اخوان الصفاء وخلان الوفاء

حقيقتهم … ثقافتهم …اراؤهم

من تاريخ الحركات الفكرية في الاسلام

 جاسم محمد صالح

  لقد نشات حركات فكرية واسعة في العالم الاسلامي ابان القرن الرابع الهجري، وكان من اشهر هذه الحركات الفكرية (حركة اخوان الصفاء وخلان الوفاء) حيث نشات في الاصل في البصرة ولها فرع في بغداد (1) وكان عصرهم بحالتيه السياسية والفكرية يساعدهم على بث ارائهم في المجتمع الاسلامي (2) وبالفعل فقد بثوا افكارهم في العالم الاسلامي عن طريق رسائلهم التي الفوها والتي بلغ عددها (52) رسالة كما جاء في دائرة المعارف الاسلامية، وقد ذاعت في البلاد وبلغت الاندلس (3) وقراها الناس في كل مكان، ومن محاسن هذه الرسائل انها كتبت بلغة انيقة جذابة جميلة الصور والتشابيه (4) فكانت بحق عملا ادبيا وفكريا وفلسفيا قلما كتب في بابه من قبل، فلا عجب ان يشبهها (دي بور) بدائرة معارف لاشتمالها على مجمل ما انتهت اليه علوم الاقدمين وعقائدهم. (5)

 ورب سائل يتساءل عن المصادر التي استفاد منها (اخوان الصفا) في رسائلهم والجواب انهم ذكروا لنا مصادر علومهم وارجعوها الى اربعة كتب هي:

1. الكتب المصنفة على السنة الحكماء والفلاسفة.

2. الكتب المنزلة التي جاء بها الانبياء.

 3. الكتب الطبيعية.

4. الكتب الالهية (6).

 وان (رسائل اخوان الصفا) كانت تدور حول اربعة مواضيع هي: (الرسائل الرياضية التعليمية، والرسائل الجسمانية الطبيعية، والرسائل النفسانية العقلية، والرسائل الناموسية الالهية) (7).

 وقد قسم اخوان الصفا الفلسفة الى ثلاث درجات دنياها: محبة الحكمة ووسطاها: معرفة حقائق الموجودات بحسب الطاقة الانسانية وعلياها: القول والعمل بما يوافق العلم.

 لقد تاثر هؤلاء الفلاسفة كثيرا في ارائهم في العدد والهندسة والفلك بالفيثاغوريين وهم يعترفون اعترافا صريحا بذلك في رسائلهم (8) وقد تاثروا ايضا بالتصوف والكمال المسيحي تاثرا كبيرا (9) وكان هذا التاثر واضحا ومنبثا في بطون مؤلفاتهم المختلفة، وقد شطح هؤلاء شطحات كثيرة لاسيما بتاثرهم ببعض الملل المختلفة والعقائد الوثنية وان كانت هذه الوثنية غامضة الملامح، ليست بالاغريقية الخالصة ولا بالبابلية ولا بالاشورية وليست مزدكية ولا مانوية، وانما هي خليط من جميع هذه العناصر (10) المختلفة.

 ان المبادئ العامة التي بنى عليها اخوان الصفا نظرياتهم مقتبسة من الديانات المختلفة موحدة ومجوسية وهم يميلون ميلا اكيدا نحو الزهد والروحانية (11) ولقد وقف اخوان الصفا وقفة مليئة بالتامل امام جملة الاديان الموجودة في عصرهم، فحاولوا جاهدين التوفيق بينها كلها، وقد انتهت بهم نزعتهم التوفيقية والانتقائية هذه الى ان يروا في جميع المذاهب الفلسفية مذهبا واحدا يوافق جوهر الاديان (12).

 لقد تناول اخوان الصفا في رسائلهم جملة قضايا كان اهمها قضية الواقع السياسي والاجتماعي القائم في ذلك العصر، فازدادوا جرأة مما جعلهم يتنبؤون بانتهاء الدور الحاضر (13) وكانوا يقصدون بتلك النبوءات انتهاء الحكم العباسي وسقوطه، وقد تناولوا ايضا قضية الصفات الالهية، ولخصوا رايهم فيها وكانوا في اغلب الاحيان قبيبين من افكار المعتزلة، فهم يلخصون رايهم في استحالة (وصف الله) لان الانسان لايقدر الا على ذكر صفات تتميز بها الكائنات المؤلفة من المادة والصورة، في حين ان الخالق يتنزه عن الجسمية (14) وان هذا العالم وكما تصوروه صدر عن الله كما يصدر الكلام عن المتكلم او الضوء عن الشمس، وبهذا فقد انهوا كثيرا من الاشكالات التي كانت قائمة في هذا الموضوع (15).

 ان الدين هو الاخر امر الهي يتالف من اعتقاد ومن اعمال خارجية، وقد قسمه اخوان الصفا الى باطن وظاهر، اما الباطن: فهو اعتقادات الاسرار في الضمائر وهو الاصل، واما الظاهر: فهو اعمال الجوارح (16).

 هناك شيء بودي ان اقوله: هو ان هؤلاء الفلاسفة هم اول من فكر بنظرية النشوء والارتقاء قبل (داروين) و(لامارك) وهذا انجاز علمي في غاية الابداع فهم يقولون: ((ان اول مرتبة الحيوان متصلة بآخر مرتبة النبات، وآخر مرتبة الحيوان متصل باول مرتبة الانسان، كما ان اول المرتبة النباتية متصل بآخر المرتبة المعدنية، واول المرتبة المعدنية متصل بالتراب والماء)) (17).

 وبعد فان اخوان الصفا جامعة علمية، مليئة بالاراء والافكار والابتكارات وقد خفي امرهم على كثير من الناس حتى وقتنا هذا، لان هؤلاء العلماء كانوا يخفون اسماءهم ولهذا فقد اصبحوا لغزا مبهما في التاريخ الاسلامي وسرا من اسرار العقائد الباطنية والفلسفية تعسر فهمه (18)، وحاولت كثير من الملل ان تنسب هؤلاء اليها حيث قال الطيباوي: - لا اراني الا مصيبا في القول بان الفلسفة الاسماعيلية جميعها مبثوثة في رسائل اخوان الصفا (19).

 وقسم آخر ينسبهم الى القرامطة (20)، وقال اخرون غيرهم ما قالوا وكتب عنهم ما كتب، ولكن جميع ما كتب عن (اخوان الصفاء وخلان الوفاء) قد جاء ناقصا وبعيدا (21).

 ومع هذا يبقى هؤلاء علامة بارزة ومضيئة في طريق تاريخنا الفكري والثقافي تنير الدرب للاجيال ومبينة لهم مقدار ما بذله اجدادهم من خير وعطاء في هذا المجال.

* باحث ومؤرخ عراقي

[email protected]

.........................

الهوامش والمصادر:

1. رسائل اخوان الصفاء وخلان الوفاء، المجلد الاول – بيروت 1957م ص7 /

 2. نفس المصدر: ص8 /

3. اخوان الصفاء، يوحنا الفاخوري، لبنان 1947م ص7 /

4. رسائل اخوان الصفاء: ص20 /

5. نفس المصدر: ص19 /

 6. اخوان الصفاء: يوحنا الفاخوري: ص12 /

7. نفس المصدر: ص8, ص9 /

8. نفس المصدر: ص11 /

9. نفس المصدر ص10/

10. اخوان الصفاء: جبور عبد النور، دار المعارف، ص25 /

11. نفس المصدر: ص47 /

12. نفس المصدر: ص15 /

13. نفس المصدر: ص20 /

14. نفس المصدر: ص25 /

 15. اخوان الصفا: يوحنا الفاخوري: ص22 /

16. نفس المصدر: ص26 /

 17. نفس المصدر: ص/19

18. حقبة اخوان الصفاء، عارف ثامر، بيروت، ص7 /

19. نفس المصدر: ص16 /

20. نفس المصدر: ص7 /

21. نفس المصدر: ص8 /

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 2 نيسان/2008 - 25/ربيع الاول/1429