
شبكة النبأ: يُثير التحرك الأمريكي
الذي بدأه الرئيس بوش مؤخراً تجاه عملية السلام العربية ـ الإسرائيلية،
لاسيما بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني تساؤلاً رئيسياً مفاده: إلى
أي مدى تنجح محادثات عملية السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني
في ظل عزل وإبعاد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" - المصنفة على أنها
منظمة إرهابية أمريكياً وغربيا-، والتي أضحت تتمتع بثقل سياسي بعد
فوزها بالأغلبية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية أوائل عام 2006.
وقد انقسمت الإجابات على هذا التساؤل بين تيارين، أولهما: يدعو إلى
ضرورة الالتزام الأمريكي والإسرائيلي بإبعاد وعزل حماس عن أي محادثات
سلام وهو ما تتبناه الإدارة الأمريكية، فقد أكد نائب الرئيس الأمريكي
"ديك تشيني" في ختام زيارته لإسرائيل والأراضي الفلسطينية ـ الأسبوع
الماضي ـ أن حركة حماس تسعى لنسف جهود السلام. هذا، في حين يري التيار
الأخر: ضرورة دمجها في محادثات السلام باعتبارها ذات ثقل فلسطينياً.
وفي إطار الإجابة على هذا التساؤل يعرض هذا التقرير لحوارين أجراهما
برنارد جورتزمان، من مجلس العلاقات الخارجية، مع ستيفن كوك و هنري
سيجمان. بحسب موقع تقرير واشنطن.
الحوار الأول أُجري مع ستيفن كوك، المتخصص في قضايا العالم العربي
وتركيا، والسياسة الأمريكية تجاه العالم العربي، والعلاقات المدنية
العسكرية بالعالم العربي، والصراع العربي ـ الإسرائيلي. وله خبرة
بالعمل الأكاديمي، فقد عمل محاضراً بجامعة بنسلفانيا " عام 2004، كما
عمل باحثاً بمعهد بروكينجز " في الفترة من عام 2001 إلى 2002، وبمعهد
واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في الفترة من عام 1995 إلى 1996. ومؤلف
كتاب "يُسيطر ولكن لا يحكم، التطور العسكري والاقتصادي بمصر، الجزائر،
وتركيا" وحالياً مدير مجموعة العمل التابعة لمجلس العلاقات الخارجية
المتعلقة ببحث السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الإصلاح في العالم
العربي. وهو الآن بصدد تأليف كتاب عن مستقبل العلاقات المصرية
الأمريكية.
يرى "كوك" أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أن تشذ عن الرفض
الإسرائيلي للحوار مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأن واشنطن لن
تنخرط في حوار مع حركة حماس قبل شروع تل أبيب بالحوار معها أولاً. ولذا
تجد واشنطن نفسها في مأزق برفضها دمج الحركة في الحوار الفلسطيني ـ
الإسرائيلي بخصوص عملية السلام، في الوقت الذي تُسيطر فيه على قطاع غزة،
فضلاً عن تمتعها بتأثير متزايد في الأراضي الفلسطينية على حساب السلطة
الفلسطينية بقيادة الرئيس "محمود عباس" الذي تتحاور معه واشنطن وتل
أبيب.
وفيما يلي نص المقابلة مع "كوك":
- في بداية عام 2006 ألحت الولايات المتحدة الأمريكية على السلطة
الفلسطينية إجراء انتخابات، خسرتها حركة "فتح" لصالح نظيرتها "حماس"،
التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها جماعة إرهابية، ومنذ ذلك الوقت
ترفض واشنطن وتل أبيب الحوار مع حركة (حماس). هل ترى أنه قد حان الوقت
لانتهاج سياسة بديلة؟
في البداية، هناك عدة أخطاء تجدر الإشارة إليها تتمثل في: دفع
الفلسطينيين إلى إجراء انتخابات هم غير مستعدين لها. فأي شخص على دراية
بالأوضاع على أرض الواقع يعرف جيداً أن حركة فتح لم تكن بالقوة التي
تُؤهلها لخوض تلك الانتخابات. لذا حصلت حركة حماس على أغلبية المقاعد
بالمجلس التشريعي الفلسطيني؛ مما خولها تشكيل الحكومة.
وفي أعقاب ذلك، أري أن سياسة عزل حماس كانت سياسة ناجحة. فحماس حركة
إرهابية تريد محو (إزالة) إسرائيل من على الخريطة، فميثاق الحركة يُؤكد
على تلك القضية. فهي المسئولة عن وفاة العديد من الإسرائيليين
بعملياتها الإرهابية. ولكن هذا نصف السياسة التي يجب على الولايات
المتحدة وإسرائيل انتهاجها. فعليهما بجانب عزل الحركة مساندة السلطة
الفلسطينية بقيادة الرئيس "محمود عباس" بطرق متعددة منها: الإفراج عن
الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، والسماح
بالحركة داخل الضفة الغربية، والإفراج عن النساء والأطفال من السجون
الإسرائيلية.
وبعد سيطرة حماس على قطاع غزة في يونيو (حزيران) الماضي (2007) توجب
الإسراع في تنفيذ ما سبق الإشارة إليه من تدعيم رئيس السلطة الفلسطينية
والإفراج عن الأموال والنساء؛ للإثبات أن خيار التفاوض الذي ينتهجه
محمود عباس أفضل من أسلوب المواجهة الذي تنتهجه حركة حماس.
- في الأسابيع الأخيرة تزايدت المواجهات العسكرية بين القوات
الإسرائيلية وحركة حماس بقطاع غزة الذي تسيطر عليه الأخيرة. ومصر
حالياً تلعب دور الوسيط بين الجانبين (إسرائيل وحركة حماس). هل تعتقد
أن تلك الجهود سوف تفضي إلى نتائج؟
من غير الواضح أن الموقف المصري سيفضي إلى أي تقدم؛ طالما أن هناك
انقسام سياسي وجغرافي بين الفلسطينيين. فالقاهرة منذ فترة طويلة تلعب
دور الوسيط بين حركتي فتح وحماس. وهي في موقع متميز للعب دور الوسيط من
أجل الوصول إلى حكومة وحدة وطنية جديدة بين حماس وحركة فتح بقيادة
محمود عباس. وربما تنجح القاهرة، ولكني أشك بالنظر إلى ما يحدث على أرض
الواقع حالياً، على الأقل في إحراز تقدم تجاه تكوين حكومة وحدة وطنية
جديدة. ومن المحتمل أن يمتنع الإسرائيليون عن استمرار المفاوضات مع
عباس.
فقد قالت إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة والرباعية الدولية
(الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي،) أنه
يتوجب على حركة حماس التراجع عن لاءاتها الثلاثة: الاعتراف بإسرائيل،
وإلقاء السلاح (التخلي عن العنف والقوة المسلحة)، والاعتراف
بالاتفاقيات السابقة قبل الحوار معها. وهو ما ترفضه الحركة، فليس هناك
مؤشر على قيام حماس بتلك الشروط الثلاثة التي تسبق الحوار. وفي حالة
تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تضم حركة حماس، فإن ذلك يعني الرجوع إلى
حالة الجمود في المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية؛ لرفض تل أبيب
التفاوض مع الحركة أو حكومة تضم عناصر من حركة حماس.
- وماذا عن الدور المصري؟
تسعى القاهرة إلى وقف إطلاق النار بسعيها إلى تجميع الفرقاء
الفلسطينيين (حماس وفتح) معاً على طاولة المفاوضات. ونظرياً لن يكون
هناك عنف، ولكن خلال الستة أسابيع الماضية أو أكثر لم يكن هناك عدد
كبير من العمليات المسلحة، فقد دخلت حماس في وقف إطلاق النار أحادي
الجانب. وصواريخ القسام التي تتساقط على بلدة "سيدورت" الإسرائيلية
تطلقها الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى التابعتين لحركة فتح. ولكن
إسرائيل أخذت موقفاً رافضاً للتعامل مع حماس لأنها تتبني هدف محو
وتدمير إسرائيل.
- هل تعتقد أن موقف حماس يمكن أن يتبدل، أم أنه من الصعب تغيره؟
حركة حماس ليست منظمة متماسكة أو متراصة، حيث هناك انقسام بين
الفصائل المنضوية تحت لوائها، فهناك من يرفض الحوار مع إسرائيل، في حين
تشير بعض المؤشرات إلى وجود فصائل تبحث عن حلول مبتكرة للتحاور مع تل
أبيب، ولكنهم في الوقت ذاته يتبنون مبدأ تدمير إسرائيل للحفاظ على
مكاسبهم ووجودهم السياسي فلسطينياً، فتدمير إسرائيل من المبادئ الحاكمة
لحركة حماس. وفي حال تخليهم عن هذا المبدأ الحاكم فإنهم سيكونون محل
انتقاد وهجوم من أولئك الذين يؤمنون بإخلاص في الكفاح المسلح.
- حالياً الولايات المتحدة تتعامل مع مصر. وبذلك لدينا الولايات
المتحدة وإسرائيل اللتين تتحدثان مع المصريين الساعين إلى الحوار مع
حركة حماس؛ من أجل الوصول إلى وقف نهائي لإطلاق النار. ماذا تطلب حماس
للرجوع (لوقف إطلاق النار والحوار والالتزام بالشروط الثلاثة السابق
الإشارة إليها التي تسبق الحوار)؟ هل يريدون إعادة فتح معبر رفح؟
إنهم يريدون تغيير الوضع القائم للمعابر، ويريدون الاعتراف بهم
كحكومة شرعية للشعب الفلسطيني. ولا يعترفون بحل الرئيس محمود عباس
الحكومة، باعتباره أنه أمر غير شرعي. وعلى الرغم من رفض إسرائيل رسمياً
الحوار مع حماس، إلا أن هناك بعض الشخصيات البارزة في إسرائيل تؤكد أنه
لا خيار لدي إسرائيل إلا الدخول في حوار مع الحركة على الأقل؛ لاستكشاف
ما يمكن أن يحدث. وحالياً هناك تقارير عن القناة الخلفية بين إسرائيل
وحماس عن طريق مصر وهي التي يمكن أن تستمر.
ولكن حماس تريد تغيراً في الوضع القائم للمعابر الحدودية، بما
يمكنها من فرض سيطرتها على تلك المعابر، ثم إبطال قرار الرئيس محمود
عباس بحل حكومة حماس. فحماس تنطلق من أن الولايات المتحدة وإسرائيل
تتحاوران مع حكومة غير شرعية بقيادة سلام فياض الذي نعترف به كرئيس
وزراء.
- الولايات المتحدة تضغط بقوة لإحراز تقدم في المحادثات الفلسطينية
ـ الإسرائيلية، ولذا فعندما سيذهب الرئيس بوش إلى إسرائيل في مايو
(أيار) القادم (2008) سوف يكون هناك عرض ما، أليس كذلك؟
ربما تكون الإجابة بنعم، حيث سيكون هناك دفعاً لإحراز شيئاً عند
زيارة الرئيس الأمريكي بوش لإسرائيل في الذكري السنوية الستين
لإنشائها، مرة أخري هذا جزءاً من إستراتيجية فطنت إليها مؤخراً لدعم
عباس، بناءاً على نظرية أن التضييق على حماس وخنقها، في الوقت الذي
ينجح فيه عباس في إدارة الضفة الغربية سوف يُفقد حماس الدعم الشعبي،
والذي يقوض من وضعيتها وتأثيرها فلسطينياً،ً وانتقال التأييد الشعبي
إلى الرئيس الفلسطيني "محمود عباس".
وعلى الرغم من التقارير التي تتحدث عن تبدد الدعم الذي كانت تتمتع
به حركة حماس إلا أنه لا يوجد أي دليل على أن السكان الفلسطينيين في
غزة ضد حكم حماس. حيث أنهم ينزعون أوقات الأزمات إلى الالتفاف حول
أولئك الذين تحت الضغط. وحماس حالياً تحت ضغط في غزة. في الآونة
الأخيرة يُظهر استطلاع قام به معهد خليل شقاقي، أن هناك موجة من الدعم
لحماس.
في المقام الأول، هذا بسبب الضغوط الإسرائيلية المفروضة على حماس.
فهناك فلسطينيين لا يدعمون العنف، لكنهم يقولون "حسنا ما لدينا أي
خيار؟"، لذلك يدعمون حماس.
أنها معضلة حقيقة، وهذا يذكرني عندما كانت واشنطن وتل أبيب ترغبان
في التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولم يحدث تقدم إلا بعد حدوث
انجاز بعد حرب الخليج الأولى.
- أليس هناك فرصة لتعامل الإدارة الأمريكية مع حركة حماس؟.
يبدو لي أنها فرصة محفوفة بالمخاطر لأي إدارة أمريكية تغرد خارج
السرب الإسرائيلي بشأن قضية التعامل مع حركة حماس. وبالتأكيد فإن
الإدارة ستتبع ما يريده الإسرائيليون وما قرروا القيام به في نهاية
المطاف. ولكنها ليست على اتفاق مستمر مع الإسرائيليين بشأن تلك القضية.
فخلال سنوات حظر الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية كانت هناك جهوداً
من جانب الإدارات الأمريكية لاستكشاف المنظمة، ولكن تلك الجهود تم
التراجع عنها بشكل سريع.
سيجمان: ليس سراً أن واشنطن حاولت
الإطاحة بحماس
بينما يرى هنري سيجمان أنه، لن تنجح مفاوضات السلام بين الجانبين
الفلسطيني والإسرائيلي بدون إدماج حركة حماس في تلك المفاوضات. ويضيف
أن الفرضية الأمريكية والإسرائيلية بعزل حماس وعدم الحوار معها سيفضي
إلى عملية سلام ناجحة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، فرضية خيالية
ليست صحيحة. وأن هذا لن يتحقق لأنه لا يمكن تحقيق أي تقدم في عملية
السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بدون حماس؛ باعتبارها فاعل له
وزنه وتأثيره فلسطينياً.
وهنري سيجمان " متخصص في عملية السلام بمنطقة الشرق الأوسط،
والعلاقات العربية ـ الإسرائيلية والسياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق
الأوسط. فقد عمل مديراً تنفيذياً لمجلس اليهود الأمريكيين للفترة من
1978 إلى 1994، ومؤسس وباحث بمركز دراسة روكيفيلر بايطاليا عام 1992،
وكذلك مؤسس اللجنة اليهودية العالمية لاستشارات بين الأديان عام 1968،
ومدير الرابطة الأمريكية للدراسات الشرق أوسطية ومحرر بدورية الدراسات
الشرق الأوسطية من عام 1958 إلى 1963. وكان مدير برنامج الولايات
المتحدة ـ الشرق الأوسط التابع لمجلس العلاقات الخارجية (CFR).
يعرض تقرير واشنطن نص حوار أجراه معه الزميل برنارد غويرتزمان من
مجلس العلاقات الخارجية، وفيما يلي نص المقابلة:
- مع استمرار القتال بين حماس وإسرائيل، ومع وفاة أكثر من مائة من
الفلسطينيين والقليل من الإسرائيليين خلال الأسابيع الماضية. هل تعتقد
أن الطرق الدبلوماسية من أجل الوصول إلى وقف إطلاق النار من الممكن أن
تفضي إلى محادثات سلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تحت قيادة محمود
عباس زعيم فتح؟
لا أعتقد أن المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية ممكن أن تفضي إلى شيء
بدون إيجاد طريقة لدمج حماس ـ التي تشكل حكومة تمثل نصف الشعب
الفلسطيني ـ في تلك المحادثات، حيث لا يمكن أن تحقق سلاماً مع نصف
الشعب وأن تكون في حالة قتال وصراع مع النصف الأخر. فالفرضية الأمريكية
والإسرائيلية بأن عزل حماس من أي محادثات سلام بين الجانبين الفلسطيني
والإسرائيلي سوف تفضي إلى سلام حقيقي فرضية خيالية، ولا يمكن تطبيقها
على أرض الواقع.
- السؤال هو هل يمكن إقناع الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية
بالسماح لحركة حماس بالمشاركة في عملية السلام؟ وهل ستشارك حماس إذا
سمح لها؟
حسنا دعنا نرجع إلى الوراء قليلاً، بعد تشكيل حكومة وطنية في مطلع
عام 2007، بناءاً على اتفاق مكة برعاية السعودية، وحتى قبل ذلك، عندما
كانت هناك محادثات بين حركتي فتح وحماس حول إمكانية تشكيل مثل تلك
الحكومة، أوضحت حماس أنه على الرغم من أنها لن تشارك في مثل تلك
الجلسات إلا أنها لم تكن تعترض على إجراء محادثات من هذا القبيل، أو
على عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية وحركة فتح، وإجراء تلك المفاوضات.
لذا لم يكن هناك عائقاً لعملية السلام أن تمضي قدماً، وخصوصاً منذ أن
التزمت حماس بطرح أي اتفاق يُحقق مع إسرائيل للاستفتاء العام، كما
التزمت حماس بنتائج هذا الاستفتاء. ففرضية أنه لا يمكن تحقيق تقدم في
محادثات سلام طالما حماس في الحكومة فرضية غير صحيحة.
- هل أنت مع التحليل الذي جاء في مجلة "فانيتي فير" (Vanity Fair)
القائل أن الولايات المتحدة خططت مع حركة فتح لإحداث انقلاب في غزة،
والتخلص من حماس، والذي أخفق مما أدي إلي المواجهات والتصادم بين
الحركتين (حماس وفتح)؟
المرء لا يحتاج إلى مقالات تحقيقيه للتوصل إلى تلك المقاربة التي
خلصت إليها مجلة "فانيتي فير". وليس سراً على الإطلاق أن الحكومة
الأمريكية أعلنت عن رغبتها منذ البداية في تدعيم القوي العسكرية
التابعة لعباس، فقد عينت جنرالاً أمريكياً ليكون مسئولاً عن برنامج دعم
تلك القوي العسكرية، وتوفير المخصصات المالية للتدريب والمعدات، وتسليح
هؤلاء الأفراد. وقالت علناً أن الغرض من هذا البرنامج تدعيم وتسليح تلك
القوي لتكون أكثر قدرة على مواجهة حماس والإطاحة بها من الحكومة وهذا
لم يكن سراً. أنا لم أرى أن الحكومة الأمريكية قد أعلنت صراحة أنها
تريد من حركة فتح إسقاط نظيرتها حماس من الحكومة.
نعم، إنهم أعلنوا عن ذلك صراحة. ما حدث بعد ذلك كان بتوجيه من "محمد
دحلان" مستشار الأمن القومي للرئيس عباس حينذاك، فقد وُجهت تعليمات
لميليشيات فتح بالهجوم على حركة حماس، وخلق حالة من الفوضى من شأنها
السماح لقوات الأمن التابعة لعباس من الدخول وإبداء الرغبة في الحفاظ
على الأمن بغزة، وتولي زمام الحكم.
- متى اتخذ هذا القرار؟
القرار حسب المقالة ـ مقالة فانيتي فير ـ أُخذ فوراً بعد انتخابات
يناير 2006. وكما تقول مجلة فانيتي فير أعضاء من وزارة الخارجية
الأمريكية والبيت الأبيض كانوا مصدومون من نتائج تلك الانتخابات. فقد
فازت حماس بالأغلبية (انتخبت بأغلبية ساحقة) في حين خسرت فتح. وفي هذا
الوقت كانت حماس تراقب إعلانها وقف إطلاق النار. فلم تطلق الصورايخ أو
تدخل في عمليات العنف ضد إسرائيل. إن هذا لأن الكثير من الشعب
الفلسطيني كان لدية انطباع أن تم الإطاحة بحماس لشيء يتصل بمنهج حماس
المتبني للعنف وهذا ليس صحيحاً، ففي هذا الوقت أُتخذ القرار وكان هناك
وقف لإطلاق نار من جانب حركة حماس لمدة عام ونصف.
- بالنظر إلى الحالة الراهنة، واستئناف المحادثات بين عباس ورئيس
الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، هل من شأنه هذا أن يفضي إلى شيء؟
إنه لن يفضي إلى شيء لسببين، أولهما: أن المسئولين الأمريكيين
والإسرائيليين لا يدركون ما يمكن أن يوافق عليه محمود عباس. إنهما
يرونه على أنه قيادة معتدلة لمعارضته عنف الانتفاضة الثانية (2000).
فهو دائما يقول إنها ليست الطريقة المثلي التي يستطيع من خلالها أن
يحقق الفلسطينيون هدفهم القومي. ولكن هذا على وجه التحديد لمعارضته
العنف، فهو ليس في وضع يسمح له ـ لاسيما وأنه على خلاف مع حركة حماس ـ
تقديم أي نوع من التنازلات الكبيرة في الموقف الفلسطيني. فلا توجد
طريقة يحصل من خلالها الإسرائيليون على موافقته على ما يرونه أنه أدني
من الخطوط الحمراء. وبدون مشاركة حماس لن يستطيع عباس التوصل مع نظرائه
الإسرائيليين إلى اتفاق حول قضية اللاجئين والقدس، وبالتأكيد على تسوية
المسائل الحدودية، وتلك القضايا تشكل قضايا الحل الدائم والنهائي بين
الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
أما السبب الثاني: فيتمثل كما رأينا خلال الأسبوع أو الأسبوعيين
الماضيين أن الحركة تستطيع نسف أي مفاوضات، بانخراطها في أي لحظة في
العنف. وإذا رأت حماس أن هناك عملية جارية تهدف إلى استبعادها وتهميشها
وفي نهاية المطاف إسقاطها، فإنها لن تسمح بالمضي قدماً في مثل تلك
العملية.
- سوف تترك الإدارة الأمريكية البيت الأبيض خلال عشرة أشهر.
والحكومة الإسرائيلية ضعيفة إلى حد ما لائتلافها الحكومي الهش. وكل من
الولايات المتحدة وإسرائيل يرفض التعامل والحوار مع حركة حماس. كيف يتم
التغلب على هذا؟ هل ننتظر حتى يأتي رئيس جديد؟
ليس هناك خيار، ولكن لننتظر رئيس جديد لأنه في الوقت الراهن بدون
إيجاد حل للتعامل مع حركة حماس لن تنجح عملية السلام. الرئيس "جورج
بوش" لن يغير عقله أو منطلقاته. وعلى الأقل هذا ما قيل لي من المقربين
إليه ومن يتصلون ويتحدثون معه في هذه المسألة. فهو على قناعة بأن حماس
جزءاً من محور الشر. وأن هؤلاء ذو خلفية مماثلة لتلك التي يقوم عليها
تنظيم القاعدة الداعم والداعي للجهاد العالمي في كل أنحاء العالم،
وتطبيق الخلاف وما إلى ذلك.
في واقع الأمر قناعات الرئيس الأمريكي "جورج بوش" بشأن حركة حماس
بعيدة عن الحقيقية، والحقيقة أن حركة حماس وتنظيم القاعدة على خلاف تام
(على طرفي نقيض)، وهما على ذلك منذ نشأتهما. القاعدة لا تؤمن بحركات
التحرر الوطني ذات الطبيعة القومية. فهي (القاعدة) تؤمن بالعودة
والرجوع الديني إلى إقامة الخلافة الإسلامية على كل الأراضي الإسلامية.
فالقاعدة ترفض فكرة فلسطين القومية وما شابه ذلك، وأنها ليست متعاطفة
مع حماس. وحماس تبرأت ورفضت في أكثر من محفل خطابات وتصريحات قادة
التنظيم بخصوص الحركات الفلسطينية.
- ماذا عن الإسرائيليين؟ الإسرائيليون يعرفون حماس جيداً. هل تعتقد
أن الإسرائيليين يفضلون الحوار مع حماس على الرغم من أنها لا تعترف
بإسرائيل؟
حسناً يظهر استطلاع للرأي بصحيفة هآرتس (Haaretz) العبرية أن نسبة
كبيرة من الإسرائيليين يريدون حكوماتهم أن تتحاور مع حركة المقاومة
الإسلامية (حماس)؛ لأنهم على قناعة أنه لا يمكن تحقيق سلام بدون حركة
حماس. فقد أبلغني أشخاص على دراية ببواطن الأمور بتل أبيب أن رئيس
الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وعدد من أفراد حكوماته لديهم رغبة في
التعامل مع الحركة. وهم يعدون للرد على مطالب حماس للدخول في هدنة
واستغلال تلك الهدنة في إعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم حركتي حماس
وفتح، ولكن هناك رفض أمريكي صلب من الصعب التنازل عنه لشيء من هذا
القبيل (أي للحوار مع حركة حماس باعتبار أنها منظمة إرهابية حسب
التصنيف الأمريكي والغربي).
- هل تتابع أي من الحملات الانتخابية الحالية؟، هل أي من المرشحين
يُظهر سياسة (توجه) غير الذي تتبعه الإدارة الحالية؟
لم يقل أي من المرشحين شيء في هذا الصدد، إلا بعض التصريحات التي لا
تعبر عن موقفهم المستقبلي، فهم يعبرون بكلمات عامة عن الالتزام الكامل
بأمن إسرائيل. وأنا لا أعرف ما هو موقفهم الحقيقي حيال وصولهم للبيت
الأبيض للتعامل مع تلك المشكلة.
بعض مستشاريهم ـ إذا ظل لهم تأثير بعد وصول المرشح إلى البيت الأبيض
ـ لديهم رؤى أقل تشدداً، وبالتأكيد مختلفة عن تلك التي يعتنقها بوش
وأفراد إدارته. والذي يعني تغيير الوضع كليا في نهاية المطاف، ليس
السماح بل تشجيع القيادة الإسرائيلية للدخول في محادثات مع حركة حماس،
والتعامل مع تصاعد العنف في غزة ليس بالقوة العسكرية ولكن بالطرق
الدبلوماسية. ولكن يجب الانتظار لحين وصول قيادة جديدة إلى البيت
الأبيض.
- هل تعتقد أن المصريين قد ينجحوا في الوصول إلى هدنة في الوقت
الراهن؟، فهم يتحاورون مع حماس من أجل الوصول إلى تلك الهدنة، ويقومون
بدور المفاوض البديل مع إسرائيل؟
المصريون يلعبون دوراً ـ بدون نتائج مؤثرة ـ منذ أسر الجندي
الإسرائيلي "جلعاد شاليط" ـ الذي أسرته جماعات مسلحة فلسطينية بغزة منذ
عام ونصف ـ . فهم يحاولون صياغة مجموعة من الخيارات التي تمكن الفرقاء
من الوصول إلى هدنة وإجراء تبادل الأسري. وحتى الآن لم تتوصل القاهرة
إلى حل. وأنه من الصعب القول أنهم قد يستطيعون الوصول إلى حل، والتقدم
في المحادثات، لاسيما بعد تعقد الأمور هناك بعد إضافة قضية الحدود
المشتركة بين مصر وقطاع غزة. فالإسرائيليون يريدون إغلاقها مرة ثانية
كما كانت عليه من قبل، والذي يمثل صعوبة للحكومة المصرية؛ لأن الشعب
المصري يري أن حكومته متواطئة مع الحكومة الإسرائيلية في تشديد الحصار
على سكان قطاع غزة. وأنه من الصعوبة بمكان الوصول لحل فيما يتعلق بتلك
القضية التي لم تُعرض بشكل كافي.
- يُردد الإسرائيليون حالياً أن حركة حماس تستخدم صورايخ مصنعة في
إيران لضرب عسقلان. هل تعتقد أن إيران متورطة حالياً في دعم الحركة؟
إيران وحماس ليستا حلفاء طبيعيون. فحماس سنية على عكس حزب الله
الشيعي الحليف الطبيعي لإيرانيين. فحماس تحارب وتكافح كما نرى، من أجل
بقائها. لذا فإنها في مثل تلك الظروف تقبل الدعم من أي قوى راغبة في
تدعيمها. وليس هناك دليل، على حد علمي، أنها قبلت هذا الدعم تحت مسمى
تابع لإيران. فعندما رغبت طهران في تنظيم لقاء لمعارضة مؤتمر السلام
بمنطقة الشرق الأوسط في نوفمبر الماضي (2007) ـ مؤتمر أنابوليس ـ
برعاية أمريكية رفضت حماس الحضور مما دفع الجانب الإيراني إلى إلغاء
خططه. |