المربد الخامس: رجوع لنقطة الصفر أم طموح ريادي!

شبكة النبأ: بعد زوال كابوس الهيمنة من على صدور العراقيين تنفست الثقافة العراقية، وتطلع الأدباء إلى عصرهم الجديد، العصر الذي يلحمون به ويأملون بدورهم الفعال فيه، مهرجان المربد الشعري، والذي انطلقت دورته مؤخرا، سنعرف من خلاله تطلعات وطموح الأدباء في قضايا العراق المرتبطة والمتجذرة بالعنصر الثقافي الحي الذي من الممكن أن يؤسس عراق ينعم بالأمن والسلام والطمأنينة. ولكن هل يحقق هذا المهرجان تطلعات المثقفين العراقيين ام هو رجوع لتسلط الدولة على الثقافة؟

كرنفال المربد في محافظة البصرة بدورته الخامسة

بين مهرجان المربد الأول و"الخامس" الذي تختتم فعالياته في البصرة الجنوبية مسافة تقارب الأربعين عاما، يقف تاريخه في عام 2003 بسقوط النظام السابق، ليبدأ التغيير بقطع الصلة مع الماضي ابتداء بتسلسل دوراته، وتخلصا من رعاية السلطة التي كانت تحتضنه طوال ثمانية عشرة دورة قبل عام 2003.

ولعل ذلك مدخلا يؤشر طبيعة الاختلاف في آراء عدد من أدباء العراق حيال مهرجان هذا العام بدورته الخامسة، فمنهم من رأى فيه عودة إلى نقطة الصفر، إلى سلطة الدولة ومؤسستها الحكومية متمثلة بوزارة الثقافة على مجريات المهرجان، ومنهم من رأى فيه وجه من التحديات الإبداعيات في بيئة يكون كل نشاط في ظلها القاتم انجاز بحد ذاته.

الشاعر والصحافي كاظم غيلان الذي رفض دعوة المربد لهذا العام تمنى أن: يلغى مهرجان المربد، لأنه تقليد لم يتخلص من شكله السابق، حينما ظل يرتبط بإدارة المؤسسة الثقافية التابعة للحكومة. بحسب اصوات العراق. 

وأوضح غيلان أن: وزارة الثقافة ومن خلال تنظيمها لمهرجان المربد بقت راعية متسلطة ومتنفذة في المهرجان وكنا نتمنى أن يكون المربد كمهرجان المدى (مؤسسة المدى الثقافية)  وان يكون اتحاد الأدباء هو الأول والآخر فيه.

والمهرجان الذي انطلقت فعالياته مؤخرا، بدورته الخامسة في البصرة وأطلق عليها أسم (سركون بولص) الشاعر العراقي الراحل وتستمر لمدة ثلاثة أيام كان برعاية وزارة الثقافة بالتعاون مع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، كما تضمن المهرجان تكريس احدى جلساته للاحتفاء بالشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر.

كما يشار إلى إن المربد انطلق في أول دورة له عام 1971 وبلغت دوراته 18 دورة لغاية عام 2002 قبل ان يتم الغاء تسلسلها بعد سقوط النظام السابق عام 2003، لتبدأ تسلسل دورات جديدة منذ ذلك التاريخ حتى الخامس الذي يختتم أعماله بنهاية الدورة الحالية.

واعتبر غيلان أن مهرجان  المربد الحالي أحدث إرباكا للمشروع الثقافي العراقي، لأننا عدنا إلى نقطة الصفر، بحاكمية المؤسسة الحكومية على الفعالية الثقافية. مشددا، يجب ألا يؤسس ذلك المشروع وفق مفاهيم مؤسساتية  ترتبط بالحكومة ،ممكن أن تكون الحكومة ممولة ، لكن ليست منظمة ومديرة.

وينظر الشاعر والصحافي محمد درويش الى المهرجان من زاوية أخرى باعتباره: دليل على روح التحدي والإصرار لدى الأدباء والمثقفين العراقيين في ظل الظروف التي تمر بها مدينة البصرة.

لكنه استدرك ان مهرجان المربد الأخير لم يختلف عن باقي المرابد. معللا ذلك بانه تضمن قراءات شعرية لأسماء تتكرر منها للمجاملة، ومنها اسقاط فرض، دون الخروج بنتيجة تذكر.

وأضاف درويش: لا أدري هل بحث القائمون على المربد، عن صوت شعري جديد وكان للمربد شرف تقديمه، أو هل قدمت بحوث ونظريات تتناول الشعر بشكل جديد.

من جانبه، قال الناطق الرسمي باسم وزارة الثقافة حاكم الشمري أن: مهرجان المربد نجح نجاحا باهرا، عبر فعالياته المتنوعة، ولم يعكر صفوه أي شيء.

وأضاف أن: المشاركة العراقية أتت في ظروف صعبة وقاسية للبصرة، والمجيء لهذه المدينة يمثل تحد كبير لكل ذلك..والوزارة والمثقفين والأدباء العراقيين، جسدوا هذا التحدي المشار إليه.

كما اعتبر رئيس اتحاد الكتاب والأدباء العراقيين إن: الدورة الحالية للمهرجان تختلف اختلافا كبيرا عن الدورات السابقة ويفترق عنها في بعض المزايا حيث إن هذا المهرجان جاء في ظرف تاريخي وامني وسياسي دقيق كانت تمر به مدينة البصرة.

وأوضح فاضل ثامر: فعاليات هذا العام حفلت بتنوع جميل، إذ كانت هناك مجموعة من القراءات الشعرية المنتقاة بشكل لاباس به كذلك ضم المهرجان ثلاث حلقات دراسية مهمة حول تجربة الشاعر حسب الشيخ جعفر وتجربة الشاعر سركون بولص ودراسة حول الإشكاليات الإبداعية لقصيدة النثر إضافة إلى مجموعة من العروض السينمائية والفنية والتشكيلية وإقامة معرض للكتاب.

ولفت إلى إن اللجنة المنظمة للمهرجان ناقشت مسبقا عملية إخضاع القصائد الى اختيار مسبق أو نقد مسبق لكنه تم الاتفاق على ضوابط ومبادئ أساسية ترتكز في رفض الرقابة والاعتماد بشكل أساسي على مبدأ الحرية.

وأضاف، قد نختلف مع المبدع ونختلف مع القصيدة لكننا نرفض إخضاعها لأي نوع من أنواع الرقابة الفكرية او التقييم النقدي المسبق.  

وفيما يرى الشاعر فرات صالح من محافظة البصرة ان المهرجان بدورته الخامسة شكل نقطة اختلاف عن المهرجانات الأخرى كونه جاء في بيئة تحاول استعادة نشاطها بعد خمس سنوات من تسلط القوى الظلامية على المدينة. فانه ابدى رغبته في تقليص سلطة وزارة الثقافة للتمكن من إقامة مهرجان يرتقي بالشعر الى مصاف أعلى من المراتب التي نراها متأخرة. مضيفا، أن المهرجان على مستوى الشعر لم يقدم شيء جديدا.

وتابع، هنالك خلل كبير على مستوى ماقدم من نصوص شعرية وارى على النقد أن يمارس دورة لو بتعسف لتصحيح المسار.

من جانبها قالت الشاعرة سمرقند الجابري من العاصمة بغداد ان: المربد هذا العام تجاوز أخطاء العام الماضي من سوء التنظيم والإدارة وتجاوز الكثير من العقبات لاسيما تحسين وضع القاعة التي خصصت لفعاليات المهرجان.

وتابعت، المهرجان وجه دعوات للعديد من الشعراء العرب وشعراء اقليم كردستان لكنهم تعذر عليهم الحضور وهذه خطوة اولى لان يكون المربد مهرجانا عالميا.

وزارة الثقافة تدعم المهرجان برغم التلكؤ الحاصل في العمل

وحضر المهرجان، الذي أقيم برعاية وزارة الثقافة العراقية، محافظ البصرة محمد مصبح الوائلي والعديد من المثقفين والأدباء والكتاب.

وقال الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة جابر الجابري: تقام الدورة الخامسة لمهرجان المربد الشعري بعد عملية (صولة الفرسان) التي أرست دعائم الأمن والاستقرار في البصرة، والتي نعول بعدها على (صولة المبدعين) لنشر ثقافة الحب والتسامح واسترجاع هذه المدينة لحسها وذائقتها التي طحنتها الحروب.

وأوضح الجابري في مؤتمر صحفي مشترك عقده، في قاعة عتبة بن غزوان بالبصرة مع رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق الأستاذ فاضل ثامر أن: هذه الدورة التي رئيسها الفخري الدكتور علي عباس علوان وسميت بدورة الشاعر الراحل (سركون بولص)، وكرست إحدى جلساتها لتكريم الشاعر المبدع حسب الشيخ جعفر، أقيمت برعاية وزارة الثقافة بالتعاون مع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.

والراحل سركون بولص شاعر عراقي توفي في العاصمة الألمانية برلين في شهر تشرين الثاني أكتوبر عام 2007 عن عمر يناهز الثالثة والستين. وهو من جيل الستينات الشعري في العراق وضمته مع عدد من مجايليه مجموعة شعرية عرفت باسم "جماعة كركوك"، التي وصفت بأنها حركة تجديدية أخرى في الشعر، بعد الإنجاز الريادي لبدر شاكر السياب ونازك الملائكة.

وأشار وكيل وزارة الثقافة خلال المؤتمر الصحفي إلى أن هذه الدورة ستمتد لثلاثة أيام من التاسع إلى الحادي عشر من شهر أيار مايو الجاري ويشارك فيها 160 شاعرا وأديبا من مختلف المحافظات والقوميات والطوائف والأديان، فضلا عن أدباء ومثقفين عراقيين وعرب من الخارج. ولفت الجابري إلى  أن وزارة الثقافة تسعى لبناء قصور للثقافة في كل محافظة من محافظات العراق.

وأنطلقت فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان المربد الشعري، فيما لازالت المدينة تعيش هاجسا امنيا على خلفية المواجهات التي شهدتها قبل شهر بين القوات الحكومية ومجموعات من المسلحين بعد ساعات من الإعلان عن انطلاق خطة (صولة الفرسان).

وقال فاضل ثامر رئيس اتحاد الأدباء: نحن ندرك جيدا الأهمية التي يحتلها مهرجان المربد لدى أبناء البصرة والعراق، فهو جزء من الذاكرة الثقافية للبصريين وجميع العراقيين.

وكشف ثامر: واجهتنا العديد من الصعوبات وسنواجه صعوبات أخرى بسبب المحددات الروتينية للوزارة التي تحولت في بعض الأحيان إلى سدود كبيرة.

واستدرك، أتمنى رغم كل شيء أن يسجل مربد هذا العام نجاحا متميزا ونتجاوز كل العقبات بتعاون الجميع وكل الجهود الخيرة.

وانطلقت في الأول من نيسان ابريل 1971 فعاليات مهرجان المربد الأول إحياء لسوق المربد الذي كان على غرار سوق عكاظ مكانا لالقاء الشعر علاوة على التجارة.

والمربد في اللغة هو السوق الذي تباع فيه الإبل أو هو متسع الإبل التي تربد فيه للبيع وقد تحول هذا السوق في عهد الأمويين إلى سوق عامة يخرج إليها الناس كل يوم ويذهب كل منهم إلى مربعه أو حلقته أو شاعره.

وللسنة الخامسة على التوالي بعد سقوط النظام السابق يعقد مهرجان المربد الشعري في البصرة بعد أن كانت اغلب فعالياته تعقد في العاصمة بغداد حيث نقل النظام السابق هذا المهرجان من مدينته الأم إلى العاصمة بغداد.

جلسة الاحتفاء بالشاعر حسب الشيخ جعفر 

كرست الجلسة الصباحية الثانية لمهرجان المربد، للشاعر المحتفى به حسب الشيخ جعفر الذي لم يحضر المهرجان لأسباب صحية، فيما قرأ الشاعر مجيد الموسوي بعض قصائده كما قدمت عدة أوراق نقدية وشهادات عن منجز الشاعر الإبداعي.

وقال الناقد فاضل ثامر إن الشاعر حسب الشيخ جعفر واحد من شعراء الحداثة العراقية والعربية المتميزين الذين استطاعوا أن يؤسسوا رؤيا شعرية خاصة بهم.

وأضاف ثامر خلال الجلسة الصباحية الثانية للمهرجان أن: الشاعر حسب ينتمي إلى جيل الشعراء الستينيين، لكنه أشتغل بطريقة مميزة ومفارقة إلى حد ما عن هذا الجيل، الذي كان مشدودا بقوة إلى جذور تراثية قوية.

وأضاف، ان هذا طبيعي لأنه خرج من عباءة القصيدة التقليدية لكنه من الجانب الآخر جنح إلى موقف اجتماعي واقعي في التعامل مع التحولات الاجتماعية لذلك ترسخت مفاهيم الالتزام لدى هذا الجيل.

وأشار إلى أن جيل الشعراء الستينيين هو جيل متمرد سعى إلى تحقيق حداثته الخاصة من خلال مشروع فردي وتأسيس قيم ومعايير جديدة بالتجافي عن التراثي والبلاغي والنقدي السائد.

وأضاف ثامر، فحسب الشيخ جعفر ينتمي ولا ينتمي لجيل الستينيين، فهو لم يتطرف في رفع الشعارات التجريبية والعبثية التي انجذب إليها مجايليه رؤية ومواقف، واستطلع أن يقدم رؤيته الخاصة بينهم، ولا اعتقد أن أي منهم حذا حذو حسب في هذه التجربة.

وخلص ثامر، أن تجربة حسب تجربة غنية وهي عراقية في الأصل لكنها أفادت كثيرا من الرموز الكبيرة، فهي أنموذج لتجربة الإخفاق والإحباط، الذي يقترب من السياب في قضية المرأة، المرأة الحلم التي ينظر لها من ثقب الباب أو من خلال زجاج شفاف.

ورأى الناقد مالك المطلبي أن: ابتعاد حسب عن مجرى الحياة هو الذي جعل منه تجربة خاصة يجب النظر إليها من السقف فهو كرة ملتفة على ذاتها وهناك ضوضاء رهيبة داخل هذه الكرة.

وأوضح المطلبي إن: الشاعر حسب علق بين الخمسينين والستينيين ولكن قدرته الشعرية آتية من كليات عميقة.

وأضاف، من يقرا نخلة الله يرى طاقة شعرية متكاملة، فحسب كائن مثيلوجي ومن الغريب جدا أنه بعد أن تخلص من قوة الرواد وعبث الستينيين جاء عبد الوهاب البياتي ليقتفي أثره.

والشاعر حسب الشيخ جعفر من شعراء الستينيات من القرن الماضي ولد في ميسان عام 1940 وهو صاحب مدرسة شعرية (القصيدة المدورة الحديثة) أصدر عدة مجاميع شعرية منها نخلة الله والسيدة السومرية  فضلا عن كتاب في السيرة الذاتية (رماد الدرويش).

من جانب آخر قال الناقد والشاعر علي حسن الفواز: حسب الشيخ جعفر شاعر همه الإضافة فهو تصويري بامتياز وشاهد على تحولات القصيدة في بعض مراحلها.

وأضاف، هو شاعر استلهم جنوبيته وحلق في فضاءاتها، وهو لا يأتي إلى المدن بل المدن تأتيه، لامس تلك المدن.. أضواءها ولذائذها مخلفا نوبات عاتية من التشهي.

وأشار الفواز إلى أن كل الذين يمرون على قصائده يتعرفون على رموزه الخرافية والأسطورية فقد كان حريصا أن يمنح أبطاله امتيازهم الشعري.

وقسم الناقد محمد قاسم الياسري نتاجات الشاعر حسب الشيخ جعفر إلى مرحلتين موضحا أن المرحلة الأولى تشمل الأفق الابستملوجي الذي شمل مجاميعه الشعرية (نخلة الله، الطائر الخشبي، زيارة السيدة السومرية، عبر الحائط في المرآة).

وأضاف، أما المرحلة الثانية ابتدأت (بكراة البلور) ولم تنته (بالفراشة والعطار) الصادرة حديثا.

وأوضح أن، المرحلة الثانية كرست برمتها لإنعاش تجربة كان قد ابتدأها (ابن المقفع) وغيره من أساطين الأدب العربي القديم بلغة نثرية غير منظومة وأغناها عندما تنافس مع الشاعر الروسي (ليرمنتوف) وقد كرسها هناك ببعض المجاميع الشعرية.

وقال رئيس اتحاد أدباء ميسان الشاعر جمال الهاشمي: حسب الشيخ جعفر ابرز شعراء القصيدة الحديثة وخصوصا حين يكتب صورا شعرية ذات بنى توليدية على رأي الناقد (لوسيان غولدمان).

البيان الختامي للمهرجان موجها إلى رئيس الوزراء

وصدر البيان الختامي عن المهرجان بعد جلسة شعرية قرأ فيها 12 شاعرا وقدمت خلالها عروض موسيقية وفولكلورية راقصة لفرقة البصرة للفنون الشعبية.

وطالب البيان رئيس الوزراء نوري المالكي اخراج وزارة الثقافة من المحاصصة باعتبار ان الثقافة العراقية هي فكرة شاملة تتجاوز أي اطر عرقية او ثقافية.

كما ذكر البيان ان المشاركين يثمنون توجيه رئيس الوزراء باقامة قصر للثقافة والفنون في البصرة ليكون حاضنا للنشاطات الادبية والفنية. مشددا على ضرورة انجاز كل الفعاليات الثقافية والمادية التي تدعم اختيار البصرة عاصمة للثقافة العراقية عام 2009.

وراى البيان اعادة تاهيل بناية اتحاد الكتاب والادباء في البصرة بعد اعادتها اليهم من قبل الجهات الرسمية ،فضلا عن اعادة تاهيل بيت السياب وتهيئته لان يكون متحفا ثقافيا.

كما دعا البيان الى ضرورة طبع النتاجات الادبية لعدد من ادباء البصرة واحالة هذا المشروع الى لجنة تعضيد الكتاب في وزارة الثقافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاربعاء 14 أيار/2008 - 7/جماد الاول/1429