الإعلام الكيدي يفضح نفسه

نزار حيدر

الإعلام الكيدي فضح نفسه وقد بانت حقيقته المعادية للعراق وشعبه، وهو كتنظيم القاعدة الإرهابي ، اسقط ورقة التوت عن عورته، فبانت حقيقته بعد أن تعرى أمام الرأي العام، خاصة العراقي.

فالإعلام الكيدي يعارض العملية السياسية الجديدة الجارية في العراق من أساسها، ولذلك فهو لا ينتقد، مثلا، للتصحيح أو للتنبيه إلى مكامن الخطأ والتقصير، وإنما يمارس التسقيط وتشويه الحقيقة وقلب الوقائع، وفوق كل ذلك، يدعم ويحرض على العنف والإرهاب، ولما تعارضت أهداف الإرهابيين مع أجندات هذا الإعلام، أو قل مع أجندات ممولي هذا الإعلام، انقلب عليهم، فغير العناوين من كون الإرهاب والقتل مقاومة وجهاد في سبيل الدين، ومشروع صناعة الشهادة في سبيل الله، إلى مشروع صناعة الموت كما أسمته مؤخرا إحدى ابرز فضائيات الإعلام الكيدي، وكلنا يعرف جيدا، فان الإرهابيين لم يغيروا شيئا من طبيعتهم، لا من أهدافهم ولا من وسائلهم ولا من عناوينهم، فلماذا تغيرت لافتات الإعلام الكيدي؟ إلا أن يكون السبب هو تعارض أجندات الإرهابيين مع أجندات ممولي هذا الإعلام؟.

   لقد فضح هذا الإعلام نفسه، فبانت حقيقته أمام الرأي العام، والعراقي على وجه الخصوص، فحاله اليوم حال تنظيم القاعدة الإرهابي الذي تعرى أمام العراقيين، فكشفت نواياه شرائح المجتمع العراقي، خاصة تلك التي ظلت ضحية تضليله خلال السنوات الخمس الماضية، لتنقلب عليه وتحمل السلاح بوجهه وتنزل به أقسى الهزائم، حتى بات هذا التنظيم الإرهابي معزولا عن الناس ومطاردا من قبلهم قبل أن يكون مطاردا من قبل الأجهزة الأمنية العراقية، ولعل معركة الموصل الحالية ستكون آخر المعارك مع القتلة والمجرمين بإذن الله تعالى وبهمة العراقيين الأبطال والشرفاء، وبمثابرة الأجهزة الأمنية التي يتعاون معها الشارع في الموصل كما تعاون معها الشارع في المناطق الأخرى من العراق في أوقات سابقة.

   شخصيا، انا أراهن على الوعي الذاتي لدى الإنسان العراقي، للقضاء على الزمر الإرهابية، وعلى مجموعات العنف والإرهاب، وعلى الخارجين على القانون، وعلى كل من يحمل السلاح ليعرقل إعادة بناء العراق الجديد الذي دمرته سياسات النظام البائد العبثية وحروبه التدميرية وسياساته الرعناء، فالحكومة العراقية وقواتها المسلحة عنصر مساعد في القضاء على هذه الزمر، أما الأصل في الموضوع فهم الناس الذين يجب أن لا تتحول مدنهم ومناطقهم إلى ملاذات آمنة لهذه العصابات، وان يحولوا دون تمتع هذه العصابات بالأمن والاستقرار في مناطقهم، كما ينبغي على الناس التفريق بين الإعلام الذي يضمر السوء لهم ولبلدهم، فيقاطعوه طوعا ولا يتعاملوا معه، وبين الإعلام الذي يريد الخير لهم ولبلدهم، بغض النظر عن هوية هذا الإعلام وجنسيته، وهذا طبعا يتطلب أن يرتفع الإعلام العراقي إلى مستوى المسؤولية، وليحذر من أن يتحول إلى إعلام السلطة، فيمدح ما لم تنجزه ويغض النظر عما ترتكبه من أخطاء أو إخفاقات في العمل والمشاريع، وليتذكر الإعلام العراقي بان الناس لم تعد تهتم كثيرا بالإعلام السلطوي ولا حتى بالإعلام الحزبي، كما لم يعد المواطن مجبرا على مشاهدة أو قراءة أو الاستماع إلى محطة دون أخرى، فالفضاء أصبح اليوم مشاعا للجميع، وهو تحت متناول الجميع، لا يمكن لسلطة أن تمنعه عن احد أبدا، فهو اليوم كالأوكسجين يتنفسه كل الناس بلا استثناء، إلا الأموات منهم، ما يعني بان التنافس بين وسائل الإعلام اليوم أصبح حرا وليس قسريا كما كان أيام النظام البائد، فإذا أراد الإعلام العراقي أن يتفوق على غيره من الإعلام فعليه أن يثبت جدارة ومهنية وفي فن الخطاب الإعلامي ولا يتسلح بسوط السلطة أو يتخندق بسلاحها، إذ لم تعد هذه الوسائل مجدية بعد اليوم، وإنما يحقق الإعلام الكيدي أحيانا بعض النجاحات فليس لأنه نقل حقيقة أو تعامل بحيادية ومهنية، أبدا، وإنما بسبب فشل الإعلام العراقي أو ضعفه أو بطئه في التعامل مع الحدث، ولذلك يجب أن يكون الإعلام العراقي مهنيا يأخذ بأسباب الصناعة وبأدوات المعركة الواسعة التي يخوضها مع الإعلام الكيدي، وان يكون منحازا للناس وليس للسلطة.

الاصطفاف الوطني ضد تنظيم القاعدة

   لقد خدع الإرهابيون الناس عندما رفعوا شعارات براقة تستهوي القلوب والأفئدة، من قبيل الجهاد ضد المحتل والسعي لإقامة دولة إسلامية في العراق، وأنهم يدافعون، تارة عن السنة ضد الشيعة، وأخرى، عن العرب ضد الكرد، إلا أن ممارساتهم الإجرامية وأعمال القتل واستباحة الدم العراقي وانتهاك الأعراض التي مارسها الإرهابيون ضد السنة كما ضد الشيعة، وضد العرب كما ضد الكرد، أثبتت للعراقيين جميعا بان هذا التنظيم لا خير فيه ولا يرتجى منه أي خير لا للعراق ولا للعراقيين، وان الإرهابيين يريدون تدمير العراق وقتل العراقيين بشعارات براقة ليس لها أي رصيد على ارض الواقع، وان بينهم وبين الإسلام الذي يتشدقون به مسافة واسعة عرضها السماوات والأرض، ولما أحس الناس بعمق خطرهم وبدا الناس يشعرون بحقيقة مآربهم، خاصة من خدع بهم وبشعاراتهم، بادروا إلى فك الارتباط بهم ومن ثم مقاتلتهم وتاليا تطهير مناطقهم من دنسهم ورجسهم، حصل هذا في الرمادي بالأمس، ويحصل اليوم في الموصل، وسنشهد ذلك في كل مناطق العراق التي ظن الإرهابيون بأنهم قادرون على الاستمرار في خداع الناس إلى ما لا نهاية، ناسين أو متناسين الحكمة التي تقول (انك قد تخدع بعض الناس لبعض الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس في كل الوقت).

   إن ما اعترف به الإرهابي (سابقا) من على إحدى قنوات الإعلام الكيدي مؤخرا، عندما قال بان القاعدة هي التي استباحت الدم العراقي وان هدايا الإرهابيين للأهالي كانت رؤوس ضحاياهم، وان هذا التنظيم هو الذي قتل السنة والشيعة، وان القاعدة هي التي اغتالت المئات من الأكاديميين وأصحاب الشهادات في مناطق السنة، وان القاعدة هي التي استهدفت السنة وخواصهم، ويقصد بهم (مجاهدو السنة) وأنها هي التي تفجر السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة وسط الناس الأبرياء لإرعابهم وقتل اكبر عدد منهم، وأنها وأنها، من دون أن يذكر أي من العناوين التي كانت ترددها وسائل الإعلام الكيدي، كذبا وزورا، وعلى رأسها الفضائية التي بثت برنامج (صناعة الموت) الذي جاءت فيه اعترافات هذا (الإرهابي السابق) لدليل واضح على عمق تورط الإعلام الكيدي في دعم والتحريض على العنف والقتل الطائفي في العراق تحديدا.

   إن هذا الإعلام هو الذي صنع أبطالا وهميين على مدى السنوات الخمس الماضية، فصنع من القتلة والذباحين ومفجري الناس الأبرياء ومن دمر الحياة والمرافق العامة والبنى التحتية، أبطالا سعى إلى تسويقهم في المجتمع العراقي، وهو نفسه الذي صنع من الطاغية الذليل صدام حسين بطلا قوميا ومشروع شهادة، وكلنا يعلم ما فعله هذا الطاغية المقبور، ليس بالعراق وشعبه فحسب، وإنما بشعوب المنطقة وبلدانهم من خلال حروبه العبثية المدمرة، ولذلك لا يمكن أن يقنعنا هذا الإعلام الكيدي بأنه قد غير إستراتيجيته من خلال برنامج أو برنامجين يظن انه بهما يكفر عن ذنبه وما اقترفه بحق الشعب العراقي المضحي والصابر، بل إن عليه، إن أراد ذلك، أن يتغير 180 درجة فيغير من خطابه الإعلامي التحريضي الذي يدعو إلى القتل والتدمير، ويبادر إلى تعويض ضحاياه وأسرهم، ليتأكد العراقيون بأنه بالفعل جاد في التكفير عن ذنبه، وإلا فسيبقى العراقيون ينظرون إليه على أنه إعلام القاعدة، وانه هو من سوق الإرهابيين والقتلة من خلال الفضاء.

   إن برنامج (صناعة الموت) فضح الإعلام الكيدي، كما انه فضح كل الذين ظلوا ينعقون ليل نهار بعناوين طائفية، سواء من داخل العراق أو خارجه، ممن ألقمتهم اعترافات الإرهابيين بحجر فألجمت أفواههم، فلم يعد لهم نعيق أو زعيق، والحمد لله رب العالمين.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20 أيار/2008 - 13/جماد الاول/1429