
شبكة النبأ: غالبا ما تتوصل مراكز الابحاث العالمية الى نتيجة
موحدة او متشابهة في وجوب تصحيح مسار السياسة الغربية في الشرق
الاوسط خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي، وغالبا ايضا ما
يتم تجاهل هذه التوصيات والنتائج من قبل الادارة الامريكية تحت
تاثير المحافظين الجدد الموصوفين بالتشدد والتنمّر.
ففكرة التقارب الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وبعض الدول
المناوئة لها في الشرق الاوسط دائما ما تصطدم بعقبة كبرى تتمثل في،
ان احدا لم يفكر بطريقة التقارب تلك على نحو ينسجم مع المصالح
الاستراتيجية المهمة للدول الاخرى.
تظهر هذه الافكار جليا في مقال للكاتب بيتر رودمان من معهد بروكينغز
للابحاث، جاء فيه: لا تحتاج فكرة ابعاد سورية عن ايران إلى الكثير
من الذكاء لاثبات فائدتها. لذا، كانت هذه الفكرة على الدوام محورا
لأهم المناقشات الاستراتيجية التي تستهدف تحسين العلاقات الأمريكية-
السورية. والواقع ان هذه الفكرة ليست جديدة فهي تعود لما قبل 25
سنة منذ أن بدأ التحالف السوري- الايراني يأخذ شكله خلال الحرب
العراقية - الايرانية في الثمانينيات.
غير أن العقبة التي تقف امام تحقيق مثل هذا الانجاز الاستراتيجي
هي ان احدا لم يفكر بطريقة لتحقيقه على نحو ينسجم مع المصالح
الاستراتيجية المهمة للدول الاخرى، أو دون المخاطرة بمصالح
الولايات المتحدة الاستراتيجية في المنطقة.
ويضيف الكاتب بيتر رودمان، لذا، من المنطقي التمعن بهذه المسألة
من جديد في السياق الراهن، وعلى ضوء ما تتحدث عنه التقارير بشأن
الاتصالات السورية- الاسرائيلية غير المباشرة في الفترة الأخيرة.
ويبين الكاتب رودمان في ان المشكلات الرئيسية اليوم تتمثل في
ادوار سورية في العراق ولبنان وفي الدبلوماسية الفلسطينية والبُعد
النووي في المنطقة.
العراق
بالنسبة للعراق يبين الكاتب: قبل وقت قصير من بدء الحرب في عام
2003 وقف الرئيس السوري بشار الاسد الى جانب صدام حسين ثم فتح حدود
سورية بعد الحرب للمتطرفين العراقيين الذين يحاولون تقويض الحكومة
العراقية الجديدة وقتل الامريكيين، وهنا أرسلت ادارة بوش اكثر من
مرة مسؤولين امريكيين كبارا للالتقاء بالرئيس السوري في محاولة
لاقناعه بوقف تلك النشاطات وكان من بين هؤلاء وزير الخارجية كولن
باول الذي زار دمشق في سبتمبر 2003، كما كان لي شرف القيام بمثل
هذه الزيارة في سبتمبر 2004 كعضو في وفد يتقدمه وليام بيرنز مساعد
وزير الخارجية. واعترف السوريون في تلك الزيارات بانهم يواجهون
مشكلة في السيطرة على الحدود العراقية- الايرانية وطلبوا منا تقديم
مساعدة فنية في هذا المجال.
ويضيف الكاتب رودمان، غير أن المشكلة الرئيسية التي تحدث عنها
الجانب الامريكي في ذلك الوقت لم تكن تتعلق بالسيطرة على الحدود بل
في السياسة السورية التي سمحت للمتطرفين العراقيين الموجودين على
اراضيها بالتورط في مثل تلك النشاطات داخل العراق. بل وحتى عندما
قدمنا للسوريين قائمة باسماء عدد من المتطرفين البارزين، ردت
السلطات السورية بتسليم متطرف عراقي واحد على ما اذكر.
لبنان
بالنسبة للوضع في لبنان يقول الكاتب رودمان، بعد مقتل رئيس
الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري في فبراير 2005 ونشوب الحرب
بين حزب الله واسرائيل في يوليو 2006، بدأت علاقات سورية تضطرب مع
بعض الدول العربية، وعلى الاخص منها المملكة العربية السعودية التي
كان الحريري يرتبط فيها بعلاقات صداقة وثيقة مع شخصيات سعودية
بارزة. واختار السوريون مؤتمر القمة العربية، الذي أدان فيه عدد من
الزعماء العرب كالعادة حزب الله لاثارته حربا مفاجئة مع اسرائيل في
لبنان، في تلك الفترة للتحدث عن السلام مع اسرائيل. ويضيف الكاتب،
إلا اننا رأينا نحن والاسرائيليون في تلك المبادرة السورية مجرد
خدعة لابعادنا عن دول الخليج العربية التي كنا نكثف معها جهودنا في
مجال التعاون الامني آنذاك في اطار مبادرة امريكية مهمة تحت اسم «حوار
أمن الخليج» التي جاءت نتيجة للشعور بالقلق من طموحات ايران
التوسعية في المنطقة.
المسألة الفلسطينية
تلعب سورية منذ وقت طويل دورا غير ملائم تدعم فيه قوى الرفض.
واليوم هي تساند حماس وتوفر ملاذا آمنا لقادتها، والواقع ان سورية
تلعب مثل هذا الدور لتحقيق هدفين: لزيادة الضغط على اسرائيل
ولتعزيز دور دمشق الاقليمي.
البُعد النووي
ويضيف الكاتب رودمان، لا أحد خارج المنطقة يعرف تماما عواقب
الضربة الجوية الاسرائيلية التي استهدفت منشأة نووية سورية، لكن من
المرجح ان يكون لهذا الحادث علاقة بالدبلوماسية الامريكية الراهنة
مع كوريا الشمالية التي ساعدت سورية في بناء تلك المنشأة، ومهما
يكن الامر لاشك في ان ذلك الحادث يؤكد مدى الاخطار الكامنة في حال
اندلاع صراع سوري- اسرائيلي لان سورية تمتلك انواعا اخرى من اسلحة
الدمار الشامل.
ما العمل إذاً؟
يقول البعض ان كل ما سبق ذكره يعطي مبررا للولايات المتحدة كي
تمد يدها لسورية، لكن إذا كان السوريون يريدون حقا التوصل لاتفاق
معنا «ومع اسرائيل» بروح طيبة فإن الطريق الى هذا الهدف هو غير ما
ساروا عليه حتى الآن.
يضيف الكاتب رودمان، اذ ليس في مصلحتنا ان نبتلع الطعم السوري «حول
الجولان» في اطار يعقّد علاقاتنا مع الدول العربية ويكافئ اولئك
الذين يقتلون الامريكيين.
البعض يطرح النقاش بطريقة اخرى بالقول ان صعوباتنا الراهنة تبين
اننا بحاجة للتعاون مع سورية لكن علينا أن نتذكر هنا ان سورية تغض
النظر عن قتل الامريكيين في العراق مما يُبعد احتمال ان تتقدم
الولايات المتحدة بأية مبادرة لتحقيق مثل هذا التعاون معها.
باختصار، لن تصبح الأوضاع ملائمة لتحسين العلاقات مع سورية
طالما بقيت السياسة السورية معادية لمصالحنا الحيوية في الشرق
الأوسط. لذا، من الملائم ان تستمر العقوبات والضغوط على سورية
طالما بقي الوضع على ما هو عليه، بل وبناء على تجربتي في اجتماعاتي
السابقة مع الرئيس السوري، يراودني الشك الان في قيمة أية انفتاحات
دبلوماسية جديدة في غياب تحسن جوهري في مجمل توازن القوى لصالح
امريكا في المنطقة.
يضيف الكاتب، لقد سمعنا في الآونة الاخيرة تقارير حول اتصالات
دبلوماسية سورية- اسرائيلية تجرى من وراء الكواليس. واذا كانت مثل
هذه الاتصالات امرا مثيرا للتكهنات في هذه المرحلة الا اني ارى ان
بمقدور الاسرائيليين الاستفادة من مثل هذه الاتصالات اذا تمكنوا من
اللعب على السوريين والفلسطينيين لدفعهم إلى العمل ضد بعضهم بعضا،
أو اذا تمكنوا من تأمين حالة استقرار مع سورية تتيح لهم الاستمرار
في معالجة المشكلة الفلسطينية المؤلمة. نعم ربما تكون الفرصة قد
حانت الان لكي يقوم الاسرائيليون بدور خلاق في هذه المرحلة لكن على
الرغم من هذا، ثمة شيئان يدفعانني للقلق.
الاول ما اذا كانت السياسة الاسرائيلية الداخلية تستطيع استيعاب
المفاوضات السورية والاستمرار في نفس الوقت في المفاوضات العسيرة
مع الفلسطينيين. فمن المعروف منذ وقت طويل ان النظام السياسي
الاسرائيلي لا يستطيع التعامل وتقديم التنازلات على اكثر من جبهة
في وقت واحد. لكن هذا بالضبط ما على الحكومة والشعب الاسرائيلي
تقريره الآن.
ثانيا، من الضروري لاسرائيل والولايات المتحدة تنسيق
استراتيجياتهما امام سورية على ضوء قوة السياسات السورية الاقليمية
المتوسعة.
وعلى الولايات المتحدة واسرائيل ان تتذكرا هنا الاطار العربي
الاوسع والاطار الايراني والأهمية التي نعلقها على التعاون مع
الدول العربية المعتدلة.
ويختم الكاتب رودمان بالقول، في النهاية لابد من التوصل لتسوية
سلام سوري- اسرائيلي لكن يتعين ان تكون في اطار استراتيجي يعزز قوى
الاعتدال في المنطقة بدلا من اضعافها. لذا، اذا كانت تريد ان تقف
الولايات المتحدة بجانبها، على سورية ان تدفع ثمن ذلك اولا في
العراق، في لبنان، في الدبلوماسية العربية- الاسرائيلية وفي
علاقاتها بايران. |