التكنوقراط الاسلامي قارب نجاة لانقاذ العراق

عبد الجبار الموسوي

 النتيجة الحتمية، لكل ما مر على العراق بعد نيسان 2003 من تجربة في الحكم وما رافقها من خلل واضح في ادارة الملف الامني افقد الدولة هيبتها وعرقل مسيرة بناء مؤسساتها الامنية والخدمية على حد سواء مع مستويات عالية من الفساد الاداري والمالي وتدهور كبير في الخدمات، الوصول الى السلطة باسم الاسلام وبالتالي الابتعاد في النهاية كل البعد عن تعاليمه ومبادئه.

ويبدو ان السبب الرئيس في ذلك الخصوصية التي تميز بها اسلاميو العراق عن غيرهم في تجربة المعارضة والحكم والانتقال المفاجيء من حركات واحزاب معارضة للنظام في المنفى الى قيادة شرعية منتخبة تمسك بزمام اعلى مناصب المسؤولية في الدولة والحكم بلا منافس يذكر وبدون المرور في مراحل تداول السلطة السلمي وفقدانها واستعادتها مرة اخرى، مما يغني التجربة ويكسبها الخبرة اللازمة لمواجهة اعباء الحكم والازمات المستجدة بمنطق الحكمة والعقل وتغليب المصلحة الوطنية والعامة على الولاءات والمصالح الحزبية الخاصة.

لقد شهدت بدايات التجربة ظهور ممارسات الرغبة في الاستئثار على حساب الاخر في تقبله ومشاركته، والصراع على المناصب والتهافت عليها طمعا في امتيازاتها ومزاياها والمتاجرة بدماء الشهداء وتأريخ النضال.

وقد ادت هذه الثوابت في عمل بعض الاسلاميين الى تطلع حزب الدعوة للعب الدور الرئيسي في الحكم على خلفية تأريخه ونضاله في مقارعة الديكتاتورية والاستبداد الذي لم يكن منفردا فيه بل كان بمشاركة فعلية من احزاب وحركات اسلامية اخرى، وتحقق ما اراد بعد اول انتخابات ديمقراطية في 30 كانون الثاني 2005 عندما تسلم ابراهيم الجعفري رئاسة الوزراء اثر جمود سياسي سببه اصرار حزبه على حصر منصب رئيس الوزراء بمرشحه. وحين انبرى الجعفري في خطوة جريئة، بعيد انتخابات 15  كانون الاول 2005  اعادت للاسلاميين جزءا من بريقهم، حينما سلم مسؤولية رئاسة الوزراء الى قيادة الائتلاف لم يكن ذلك كافيا حينذاك لان حالة الاستئثار على حساب الاخرين الغالبة على احد اجنحة حزب الدعوة رفضت تعميم هذه الخطوة حالة صحية في تداول السلطة داخل صفوف ومكونات الساحة الاسلامية وحصرت الصورة بمرشح بديل على ان يكون مرة اخرى من ذات الحزب.

 وبهذا ضاعت على التجربة الوليدة فرصة تأريخية في مواجهة التحديات والتجديد على المستوى الوطني طبقا لموازنات السياسة والالية الديمقراطية من جانب، وحالة التماسك الداخلي بين مكونات الاحزاب الاسلامية من جانب اخر، فالتجربة لا تخص فئة اسلامية او حزب معين دون اخر بل هي عملية شاملة لجميع الاسلاميين في الحكم والبرلمان وخارجه، لان الجميع اثناء التقييم في مركب واحد.

وفي الوقت الذي كانت جماهير الناخبين والمجتمع العراقي ذا الطبيعة والصبغة الاسلامية تنتظر الانجازات على الارض في ايقاف الدمار والمباشرة بالاعمار. كانت صراعات المناصب والتهافت عليها الشغل الشاغل لبعض الاسلاميين الذين اخذت السلطة من واقعهم اكثر مما اعطتهم، وضاعت معهم الآمال في التأسيس لبناء المجتمع الاسلامي المنشود والاهداف العليا في خدمة الجماهير والتواصل مع همومهم.

وما زاد الامر تعقيدا حالة التشتت المرافقة لحكومة السيد نوري المالكي الحالية والتي شكلت سابقة خطيرة في البناء الداخلي وعلاقات ورؤية القوى الاسلامية والكتل المنظوية. حيث ان موضوع الخلاف الداخلي – الداخلي البارز كان يحتاج الى النقاش والمعالجة السريعة في مهده من خلال تقوية الاصول وتوحيد الاهداف وتوزيع المناصب بين جميع القوى بالتساوي بعيدا عن حالات الاحتكار، اضافة الى تعزيز اصول التناغم الفكري وتفعيل الاليات بما يخدم عناصر الاستمرار والتماسك والرقي على المستوى التنطيمي والسياسي والعمل البرلماني ويوسع مدلولات العمل الموحد ويحدد الاتجاهات ويعبد الطريق وصولا الى تحقيق آمال الجماهير وتفعيل التجربة الاسلامية وعكس الصورة الايجابية في منظور تجارب الامم الديمقراطية اسوة بتجربة العدالة والتنمية في تركيا مثلا.

 ولكن، التناغم في الفكر والعمل شيء والواقع الفعلي والممارسة في السلطة شيء آخر تعكسه حالات الاستئثار والاحتكار والصراع السياسي بين مكونات الطيف الواحد لتخلق حالة من الشتات والضعف العام في الجسد الوطني عموما. وفي الوقت الذي مثلت فيه مواجهة الازمة الدائرة في مدن الجنوب العراقي سابقة خطيرة في الانجراف نحو استعمال السلاح والقمع ضد المدن العراقية دون الاستفادة مما حصل مع حكومة اياد علاوي بالفلوجة والنجف، فأن العمل من اجل الشعب العراقي وليس من اجل ولاءات من يؤثرون حزبيا هي السبيل لانقاذ البلد وحفظ تجربة الاسلاميين.

ان ازمات من هذا النوع هي المحك الحقيقي في البحث عن بدائل للوضع القائم، وان امام الاسلاميين فرصة ذهبية في طرح مغاير لما دأبوا تداوله في المرحلة الماضية يتمثل في استنتاج فكرة جديدة وبراقة، من طرح التكنوقراط الذي تكرر مرارا حلا جذابا على الساحة العراقية، اساسها التواصل والتجديد تصلح للتغيير البناء، تلك هي فكرة التكنوقراط الاسلامي بأعتبارها ضرورة وسفينة نجاة للوضع الحالي بتقسيماتها السياسية البعيدة عن العرقية والمذهبية والطائفية، عن طريق ترشيح شخصيات من الاحزاب والكتل البرلمانية والقوى والشخصيات الاسلامية التي تعمل خارجه لتشكيل مكون وزاري سمته الكفاءة العلمية والنزاهة والولاء للوطن.

واذا كان طرح التكنوقراط مرتبط بشكل او بآخر بعادل عبد المهدي كونه سياسي متدين يحمل شهادة عالية في الاقتصاد ورؤية مختلفة بمعالجة الازمات تقوم على تشجيع التنمية ومعالجة ازمات البطالة وتدوير عجلة الخدمات وعقد المؤتمرات بحضور اقليمي ودولي وشركات اعمارية عالمية لجذب انظار المستثمرين واموالهم. وعلاقات مميزة مع المرجعية الدينية ان لم يكن الاقرب اليها من سواه، وايجابية مع كافة الكتل السياسية في الطرح والمشاركة والانفتاح، وحضور بعيد عن المطالبة بالمنصب وان كان هو المرشح الدائم والرديف، وقبول عربي واقليمي وعلاقات متينة مع شخصيات سياسية غربية. فأن ذلك بعمومه يعود على العراق والاسلاميين بالنفع على مستويين: اول من خلال انقاذ الموقف المتأزم الحالي والخروج بالعراق الى بر الامان. والثاني الحفاظ على تجربة الاسلاميين من خطر ابناءها المحدق.

واخيرا، لكي لا تقع تجربة الاسلاميين العراقيين في محظور دانييل ال. بايمان الباحث الامريكي المتخصص بشؤون الجماعات الاسلامية، تستوقفنا عبارات في كتابه " انحسار ظل النبي ": ( ان التجارب التي وصل اليها الاسلاميون في السلطة ببعض الدول الاسلامية يمكنها ان تكون دليلا للنيل من الحركات الاسلامية باعتبارها تجارب فاشلة )، للتحذير والدعوة الصريحة لكافة الاسلاميين في العراق خصوصا التيار الصدري وجبهة التوافق اكثر المتضررين من الوضع السياسي الحالي للتمعن في تلك العبارة ومن ثم دعم الخيار المطروح في التكنوقراط الاسلامي والسير على نهجه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1 نيسان/2008 - 24/ربيع الاول/1429