الخطاب الديني وابعاد النص الغائبة

برير السادة

يختزل النص الديني في طياته قراءة دقيقة للواقع الحياتي  على الاقل بسبب كونه مقدسا, كما انه يعالج العديد من القضايا المختلفة والمتنوعة وبصورة تعطي للكيان الانساني زخما كبيرا, فالانسان في مكنونات النص الديني محاط بنوع من التكريم والتقديس يقول تعالى " ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" فهذا الجزء من النص لا يراد منه ان يقرأ او يحفظ في الصدور, لانه مرتكز من مرتكزات التعاطي القراني الواقعي مع الحياة, فترسيخ هذا البعد في العمق الثقافي والاجتماعي... من شانة ان يبلور الكثير من الحلول لمجموعة متنوعة من القضايا مثل الحريات, حقوق الانسان, التربية القائمة على اساس الاحترام المتبادل, العلاقة الزوجية...

غير ان ما يهمنا في هذا المقال ليس دراسة الاية او البحث في مكنونات هذا البعد وانعكاساته على الحياة, ولكن نريد ان نشير الى ان الهدف من الابعاد والمرتكزات التي تضمنها النص الديني هو العمل بها لحفظ الوجود الانساني, وضمان استمراره بما يحقق الغاية الكبرى من الوجود.

فالاعتقاد بقداسة النص انما هو نوع من انواع الدفع نحو الالتزام والتطبيق للابعاد التي جاء بها النص المقدس نفسه. لان الاعتقاد بقداسة النص وتعظيمة دون الالتزام بمكنوناته هو استهتار ومراوغة في قالب تختلف اجزاءه الداخلية عن الخاجية.

ولعل السؤال المهم في هذا الجانب هو عن دور الخطاب الديني في تفعيل مثل هذه الابعاد وترسيخها في الفكر الجمعي, وبلورة صيغها لتكون بديلا عن الانماط السائدة في المجتمع, فالخطاب الديني الذي يعنى بدراسة النصوص الدينية وتحليلها بشكل دائم, وتطول في اروقته اوقات النقاش, يكتفي باظهار قدرته على تحليل النصوص ودراستها, وجهات صدورها ضمن بعض ادواته مثل المحاضرات والكتابات, فالخطاب الديني لا ينتخب ادواتها ليجعل من هذه المرتكزات والابعاد ممارسات فتبقى حبيسة الكتب والدرس وموضوع حوار النخب الثقافية المتنوعة.

فالخطاب الديني هو المسؤول الاول عن تثبيت وترسيخ هذا اللون من التشريعات في الوسط الاجتماعي, لكونه الاكثر ملامسة واحتكاكا مع النص المقدس, ولتعاطية الدائم والمستمر معه من خلال وعي القراءات المختلفة والمتباينة, وقدرته على اختيار الاطروحه الانسب.

من هنا فان الخطاب الديني معني وبشكل كبير عن تفعيل مثل هذه الابعاد وابرازها الى حيز الممارسه والتطبيق, والخروج بها من فضاء المكتبات والكتب والدرس الحوزوي الى الفضاء الاجتماعي عبر مختلف الادوات المناسبة ولو في الحدود القريبة واللصيقة بالخطاب الديني, ليس بغية قوقعتها وانما للانطلاق بها كمرحلة من مرحل التاسيس كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في انطلاقه بالرسالة السماوية من العشيرة الاقربين الى الوسط الاجتماعي الواسع. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15 نيسان/2008 - 8/ربيع الثاني/1429