صناعة القيم في حياة العظماء: فاطمة الزهراء(ع) انموذجا

علي الطالقاني

شبكة النبأ: في الثالث عشر من جمادي الاول تمر ذكرى أحزنت فؤاد أعظم شخصية شهد لها بالبنان والعطاء والمتمثلة بسيد الكائنات محمد (ص)، هذه الذكرى هي استشهاد السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (ع).

لقد كانت السيدة فاطمة "عليها السلام" واحدة من بين الشخصيات التي كتب عنها الكثير وذكرت سيرتها في خاصة الكتب وعامتها وانطلاقا من ذكرى استشهادها نتناول جوانب من سيرتها لنجعل من هذه السيرة العطرة  طريق بين الماضي والحاضر لبناء مستقبلنا بالاقتداء بهذه المثل والقدوة.

وربما يتساءل البعض لماذا نحن مصرون على ان نعيد الماضي، أليس من المفترض أن نلتفت إلى حياتنا وعصرنا الحالي المليء بالمآسي والحوادث؟

من خلال إجابة مختصرة على هذه التساؤلات "و نحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين الذي عرف بالتقدم التكنولوجي والعلمي. هذا التقدم يبتعد يوما بعد يوم عن المثل العليا والخلق النبيلة ليشتغل أبناء هذا القرن بالقيم الوضعية التي تأسس لتاريخ سيكتب عنه بالظلم والجور ويعيش هؤلاء الأبناء في هاوية السقوط الأخلاقي متناسين خلفهم كل القيم النبيلة.

من جانب آخر انها قضيتنا نحن الذين نفتقد للكثير من القيم والروح الإنسانية في عالمنا اليوم ولذلك نسترجع التاريخ لنتلمس فيه كل الصفات الحسنة وأسمى المواقف والقيم التي تحتضن الحياة الكريمة.

أما الصديقة الطاهرة الزهراء (ع) والتي تمر ذكرى وفاتها وهي في مظهر مشرق من مظاهر الفضائل التي تألق فيها أهل البيت عليهم السلام في الزهد والعبادة والأخلاق والمشاعر والإيمان والتقوى، فقد فتحت عين الزهراء على مظاهر الرسالة الإسلامية، وهي توجه دعوة إلى الإنسانية للسير في طرق الله، لتنطلق بعدها وتشاهد أروع البطولات بقيادة الرسول الأعظم (ص) وهو يصارع الوثنية والجاهلية.

ولو أردنا أن نلخص حياة الزهراء (ع) بكلمات موجزة لقلنا "أنها لم تعش لنفسها" بل انها عاشت واستشهدت من أجل الرسالة الإسلامية السمحاء وعاشت لخدمة أبيها خاتم النبيين وسيد المرسلين، وزوجها وأولادها الائمة الطاهرين، وقد افنت حياتها الكريمة في خدمة الناس تسعى لإرشادهم متحسسة لألامهم.

في مدرسة الرسول(ص)

هناك شواهد كثيرة تدل على اهتمام الرسول بها فهي شهدت الرسالة واحست بها منذ نشأتها في عالم الأصلاب، وقد جاء بالحديث الشريف الذي رواه الكليني في الكافي بسنده عن الإمام الصادق(ع) قال: لما جاءت فاطمة تشكو إلى رسول الله(ص) بعض أمرها، أعطاها كربة ـ أصل السعفه وكان يُكتب عليها ـ وقال تعلمي ما فيها .. فإذا فيها: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه،ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت.

كذلك كانت التلميذة الأولى كما كان علي عليه السلام. وكانت تجلس معه عند الرسول حيث مهبط الوحي لتستمع بإمعان إلى أعظم نبي وهو يبين معاني الأمين جبرائيل ويعلمهما الأحكام والتشريعات، ولهذا كان الحديث الشريف الذي يدل على عظمة الزهراء مقارنة بعظمة أمير المؤمنين علي عليه السلام من الذي ذكره العامة والخاصة والذي يقول: لو لم يكن عليّ لما كان لفاطمة كفؤ، وهذا يدل على عظمة تفكيرها وعقلها مما جعلها الكفؤ لأمير المؤمنين والعكس صحيح.

حلقة درسها

عمدت الزهراء عليه السلام إلى جمع كل ماسمعته من أحاديث وآيات من القرآن والكثير من الحكم والوصايا لتبثه في أوساط المجتمع الإسلامي، كما يذكر الكثير من المؤرخين أنها كانت تدير حلقات دراسية للنساء في الفقه والاصول والبلاغة وهذا ما أفرغت به من خلال خطبها في المسجد كأنها تفرغ عن لسان أبيها لتجسد من خلال هذه الخطبة  وترسم أروع اللوحات الأدبية و لتبين أسرارا تشريعية وقوانين ربانية.

لم تعش معتزلة عن مجتمعها

لم يخف على أرباب السير أن السيدة فاطمة كانت تستقبل نساء المسلمين وتتحدث إلى رجالهن وتبين ذلك من حوارها في دفاعها عن خلافة علي (ع)  وكانت تطوف على نساء المسلمين لتتحدث عن حق أمير المؤمنين (ع) بل إن حياتها القصيرة كانت مليئة بالمواقف الجهادية المشرقة على مختلف الأصعدة الاجتماعية.

إما في الجانب الروحي والعبادي من سيرتها ما روي عن الإمام الحسن بن علي (ع)، قال: رأيتُ أُمّي فاطمة (ع) في محرابها ليلةً، فلم تزل راكعةً ساجدةً حتّى اتّضح عمودَ الصبح وسمعتُها تدعو للمؤمنينَ والمؤمناتِ وتُسمِّيهم وتكثرُ من الدعاءِ لهم، ولا تدعو لنفسِها بشيءٍ، فقلت لها: يا أُمّاهِ لِمَ لا تَدعينَ لنفسِك كما تَدعين لغيرِك؟ فقالت: يا بُنَيَّ الجارُ ثمّ الدار.

دورها في المعارك

اما مشاركتها في ساحة الحرب فيذكر المؤرخون "لما جُرح رسول الله(ص) يوم أحد، جعل علي ينقل إليه الماء في درقته، ويغسله فلم ينقطع الدم، وهنا تقدمت فاطمة بدورها ، أقبلت"أم أبيها" على رسول الله لتعطه جرعة الحنان وجعلت تعانقه وتبكي، وأحرقت حصيراً وجعلت على الجرح من رماده فانقطع الدم.

وقد كانت حياتها زاخرة بالمواقف السياسية والاجتماعية وهي تمثل دور المعارضة للظلم، متجاوزة كل الآلام والمتاعب بشتى أنواعها لتمثل المرأة القوية والشجاعة وهي قنوعة بأمر الله وقضاءه لا تخاف في الله لومة لائم.

الرفيقة الوفية

لم تكن ابتهالات الرسول في جوف الليل وهو يدعو لقومه وأهله بالغفران والرحمة غائبة عن أسماع الزهراء (ع) فقد كانت رفيقته التي تؤمن له الدعاء، و لتتدرج حياة السيدة فاطمة (ع)  بين ثنايا الوحي والرسالة الخالدة متغذية من روح أبيها (ص) لتحتضن في قلبها المكسور خطوات جبرائيل(ع) ذخرا ليوم إفاضة روحها الطاهرة وهي تفيض على الأرض ومن عليها بأخلاق النبوة والصفات الحميدة لتتطبع في وعي الأصالة النبوية.

سيرة زاهدة

لم يكن معنى للترف في حياة السيدة فاطمة(ع) وهي في أسمى مراتب القداسة مرتفعة إلى مرتبة العصمة، لا تدنسها الشبهات والآثام مخلفة أعلى مراتب الرقي في العيش والارتباط مع الله لتكون أروع مثل لنسائنا وهذا ما يجسده لنا كلامها مع أبيها فلم يكن لها إلاّ جلد كبش حدّثت عنه أباها محمّداً (ص) وقالت له: والّذي بعثكَ بالحقِّ نبياً، مالي وَبعلي منذُ خمس سِنينَ إلاّ جِلْد كبشٍ نَفترشُه باللّيل ونعلّق عليه بعيرنا في النهار، وإنَّ مخدّتَنا حشوُها ليف.. حتى شاهدها أحد الأصحاب وبين يديها شعير وهي تطحن فيه وتقول: وما عندَ اللَّهِ خيرٌ وأبقى.

ضرورة وجود القدوة

من خلال هذه القيم التي صنعت من قبل إبنة أعظم نبي وأحق ولي وأم الإمامان الحسنان(ع) فأن حاجتنا للقدوة في عالم المغريات والشبهات والشهوات هي حاجتنا إلى مثل عليا ونموذجية وهي حاجتنا لكل عناصر الحياة التي توازن وتكمل فيها الشخصية.

- نحن عندما نرشح السيدة فاطمة(ع) على اعتبارها النموذج الأفضل للمرأة من خلال ماذكرناه من فضائل وخصوصيات وعلى اعتبارها النموذج الحي للمرأة في مختلف الجوانب الزوجية والبيتية والحركية في المجتمع والدور الثقافي لتصنع مجتمع تجتمع فيه كل عناوين الإنسانية النبيلة. ولنتعلم منها كيفية تحمل المسؤولية تجاه الإنسانية وكيف يكون عطائنا للمجتمع، وان نتحمل مسؤولية نشر الثقافة الإسلامية الأصيلة من مفاهيم التسامح واللاعنف والأخوة الإسلامية.

- نحن عندما نستذكر بضعة المصطفى لأنها رفضت كل أنواع الظلم  الذي تتعرض له المرأة وهي منحصرة في دائرة ضيقة لم يتح لها فرصة التألق لتفيض على المجتمع باللطف والحنان ولتفجر طاقاتها وفق الموازين الشرعية والانسانية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 21 أيار/2008 - 14/جماد الاول/1429