائهم.

إنها حالة من الدهشة ممزوجة بالحسرة والأسى على المليارات التي أنفقت من أجل تجييش هذه الميليشيا, لا لأنها أنفقت, بل لأنها ذهبت أدراج الريح ولم تفلح في تحقيق توازن الرعب المطلوب مع المقاومة اللبنانية.

لا حسرة ولا دهشة ولا ألم ولا أي دمعة حزن ذرفها هؤلاء على ضحايا القنص الميليشاوي في مار ميخائيل حيث أسقطت هذه القطعان سبعة ضحايا في لحظة واحدة من أجل منع مظاهرة للمعارضة وقبلها في ساحة الجامعة العربية لأن الضحايا ليسوا من ذوي الدماء الزرقاء الذين يتعين احترام دماؤهم ومناطقهم أما غيرهم فلا حرمة لا لدمائهم ولا لمناطقهم!!.

سبعة قتلى غير المصابين سقطوا برصاص القنص من أجل استجلاب رد فعل انتقامي من حزب الله يساعدهم في معركة التهويل بالحرب الأهلية والفتنة المذهبية اتكاء على آلتهم الإعلامية الجبارة المستعدة للصراخ دوما للدفاع عن (الطائفة المحقة) رغم أن هذه الطائفة بحاجة إلى من يخلصها من أيدي خاطفيها والمتاجرين باسمها.

هذا ما عبر عنه الأمين العام لحزب الله في مؤتمره الصحفي بقوله: كنت أخاف وأقلق (من الفتنة الطائفية) وهم دائما كانوا يراهنون على ذلك وهم عندما أخذوا هذه القرارات كانوا يراهنون أنّنا لن نفعل شيئا أو سنصدر بيانا ننفّس فيه لأنّ حزب الله حريص على نقطتين الأولى الفتنة المذهبية التي يشهرونها دائما بوجهنا والنقطة الثانية استخدام السلاح في الداخل، نحن لم نستخدم ولن نستخدم السلاح في الداخل لا من أجل إنقلاب ولا من أجل تغيير سلطة وليس من أجل فرض أمر واقع ولكن السلاح سيستخدم للدفاع عن السلاح في وجه أيّ كان.

ميليشيا سيكيور بلس

ليس لدينا ميليشيات, لدينا شركات أمنية!!

هكذا صرح النائب المستقبلي مصباح الأحدب من إحدى الفضائيات.

فما هي حكاية هذه الشركات الميليشيات؟!.

تقول اللوس أنجيليس تايمز: أن كتلة المستقبل النيابية شكلت ميليشيا في هيئة شركات أمن خاصة من أنصار الكتلة التي يتزعمها النائب سعد الحريري وهي تحظى بدعم أمريكي مالي بلغ 60 مليون دولار حيث جرى تدريبهم وتسليحهم ليكونوا قادرين على التصدي لحزب الله في أي مواجهة عسكرية.

واستطردت الصحيفة قائلة: ما بين عشية وضحاها انهارت هذه "التجربة العجيبة"، إذ سرعان ما فر مقاتلوا كتلة المستقبل تاركين وراءهم أسلحتهم بعد ما تعرضوا لهجمات من عناصر حزب الله في بيروت.

ومضت لوس أنجلوس تايمز تقول إن نواب كتلة المستقبل نفوا أن تكون حركتهم أنشأت ميليشيا خاصة بها، "لكن كبار الضباط العسكريين والمحللين المستقلين وموظفي الشركة الأمنية –التي تدعى سكيور بلص– يؤكدون أن ذلك ما حدث بالفعل".

ويرى مسؤولون في الحكومة اللبنانية أنهم يأملون أن تسفر هذه المساعي العسكرية عن إيجاد توازن رعب مع المقاتلين الشيعة.

كما أن شركة "سكيور بلص" التي يديرها ضباط جيش لبنانيون متقاعدون قد تطورت خلال عام واحد من شركة أمنية صغيرة إلى مؤسسة قوامها ثلاثة آلاف موظف ومنتسبين غير رسميين, معظمهم من فقراء الطائفة السنية من شمال لبنان.

ثم عادت قناة المنار بعد ذلك لتنشر لوائح بتشكيلات وأسماء أعضاء هذه المليشيا والدور الموكل إليها في افتعال الإشكالات في بيروت كما جاء سقوط مراكز تيار المستقبل ليكشف أن تسليح هذه الجماعات يتضمن الرشاشات وأسلحة القنص.

مندهشون إذا من الانهيار السريع لهذه الميليشيات ولعجزها عن القيام بالمهام الاستخبارية الجسام الملقاة على عاتقها في أي حرب مقبلة وهو ما عبر عنه الجنرال ميشيل عون في مؤتمر صحفي ردا على سؤال حول إمكانية أن تشن إسرائيل هجومها الآن بالاستفادة من هذه الظروف فقال (كانت إسرائيل تنتظر أن تثبت قوائم هذه الميليشيات في الداخل لتساعدها في هجومها المرتقب أما الآن فعليها أن تنزع أشواكها بأيديها) وهو نفس ما ذكره رئيس المخابرات الإسرائيلي السابق (كل عملاء المخابرات في بيروت خرجوا منها واللبنانيون لم يعودوا قادرين على التحرك بغطاء مهماتهم اليومية المتعلقة بمناصبهم في الشرطة).

دعك إذا من حكاية الفتنة الطائفية والسنة الذين يدافع عنهم سمير جعجع بطل مجزرة صبرا وشاتيلا خاصة وأن السيد حسن نصر الله لم يشكل مجلسا لقيادة الثورة ولا أصدر البيان رقم واحد ولا فرض الأحكام العرفية كما أنه لم يهاجم الجيش اللبناني ولم يستولي على قيادته ولا طالب بتعديل الدستور اللبناني وكل ما طالب به هو إلغاء القرار الذي أصدره السيد فؤاد السنيورة بتجريمه وملاحقته قضائيا والعودة إلى طاولة الحوار لحل الأزمة السياسية التي طالت أكثر مما ينبغي بسبب تعنت تلك الحكومة المدعومة بتصريحات جورج بوش والقبلات الدافئة للآنسة كوندي.

ماذا بعد؟؟

قامت حكومة السنيورة الليلة 14-5- 2008 بسحب القرارين اللذين تسببا في هذه الأحداث ولا شك أن الخسارة المعنوية التي خسرتها هذه الحكومة هي خسارة هائلة لا يجبرها شيء.

أما الإدارة الأمريكية التي أسهمت في صنع هذه الفتنة بدعمها اللامشروط لهذه الحكومة فيبدو أنها لم تقدم الدعم الذي كان السيد السنيورة يأمل في الحصول عليه اكتفاء بالدعم اللفظي مفسحة المجال أمام المبادرة العربية التي عارضتها في السابق إلا أن الحديث عن تخل أمريكي عن فريق الرابع عشر من آذار ما زال سابقا لأوانه في انتظار الوقائع على الأرض. 

من ناحية أخرى يبدو أيضا أن التهويل بالفتنة الطائفية والحرب الأهلية لم يعط مفاعيله التي راهن عليها البعض فلا أحد في لبنان يرغب في هذه الحرب رغبة حقيقية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22 أيار/2008 - 15/جماد الاول/1429