محاصصة الثقافة جريمة

نــزار حيدر

كيف يمكن أن ننتج ثقافة حقيقية ومغايرة في العراق الجديد، إذا كانت وزارة الثقافة ضمن أطر المحاصصة الطائفية؟ وان الوزير تارة يكون شرطيا وأخرى يكون إرهابيا متورط بجرائم مجموعات العنف والإرهاب؟.

لقد شخصن النظام الشمولي البائد الثقافة في العراق، كما انه عسكرها، ما يعني انه غير فلسفة الثقافة لدرجة الإلغاء، فلم تعد للثقافة في العراق، إبان العهد البائد، علة غائية تسعى للوصول إليها وتحقيقها في المجتمع، فعندما نعرف مثلا أن في العراق اليوم ثلاثة ملايين ونصف المليون قطعة من لعب الأطفال على شكل أسلحة، كالرشاشة والقنبلة اليدوية والدبابة وغير ذلك من الهيئات العسكرية، يتداولها اليوم أطفال العراق، وعندما نتذكر كيف كان يطل علينا وزير الثقافة بزيه الزيتوني الذي يدعو مظهره للحرب والقتل والدمار، وعندما نتذكر بان كل عمالقة أدباء العراق الأوائل، من أمثال الجواهري والملائكة والبياتي والنواب والحيدري وجمال الدين، تركوا العراق هربا من بطش النظام وحفاظا على رسالتهم المقدسة، وان بعضهم اسقط عنهم النظام الجنسية العراقية، سنعرف حجم الدمار الشامل الذي تعرضت له الثقافة في العراق على مدى نيف وثلاثين عاما عجافا حكم فيها الطاغية الأرعن.

   لقد شب الطفل في العراق مع لعبته المفضلة (سلاح مصنوع من البلاستيك) لينمو ويكبر، فيستبدل اللعبة بسلاح حقيقي قاتل ليواصل اللعبة بنفس الأداة ولكن بصناعات مختلفة، فأية ثقافة ورثها العراقيون من النظام البائد؟.

علينا أن نستبدل لعبة الطفل العراقي بأشكال هندسية كالقلم والدواة والسبورة والطبشور والحاسوب ودفاتر الرسم والكلمات المتقاطعة، علينا أن ننتبه إلى ما يحمله الطفل بيده، فلا نقولن بأنه لا زال صغير على المعرفة، وانه سينسى غدا معاني ما يحمله اليوم، أبدا، فان (العلم في الصغر كالنقش على الحجر) من الصعب محو آثار ما سيطبع في ذهن الطفل وهو بعد صغيرا، حتى هيئة اللعبة التي يحملها ويلعب بها، ستطبع في ذهنه معان وقيم معينة من الصعب تغييرها إذا شب عليها وكبر.

 لقد تميزت الثقافة في العراق، إبان النظام البائد، بعدد من المظاهر المرعبة التي أنتجت ما نراه اليوم من عقد الإقصاء والتطرف وحوار الدم بدلا عن حوار العقل والمنطق، والإلغاء بدلا عن الاعتراف بالآخر واحترام رأي الآخرين، ولذلك فان أمامنا اليوم فرصة كبيرة لتغيير معالم تلك الثقافة التي ورثناها من سياسات النظام الشمولي البائد.

إننا بحاجة اليوم إلى ثقافة الحياة أولا وقبل كل شئ، وان علينا أن لا نستغرق في الكتابة خارج الزمن، لان التغيير الذي يتمناه العراقيون لا يمكن أن يتحقق بأفكار هلامية أو ميتافيزيقية خارجة عن الحاجة، يكتبها المترهلون والبطرون من المثقفين، إننا بحاجة إلى ثقافة الحياة، وهي تلك الثقافة التي تجيب على السؤال المحوري (كيف نعيش؟) وكيف يعيش المواطن العراقي اليوم؟ وبأية مواصفات؟ فكيف يجب أن تكون علاقة الإنسان بزوجه وبأطفاله وبجيرانه وبأهل محلته وبأهل مدينته، وكيف يجب أن تكون علاقته مع الآخر ومع الطبيعة من حوله، وهو في المدرسة وهو في الشارع يقود سيارته.

لقد عرف البعض الثقافة بأنها تلك المنظومة من القيم والأفكار التي ترسم معالم طريقة حياة أي شعب من الشعوب، ولذلك فانك إذا زرت بلدا ووجدت فيه عدد المدارس والجامعات والمكتبات العامة ودور النشر والمسارح أكثر من مخافر الشرطة وعناصر الأمن والاستخبارات ودوائر الأمن، فستحكم عليه بأنه شعب حضاري، والعكس هو الصحيح، فإذا كان عدد مخافر الشرطة ومقاهي البطالين أكثر من المؤسسات التعليمية والتربوية، فستحكم عليه بأنه بلد متخلف، أما إذا زرت بلد يعتبر أهله انخراط أبنائهم بسلك الشرطة وأجهزة الأمن مكرمة عظيمة يتفضل بها الحاكم على شعبه، فستقرأ عليه الفاتحة فورا ومن دون تردد، وعلى الناس السلام.

إن تعليمنا وتربيتنا في العراق قائمة على أساس العقوبة فقط، فالطفل يعاقب إذا كذب على والديه، والبنت تعاقب إذا لم تطع أوامر والديها، والولد يعاقب أذا رسب في مادة تعليمية، وهكذا، وان اعتماد العقوبة فقط في التربية والتعليم، لهو أمر في غاية الخطأ والخطورة في آن واحد، والصحيح هو أن تعتمد التربية وسائل الحوار والصداقة والتكريم والتنبيه.

إن من النادر بمكان أن نلحظ أبا يتحدث إلى ابنه في خطا ارتكبه، كما أن من المظاهر النادرة، إن لم نقل المعدومة، أن نلحظ أما تتحدث إلى بنتها في خطا ارتكبته، كما أننا لا نلحظ عادة أبا يكرم ابنه لأنه فعل الشئ الصحيح في الوقت المناسب، أو أن نرى أما تكرم ابنتها لأنها مارست الشئ الصحيح من بين بقية إخوانها وأخواتها.

   إن أدوات التربية والتعليم عندنا، سواء في البيت أو في المدرسة، هي اليد والعصا والخيزران والضرب المبرح والترهيب، والعقوبة الصارمة، فيما غابت وسائل الترغيب والتشويق والمكافأة والهدية، وأمثالها، أما في القرآن الكريم فان الوسائل هي الترغيب والترهيب سواءا بسواء في معادلة متوازنة لا يطغى جانب على آخر.

   لقد دعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى استحضار هذه الحقيقة في حياتنا اليومية، ففي عهده إلى مالك الاشتر يوصيه عليه السلام بالقول {وواصل في حسن الثناء عليهم، وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم، فان كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع، وتحرض الناكل، إن شاء الله} ويضيف عليه السلام في التنبيه إلى دقة المعادلة وحساسية استعمال الأمر بقوله عليه السلام {ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، ولا تضمن بلاء امرء إلى غيره، ولا تقصرن به دون غاية بلائه، ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، ولا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما}.

   إن التربية والتعليم منذ الصغر له دوره الاستراتيجي الكبير في حياة الإنسان والأمم، ولذلك يجب أن نغير طريقة التربية والتعليم المتبعة عندنا لنشيد بها بناءا صحيحا ظل معوجا عقود طويلة من الزمن، كما أننا بحاجة إلى أن ندون فلسفة جديدة للتربية والتعليم والثقافة، لنتجاوز كل الأفكار المنحرفة التي غرسها النظام البائد في المجتمع، لنسهم بشكل حقيقي في بناء العراق الجديد.

   إن الثقافة في العراق الجديد، تمر بعدة مشاكل، لا يمكن الارتقاء بها قبل إزالة هذه المشاكل، فمن جانب بات كل شئ في العراق الجديد سياسة، وهذا خطا كبير، فالثقافة شئ والسياسة شئ آخر، فإذا انخرط كل المثقفين في السياسة فمن الذي سينتج الثقافة؟ كما انه إذا التصق المثقف بالسياسة، فكيف له أن يبدع؟ ينبغي، برأيي، أن يحافظ المثقف على مسافة ما بينه وبين السلطة، وان كانت عادلة، لان الاستقلالية شرط الإبداع، وان المنتج الثقافي شرطه أن لا يكون سياسيا، ليكون حقيقيا.

   إضافة إلى كل ذلك، ينبغي أن لا تحاصص الثقافة من خلال محاصصة وزارة الثقافة، وإلا فأية ثقافة ستنتج أو تدعم الوزارة الطائفية؟ إننا نسمع عن قرارات الارتقاء بالشرطي ليصبح رئيسا لمخفر شرطة مثلا، ولكننا لم نسمع أبدا أن شرطيا ارتقى إلى مرتبة وزير للثقافة، ولذلك، أرى أن محاصصة الثقافة جريمة بحقها وبحق الوطن والمواطنين، إذا أردنا أن ننتج ثقافة وطنية حقيقية تساهم بشكل مباشر في بناء العراق الجديد، وكلنا يعرف ما للثقافة من دور بهذا الصدد.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 30 نيسان/2008 - 23/ربيع الثاني/1429