هل يصير المكتئبون هم الحل؟

سيد يوسف

عدد المكتئبين فى مصر يزداد بصورة تدعونا لأن ندق ناقوس الخطر فقد أعلن مركز الأهرام الاستراتيجي تزايد عدد المكتئبين في مصر إلى نسبة تزيد على 20 % وأن أعراض الاكتئاب في مصر وصلت لنسبة 75 %  والصورة قاتمة لا تحتاج إلى متخصصين لمعرفة أسباب الاكتئاب وإن كان مركز الأهرام عزا تلك الزيادة إلى  زيادة نسبة البطالة بين الشباب وارتفاع الأسعار الجنوني وتأخر سن الزواج، والحق أن ما يدعو للدهشة والتساؤل هو كيف ظل غير المكتئبين ثابتين انفعاليا لم يصبهم الاكتئاب بعد؟!!

فالأحداث فى مصر تجعل الحليم حيران من بطالة وعنوسة وفساد وفقر وجهل ومرض والأشد إيلاما كيف صارت بلاد ما كنا نأبه لها- إذ كانت متأخرة جدا عنا لسنوات قليلة خلت- متقدمة علينا وبتنا فى ذيل قائمة العالم فدول مثل موزمبيق تجرى فيها انتخابات رئاسية، والسودان تكتفي زراعيا من القمح وتصير عملتها المحلية أضعاف أضعاف الجنيه المصرى، ناهيك عن الأصفار المتعددة لمصر ...والقائمة ههنا طويلة فقدت تأثيرها من كثرة سردها لكن الشاهد من إيرادها تبيان أن الأحداث فى مصر تبعث بالفعل على الاكتئاب وأن العجب من كيف صار غير المكتئبين أصحاء؟!!

ولأمر ما تستدعى ذاكرة المرء ما تواتره الناس قريبا عن قضية  الشاب المصرى الذى انتحر حين مارست عليه الدولة أبشع صور التمييز العنصرى فحرمته من فرصة العمل كملحق دبلوماسى بعد اجتاز الاختبارات اللازمة إذ كان سبب الحرمان عدم اللياقة الاجتماعية!! وهو الأمر الذى فجر قضية لطالما حدثت لكنها لم تطف على السطح إلا لأن صاحبنا انتحر اكتئابا...

وإن تستدع ذاكرة المرء أحداثا متشابهة فإنها تستدعى ما أوردته جريدة المصرى اليوم بتاريخ 8/1/2008 على هذا النحو"«والله.. والله أنا مؤمن موحد بالله.. لكني أقر وأعترف بأني أخذت المبيد الحشري بإرادتي يوم الأربعاء ٥ مارس ٢٠٠٨ لأن ظروفي صعبة... مالهاش حل... خلاص مفيش حل...خلوا بالكم من آية وأم آية...»...هذه آخر كلمات نطق بها البائع محمد فتحي محمود «٣٩ سنة» وهو على فراش الموت بمستشفي المنيا الجامعي، بعد تناوله المبيد الحشري وانتحاره احتجاجاً على غلاء المعيشة أمس الأول، وهي نفس الكلمات التي سطرها في ورقة أعلن فيها عن ديونه ووصيته لزوجته وابنته «آية». انتهى.

والسؤال الذى يطرح نفسه لماذا لم ينتحر هذا الشاب فى الذين قتلوه تمييزا عنصريا؟! لماذا بلغ به الجبن أن عجز عن أن ينتقم من الذين قتلوه فانتقم من نفسه؟! أو لو كان فعلها فى أحد المسئولين كنا قد انتبهنا لخطر هذا التمييز العنصرى؟!

راعنى ما ذكره أخونا عبد المنعم المصرى فى جبهة إنقاذ مصر حيث كتب: قلت سابقا ودعوت أنه لا مجال لاستعادة المسار الطبيعى  للدولة إلا بحرق الأخضر واليابس تحت أرجل من استباح ثروة مصر لحسابه، فقط أدعو من يفكر فى الانتحار فأقول له - ليس تشجيعا على الانتحار -   إذا كان ولا بد من الانتحار فعليه أن يحاول أن يقتل معه شخصية هامة فى هذا البلد فيفوز بالحسنى بأن أنقذ غيره من ظلم المسئولين، هذه ليست دعوة للانتحار  بقدر ما هى إحساس من اليأس فى تغيير النظام القائم. انتهى( بتصرف)

وسبب أن راعني ما كتبه أخونا عبد المنعم أنى قد سمعت من كثير من الناس فى بلادي والذين لم يصلوا بعد لمرحلة الاكتئاب أمثال هذه الرغبات صحيح أنها أمانى أكثر منها نيات بالفعل للقتل لكن ما بالنا بالمكتئبين فعلا؟! ما بالنا حين تطغى مشاعر اليأس والرغبة فى الانتقام على مشاعر الحكمة والعقل؟! فى مصر ملايين المكتئبين بما يمثله هذا من ملايين من القنابل الموقوتة، وفى مصر ملايين ممن يعانون البطالة بما يمثله ذلك من مشاعر غضب متأججة قابلة للانفجار بين عشية وضحاها...متى يفقه ساستنا أن الإصلاح أرخص من الفساد؟!! متى يفيق ساستنا من غيبوبتهم التى جعلتهم لا  يتحركون إلا بعد فوات الأوان؟! ومتى يسمعون لنصيحة الناصحين؟! ومتى ينتبهون لنفاق المنافقين؟! فهل يفيق ساستنا قبل أن ينتحر فيهم المكتئبون؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 2 نيسان/2008 - 25/ربيع الاول/1429