في يومها العالمي: حرية الصحافة في العراق الى أين؟

عدسة وتحقيق/عبد الامير رويح

شبكة النبأ: اعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993 عن اعتبار يوم الثالث من ايار يوما عالميا لحرية الصحافة، وذلك عقب تبني توصية في الدورة السادسة والعشرين للمؤتمر العام لمنظمة اليونسكو سنة 1991.

ويتم في هذا اليوم انتهاز الفرصة لإعلام المواطنين بانتهاكات حرية الصحافة-كتذكير بما يحدث في العديد من دول العالم، حيث يتم مراقبة، تغريم، إيقاف، إغلاق وسائل النشر، بينما يتعرض الصحفيون والمحررون والناشرون للمضايقات والاعتداء، والاعتقال والتعذيب وحتى القتل.

ويهدف هذا اليوم الى تذكير الحكومات بالحاجة الى احترام التزاماتها تجاه حرية الصحافة، كما انه يوم يعكس لدى الاعلاميين القضايا المتعلقة بحرية الصحافة واخلاقيات المهنة...

ولأجل مواكبة هذا الحدث العالمي المهم ولمعرفة ما وصلت إليه حرية الصحافة المحلية خصوصاً بعد التحول والتغيير الذي شهدته الساحة العراقية عموماً والإعلامية بشكل خاص، كان لـ( شبكة النبأ المعلوماتية ) هذه الوقفة، التي استطلعت من خلالها آراء نخبة من الأساتذة المتخصصين والزملاء العاملين في ميدان الصحافة والإعلام.

كانت وقفتنا الأولى مع رئيس نقابة الصحفيين-فرع كربلاء- ورئيس تحرير جريدة "كربلاء اليوم" الأستاذ يحيى النجار حيث سألناه.

- ماذا يقول نقيب الصحفيين في كربلاء في ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة وما هي الحرية الصحفية من وجهة نظر يحيى النجار وأين نحن منها...؟

في ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة لا بد لي ان استذكر شهداء الحرية، شهداء الصحافة الذين رووا بدمائهم الزكية شجرة الحرية كي تستمر وتواصل العطاء، فمهنة الصحافة هي مهنة المتاعب ومهنة استقاء الخبر والمعلومة الصحفية التي هدفها خدمة القارئ والمشاهد والمستمع.. فألف تحية لأولئك الشهداء الأعزاء الذين أعطوا طعماً جديداً وزخماً حقيقياً للصحافة الملتزمة( صحافة الحرية والمسؤولية) لا صحافة الإثارة ومخاطبة الغرائز والميوعة وصحافة الجسد ( الصحافة الصفراء).

ولا بد لي في هذه المناسبة ان أخاطب الضمير العالمي وضمائر الصحافة في كل مكان من العالم ليقفوا بكل جدية مع زملائهم من الصحفيين العراقيين الذين يعملون في ظل جو مفعم بالإرهاب والقسوة لا يوجد له شبيه في العالم اجمع فتراهم يتساقطون الواحد تلو الأخر وما بدلوا تبديلاً، وأخرهم نقيب الصحفيين العراقيين (شهاب التميمي) والتي لم ترحم رصاصات الغدر والإرهاب سنواته السبعين..

وأضاف لـ شبكة النبأ، اما عن الصحافة وحرية الصحافة وأين نحن منها، فالحديث طويل ذو شجون وانأ أرى انه لا يوجد في العالم كله صحافة حرة... بل ثمة حرية للصحافة بنسب متفاوتة موجودة في الدساتير فقط... اما عملياً فلا توجد صحافة حرة لأن الصحف أو وسائل الإعلام ومنها الفضائيات.. فهي تتبع الدولة أو الحكومة وتكون ناطقة باسمها أو ان يصدرها أشخاص أثرياء بقصد الربح والإثارة إي أنها تحولت من (رسالة وحرفة) إلى (تجارة ومهنة) كذلك هناك صحف وفضائيات تصدرها أحزاب لا يمكن ان نطلق عليها تسمية الصحافة الحرة، وعلى أية حال كلما كان الصحفي محايداً ومستقلاً كلما كان المطبوع الذي يعمل فيه أفضل ويخدم جمهوراً أوسع..

واضاف، لقد تحولت الصحافة في العراق من ناطق بأسم الجهة الواحدة والرأي الواحد إلى صحافة ناطقة بإسم جهات متعددة وكثيرة جداً بحيث تحول الرأي العام إلى ( التشضي والتبعثر).. إي إننا في مرحلة تبعثر الرأي العام نتيجة الاستخدام الخاطىء للديمقراطية والحرية، وأصبحنا لا نرى سوى حرية الآنى والإثارة وديمقراطية الفوضى الخلافية التي لا تحترم قانون ولا نظام. وهذا كله لا يعطي سوى النتائج المعكوسة كما نرى ونسمع كل يوم.

كذلك لابد ان أشير إلى نقطة هامة وهي تغييب قوانين الصحافة كقانون المطبوعات وقانون جرائم النشر وقانون حماية الصحفيين والتعليمات التي ترعى الصحفيين وتنمي قابلياتهم ، كلها غائبة وإذا اخطأ الصحفي اليوم فأنه سيعامل كمجرم وليس كشخص يمثل شريحة متقدمة من شرائح المجتمع ويقوم بدور قيادي وإصلاحي ..

- الإعلامي سلام محمد البناي، ماذا تعني لك الحرية الصحفية وهل تعتقد إننا تخلصنا من زمن مصادرة الحريات..؟

لا يمكن ان تكون هناك صحافة أو بمعنى اشمل من غير الممكن ان يكون هناك إعلام بدون حرية، هذا الشيء متفق عليه.

وهذه الحرية لم تكن موجودة في السابق ولعدة حقب تاريخية مرت بالعراق الحديث، فالسلطة القائمة آنذاك كانت تعمل دوماً على جعل الإعلام لجانبها. لكن بعد التغيير حصل فقد اطلع الجميع على الثورة الإعلامية التي انبعثت في العراق من حيث تعدد الصحف والقنوات الإعلامية الأخرى والتي قد تكون مستقلة أو مملوكة لأحزاب أو أشخاص وهذا يعني ان هناك حالة من الانفتاح نحو الحرية المنشودة لأعلام مستقبلي حر وغم وجود بعض العقبات التي تصادف العمل الصحفي المهني بسبب تداعيات الوضع الأمني أو لعدم وضوح الروئا السياسية للبلد بصورة عامة وقد يتم تجاوزها في مراحل أخرى.

وأضاف لـ شبكة النبأ، لكن الواضح بصورة عامة ان الحرية موجودة مع تحفظي على إطلاقها بسرعة فنحن بحاجة إلى وعي عام لمعنى حرية العمل الصحفي كي نعطي كلمة (الحرية) حقها الكامل...

- الباحث عدنان الصالحي من قسم الرصد والتحليل في مركز الإمام الشيرازي، كيف تقيم مسار حرية الرأي اليوم وهل انتم أحرار بطرح جميع الآراء، وهل تسمحون بنشر الرأي الحر الذي قد يكون مخالفاً لبعض الاتجاهات...

هناك مساحة لعرض الآراء والأفكار لا بأس بها لا يسمى ونحن نعيش مرحلة تحول من نظام الحكم الشمولي إلى مرحلة قد تفضي إلى حالة من الحرية الجديدة ، ومع ذلك فالوضع بنسبة لسابق عهده لا بأس به .

اما عن حرية طرح الأفكار فلا زال هناك بعض الخطوط الحمراء الموجودة هنا وهناك ولا زال الحديث عنها غير مقبول نتيجة لعدم فهم الكثير لمعنى (النقد البناء) والمشاركة في تعدد الآراء وهي حالة أتوقع لها الزوال باستمرار المطالبة بحرية الصحافة والأعلام ضمن ثوابته المهنية..

وأي رأي لا يخدش ثوابتنا الإسلامية والوطنية والاجتماعية فهو رأي يجب نشره واحترامه مهما كان ولأي جهة فالمهم انه يصب في جانب الإعلام الحقيقي غير المسيس أو الموجه.

- الإعلامي تيسير سعيد الاسدي مدير موقع ( نون ) الخبري، بصفتك إعلامي عمل في مجال الصحافة الورقية، والالكترونية، أين تجد حرية التعبير أكثر...؟

ان حرية الصحافة تعتمد على دور ووعي الإعلامي وإلمامه الجيد بالحدث، واعتقد ان هذا الدور يشبه دور الأئمة وقادة التغير والإصلاح في المجتمعات القديمة، ولأجل ذلك كانوا يقتلون ويسجنون من قبل الزعماء والحكام في ذلك الوقت حتى لا يقوموا بدورهم الأساسي في تغيير المجتمع وتوعيته..

ومن هنا فأن دور الإعلامي الذي يمثل السلطة الرابعة ( لا السلطة ( التابعة ) هو نقل كل التناقضات السياسية والاجتماعية وترجمتها بحرية لأجل بناء المجتمع.

وهذا لا يأتي إلا بأجواء صحيحة يعيشها الإعلامي من خلال حرية التعبير لأجل الوصول إلى مبتغاة.

وانأ اعتقد ان المجتمعات المتقدمة تقاس بقوة أطروحاتها وعدد مؤسساتها الإعلامية الحرة القادرة على قول الحقيقة من دون خوف أو مراقبة، وهنا أتذكر كلمة رائعة للكاتب الفرنسي (جان جاك) الذي قال، ان اخطر البشر هو ذلك الإنسان الممنوع من الكلام لأنه سيتحدث بعدها بعضلاته..).

اما عن حرية التعبير فأنا اعتقد ان الصحافة الالكترونية هي أكثر حرية وإيصال الكلمة من خلالها أوسع، كون صدى الخبر أو المقال الصحفي يكون أكثر انتشاراً كما وتعتبر هذه المواقع مصدراً مهماً للصحافة الورقية ويكون المخبر في هذه المواقع مرتبطاً ومواكباً للحدث دائماً.

- الاستاذ صباح جاسم مدير تحرير شبكة النبأ، ماهو تقديركم لوضع الصحافة اليوم وما يمكن ان تؤول اليه على خلفية الاوضاع المتردية الحالية، وعلى مَن تُلقى مسؤولية توفير حرية الصحافة والسهر على حماية منتسبيها؟

الحرية الصحفية اليوم في العراق تمرّ بمأزق كبير ومفترق طرق يمكن ان يؤدي بها الى الصمود والانطلاق على خلفية القوة المعنوية التي اكتسبها الصحفي العراقي طوال سنوات الجحيم التي مرّت، كما يمكن ان يؤدي بها المفترق الاخر الى الهاوية تحت تاثير سياسة تكميم الأفواه ومحاولات صُنع بؤر هيمنة محليّة، في ظل اتجاه الأقلمة السائد في العراق حاليا.

و هنا تكمن مسؤولية الدولة عن هذا المرفق الحيوي من مرافق الديمقراطية المفتَرضة في عراق ما بعد 2003. حيث تتواتر تصريحات الحكومة العراقية الداعية الى ضرورة احترام حرية الصحافة وعدم التجاوز على القائمين على هذه المهنة ومحاسبة المسيئين لها. ولكن، هل تم اتخاذ اجراءات فعلية لحماية الصحافة والصحفيين من المتجاوزين والمسيئين والمجرمين؟، وهل تُرجمت توجيهات الحكومة الى آلية فعلية ضمنت حقوق الصحفيين وعملت على معالجة مشاكلهم؟.

وأضاف، من جهة اخرى فإن محاولات تقنين الإعلام خطأ كبير أثبتته تجارب الأمم الاخرى التي سبقتنا في هذا المضمار، فيجب ان يُترك الامر الى السلطات القضائية فقط، في معالجة تجاوزات الإعلام واساءاته تجاه الاخرين، وهذا الامر لن يتحقق إلا بترسيخ مبدأ الفَصل بين السُلطات والعمل به تفصيليا، بحيث ترى كل من مكونات السلطات الثلاث-التنفيذية والتشريعية والقضائية- الخط الذي تقف عنده.

الشاعر والإعلامي ميثم العتابي، ما مدى تأثير العنف والإرهاب على حرية الصحافة في العراق، وهل هناك قمع او ترهيب يمارس للحد من هذه الحرية ان وجدت؟..

العنف والإرهاب حالتان متوازيتان تمارسان ضغوطهما على جميع مكونات الشعب العراقي وهذا بطبيعة الحال لا يستثني الحرية الصحفية، لما تمثله هذه المهنة من مخاطر حقيقية وجمة في رصد الحدث وتعرية قناع الحقيقة وإظهار جميع الصور بشكلها الأصلي لا حسبما يروج لها مريدوها...

أما مسألة القمع والكبت والترهيب الذي يمارس على حرية الصحافة فهو لا يعدو كونه إرهابا من نوع أخر... قد تمارسه السلطة والجهات الأمنية أحيانا بحجج فرض سلطة القانون أو ما شابه مع جهلهم الكامل بحرية الصحافة.

واضاف لـ شبكة النبأ، اليوم وبعد زوال الكابوس لا زال هناك من يؤمن بأن تكميم الأفواه سيساعد السلطة على بسط القانون، وللأسف هذه الحالات تمثل مكانة عالية في مؤسسات الدولة الأمنية، غير ان إصرار الصحفي والإعلامي العراقي هو أوسع واكبر من هذه الحالات التي ستذوب تدريجياً ولن تجد لها بداً إلا الانصياع لحرية الرأي والتعبير والكلمة.

- الإعلامي محمد حميد الصواف مسؤول مكتب العلاقات في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، بما انك تعمل كصحفي ضمن موقع يخضع لإطار إسلامي، هل يتاح لك نشر ما تريد والتعبير عنه بحرية، أم ان هناك قيود مفروضة لا يمكن تجاوزها..؟

بغض النظر عن كوني اعمل في مؤسسة ذات طابع إسلامي، فأنا أجد في الإسلام انفتاح وحرية التعبير وتسامح شاملة وكبيرة، ولا يوجد في الإسلام الأصيل إي نوع من أنواع الكبت أو مصادرة الحريات والدلائل على ذلك كثيرة ومعروفة.

وعملي في مؤسسة إسلامية أتاح لي فضائات واسعة من حرية التعبير لا اعتقد إني أجدها في مكان أخر.

وأضاف لـ شبكة النبأ، الصحافة بصورة عامة هي رسالة قبل ان تكون مهنة، وهي مهنة المتاعب كما تعرف وعلى الصحفي ان يتمتع بأساسيات هذه المهنة لأجل القيام بواجبه على أكمل وجه فالصدق والنزاهة والحيادية والشجاعة في الطرح هي التي تحدد النجاح وهذا ما يحرص عليه الدين الإسلامي ومن يعتقد غير ذلك فهو لا يتخذ من الصواب جانباً. فالحرية هنا موجودة وتخضع للأسس المحصنة والإعلامية المتبعة والمعروفة لدى جميع المتخصصين.

- الصحفي محمد العيسى من صحيفة الطف الأسبوعية، هل تعتقد ان الصحفي العراقي قد وجد مساحة كافية من الحرية بعد ظهور هذا الكم الهائل من وسائل الإعلام...؟

باعتقادي ان الصحفي العراقي لم يحصل على حريته فقط!! بل ان هذه الحرية أصبحت بمستوى لم يستطع التعاطي معه بنوع من الإدراك والوعي لمعنى الحرية.

وباعتقادي فأن الصحافة العراقية وعموم السلطة الإعلامية أصبحت هي السلطة الأولى في العراق..

- الصحفي عادل حيدر حسون، سكرتير تحرير جريدة الإعلام العراقي، أين نحن من حرية الصحافة العالمية، وهل حقق الإعلام المحلي قفزة نوعية في مجال إبداء الرأي الحر؟

لا شك ان الصحافة العالمية تتمتع بقدر كاف من الحرية وإبداء الرأي وبنسب متفاوتة بين دول العالم وحسب طبيعة الأنظمة الحاكمة في تلك الدول، اما نحن وللأسف لا زلنا بعيدين عن الحرية الحقيقية التي يجب ان تتمتع بها الصحافة والاعتبارات عديدة ومعروفة وعلى الرغم من التغير الشامل الذي طال مختلف جوانب الحياة ومنها ما يتعلق بالصحافة وحريتها إما بخصوص تحقيق قفزة نوعية في مجال إبداء الرأي الحر، لا توجد هناك أية قفزة ومن إي نوع لأسباب قد تكون واضحة لدى الجميع لعل من أهمها تعدد الأحزاب والتيارات السياسية في البلد والضبابية التي تسود الأجواء المحلية في الوقت الراهن..

وفي الختام نتوجه بالشكر الجزيل لجميع الأساتذة والزملاء الذين عبرو عن آرائهم الحرة، والتي سجلوها كشاهد وتذكار بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، كما ونشكرهم على تخصيصهم ذلك الوقت لنا رغم انشغالهم بتغطية وإعداد التقارير والاخبار متمنين لهم دوام الموفقية والنجاح والتقدم لأجل النهوض بواقع إعلامي حر..

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 3 أيار/2008 - 26/ربيع الثاني/1429